المجموع : 5
بَعَثْتَ به حَنَانًا أَمْ جِنانا
بَعَثْتَ به حَنَانًا أَمْ جِنانا / وصُلْتَ بهِ لِسانًا أَم سِنانا
وقلَّدْتَ الطُّروسَ به كلاماً / يُفَصَّلُ في التَّرائِبِ أَم جُمَانا
قريضٌ زارَ بل روضٌ أَرِيضٌ / فآتانا المحاسِنَ إِذ أَتانا
نُعانِي أَو نعايِنُ منه لفظاً / مُعاناً بالبلاغة لا مُعانَى
يَروعُ وقد يروقُ فأَيُّ بِيضٍ / تَذَكِّرُنا القيونَ أَوِ القِيانا
قرأْنا من محاسِنِها فنوناً / وكِدْنا أَن نُسَمِّيهَا قُرَانا
شرائِعُ مُوجِباتٌ أَن تُدَانَا / بدائِعُ مانِعاتٌ أَنْ تُدانَى
فلو حَسَّانُ فازَ بها لَحلَّى / بجوهَرِها قلائِدَهُ الحِسانا
ولو رامَ ابْنُ هانِىٍءٍ اتِّصالاً / بصعب مَرَامِها يوماً لهانا
ولو أَنِّي أَطَقْتُ أَطَلْتُ قولي / فلم أَتْرُكْ فلاناً أَو فلانا
أَبا حَسَنٍ ملَكْتَ الحُسْنَ طُرًّا / فأَسْقِطْ شانِياً أَوْ فَاعْلُ شَانا
نَصَبْتَ على صِقِلِّيَةٍ لواءً / هَدَانا في دُجَى خطبٍ دَهانا
بدا عَلَمًا فكنتَ عليه نارًا / ولولا الحِلْمُ سَمَّيْتُ الدُّخانا
وكم رُزِقَ المكانَةَ من أُناسٍ / لَوِ اختيروا لما وَجَدوا مكانا
فديتُكَ من خليلِ لي خليلٍ / كُفيتُ به الزَّمانَةَ والزَّمانا
وقد شاهَدْتُ إِخوانًا ولكِنْ / هُمُ الإِخوانُ إِن نظروا الخِوانا
وكم من تَسْكُنُ الأَجفانُ منه / إِذا أَسكنته منك الجِفانا
خليليّ اتركا ما تعدُلاني
خليليّ اتركا ما تعدُلاني / عليه وانظُرا ظبياً سَباني
فإني مستهامٌ ذو اكتئاب / حليفُ الحزنِ مسلوب الأماني
برى جسمي ومالي منه روحٌ / به ربي تعالى قد حَباني
فرحي من شقائي في مكانٍ / وجسمي مثل روحي في مكانِ
ولما زادَ ما بي من هواهُ / وألبسَ مهجتي ثوبَ الهوانِ
وكدتُ أذوبُ من وجدي عليه / ويرحمُني لذلك من رآني
ويرثي لي العدوّ بظهر غيبٍ / رجعتُ الى الذي قِدْماً بَراني
وأكثرتُ الدعاءَ عسى بفضلٍ / ومنّ منه يصلحُ كلُّ شان
ويلهمُني رشادي فهو ربُّ / رؤوفٌ بالبريّة ذو امتنانِ
وقلتُ لرفقتي هل لي سلوٌّ / عن الحاظٍ عمْراً دهاني
فقالوا بالأجلّ الحبرِ تسلو / وصدرٍ ما له في العصر ثاني
إمامٌ حافظٌ علمٌ فقيهٌ / نبيهٌ ساد في كلِّ المعاني
له ذِكْرٌ علا فوق الثريا / وجاهٌ من ذوي الحاجاتِ داني
وجودٌ بالذي ملكَتْ يداهُ / لعافٍ قد أتاه وفكّ عانِ
وفي الآدابِ قد أضحى وحيداً / وفي علمِ الحديثِ فلا يُداني
وإن ألقى الدروس فلا يجارَى / فدعْ ذكرى فلانٍ أو فلانِ
يفسّرُ ما يقولُ بلا اكتراثٍ / بأفصح ما يكون من البيان
فمَنْ قسّ ومن سحبانُ أيضاً / متى ذكروه في نُطْقِ اللسانِ
ومن عَمرو بن بحرٍ أو سواهُ / لديه في التصانيفِ الحِسان
وفي نظمِ القريضِ فمَنْ حبيبٌ / وبشارُ بنُ بردٍ وابنُ هاني
ومَن قرأ العلوم عليه أضحى / كنتَسِبٍ الى عبدِ المَدانِ
لفضلٍ قد حكاهُ وصار فيه / سريع الردّ عند الامتحان
ومن والاه أُلْبسَ ثوبَ عز / وصار من الحوادث في أمان
ومن عاداهُ ذلّ بلا ارتيابٍ / وصار حليفَ خوفٍ وامتهانِ
فلا زال العلاءُ له قريناً / قريباً منه في كل الأوانِ
ويبقى ملجأً للناس طرّاً / وكهفاً للأقاصي والأداني
وعاش مهنّأً في كل عيدٍ / على رغم العدى طول الزمانِ
هناك العيدُ وهو الآن أولى
هناك العيدُ وهو الآن أولى / وأجدرُ أن تكون به المُهَنّا
فقابلْ يُمنَه في ظلّ مُلْكٍ / غدا لك باسطاً باليُمنِ يُمْنى
وأطلعَ من كؤوسِ الراحِ شُهْباً / ومُزْناً من دخانِ النّدِ دَجْنا
ويومُك فوق أمسكَ في سُرورِ / لبستَ برودَهُ دعَةً وأمنا
ومسمَعُهُ تظنّ العودَ مما / يطاوعُها إذا غنّتْ تغنّى
فناؤكَ وهو يا رضوانُ عدْنٌ / يذُمّ لأجله رضوانُ عَدْنا
طليعةُ جيشكَ النصرُ المبينُ
طليعةُ جيشكَ النصرُ المبينُ / ورائدُ عزمكَ الفتحُ اليقينُ
وحيثُ حللتَ فالراياتُ تهفو / عليك وتحتها الرأيُ الرصينُ
وما ينفكّ ذو عِرْضٍ مُباحٍ / يبيتُ وراءه عرضٌ مَصونُ
لك الأعطاءُ والأعطابُ تُجرى / بأمرِهِما الأماني والمنونُ
ومنك اليُسْرُ يُطلِقُهُ يسارٌ / ومنكَ اليُمنُ يوقفُه يَمينُ
أقرّتْ حين صُلْتَ لك الأعادي / وقرّتْ إذا وصلتَ بك العيونُ
فإن يُعقَدْ على بغيٍ ضميرٌ / فأنت بحلِّ عقدتِه ضَمينُ
يجرّدُ لا يُبلُّ لها عِذارٌ / وملدٌ لا يُبلّ بها طَعينُ
وبيضٌ في سَوادِ النقْع تَهوي / وليس هُما الوجومُ ولا الدُجونُ
عَرينَ بكفِّ كلّ هزَبْرِ حربٍ / من الأسَلِ الطوالِ له عَرينُ
إذا غنّتْ على الهاماتِ قُلنا / أعَلّمَها القيانُ أم القُيونُ
بحيثُ الخيرُ في أعرافِ خيلٍ / كمثلِ الدوحِ والسُمْرُ الغصونُ
أكبّتْ فالحُزونُ لها سهولٌ / وشبّتْ فالسهولُ لها حُزونُ
هي الأوعالُ في الأوعارِ تجري / وأرماحُ القُرومِ لها قُرونُ
صقورٌ إن هوَتْ والقافُ فاءٌ / إذا ما وُقّفَتْ والراءُ نونُ
تقدَّمَها شُجاعٌ من شُجاعٍ / هو البطلُ الكميُّ بل الكَمينُ
وقامَ لها أبو الفتحِ المُعلّى / بأمرِ الفتحِ وهو به قَمينُ
وفي الحربِ الزّبونِ مُتاجَراتٌ / له خُسْرانُها وهو الزّبونُ
وتابعُهُ وبائعُهُ أناسٌ / يمينُ وفيهُمُ أبداً يَمينُ
وما بسَطوا له إلا شِمالاً / فكيف يصُحُّ بينهمُ يَمينُ
أظنّوا أن مُلكَ عزيزِ مِصْرٍ / يهولُ سواهمُ ولهم يَهونُ
وهم عرَفوهُ في بلبيسَ لمّا / تلَوْا لقراعةٍ بئسَ القرينُ
فأبْلسَ بين أحشاءٍ جنينٌ / وعُثِّر فوق أقدامٍ جبينُ
وقد عادوا وذاك العودُ صُلْبٌ / وذاك العودُ هدّارٌ حرونُ
وذاك الصارمُ المسلولُ فيهمْ / كما هو لم تحجِّبْهُ الجُفونُ
ولما حان من قومٍ طغاةٍ / حِمامٌ حثّهُ قدَرٌ وحِينُ
نهضتَ إليهُمُ بسكونِ جأشٍ / يطيشُ له السكاسِكُ والسَّكونُ
وأشرقَتِ الفضاءُ بجيشِ نصرٍ / يجيشُ كأنّهُ الطامي المَعينُ
تُديرُ السُمْرُ فيه عيونُ زرقٌ / ينوبُ عن الفتورِ بها الفُتونُ
لها عُقبانُ أعلامٍ سَوامٍ / يكونُ من النُحورِ لها وُكونُ
ملأن عليهمُ الآفاقَ بيضاً / أساريرُ الرّدى فيهنّ جُونُ
فما اعتدّتْ بجُملتها صفوفٌ / ولا احتدّتْ لضمّتِها صَفونُ
الى أن نابَ عنك الرعبُ فيهِمْ / ففرّقَهُم كما افترقَتْ ظُنونُ
ففرّوا والسجونُ بهم فضاءٌ / وقرّوا والفضاءُ لهم سُجونُ
ونالهُم بسيفِ النيلِ سيفٌ / به للدِّينِ قد قضيتْ دُيونُ
وخانَتْهُم ولا أسَفٌ عليهمْ / غداةَ وفَتْ بذمّتكَ السَفينُ
فأنْبتَتِ المواردَ من دماءٍ / يفيضُ بها وريدٌ أو وَتينُ
وكانوا باكرين وهمْ رؤوسٌ / فصاروا رائحين وهم كرينُ
ليَهْنِكَ أنّه فتحٌ مُبيرٌ / منيرٌ في مطالعِه مُبينُ
ولما صحّ أنّ الله راضٍ / بفعلِك سحّ عارضُه الهَتونُ
يشدُّ على البِطان به حِزامٌ / ويقلَقُ في معاقدِه وضينُ
وتهتزّ السقايةُ والمُصلّى / ويبتسمُ المحصَّبُ والحُجونُ
إذا اشتدّ الهجانُ الى محلّ / تقاصرَ دون مرْماهُ الهَجينُ
حللْنا من ذُراك بربعِ مَلْكٍ / هو المأمونُ والبلدُ الأمينُ
لنا من فعلِه دَرٌّ نَميرٌ / ومن أقواله دُرّ ثَمينُ
فلا عبرَتْ بساحتِه الليالي / ولا عثرَ الزمانُ بها الخَؤونُ
وأشعثَ مثلُ أهلِ النارِ ثاوٍ
وأشعثَ مثلُ أهلِ النارِ ثاوٍ / بأخضرَ كلُّ شطٍّ منهُ جَنّهْ
على يُمناهُ أحداقٌ صغارٌ / ترامى الماءُ عنها قد أجنّهْ
فيُرسلُها إليه وهي درعٌ / وتأتيهِ وقد مُلئتْ أسنّهْ