هلُمَّ بنا إلى أرضِ الحَجونِ
هلُمَّ بنا إلى أرضِ الحَجونِ / عسى نقضي الغَداةَ بها دُيوني
وسائِلْ جيرَةَ المَسْعى لماذا / وفَيْتُهُم وقد قبَضوا رُهوني
وعرِّجْ في المقامِ برَبْعِ لَيلى / لتَنْثُرَ فوقَه دُررَ الشّؤونِ
وفتِّشْ ثَمَّ عن كَبدِي فعَهدي / هُنالِكَ قد أراقَتْها عُيوني
وحيِّ على الصّفا حَيّاً قليلاً / له وضعُ الجَبينِ على الوجِينِ
وملعَبَ حورِ جنّاتٍ سَقَتْنا / به الوِلْدانُ كأساً من مَعينِ
محلّاً فيه أسرارُ الأماني / محجَّبةٌ بأحشاءِ المَنونِ
تَسومُ بها القُلوبَ فتشْتَريها / ثَنايا البيضِ بالدُّرِّ الثّمينِ
به تُبدي الشّموسُ دُجىً وتَحمي / بُدورَ قِيانِه شبهُ القُيونِ
يَزرُّ به الحَديدُ على العَوالي / وينسَدِلُ الحَريرُ على الغُصونِ
بسَمْعي من غَوانِيه كُنوزٌ / فَقِفْ فيها لتَنْظُرَها جُفوني
ولي في الخَيْفِ أحبابٌ كِرامٌ / لديّ وإنْ همُ لم يُكرِموني
خضعْتُ لحُبِّهم ذُلّاً فعزّوا / ودِنتُ لحُكمِهم فاِستعبدوني
همُ اِجتمعوا على قتْلي بجمعٍ / ففيمَ على المنازِلِ فرّقوني
عُيوني في هَواهُم أدخلَتْني / وفي العَبَراتِ منها أخرجوني
تقاسَمْتُ الهوى معهُم ولكن / تسلَّوْا عن هَوايَ وهيَّموني
وإذ كُنتُ القَسيمَ بغير عَدلٍ / نجَوْا منهُ وحازوا الصّبرَ دوني
تمرُّ ظِباهُمُ متبرقِعاتٍ / محافظةً على الحُسنِ المَصونِ
فلَيْتَ مِلاحَهُم عدَلَتْ فأعطَتْ / حمائِمَ حَليِها خرسَ البُرينِ
تَغانَوْا بالقُدودِ عنِ العَوالي / وبالأجفانِ عنْ ما بالجُفونِ
فبَينَ لحاظِهِم كم من طَريحٍ / وبينَ قُدودِهمْ كم من طَعينِ
أنا الخِلُّ الوفيُّ وإن تجافَوا / وسايِلْهُم وإن لم يرفِدوني
أودُّ رِضاهُمُ لو كان حَتفي / وأوثِرُ قُربَهُم لو قرّبوني
ألا يا أهلَ مكّةَ إنّ قلبي / بكُم عَلِقَتْهُ أشراكُ الفُنونِ
جميعي صفقةً مني اِشتَرَيْتُم / فدَيْتُكُم ولِمْ بعّضْتُموني
نقلْتُم نحو مكّتِكم فؤادي / وبينَ الكرْخَتَيْنِ تركتُموني
غَرامي في هواكُم عامريٌّ / فهل ليلاكُمُ علِمَتْ جُنوني
أمِنتُكُم على قَلبي فخُنْتُم / وأنتُم سادةُ البلدِ الأمينِ
لَئنْ أنسَتْكُمُ الأيّامُ عَهدي / فذِكرُكُمُ نَجيّي كلَّ حِينِ
وإنْ وَهَنَتْ قِوايَ فإنّ دَمعي / على كَلِفي بكُم أبداً مُعيني
وإن صَفِرَتْ يَدي منكمْ فجدوى / عليّ المجدِ قد ملأتْ يَميني
حليفُ ندىً مكارمُه وفَتْ لي / بما ضَمِنَتْ من الدّنيا ظُنوني
جَسيمُ الفضلِ منتحِلُ المَواضي / رفيعُ القَدْرِ ذي الشّرفِ المَكينِ
كريمُ النّفسِ في سُنَنِ السّجايا / موقّى العِرض عن طعنِ المُشينِ
على الكُبَراءِ يُبدي كِبْر كِسرى / وللفقراءِ ذُلَّ المستَكينِ
إذا عُدّتْ فنونُ الفخرِ يوماً / فمَفخرُهُ مقدّمَةُ الفُنونِ
نسيبٌ جاءَ من ماءٍ طَهورٍ / وكلُّ الخلقِ من ماءٍ مَهينِ
وهل يحكي عناصرَهُ نسيبٌ / وما اِختلطَتْ عَواليها بطِينِ
يَفوحُ شَذا العَبا منه ويَحكي / جَوانبَها مُزاحمَةُ الأمينِ
بفَلْقِ البدرِ موسومُ المحيّا / لردِّ الشمسِ منسوبُ الجَبينِ
هُمامٌ لو أراعَ فؤادَ رَضْوى / لزلْزَلَ رُكنَها بعد السّكونِ
ولو أعدى الصخور عليه سالت / جوامدُها بجاريةِ العيونِ
حِباءُ الليثِ إذ يغشى الأعادي / له وتبسُّمُ السّيفِ السّنينِ
يشمُّ ذَوابِلَ المُرّانِ حُبّاً / ويُعرضُ عن غَضيضِ الياسَمينِ
ويرغبُ في قِتالِ الأُسْدِ حتّى / كأنّ سُيوفَها لفَتاتُ عِينِ
ترى في السِّلْمِ منه حَيا الغواني / وفي هيَجانِه أسَدَ العرينِ
إذا سُلَّتْ صَوارمُهُ أطالَتْ / سُجودَ الذُلِّ هاماتُ القُرونِ
تظنُّ غَمودَهُنّ إذا اِنتضاها / غصَبْنَ الصّاعقاتِ من الدُجونِ
يُبيحُ ذُكورها العزَماتُ منه / فُروجَ المُحصَناتِ من الحُصونِ
كتبْنَ على حواشيها المَنايا / حواشيها على شرح المُتونِ
تَساوى الخلقُ في جدواهُ حتّى / فراخُ القَيْحِ وهي على الوُكونِ
وسلّمتِ الورى دعوى المَعالي / له حتّى الأجنّةُ في البُطونِ
يُضِرُّ ثَناهُ بالجَرْعى ويُحيي / مَسيحُ نَداهُ مَوتى المُعتَفينِ
برؤيةِ وجهه نيلُ الأماني / وفي راحاتِه رَوْحُ الحزينِ
كثيرُ الصّمتِ إن أبدى مَقالاً / ففي الأحكامِ والفضلِ المُبينِ
وإنْ خفقَتْ له يوماً بُنودٌ / فأجنحةٌ لدُنيا أو لِدِينِ
أراضَ جوانحَ الحِدْثانِ حتّى / به ثبتَتْ لنا صفةُ الصُّفونِ
يرى أموالَهُ في عين زُهدٍ / فيعتقدُ اللُجَينَ من اللَّجينِ
ويلقى الدّارعين بآي موسى / فيفلِقُ عنهمُ لُجَجَ الضّغونِ
تشرّفتِ العُلا بأبي حُسينٍ / فبورِك بالمكانِ وبالمَكينِ
فيا اِبنَ الطّاهرينَ ومَنْ أُزينَتْ / بفضلِ حديثهمْ سِيَرُ القُرونِ
ويا اِبْنَ المُحسنينَ إذا الليالي / أساءَتْ كلَّ ذي خطرٍ بهونِ
لقد حسُنَتْ بكَ الدنيا وجادَتْ / بنَيلِ النُّجْح في الزمن الضّنينِ
وفكّ الجودُ أغلالَ العَطايا / وأمسى البُخلُ في قَيدِ الرّهينِ
فسمعاً من ثَنايَ عليكَ لفظاً / يهزّ مناكِبَ الصّعبِ الحَزونِ
أنا ابنُ جَلا القَريضِ متى شكَكْتُم / وطلّاعُ الثّنا أفتَعرِفوني
خُذِ الألواحَ من زُبُرِ القوافي / فنُسخَتُهنّ ترجمةُ اليَقينِ
بكَ الرّحمنُ علّمني المَعاني / وأوحاها إلى قلَمي ونُوني
فكم قومٍ لديكَ تَرى محلّي / فتَغبِطُني وقومٍ يحسدُوني
ليَهنكَ سيّدي عيدٌ شريفٌ / حكاكَ فجلَّ عن شِبهِ القَرينِ
فضحِّ نُفوسَ أهلِ الغَدرِ فيه / وقرِّبْ مهجةَ الدّهرِ الخَؤونِ
ولا برحَتْ عليكَ مخيّماتٍ / سُرادِقُ رِفعةِ الشّرفِ المَكينِ