ثَكِلْتُ طوائِفَ المُسْتَخْدَمِينا
ثَكِلْتُ طوائِفَ المُسْتَخْدَمِينا / فَلَمْ أَرَ فِيهمُ رَجُلاً أَمِينا
فَخُذْ أَخْبَارَهُمْ مَنِّي شِفاهاً / وَأنْظِرْني لأُخْبِرُكَ اليَقِينا
فَقَدْ عَاشَرْتُهُمْ وَلَبِثْتُ فِيهمْ / مَعَ التَّجْرِيبِ مِنْ عُمْرِي سِنينا
حَوَتْ بُلْبُيْسُ طائِفَةً لُصُوصاً / عَدَلْتُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ مِئِينا
فُرَيْجِي والصَّفِيَّ وَصاحِبَيْهِ / أبَا يَقْطُونَ والنَّشْوَ السَّمِينا
فَكُتَّابُ الشَّمالِ هُمُ جَمِيعاً / فلا صَحِبَتْ شِمالُهُمُ اليَمِينا
وَقَدْ سَرقُوا الْغِلالَ وما عَلِمْنا / كما سَرَقَتْ بَنُو سَيْفِ الجُرُونا
وَكَيفَ يُلاَمُ فُسَّاقُ النَّصارَى / إذَا خانَتْ عُدُولُ المُسْلِمينا
وَجُلُّ النَّاسِ خُوَّانٌ وَلكِنْ / أُناسٌ مِنْهُمْ لا يَسْتُرُونا
وَلَوْلا ذَاكَ مَا لَبِسُوا حَرِيراً / ولا شَرِبُوا خُمُورَ الأنْدَرِينا
ولا رَبُّوا مِنَ الْمُرْدانِ قَوْماً / كَأَغْصانٍ يَقُمْنَ وَيَنْحَنِينا
وَقَدْ طَلَعَتْ لِبَعْضِهِمُ ذُقُونٌ / ولكِنْ بَعْدَ ما نَتَفُوا ذُقونا
بأيِّ أَمَانةٍ وبِأيِّ ضَبْطٍ / أَرُدُّ عَنِ الخِيانَةِ فاسقِينا
ولا كِيساً وَضُعْتُ عَلَيْهِ شَمْعاً / ولا بَيتاً وَضَعْتُ عَليْهِ طِينا
وَأَقْلاَمُ الجَماعَةِ جائِلاتٌ / كأسْيَافٍ بأَيْدِي لاعِبِينا
فإنْ ساوَقْتَهُمْ حَرْفاً بحَرْفٍ / فكُلُّ اسْم يَحُطُّوا مِنْهُ سِينا
وَلا تَحْسَبْ حٍِسابَهُمْ صَحِيحاً / فإن بخصْمِهِ الدَّاءَ الدَّفِينا
ألَمْ تَرَ بَعْضَهُمْ قَدْ خانَ بَعْضاً / وعَنْ فِعْلِ الصَّفا سَلَّ المَكِينا
ولَمْ يَتَقاسَمُوا الأسفالَ إلاَّ / لأَنَّ الشَّيْخَ مَا احْتَمَلَ الْغُبونا
أٌقامُوا في البِلادِ لهُمْ جُباةً / لِقَبضِ مُغَلِّها كالمُقْطعينا
وَإنْ كتَبُوا لِجُنْدِيٍّ وُصُولاً / عَلَى بَلَدٍ أَصابَ بِهِ كَمِينا
وَما نَقْدِيَّةُ السُّلْطَانِ إلاَّ / مَعَ المُسْتَخْدَمِينَ مُجَرَّدِينا
فَكَمْ رَكِبُوا لِخِدْمَتِمْ نهاراً / ولَيْلاً يَسْأَلُونَ وَيَضْرَعُونا
وَكَمْ وَقَفُوا بِأَبْوَاب النَّصارَى / عَلَى أسْيَافِهِمْ مُتَوَكِّلِينا
ولَمْ يَنْفَعْهُمُ البَرْطِيلُ شَيئاً / وما ازْدَادُوا بهِ إلاَّ دُيُونا
كأنَّهُمْ نِساءٌ مَاتَ بَعْلٌ / لَهُ وَلَدٌ فَوُرِّثْنَ الثُّمَينا
وقَدْ تَعِبَتْ خُيُولُ الْقَوْمِ مِمَّا / يَطُوفُونَ البِلادَ ويَرْجِعُونا
عذَرْتُهُمْ إذَا باعُوا حَوالا / تِهِمْ بالرُّبْعِ لِلْمُسْتَخْدِمِينا
وَأَعْطَوْهُمْ بِها عِوَضاً فكانُوا / لِنِصْفِ الرُّبْعِ فيهِ خاسِرِينا
أمَولاَنا الوزيرَ غَفَلْتَ عَمَّا / يَهُمُّ مِنَ الكِلابِ الخَائِنِينا
أَتُطْلِقُ بامِكِيَّاتٍ لِنَومٍ / وتُنْفِقُ فَيء قَوْمٍ آخِرِينا
فلا تُهْملْ أُمورَ المُلْكِ حَتَّى / يَذِّلَّ الجُنْدُ لِلْمُتَعَمِّمِينا
فَهَلْ مَلَكُوا بأقلامٍ قِلاعاً / وهَلْ فَتَحُوا بأوْراقٍ حُصُونا
وَمَنْ قَتَلَ الفَرَنْجَ أشَدَّ قَتْلِ / وَمَنْ أَسَرَ الفَرَنْسِيس اللَّعِينا
ومنْ خاضَ الهواجِرَ وَهُوَ ظامٍ / إلَى أَنْ أُوْرَثَ التَّتَرَ المَنُونا
ولاقُوا المَوْتَ دُونَ حريمِ مِصْرٍ / وَصانُوا المَالَ مِنهُمْ وَالبَنِينا
وَلَمْ تُؤْخَذْ كما أُخِذَتْ دِمَشْقٌ / ولا حُصِرَتْ كَميَّاً فارقِينا
وَمَا أَحَدٌ أَحَقَّ بأَخْذِ مَالٍ / مِنَ الأتْرَاكِ وَالمُتَجَنِّدِينا
وَمَنْ لَمْ يَدَّخِرْ فَرَساُ جَوَاداً / لِوَقِعَةٍ وَلا سَيْفاً ثَمِينا
فَبَعْدَ المَوْتِ قُلْ لِي أَيِّ شَيءٍ / لهُ في بَيْتِ مَالِ المُسْلِمِينا
إذَا أُمَناؤُنَا قَبِلُوا الهَدَايا / وَصَارُوا يَتْجَرُونَ وَيَزْرَعُونا
فلِمْ لا شاطَرُوا فيما اسْتَفادوا / كما كانَ الصَّحابَةُ يَفْعَلُونا
وَكَلُّهُمُ عَلَى مَالِ الرُّعايا / وَمالِ رُعاتِهِمْ يتَحيَّلُونا
تَحَيَّلَتِ القُضاةُ فَخانَ كُلٌّ / أَماَتَهُ وَسَمَّوْهُ الأمِينا
وَكَمْ جَعَلَ الْفَقِيهُ الْعَدْلَ ظُلْماً / وَصَيَّرَ بَاطِلاً حَقَّاً مُبِينا
وما أَخْشَى عَلَى أَمْوَالِ مِصْرٍ / سِوَى مِنْ مَعْشَرٍ يَتَأَوَّلُونا
يَقُولُ المُسْلمُونَ لَنا حُقوقُ / بها ولَنَحْنُ أَوْلَى الآخِذِينا
وَقَالَ الْقِبْطُ إنَّهمُ بِمِصْرَ / الْمُلُوكُ ومَنْ سوَاهُمْ غَاصِبُونا
وَحَلَّلتِ الْيَهُودُ بِحِفظِ سَبْتٍ / لَهُمْ مَالَ الطَوَائِفِ أَجْمَعِينا
فلا تَقْبَلْ مِنَ النُّوَّابِ عُذْراً / ولا النُّظَّارِ فِيما يُهْمِلُونا
فلا تَسْتَأْصِلِ الأمْوالَ حَتَّى / يَكُونُوا كلُّهُمْ مُتَوَاطِئينا
وَإلاَّ أَيُّ مَنْفَعَةٍ بِقَوْمٍ / إذَا اسْتَحْفَظْتَهُمْ لاَ يَحْفَظُونا
أَلَيْسَ الآخِذُونَ بِغيْرِ حَقِّ / لِمَا فَوْقَ الْكِفايَةِ خَائِنِينا
وَأنَّ الْكانِزِينَ المَالَ مِنْهُمْ / أُولئِكَ لَمْ يكُونُوا مُؤمِنِينا
تَوَرَّعَ مَعْشَرٌ مِنْهُمْ وَعُدُّوا / مِنَ الزُّهَّادِ وَالمُتَوَرِّعِينا
وَقِيلَ لَهُمْ دُعاءٌ مُسْتَجابٌ / وَقَدْ مَلَئُوا مِنَ السُّحْتِ البُطُونا
فلا تَقْبَلْ عَفاف المَرْ حَتَّى / تَرَى أتْباعَهُ مُتَعَفِّفِينا
ولا تُثْبَتْ لهُمْ عُسْراً إذَا مَا / غَدَتْ ألْزامَهُ مُتَمَوِّلِينا
فإنَّ الأصْلَ يَعْرَى عَنْ ثِمَارٍ / وَأوْراقٍ وَيَكْسُوها الغُصُونا
فإنَّ قَطائِعَ العُرْبانِ صَارَتْ / لِعُمَّالِ لها ومُشَارِفِينا
فَوَلَّى أمْرَها ابنُ أبِي مُلَيْحٍ / فَأَصْبَحَ لا هَزِيلَ وَلاَ سَمِينا
وناطَحَ وَهْوَ أَقْرَعُ كلَّ كَبْشٍ / فَكَيْفَ وَقَدْ أصابَ لهُ قُرُونا
وَقَدْ شَهِدَتْ بِذاهُلْبا سُوَيْدٍ / وَهُلْبا بَعْجَةٍ حَرْباً زَبُونا
وكَمْ رَاعَت لِبغْلَتِهِ شِمالاً / وكَمْ رَاعَتْ لِبَغْلَتِهِ يَمِينا
ولَوْلا ذَاكَ مَا وَلَّوا فِراراً / مِنَ الْبَحْرِ الكَبِيرِ لِطُورِ سينا
إذَا نَثَرُوا الدَّراهِمَ في مَقامٍ / ظَنَنْتُ بهِ الدَّراهِمَ ياسَمِينا
إذَا جَيَّشْتَ جَيْشاً في غَزاةٍ / تَرَى كُتَّابَهُمْ مُتباشِرينا
وإنْ رَجَعُوا لأرْضِهِمْ بخَيْرٍ / فَلَمْ تَرَ كاتِباً إلاَّ حَزِينا
وَقَدْ ثَبَتَتْ عَدَاوَتُهُمْ فَتَمَيِّزْ / يَمِينِكَ مَنْ يكُونُ لهُ مُعِينا
ولَمَّا أنْ دُعُوا لِلْبَابِ قُلْنا / بِأنَّ الْقَومَ لاَ يَتَخَلَّصُونا
وكانُوا قَدْ مَضَوْا وَهُمُ عُرَاةٌ / فَجَاءُوا بَعْدَ ذَلِكَ مُكْتَسِينا
وصارُوا يَشْكُرُون السِّجْنَ حَتَّى / تَمَنَّى النَّاسُ لَوْ سكَنُوا السُّجُونا
فقُلْتُ لَعَلُّكُمْ فيهِ وجَدْتُمْ / بِطُولِ مُقامكُمْ مَالاً دَفِينا
فقَالُوا لا وَلكِنَّا أسَأْنا / بأَنْفُسِنا وَخالَفْنا الظُّنُونا
وَقُلْنا المَوتُ مالا بُدَّ مِنْهُ / فماذا بَعْدَ ذلِكَ أنْ يَكُونا
فلمْ تَتْرُكْ مِنَ الأقْوالِ شَيْئاً / وخاطَرْنا وجِئْنا سَالِمِينا
يُحِيلُ عَلَى البلادِ بِغَيْرِ حَقٍّ / أناساً يَعْسِفُونَ وَيَظْلِمونا
وإنْ مَنَعُوا تَقَوَّلْنا عَلَيْهِمْ / بأنَّهُمْ عُصَاةٌ مُفْسِدُونا
وَجَهَّزْنا وُلاةَ الْحَرْبِ لَيْلاً / عَلَى أنْ يَكْبِسُوهُمْ مُصْبِحِينا
فَصَالُوا صَوْلَةً فيمَنْ بَلِيهِمْ / وَصُلْنَا صَوْلَةً فيمَنْ بَلِينا
فَجِئْنا بالنِّهابِ وَبِالسَّبايا / وجاءُوا بالرِّجالِ مُصَفَّدِينا
وَجِنُّ مَشارِفٍ بُعِثُوا شُهُوداً / فإنَّ مِنَ الوُثُوقِ بهِمْ جُنُونا
وَمنْ ألِفَ الخِيانَةَ كيْفَ يُرْجَى / لهُ أنْ يَحْفَظَ اللِّصَّ الْخَئُونا
وما ابنُ قُطَيَّةٍ إلاَّ شَرِيكٌ / لهُمْ في كُلِّ مَا يَتَخَطَّفُونا
أغارَ عَلَى قُرَى فَاقوسَ مِنْهُ / بِجَوْرٍ يَمْنَعُ النَّوْمَ الجُفُونا
وَجَاسَ خِلالها طُولاً وعَرْضاً / وغادَرَ عالِياً مِنْها حُزُونا
فَسَلْ أَذْنِينَ وَالبَيْرُوقَ عَنْهُ / وَمَنْزِلَ حَاتمٍِ وسَلِ الْعَرِينا
فَقَدْ نَسَفَ التِّلالَ الحُمْرَ نَسْفاً / وَلَمْ يَتْرُكْ بِعَرْصَتِها جُرُونا
وَصَبَّرَ عِيْنَها حِمْلاً وَلكِنْ / لِمَنْزِلِهِ وَغَلَّتَها خَزِينا
وَأَصْبَحَ شُغْلُهُ تَحْصِيلَ تِبْرٍ / وكانَتْ رَاؤُهُ مِنْ قبْلُ نُونا
وَقَدَّمَهُ الَّذِينَ لَهُمْ وُصُولٌ / فَتَمَّمَ نَقْصَهُ صِلَةُ اللذينا
وفي دَارِ الْوِلايَةِ أَيُّ نَهْبٍ / فَلَيْتَكَ لَوْ نَهَبْتَ النَّاهِبِينا
وما فِرْعَوْنُ فيها غَيْرَ مُوسَى / يَسُومُ المُسْلِمينَ أَذَىً وهُونا
إذَا ألْقَى بِها مُوسى عَصاهُ / تَلَقَّفَتِ الْقَوَافِلَ والسَّفِينا
وَفِيها عُصْبَةُ لا خَيرَ فِيهِمْ / عَلَى كُلِّ الوَرَى يَتَعَصَّبُونا
وَشاهِدُهُمْ إذَا اتُّهِمُوا يُؤَدِّي / عَنِ الْكُلِّ الشَّهَادَةَ وَاليَمِينا
وَمَنْ يَسْتَعْطِ بِالأقْلامِ رزْقاً / تجِدْهُ عَلَى أمانَتِهِ
وَلَسْتُ مُبَرِّئاً كُتَّابَ دَرْجٍ / إذَا اتُّهِمَتْ لَدَيَّ النَّاسِخُونا
فَهاكَ قَصِيدَةً في السِّرِّ مِنِّي / حَوَتْ مِنْ كُلِّ وَاقِعَةٍ فُنُونا