تَعطَّرَ مِن دياركمُ النسيمُ
تَعطَّرَ مِن دياركمُ النسيمُ / وهبَّ فكِدْتُ مِن شوقٍ اهيمُ
وطالَ زمانُ نايكمُ فقلنا / لربعكمُ متى هذا القدومُ
أُعلَّلُ باقترابِ الدارِ قلباً / يُعذَّبُه فراقكمُ الأليمُ
اِذا عاتبتُه فيكم عصاني / وأين مرامُه مما أرومُ
أُريدُ سُلُوَّهُ عنكمُ وفيه / غرامٌ حَرُّ لوعتِه غريمُ
يطالبُني بكم فيزيدُ شوقاً / ودونكمُ تبالَةُ والغميمُ
وفرسانٍ إذا اشتبكَ العوالي / وكلَّحَ خوفَ مِتَها اللئيمُ
رأيتَهمُ وقد نَفَروا خِفافاً / وما شُدَّتْ مِن العَجَلِ الكُلُومُ
مِنَ القومِ الذين نمتْ وطابتْ / مغارسُ أصلِهمْ وزكا ألأُرومُ
بناةُ المجدِ في شرقٍ وغربٍ / يَدُلُّ عليهمُ خُلْقٌ كريمُ
لقد رَزُنوا على النظراءِ حِلماً / واِنْ خفَّتْ بغيرهمُ الحلومُ
ولمّا ثوَّبَ الداعي لحربٍ / وقد كَرَبتْ على ساقٍ تقومُ
تمطَّتْ في أعنَّتِها اليها / عتاقُ الخيلِ يَجرحُها الشكيمُ
فما حَمِيَ الجِلادُ بهم إلى أنْ / رأيتَ القومَ في عَلَقٍ تعومُ
وكم مِن قائلٍ لمّا رآني / ولي دمعٌ على سرَّي نمومُ
تَغَيَّرَ عهدُ مَنْ تهوى سريعاً / وكنتُ تظنُّه مِما يدومُ
اِذا ظلمَ الذي قد كنتَ ترجو / عواطفَ عدلِه فلِمَنْ تلومُ
لقد طُبِعَ الزمانُ على خلافٍ / وأهلُوه فحالُهمُ ذميمُ
صحيحُ الودَّ بينهمُ إذا ما / بلوتَهمُ لتَخْبُرَهمْ سقيمُ
وروضٍ بتُّ فيه حليفَ راحٍ / وقد مالتْ إلى الغربِ النجومُ
أُروَّحُ بالمُدامةِ فيه قلباً / غَلَبنَ على مسرَّتهِ الهمومُ
أرقُّ مِنَ النسيمِ إذا تمشَّى / عليلاً في جوانبهِ النسيمُ
كأنَّ حَبابَها في الكأْسِ وهناً / على وَجَناتِها درٌّ نظيمُ
يكادُ يطيرُ مِن فرحٍ إذا ما / أُديرتْ في زجاجتِها النَّديمُ
على روضٍ جِمامُ الماءِ فيه / يسيحُ فيرتوي منه الجَميمُ
غدا النُّوّارُ مبتسماً أنيقاً / غداةَ بكتْ على الروضِ الغيومُ
وربعِ هوًى سقاه مِن دموعي / هزيمٌ باتَ يَتبعُه هزيمُ
وقفتُ على معالمهِ ونِضْوي / طليحٌ قد أضرَّ به الرسيمُ
فجدَّدتِ الشجونَ لنا بليلي / وجيرتِها المرابعُ والرسومُ
فلا زمنٌ نَلَذُّ به ابتهاجاً / وقد بانتْ ولا عيشٌ حليمُ
فمَنْ للهائمِ الولهانِ يوماً / اِذا ما عادَهُ الوجدُ القديمُ
وطالَ عليه والتَّذكارُ يذكي / ضِرامَ غليلِه الليلُ البهيمُ
ولاحَ البرقُ مِن أعلامِ رضوى / فأمسى لا ينامُ ولا يُنيمُ
فمِنْ كَبِدٍ مضرَّمةٍ وعينٍ / تبيتُ لكلَّ لامعةٍ تَشيمُ
ومِن نظمٍ أُنضَّدُهُ ونثرٍ / سَقتْهُ خلاصةَ الأدبِ العلومُ
سأنشرُ منه ما قد ماتَ دهراً / ويَشكرُني له عَظْمٌ رميمُ
ويُسعِدُني على المختارِ منه / اِذا حبَّرتُه فكرٌ سليمُ
له النسبُ المؤثَّلُ في البوادي / ومِن أبياتِ مفخرِها الصميمُ
فأشعارُ الأنامِ له عبيدٌ / بحكمِ الفضلِ وهو لها زعيمُ