طربنَ فَهِجْنَ لِي داءً دفينا
طربنَ فَهِجْنَ لِي داءً دفينا / حمائمُ كم ثنين الوجد فينا
سجعنَ فكم فجعنَ فؤاد صبٍّ / أصيب غداة رجّعنَ الحنينا
فكم قَرَّبْنَ من نائي غرام / لقلب حين طَرَّبْنَ اللحونا
فبتنا فوق أكوار المطايا / بكاسات التذكر منتشينا
وبرق لاح معترضاً فأهدى / تبسمه لذي طرب شجونا
عجبت لسيف دجلة إذ رآني / غريباً بالأبيرق نازلينا
أراني حاجراً بديار بكر / لقد أدنى الوميض نوىً شَطُونَا
فبتّ ولم أكن بسناه غرّاً / أرجم في حقيقته الظنونا
سقى الله العقيق وساكنيه / وإن لم يقض موسره الديونا
فكم بين الخيام هناك غيد / كأمثال الدُّمى لوناً ولينا
وركب أدلجوا وسروا فباتوا / على شعب الرجال موسَّدينا
طوت أسرارهم فكر الفيافي / فباتوا في حشاها مضمرينا
إذا تيار آذيِّ الدياجي / طمى مُتَلاَطِماً كانوا سفينا
أضاء لهم سنى قبسٍ فقالوا / على دهشٍ أنخنَ بطور سينا
فقلت لِيَهْنِكم نيل الأماني / فقد وافيتمُ البلد الأمينا
إذا الملك المظفر جئتموه / وَخَيَّمْتُمْ بميّافارقينا
فدونكمُ شهاباً مستنيراً / أضاء دجى كما جلَّى الدجونا
فأعجب ما رأينا أنّ بحراً / إليه جلبتمُ الدُّرَّ الثمينا
ففي القصر المشيد شاذويّ / أغر قد احتوى دنيا ودينا
يجود فيبذل الدنيا احتقاراً / ولكن يمنع الدين المصونا
إلى إيوانه نصُّوا المطايا / وإن كانت رذايا قد بُرِينَا
تغنَّوا باسم غازي واتركوها / ملاعبة أزمتها البُرِينا
فيا إقبال وجه القصد منكم / إذا قابلتمُ ذاك الجبينا
من النفر الذين لهم وجوه / تضيء إذا الحوادث كنَّ جونا
فكم حملوا جداول في بحور / أو اعتقلوا إلى أسد عرينا
وإن عريت متون الأرض كانوا / لمعترٍّ حيا ومقربينا
إذا رفع الحجاب الإذن عنه / فغضُّوا من مهابته العيونا
له يومان في كرم وبأس / كما يُرجى مُنىً يُخشى المنونا
له آيات مجد لو رآها / عُرابة لم يمدَّ لها يمينا
أصفوة جوهر الشرف المصفى / وقد كان الورى حَمَأً وطينا
ومن أقدامهم في كل حرب / لأعناق الأعادي كم وطينا
متى عودتمُ الجرد المذاكي / تبيت على مرابطها صفونا
أجيلوها كأمثال السعالي / إلى حرم المعالي معلمينا
فعين الملك طامحة إليكم / مؤرقة وقد رقدت سنينا
ففيم السمر لم ترعف نجيعاً / وبيض الهند لم تجف الجفونا
كأني بالأعاجم قد جعلتم / فسيحات القفار لهم سجونا
وأصبح هامهم حَبّاً حصيداً / كأنهم جنوا حرباً طحونا
فكم قد خضتمُ غمرات حرب / وكم قد رضتمُ زمناً حرونا
ومرجع كل مملكة إليكم / وأرباب الممالك أجمعونا
وعن كثب تراها مقدمات / عليهن الكماة مسوّمينا
فيا ابن الرافعين منار مجد / أرانا صبح نصرهم المبينا
غرستم نعمةً في كلِّ أرض / فقمتم للمحامد تجتنونا
فدونك من بنات الفكر بكراً / لغير الكفء تأبى أن تلينا
إذا طوت الفلا ملأته نَشْراً / وَرَجَّعَها الحُداة مغردينا
رمى بِالقِيلَوِيِّ وبي ولاء / رأى سهلاً تجشمنا الحزونا
فجئنا قبل وفد البيت نُزْجِي / ركاب الحمد نحوك موجفينا
على عرفات عرفك قد وقفنا / ولم نك في الدعاء مقصرينا
ويَمَّمْنا مُنىً فيها ظفرنا / بكل منى فنمنا آمنينا
فتمِّمْ عشر موسى في اقتدار / يشيِّد للهدى حصناً حصينا
فدمت ودام جدّك في سعود / وآخر منتهى حمدي أمينا