المجموع : 4
لِيَهْنِك ما بَلَغْتَ من الأماني
لِيَهْنِك ما بَلَغْتَ من الأماني / فَلَمْ تَبْرَح بأيَّام التَّهاني
تُسَرُّ وقد تَسُرُّ الناس طرًّا / ببيضِ فعالك الغرّ الحسان
وفيما قدْ فَعَلْتَ جُزيتَ خيراً / وهل تجزى سوى خلد الجنان
فَعَلْتَ الواجبَ المأمور فيه / وما سنّ النَّبيُّ من الختان
وأولَمْتَ الوَلائم فاستَلَذَّتْ / لها الفقراءُ من قاصٍ ودانِ
وأكثَرْتَ الطعام بهنّ حتَّى / لقَدْ ضاق الطعام عن الجفان
وجاء الناس أفواجاً إليها / فلمْ يعرف فلان من فلان
شرابُهم شرابٌ سُكَّريٌّ / وممّا يشتهون لحوم ضان
لقد قيل الطعام فلم تدان / وقد قيل السماع فلم تدان
بذكر الله إنَّك قبل هذا / قد استغنيتَ عن كلّ الأغاني
وما تلهو عن السَّبْع المثاني / بأصواتِ المثالثِ والمثاني
خَتَنْتَ بَنيك في أيّام سَعْدٍ / بمعتَدِل الفصولِ من الزمان
وأربعمائة خُتِنَتْ وكانت / يَتامى لم تُسَنَّنْ بالختان
كسَوتَهم الملابسَ فاخراتٍ / فراحوا مثلَ روض الأقحوان
فمن خضرٍ ومن صُفرٍ وحُمرٍ / كأمثال الشقيق الأرجواني
كأزهار الرَّبيع لها ابتهاجٌ / وقد سُقيَت حيا المزن الهتان
أتيت بها من الصَدقات بكراً / وما كانت لعمرك بالعوان
أرَدْتَ بذاكَ وجْهَ الله لا ما / يقالُ ويستفاض من اللسان
أُحِبُّكَ لا لمالٍ أقْتَنيه / ولا طمعٌ بجود وامتنان
ولا أثني عليكَ الخيرَ إلاَّ اعت / قاداً باللّسان وبالجَنان
وكيفَ وأنتَ للإسلام ركنٌ / تُشاد به القواعدُ والمباني
أعَزَّ الله فيك الدينَ عِزًّا / ولم يَكُ قبلَ ذلك بالمُهان
فكنتَ الرَّوح والمعنى المعالي / فقلْ ما شئت عن روح المعاني
تقولُ الحقَّ لا تخشى ملاماً / ولست عن المقالة بالجبان
ولا داريتَ أو ماريتَ قوماً / برفعة منصبٍ وعلوِ شان
ولم تحكمْ على أمرِ بشيءٍ / إلى أنْ يستبينَ إلى العيان
فتدرك ما تحاول بالتأني / وإنْ رمتَ الجميل فلا توان
محمّد الأمين أمِنْتَ مما / تحاذِرُه وإنَّك في أمان
كفاك الله ألسِنَةً حداداً / لها وخزٌ ولا وخزُ السنان
ولم أسمَعْ مقالاً فيك إلاَّ / مقالَ الخير آناً بعد آن
بَقيتَ لنا وللدنيا جميعاً / وكلٌّ غيرُ وجهِ الله فانِ
بَقِيتَ أبا الثَّناء مدى اللَّيالي
بَقِيتَ أبا الثَّناء مدى اللَّيالي / على الدَّاعي لكم خضل اليدين
يحولُ نداك ما بين الرَّزايا / إذا هَطَلَتْ يداك به وبيني
تواعدني بك الآمال وعداً / رأيت نجازه من غير مين
تجود على محبّك كلّ عام / بلبس عباءة وتقرّ عيني
ألا مَنْ مُبلغٌ عنِّي نقيباً
ألا مَنْ مُبلغٌ عنِّي نقيباً / يَسودُ النَّاس في شَرَفٍ ودينِ
بأنَّا ما بَرِحْنا في سُرورٍ / تلاحظنا العنايةُ بالعيون
ولمَّا أنْ أَتيْنا الوقْفَ صبحاً / حَلَلْنا في مَحلّ أبي أمين
فكان مكانه جنَّات عدنٍ / وقد قيل المكانة بالمكين
وأوْسَعَنا من الإِكرام برًّا / وكنَّا من نداه على يقين
نَزَلْنا يا أبا سلمان منه / بقيتَ الدَّهرَ في حصنٍ حصين
أُسامِرُ من أُحِبُّ ولا أُداري / رقيباً يتَّقيه ويتَّقيني
لنا ما نشتهي من كلِّ شيءٍ / يروق إلى المسامع والعيون
ولكن الصّيام أتَى عَلَيْنا / فصُمْنا في الحنين وفي الأَنين
وهنداوِكُم قد صامَ أيضاً / وأَصبحَ عاقلاً بعد الجنون
فهل تَدري بنا مولاي أنَّا / قَهَرْنا جُنْدَ إبليسَ اللَّعين
بطاعة أمرك السَّامي أراه / تَمَسَّكَ منه بالحبل المتين
وسلمانُ الأَشمُّ سَلِمْتَ أضْحى / وفوزي منه تقبيل اليمين
فكَمْ من مِنَّةٍ قُلِّدتُ منه / كما قُلِّدْتُ بالعقد الثمين
سيخطبُ في مدائحه قصيدي / كما خَطَبَ الحَمام على الغصون
وأذكرُهُ وأَشكرُهُ وأُثني / عليه الخير حيناً بعد حين
فلا منعت من الدُّنيا مجاني / مكارمه على مَرِّ السِّنين
ولا فارقتُ منه هاشميًّا / حليف الجود وضَّاح الجبين
أحَلَّتْني مكارمُه مكاناً / أراني النجمَ في الآفاق دوني
فليسَ البرُّ إلاَّ برَّ حُرٍّ / يصونُ المجد بالمال المهين
فلا تَربَتْ يدُ العافين منه / ولا خابَتْ بطلعَتِهِ ظنوني
أما والعَينُ تُبكيها طُلولٌ
أما والعَينُ تُبكيها طُلولٌ / لِمَن تهوى وتُدميها شؤونُ
ألِيَّةَ مغرمٍ يبدي سُلُوًّا / وفي أحشائه الوجد الكمين
يكتِّمُ سِرَّه بالصَّبر حتَّى / يَبوح بِسرِّه الدَّمع الهتون
يطيع غرامه دمعٌ كريمٌ / ويعصي أمْرَهُ صَبْرٌ ضنين
يقول إذا ذكرتُ له عذولاً / له دين وللعشاق دين
لقد فتكت بي الأحداق حتَّى / جُنِنْتُ وما الهوى إلاَّ جنون
وما يُدريك ما طَعَنتْ قدود / مهفهفةٌ وما فتكت عيون
فذا منها وما قَتَلَتْ قتيل / وذا منها وما طَعَنَتْ طعين
ألينُ وأشتكي منها فتقسو / فكم تقسو عليَّ وكم ألين
وإنَّ الظاعنين وإنْ تناءت / عليها لي وإن نزحت ديون
وللمستغرمين بعينِ نجدٍ / غداة البين إذ خَفَّ القطين
قلوبٌ عند كاظمةٍ رهون / وما قُبِضَتْ إذَنْ تلك الرهون
فلا صبرٌ على نأيٍ مقيمٌ / ولا دَمعٌ على سرٍّ أمين