المجموع : 3
وقائلة: هجرت الشعر حتى
وقائلة: هجرت الشعر حتى / تغنّى بالسخافات المغنّي
أتى زمن الربيع وأنت لاهٍ / وقد ولّى ولم تهتف بلحن
ونفسك كالصّدى في قاع بئر / ومثل الفجر ملتحفا بدجن
فما لك ليس يستهويك حسن / وأنت لمرء تعشق كلّ حسن؟
أتسكت والشباب عليك ضاف / وحولك للهوى جنّلت عدن؟
ركود الماء يورثه فسادا! / فقلت لها : استكيني واطمئني
فما حطمت يد الأيام روحي / وإن حطمت أباريقي ودنّي
ولم أعقد على خوف لساني / ولا ضنّا على الدنيا بفنّي
ولكنّي امرؤ للناس ضحكي / ولي وحدي تباريحي وحزني
إذا أشكو إلى خدن همومي / وفي وسعي السكوت ظلمت خدني
وتأبى كبريائي أن يراني / فتى مغرورقا بالدمع جفني
فأستر عبرتي عنه نئلا / يضيق بها وإن هي أحرقتني
ويبكي صاحبي فإخال أني / أنا الجاني وإن لم يتّهمني
فأمسح أدمعا في مقلتيه / وإن حكت اللهب وإن كوتني
لأني كلما رفّهت عنه / طربت كأنني رفّهت عنّي
كذلك كان شأني بين قومي / وهذا بين كلّ الناس شأني
أقول لكلّ نوّاح رويدا / فإنّ الحزن لا يغني ويضني
وجدت الدمع بالأحرار يزري / فليت الدمع لم يخلق بجفن!
سبيل العز أن تبني وتعلي / فلا تقنع بأنّ سواك يبني
ولا تك عالة في عنق جدّ / رميم العظم أو عبئا على ابن
فمن يغرس لكي يجني سواه / يعش ويموت من يحيا ليجني!
ألائمتي اتركيني في سكوني / ولومي من يضجّ بغير طحن
إذا صار السماع بلا قياس / فلا عجب إذا سكت المغني
أنا ولئن سكتّ وقال غيري / وجعجع صاب الصوت الأرنّ
إذا أنا لم أجد حقلا مريعا / خلقت الحقل في روحي وذهني
فكادت تملأ الأثمار كفّي / ويعيق بالشّذى الفوّاح ردني
أبعدك يعرف الصّبر الحزين
أبعدك يعرف الصّبر الحزين / وقد طاحت بهجته المنون ؟
رمتك يد الزمان بشرّ سهم / فلمّا أن قضيت بكى الخؤون
رماك و أنت حبّه كلّ قلب / شريف فالقلوب له رنين
و لم يك للزمان عليك ثار / و لم يك في خلالك ما يشين
و لكن كنت ذا خلق رضيّ / على خلق لغيرك لا يكون
و كنت تحيط علما بالخفايا / و تمنع أن تحيط بك الظنون
كأنّك قد قتلت الدّهر بحثا / فعندك سرّه الخافي مبين
حكيت البدر في عمر و لكن / ذكاؤك لا تكوّنه قرون
عجيب أن تعيش بنا الأماني / و أنّا للأماني نستكين
و ما أرواحنا إلاّ أسارى / و ما أجسادنا إلاّ سجون
و ما الكون مثل الكون فان / كما تفنى الدّيار كذا القطين
لقد علقتك أسباب المنايا / وفيّا لا يخان و لا يخون
أيدري النعش أيّ فتى يواري / و هذا القبر أيّ فتى يصون ؟
فتى جمعت ضروب الحسن فيه / و كانت فيه للحسنى فنون
فبعض صفاته ليث و بدر / و بعض خلاله شمم و لين
أمارات الشّباب عليه تبدو / و في أثوابه كهل رزين
ألا لا يشمت الأعداء منّا / فكلّ فتى بمصرعه رهين
أيا نور العيون بعدت عنّا / و لمّا تمتليء منك العيون
و عاجلك الحمام فلم تودّع / و بنت و لم يودّعك القرين
و ما عفت الوداع قلى و لكن / أردت و لم يرد دهر ضنين
فيا لهفي لأمّك حين يدوّي / نعيّك بعد ما طال السّكون
و لهف شقيقك النّائي بعيدا / إذا ما جاءه الخبر اليقين
ستبكيك الكواكب في الدّياجي / كما تبكيك في الرّوض الغصون
و يبكي أخوة قد غبت عنهم / و أمّ ثاكل و أب حزين
فما تندى لنا أبدا ضلوع / عليك و ما تجفّ لنا شؤون
قد ازدانت بك الفتيان طفلا / كما يزدان بالتّاج الجبين
ذهبت بزينه الدّنيا جميعا / فما في الدهر بعدك ما يزين
و كنت لنا الرجاء فلا رجاء / و كنت لنا المعين فلا معين
أبعدك يا أخي أبغي عزاء / إذا شلّت يساري و اليمين ؟
يهون الرزء إلاّ عند مثلي / بمثلك فهو رزء لا يهون
عليك تقطّع الحسرات نفسي / و فيك أطاعني الدّمع الحرون
فملء جوانحي حزن مذيب / و ملء محاجري دمع سخين
و ما أبقى المصاب على فؤادي / فأزعم أنّه دام طغين
يذود الدمع عين عيني كراها / و تأبى أن تفارقه الجفون
لقد طال السّهاد و طال ليلي / فلا أدري الرّقاد متى يكون
كأنّ الصبح قد لبس الدّياجي / عليك أسى لذلك ما يبين
أباعثة المطايا من حديد
أباعثة المطايا من حديد / كأسراب القطا للعالمينا
ركائب في فجاج الأرض تسري / تقلّ الذاهبين الأيبينا
تقصّ على المدائن و القرايا / حكاية قومك المستنبطينا
و كيف العقل يخلق من زريّ / مهين لا زريّ و لا مهينا
و ينفخ في الجماد قوى وحسّا / فيركش تارة و يطير حينا
و يهتف بالقصائد و الأغاني / و قد ذهب الردى بالمنشدينا
لقد حسدتك أمّ الفنّ " روما " / كما حسدتك ضرّتها " أثينا "
فمجدك فوق مجدها علاء / و حسنك فوق حسنها فتونا
نزلنا في حماك فقرّبينا / و باركنا ثراك قباركينا
فما لطماعة بنضار " فورد " / و فضّته إليك اليوم جينا
فما هو في سماحته " كمعن " / و ليست نوقه للذابحينا
و لكن فيك إخوان هوينا / لأجلهم جميع الساكنينا
أحبّونا كأنّهم ذوونا / و أنسونا بلطفهم ذوينا
و عاهدناهم إذ عاهدونا / فلم ننكث و لا نكثوا يمينا
إذا غضبوا على الدنيا غضبنا / و إن رضوا على الدنيا رضينا
دعاهم للعلى و الخير داع / من " الوادي " فلبّوا أجمعينا
أيخذل " جارة الوادي " بنوها ؟ / معاذ الله هذا لن يكونا
فما لاقيت " زحليّا " جبانا / و لا لاقيت " زحليّا " ضنينا
تأمّل كيف أضحى " تلّ شيحا " / يحاكي في الجلالة " طورسينا "
فعن هذا تحدذرت الوصايا / و في هذا وجدنا المحسنينا
على جنباته و على ذراه / جمال يبهر المتأمّلينا
فلم مثله للخير دنيا / و لم أر مثله فتحا مبينا
فيا أشبال " لبنان " المفدّى / و يا إخواننا و بني أبينا
ترنّح عصركم فخرا و هشّت / لصنعكم عظام المائتينا
تبارى الناس في طلب المعالي / فكنتم في المجال السابقينا
بنى الأهرام " فرعون " فدامت / لتخبر كيف كان الظالمونا
و كم أشقى الجموع الفرد منهم / و كم طمس الألوف لكي يبينا
وشدتم معهدا في " تلّ شيحا " / سيبقى ملجأ للبائسينا
يطلّ الفجر مبتسما عليه / و يرجع مطمئنّا مستكينا
و يمضي يملأ الوادي ثناء / عليكم و الأباطح و الحزونا
أرى غيثين يستبقان جودا / هما مطر السّما و الغائثونا
لئن حجب الغمام الشّمس عنّا / فلم يطمس ضياء الله فينا
و لم يستر سبيل الخير عنكم / و لم يقبض أكفّ الباذلينا
وجدت المرء حبّ الخير فيه / فإن يفقده صار المرء طينا
تكمّش في الحقول الشوك بخلا / فذلّ و عاش مكتئبا حزينا
و أسنى الورد إذ أعطى شذاه / مكانته فكن في الواهبينا
سألت الشعر أن يثني عليكم / فقالت لي القوافي : قد عيينا
سيجزيهم عم البؤساء ربّ / يكافيء بالجميل المحسنينا