تَذكَّر بالحِمى رشأً أَغنّا
تَذكَّر بالحِمى رشأً أَغنّا / وَهاجَ له الهوى طَرَباً فغنّى
وحنَّ فؤادُه شَوقاً لنجدٍ / وأَينَ الهندُ من نجدٍ وأَنّى
وغنَّت في فروع الأَيكِ ورقٌ / فجاوبها بزفرتِه وأَنّا
وَطارحَها الغَرامَ فحين رنَّت / له بتنفُّس الصُعداء رنّا
وأَورى لاعجَ الأَشواق منه / بريقٌ بالأبيرق لاح وَهنا
معنّىً كلَّما هبَّت شَمالٌ / تذكَّر ذلك العيش المهنّا
إذا جنَّ الظَلامُ عليه أَبدى / من الوَجدِ المبرِّح ما أَجَنّا
سَقى وادي الغَضا دَمعي إذا ما / تهلّل لا السحاب إذا اِرجَحنّا
فَكَم لي في رُباهُ قضيبَ حُسنٍ / تفرَّد بالملاحة إِذ تثنّى
كَلِفتُ به وما كُلِّفت فرضاً / فأَوجبَ طرفُه قَتلي وسنّا
وأَبدى حبَّه قَلبي وأَخفى / فصرَّح بالهوى شَوقاً وكنّى
تفنَّنَ حسنُه في كُلِّ معنىً / فصار العَيشُ لي بهواه فنّا
بدا بدراً ولاح لنا هلالاً / وأَشرق كوكباً واِهتزَّ غصنا
وَثَنّى قدّه الحسن اِرتياحاً / فهام القَلبُ بالحَسن المُثنّى
ولو أَنَّ الفؤاد على هَواه / تمنّى كان غايَةَ ما تَمَنّى
بَكيتُ دماً وحنَّ إِليه قَلبي / فخضَّب من دَمي كفّاً وحَنّا
أَلا يا صاحبيَّ ترفَّقا بي / فإنَّ البينَ أَنصبني وعنّا
وَلَم تُبقِ النَوى لي غيرَ عزمٍ / إذا حفَّت به المحنُ اِطمأَنّا
وأُقسِمُ ما الهَوى غرضي ولكن / أُعلِّل بالهَوى قَلباً مُعنّى
وأَصرفُ بالتأنّي صَرفَ دَهري / وأَعلم أَن سيظفرُ من تأَنّى
وأَدفعُ فادحاتِ الخطب عنّي / بِتَفويضي إذا ما الخَطبُ عنّا
وَلا واللَهِ لا أَرجو ليُسري / وَعُسري غيرَ من أَغنى وأَقنى
وَما قَصدي بتحبيرِ القَوافي / سوى لفظٍ أُحبِّرُه وَمَعنى
لأَستَجني ثمارَ القول مَدحاً / لمن أَضحى بطيبةَ مُستَجِنّا
وَمَدحُ محمَّدٍ شَرفي وفخري / وَهَل شَرَفٌ وَفَخرٌ منه أَسنى
إِمامُ الأنبياء وَخَيرُ مولىً / به سَعِد الوَرى إِنساً وجِنّا
رَقى بكماله رُتبَ المَعالي / وحلَّ من العُلى سهلاً وحَزنا
هدى اللَهُ الأَنامَ به وأَهدى / لمن والاه إِيماناً وأَمنا
وَكَم قد نالَ من يُسراهُ يسراً / أَخو عُسرٍ ومن يُمناه يُمنا
وَكَم وافاهُ ذو كربٍ وحُزنٍ / ففرَّج كربَه وأَزال حُزنا
وَأَغنى بائساً وَكَفاه بؤساً / وأَنجد صارخاً وأَصحَّ مُضنى
ختامُ جميع رسل اللَه حقّا / وَمبدأ كلِّ إِحسانٍ وحُسنى
بمولده أَضاءَ الكونُ نوراً / وأَشرقَ في البسيطةِ كُلُّ مغنى
وَفاخرت السماءَ الأَرضُ لمّا / غدت بقدومِه السامي تُهنّى
فَخارٌ لا يساويهِ فخارٌ / مَناطُ النَجم من أَدناهُ أَدنى
تَبيدُ له اللَيالي وهو باقٍ / وَيَفنى الواصِفون وليس يَفنى
لمعجزِهِ أَقرَّ الضدُّ عجزاً / وَظلَّت عنده الفُصحاء لُكنا
مَثاني تقشعرُّ له جُلودٌ / وَيَغدو كُلُّ قَلبٍ مطمئنّا
فَيولي كلَّ مَن والاهُ ربحاً / وَيُعقب كلَّ من ناواه غبنا
وَزالَت مُعجزاتُ الرُسل معهم / وَمعجزُ أَحمِدٍ يَزدادُ حُسنا
هُوَ المختارُ من أَزلٍ نَبيّاً / وَما زالَت له العَلياء تُبنى
براهُ واِصطَفاهُ اللَهُ قِدماً / وَأَعلاهُ وأَسماهُ وأَسنى
وَأَرضعَه ثُديَّ المجد دَرّاً / وآواه من العَلياء حضنا
وَصيَّره حَبيباً ثم أَسرى / به لَيلاً فقرَّبه وأَدنى
كذلك كُلُّ محبوب يوافي / أَحبَّته إذا ما اللَيلُ جَنّا
سَما السبعَ الطِباق وبات يَسمو / إلى رُتبٍ هناكَ له تسَنّا
فراح يجرُّ أَذيالَ المَعالي / وَيسحبُ فوق هام المجد رُدنا
فمن كمحمَّدٍ إن عُدَّ فخرٌ / سَما بالفخر منفرداً وضِمنا
أَجلُّ المرسَلين عُلاً وَقَدراً / وأَرجحهُم لدى التَرجيح وَزنا
وأَعظمُهم لدى البأساء يُسراً / وأَسمحُهم إذا ما جاد يُمنى
وأَشرفُ من تقلَّد سيفَ حقّ / وهزَّ مثقَّفَ الأَعطاف لَدنا
فَجلّى في رِهان الفضل سَبقاً / وَجلّى عن سَماء الحقِّ دَجنا
وَطهَّر بالمواضي رجسَ قومٍ / جفته قلوبُهم حسداً وضِغنا
وخُيِّرَ فيهمُ أَسراً ومَنّاً / فأَطلق أَسرَهم وعفا ومَنّا
وراموا منه إِحساناً وفضلاً / فأَوسعهم بنائله وأَغنى
وَكَم للهاشميِّ جميلَ وصفٍ / عليه خناصرُ الأشهاد تُثنى
وَماذا يبلغُ المُثني على من / عليه إلَهُهُ في الذِكرِ أَثنى
أَلا يا سيِّد الكونين سَمعاً / لداعٍ سائلٍ أَمناً ومنّا
وَغوثاً يا فدتكَ النَفسُ غَوثاً / فقد شفَّ الأَسى جِسمي وأَضنى
فَما في الخلقِ أَسرعُ منك نَصراً / لملهوفٍ وأَسمعُ منكَ أذنا
وَها أَنا فيك قد أَحسنتُ ظَنّي / فحاشا أَن تخيِّبَ فيكَ ظنّا
وَكَيفَ يَخافُ ريبَ الدهر عَبدٌ / تَكونُ له من الحدثانِ حِصنا
أَرومُ فكاك أَسري من زَمانٍ / عَلقتُ بكفِّه الشلّاءِ رَهنا
وَأَرجو النَصرَ منكَ على عدوٍّ / متى اِستقبلتُه قَلبَ المِجَنّا
رَكنتُ إليكَ في أَسري ونَصري / وَحَسبي جاهُك المأمول رُكنا
وَكَم لي فيكَ من أَملٍ فسيحٍ / ستُنجحُهُ إذا ما الدَهرُ ضنّا
وَقَد طالَ البِعادُ وَزاد شوقي / إليكَ وعاقَني دهري وأونى
فأَبدلني بِبُعدِ الدار قُرباً / وبوِّئني بتلكَ الدارِ سُكنى
وَجُد لي بالشَفاعة يَومَ حشري / وأَسكنّي من الجنّاتِ عَدنا
عَلَيكَ صَلاةُ رَبِّك ما تَغنّى / حمامُ الأيك في فَنَنٍ وحَنّا
وآلِك وَالصحابةِ خيرِ آلٍ / وَصَحبٍ ما شدا شادٍ وغنّى