القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مَعرُوف الرُّصافِيّ الكل
المجموع : 4
أرى للروح بالبدن اتصالاً
أرى للروح بالبدن اتصالاً / خَفيّاً لا تبين له رسوم
تطيف به الهواجس شاعرات / وتعجز عن حقيقته الفهوم
فإن الروح للجثمان تلو / به منها ومنه بها وسوم
يتم كلاهما هذا بهذا / كذلك تمّ أمرهما القويم
فلا جسد يقوم بغير روح / ولا روح بلا جسد تقوم
هما متلازمان فما لكلٍ / بغير قرينه أبداً لزوم
لذلك كانت الأرواح منا / بحيث تهي إذا وهتِ الجسوم
ولست أظنّ أن الروح تبقى / إذا مُحيِت من الجسد الرسوم
وربَّتَما يكون لها دوام / ولكنْ غير شاعرة تدوم
وما هبطت من الخضراء لكن / من الغبراء أنبتها الحكيم
وأما هذه الأجسام منا / فتبنيها الماكل والطعوم
وتُرويها المشارب والمحاسي / وتذويها اللوافح والسموم
ويُوهِنها التقشَف والتضنّي / ويحسنها التترّف والنعيم
ويعض من مطاعمنا غذاء / تُحاك على العظام به اللحوم
وبعض من مطاعمنا وَقود / تُديم به حرارتها الجسوم
له في جوف آكله احتراق / تكون رَمادَه فيها الشحُوم
وللأرواح كالأجساد زادٌ / به تنمو المشاعر والحُلوم
هو النَغَم الرقيق من المثاني / هو الأدب الرفيع هو العلوم
فإن الروح تغذوها الأغاني / ويجلو هَمها الصَوت الرخيم
ويصقلها الجمال إذا رأته / وتصدئها القبائح والهموم
فلا تنفر بسمعك من غناءٍ / به غنّتك شادية بغوم
ولا تترفَعنّ عن الملاهي / ولو شهدتْ برفعتك النجوم
وكن في المُطربات فتىً طروباً / فإن الناس أطربُها الكريم
وقف عند الحدود بلا تعدّ / إلى ما ليس يحمده الحليم
ولا تشتطَّ في طرب ولهو / فكلّ مُقارفٍ شَططاً ذميم
فإن وافقتني وجربت جَريي / وإلا فاتَك الطبع السليم
قضى والليل معتكر بهيم
قضى والليل معتكر بهيم / ولا أهل لديه ولا حميم
قضى في غير موطنه قتيلاً / تمجّ دمَ الحياة به الكلوم
قضى من غير باكية وباك / ومن يبكي إذا قتل اليتيم
قضى غضَّ الشبيبة وهو عفّ / مُطهّرة مآزره كريم
سقاه من الردى كأساً دهاقاً / عفاف النفس والعرض السليم
تجرّعها على طرب ولكن / بكف اليتم ليس له نديم
على حين الربابة في نواح / يساجلها به العود الرخيم
بحيث رقائق الألحان كانت / بها الأشجان طافية تعوم
كأنّ ترنم الأوتار نعيٌ / وصمت السامعين لها وجوم
فجاء الموت ملتفعاً بخزي / ومِلْء إهابه سفهٌ ولوم
فأطلق من مسدسه رصاصاً / به في الرمي تنخرق الجسوم
فخرّ إلى الجبين به نعيم / كما انقضّت من الشهب الرجوم
فإن مودّعاً بعد ارتثات / حياة لا تناط بها الوصوم
لئن لم تبك من أسف عليه / سفاهتنا فقد بكت الحلوم
ولودرت النجوم له مصاباً / بكته على ترفعّها النجوم
عسى الشهباء تثأره فتبدي / إلى الزوراء ما يبدي الخصيم
ولم يقتله إبراهيم فيما / أرى بل إن قاتله سليم
أليس سليم الملعون أغوى / نعيماً فهو شيطان رجيم
وأخرجه من الشهباء غراً / بتيماً ماله أبداً زعيم
وجاء به إلى بغداد حتى / تخرّمه بها قتل أليم
سأبكيه ولم أعبأ بسلاح / وأندبه وإن سخط العموم
ولّما أن ثوى ناديت أرّخ / ثوى قتلاً بلا مهل نعيم
لدار شِنِلَّر في القدس فضل
لدار شِنِلَّر في القدس فضل / به تَنْسَى تَيَتُّمها اليتامى
وبحمده من الفقراء طفل / يذُمّ لفقد والده الحِماما
بها يجد اليتيم لهُ مقاماً / إذا ما الدهر أفقده المقاما
يرى عن أمه أماً عَطوفا / عليه وعن أبيه أباً هُماما
تُمِيت نهارها فيه ليَحْيا / وتُحْيي الليل فيه لكي يناما
فتُشْرِب نفسَه حبّ المعالي / وتطعم جسمه منها الطعاما
وتَرْأم كل من فُجعوا بيُتم / صغاراً قبل ما بلغوا الفِطاما
ويدخلها يتيم القوم طفلاً / فتُخرجه لهم يَفَعاً غلاما
عليماً بالحياة يسير فيها / على علم فيَخْترِق الزحاما
وقد لبِس الفضيلة وارتداها / وشَدّ عليه من حَزمِ حزاما
وقفت بها أعاطيها التَحايا / وأستسقي لساكنها الغَماما
وأشكر فضلها والشكر عَجْز / إذا هو لم يكن إلا كلاما
أدار شنلّر لا زلت مأوىً / لأبناء الأرامل والأيامى
أثابَكِ مالك الملكوت عنهم / مَثُوبة كل من صلّى وصاما
ضَمِنتِ لهم رغيد العيش حتى / أخذت على الزمان لهمِ ذماما
وجار الدّهر مُعتدِياً عليهم / فكنت لهم من الدهر انتقاما
إذا ما أبكت الدنيَا يتيماً / أعدتِ بكاءه منه ابتساما
لقد هَوَّنت رُزء اليتم حتى / غفرنا للزمان بك الأثاما
وكاد إذا رأى مغناك راء / يَوَدّ بأن يكون من اليتامى
ليَمْكُث فيك مُغتبطَاً سعيداً / ويكسب عندك الشرف الجُساما
ويعلم كيف يدّرع المعالي / ويعرِف كيف يَبْتِدر المَراما
وما فَقَد المسيحَ الناسُ لمّا / أعدتِ لهم خلائقه الكراما
فنُبْت عن المسيح وقمت حتى / لقد شكر المسيح لك القياما
ولا عجبٌ فقد جَدَّدت منه / عواطف كان عمّ بها الأناما
شَمَخْت على رُبا القدس اعتلاءً / فكنت لهنّ من شرف وساما
ولُحْت بأفْقها بدراً منيراً / جلا من ليل أبْؤسها الظلاما
ألا أن النجوم بشِعرَيَيَهْا / لتَحَسُد من مَرابعك الرغاما
هزَزْت الطُور فهو يكاد يمشي / إليك على تَقَدُّسه احتراما
وجاذَبْتِ الكرامة خير قبر / به دُفِن المسيحِ ومنه قاما
تباهي القدس مكة فيك حتى / تفاخر فيك مشَعرَهَا الحراما
فلا برِحتُ رُبوعك عامرات / نسُلّ على الشقاء بها حساما
أكبّ على الخِوان وكان خِفّا
أكبّ على الخِوان وكان خِفّا / فلمّا قام أثقله القيام
ووالَىِ بينها لُقماً ضِخاماً / فما مَرِئت له اللُقم الضخام
وعاجَل بلعَهنّ بغير مضغ / فهنّ بفيه وضع فالْتهام
فضاقّت بطنه ِشبعا وشالت / إلى أن كاد ينقطع الحزام
فأرسلت اللحاظ إليه شَزْراً / وقلت له روَيدك يا غلام
أرى اللقمات تأخذها حلالاً / فتدخل فاك وهي به حرام
قد انتضدت بجوفك مُفردات / تخلَّل بينها الداء العُقام
أتزدرد الطعام بغير مضغ / على أيام صحتك السلام
فلا تأكل طعامك بأزدراد / معاجلةً فيأكلَك الطعام
ألا أن الطعام دواء داء / به ابتُليَت من القِدم الأنام
فداوِ سَقام جُوعك عن كَفاف / فأكثار الدواء هو السَقام
وما أكل المطاعم لألتِذاذ / ولكن للحياة بها دوام
طعام الناس أعجب ما أحبّوا / فمنه حياتهم وبه الحِمام
يقودهم الزمان إلى المنايا / وما غير الطعام لهم ِزمام
وأعجب منه أن الناس راموا / تنَوُّعه ألا بئس المرام
إذا أستَعصى القَفار عليك أكلاً / كفاك من القَراح له أدام
حَذارِ حذار من جَشَع فإني / رأيت الناس أجْشعها اللئام
وأغبى العالمين فتىً أكول / لفِطنَتِه ببِطنَتِه انهزام
ولو أني استطعت صيام دهري / لصمت فكان دَيدَنيَ الصيام
ولكن لا أصوم صيام قوم / تكاثر في فُطورهم الطعام
إذا رمضان جاءهم أعَدُّوا / مَطاعم ليس يُدركها انهضام
فإن وضح النهار طَوَوا ِجياعاً / وقد نهِموا إذا اختلط الظلام
وقالوا يا نهار لئن تُجِعنا / فإن الليل منك لنا انتقام
وناموا مُتْخَمين على امتلاء / وقد يتجَشّؤُون وهم نيام
فقل للصائمين أداء فرض / ألا ما هكذا فُرض الصيام

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025