رأيت الدهر كيف غدايرينا
رأيت الدهر كيف غدايرينا / على العدوى له الداء الدفينا
اسرَّ ضغونه حتى اذا ما / تنمر واثباً بثَّ الضغونا
تعيفت السراة الطير فيه / بوارح تفزع الاجد الامونا
نعى ناعيك مكة والمصلى / وزمزم والمواقف والحجونا
نعى الناعي لك الجيد المحلى / تعطل منك والعقد الثمينا
نعى الناعي قوامك خيزرانا / حقرت اذا تثنى الياسمينا
نعى الناعي خدوداً ام قدودا / تقصفها يد النكبا غصونا
وما اقسى ضمائرنا عليه / وقد رَّقت وكان ارقُّ لينا
أئنُّ اذا ذكرت له انيناً / ومن لي ان يعيد لي الانينا
نوى ظعناً واقسم لو توانى / حلقت به واوقفت الظعونا
احنُّ وترزم الانضاء فيه / روازحها فتوسعها حنينا
حدا الحادي بها للبين سوقا / عنيفاً كاد ينزعها الوضينا
فطارت تنبري عنقاً فيا من / يشدُّ بانفها الحلق البرينا
ولم تعلق بها الابصار حتى / تخال يقين اعضدها ظنونا
اذا خوَّت بجنب القاع كوماً / تعيد سهول معظمها حزونا
فكاد السير يمشقها حروفا / مرتلة ونقرأها لحونا
ركائب غير أن سبحت يداها / ببحر الآل تحسبها سفينا
من البلد المخوف تقلُّ ركباً / عليها تقصد البلد الامينا
ومشتملين بيض الريط لاثوا / رداء النسك ليس بمحرمينا
يزّجون المطي بلا لغوب / لبيت فيه غير مقصرينا
سروا في حيث لم تخدِ المهارى / بهم نحو المضاجع مزمعينا
يسير على الرقاب لهم دليل / اذا ضلُّوا يضيء فيهتدونا
ومحتمل على الاعناق قدساً / تحفُّ به الملائك حاملينا
سرت بسريره للقبر آيا / تشيع منه فرقانا مبينا
لقد دفنوا به سور المثاني / من التنزيل والسر المصونا
وواروا بالثرى اسلاً مقاما / واسيافا يقمن وينحنينا
فيا لدنا نزعت له لسانا / ويا عضباً فجعت به القيونا
رمينا عن ضلال غير أنا / بمهدي لنا غرضا رمينا
فيا ركنا به عليَّت ركناً / ويا حصناً هدمت به الحصونا
فقدتك واحداً لي في قبيل / كأني قد فقدت العالمينا
ذكرتك والنعي اصمَّ سمعي / فلم اسمع لثاكلة رنينا
ذكرتك والبلاد نوىً شطونٌ / عشية قد نويت نوى شطونا
تطلَّع بين حيزومي وقلبي / اواراً لا اطيق له كمونا
اعرني نظرة عجلاً والا / فانَّ العين طامحة جفونا
اعد وجهاً لعيني منك طلقا / اقبِّل بين عينيه الجبينا
أبن لا بنت معذرة وأنَّى / وعهدي انَّ عهدك لن يبينا
غصبتك من يدي علقا نفيسا / على رغمي وكنت بك الضنينا
وما ظني اجود بك اغتصابا / ولكن خيّب الاجل الظنونا
فتى وشجت عروق الرسل فيه / وآدم لم يكن ماء وطينا
اخو النسب القصير وطال مجداً / فضمَّ ذؤابة الحسبين فينا
نضا حسباً تصرَّح جانباه / كماء المزن منسكبا معينا
اذا طفحت حصاة الحلم منه / بها قرع الهجائن والهجينا
يئدُّ مظاهر الادراع منه / مضمَّرة الحشا قبّاً بطونا
جرى مجرى الرياح بشوط فضل / يبزُّ به المسومة الصفونا
تبتّ به لعمر الجود قوم / على سرف النوال معوَّدونا
وتعزيه لبحر العلم صيدٌ / بمستنّ العلوم مدربونا
اذا عُدُّ وافهم نفر فرادى / وان يعدوا حسبتهم مئينا
وان نحروا بيوم قرىً اطاروا / عراقيب المطافل عاقرينا
فكم فكُّوا من الأسرى ببدرٍ / قيوداً بعد ما غلقت رهونا
اعز الناس كلهم قبيلاً / لها تعنو القبائل اجمعونا
اذا عقد النطاق لهم صغيرٌ / تظل له الأكابر صاغرينا
ومهما أنسى لم انس ابن عمٍّ / يذكرني العمومة إن نسينا
اذا اضطربت ضمائرنا رجعنا / الى القربى نكلفها السكونا
شددنا ازرنا فينا لوانا / الى الصفح الجميل معاً دعينا
ترَّحل محرزاً دنياه حياً / واحرز ميتاً اخراه دينا
فليس غضاضة ان غضَّ طرفا / وفاز بقاصرات الطرف عينا
فلا تجزع ابا المهديّ وانظر / الى امم مضوا امماً قرونا
حجاك فقد رسا طوداً وانَّى / تهز الريح طود حجى رزينا
وهل صرف الردى الا غريمٌ / يطالبنا بانفسنا ديونا
سقى الزوراء زائرها سحاب / من الغفران منبعث هتونا