المجموع : 4
أرى للروح بالبدن اتصالاً
أرى للروح بالبدن اتصالاً / خَفيّاً لا تبين له رسوم
تطيف به الهواجس شاعرات / وتعجز عن حقيقته الفهوم
فإن الروح للجثمان تلو / به منها ومنه بها وسوم
يتم كلاهما هذا بهذا / كذلك تمّ أمرهما القويم
فلا جسد يقوم بغير روح / ولا روح بلا جسد تقوم
هما متلازمان فما لكلٍ / بغير قرينه أبداً لزوم
لذلك كانت الأرواح منا / بحيث تهي إذا وهتِ الجسوم
ولست أظنّ أن الروح تبقى / إذا مُحيِت من الجسد الرسوم
وربَّتَما يكون لها دوام / ولكنْ غير شاعرة تدوم
وما هبطت من الخضراء لكن / من الغبراء أنبتها الحكيم
وأما هذه الأجسام منا / فتبنيها الماكل والطعوم
وتُرويها المشارب والمحاسي / وتذويها اللوافح والسموم
ويُوهِنها التقشَف والتضنّي / ويحسنها التترّف والنعيم
ويعض من مطاعمنا غذاء / تُحاك على العظام به اللحوم
وبعض من مطاعمنا وَقود / تُديم به حرارتها الجسوم
له في جوف آكله احتراق / تكون رَمادَه فيها الشحُوم
وللأرواح كالأجساد زادٌ / به تنمو المشاعر والحُلوم
هو النَغَم الرقيق من المثاني / هو الأدب الرفيع هو العلوم
فإن الروح تغذوها الأغاني / ويجلو هَمها الصَوت الرخيم
ويصقلها الجمال إذا رأته / وتصدئها القبائح والهموم
فلا تنفر بسمعك من غناءٍ / به غنّتك شادية بغوم
ولا تترفَعنّ عن الملاهي / ولو شهدتْ برفعتك النجوم
وكن في المُطربات فتىً طروباً / فإن الناس أطربُها الكريم
وقف عند الحدود بلا تعدّ / إلى ما ليس يحمده الحليم
ولا تشتطَّ في طرب ولهو / فكلّ مُقارفٍ شَططاً ذميم
فإن وافقتني وجربت جَريي / وإلا فاتَك الطبع السليم
قضى والليل معتكر بهيم
قضى والليل معتكر بهيم / ولا أهل لديه ولا حميم
قضى في غير موطنه قتيلاً / تمجّ دمَ الحياة به الكلوم
قضى من غير باكية وباك / ومن يبكي إذا قتل اليتيم
قضى غضَّ الشبيبة وهو عفّ / مُطهّرة مآزره كريم
سقاه من الردى كأساً دهاقاً / عفاف النفس والعرض السليم
تجرّعها على طرب ولكن / بكف اليتم ليس له نديم
على حين الربابة في نواح / يساجلها به العود الرخيم
بحيث رقائق الألحان كانت / بها الأشجان طافية تعوم
كأنّ ترنم الأوتار نعيٌ / وصمت السامعين لها وجوم
فجاء الموت ملتفعاً بخزي / ومِلْء إهابه سفهٌ ولوم
فأطلق من مسدسه رصاصاً / به في الرمي تنخرق الجسوم
فخرّ إلى الجبين به نعيم / كما انقضّت من الشهب الرجوم
فإن مودّعاً بعد ارتثات / حياة لا تناط بها الوصوم
لئن لم تبك من أسف عليه / سفاهتنا فقد بكت الحلوم
ولودرت النجوم له مصاباً / بكته على ترفعّها النجوم
عسى الشهباء تثأره فتبدي / إلى الزوراء ما يبدي الخصيم
ولم يقتله إبراهيم فيما / أرى بل إن قاتله سليم
أليس سليم الملعون أغوى / نعيماً فهو شيطان رجيم
وأخرجه من الشهباء غراً / بتيماً ماله أبداً زعيم
وجاء به إلى بغداد حتى / تخرّمه بها قتل أليم
سأبكيه ولم أعبأ بسلاح / وأندبه وإن سخط العموم
ولّما أن ثوى ناديت أرّخ / ثوى قتلاً بلا مهل نعيم
لدار شِنِلَّر في القدس فضل
لدار شِنِلَّر في القدس فضل / به تَنْسَى تَيَتُّمها اليتامى
وبحمده من الفقراء طفل / يذُمّ لفقد والده الحِماما
بها يجد اليتيم لهُ مقاماً / إذا ما الدهر أفقده المقاما
يرى عن أمه أماً عَطوفا / عليه وعن أبيه أباً هُماما
تُمِيت نهارها فيه ليَحْيا / وتُحْيي الليل فيه لكي يناما
فتُشْرِب نفسَه حبّ المعالي / وتطعم جسمه منها الطعاما
وتَرْأم كل من فُجعوا بيُتم / صغاراً قبل ما بلغوا الفِطاما
ويدخلها يتيم القوم طفلاً / فتُخرجه لهم يَفَعاً غلاما
عليماً بالحياة يسير فيها / على علم فيَخْترِق الزحاما
وقد لبِس الفضيلة وارتداها / وشَدّ عليه من حَزمِ حزاما
وقفت بها أعاطيها التَحايا / وأستسقي لساكنها الغَماما
وأشكر فضلها والشكر عَجْز / إذا هو لم يكن إلا كلاما
أدار شنلّر لا زلت مأوىً / لأبناء الأرامل والأيامى
أثابَكِ مالك الملكوت عنهم / مَثُوبة كل من صلّى وصاما
ضَمِنتِ لهم رغيد العيش حتى / أخذت على الزمان لهمِ ذماما
وجار الدّهر مُعتدِياً عليهم / فكنت لهم من الدهر انتقاما
إذا ما أبكت الدنيَا يتيماً / أعدتِ بكاءه منه ابتساما
لقد هَوَّنت رُزء اليتم حتى / غفرنا للزمان بك الأثاما
وكاد إذا رأى مغناك راء / يَوَدّ بأن يكون من اليتامى
ليَمْكُث فيك مُغتبطَاً سعيداً / ويكسب عندك الشرف الجُساما
ويعلم كيف يدّرع المعالي / ويعرِف كيف يَبْتِدر المَراما
وما فَقَد المسيحَ الناسُ لمّا / أعدتِ لهم خلائقه الكراما
فنُبْت عن المسيح وقمت حتى / لقد شكر المسيح لك القياما
ولا عجبٌ فقد جَدَّدت منه / عواطف كان عمّ بها الأناما
شَمَخْت على رُبا القدس اعتلاءً / فكنت لهنّ من شرف وساما
ولُحْت بأفْقها بدراً منيراً / جلا من ليل أبْؤسها الظلاما
ألا أن النجوم بشِعرَيَيَهْا / لتَحَسُد من مَرابعك الرغاما
هزَزْت الطُور فهو يكاد يمشي / إليك على تَقَدُّسه احتراما
وجاذَبْتِ الكرامة خير قبر / به دُفِن المسيحِ ومنه قاما
تباهي القدس مكة فيك حتى / تفاخر فيك مشَعرَهَا الحراما
فلا برِحتُ رُبوعك عامرات / نسُلّ على الشقاء بها حساما
أكبّ على الخِوان وكان خِفّا
أكبّ على الخِوان وكان خِفّا / فلمّا قام أثقله القيام
ووالَىِ بينها لُقماً ضِخاماً / فما مَرِئت له اللُقم الضخام
وعاجَل بلعَهنّ بغير مضغ / فهنّ بفيه وضع فالْتهام
فضاقّت بطنه ِشبعا وشالت / إلى أن كاد ينقطع الحزام
فأرسلت اللحاظ إليه شَزْراً / وقلت له روَيدك يا غلام
أرى اللقمات تأخذها حلالاً / فتدخل فاك وهي به حرام
قد انتضدت بجوفك مُفردات / تخلَّل بينها الداء العُقام
أتزدرد الطعام بغير مضغ / على أيام صحتك السلام
فلا تأكل طعامك بأزدراد / معاجلةً فيأكلَك الطعام
ألا أن الطعام دواء داء / به ابتُليَت من القِدم الأنام
فداوِ سَقام جُوعك عن كَفاف / فأكثار الدواء هو السَقام
وما أكل المطاعم لألتِذاذ / ولكن للحياة بها دوام
طعام الناس أعجب ما أحبّوا / فمنه حياتهم وبه الحِمام
يقودهم الزمان إلى المنايا / وما غير الطعام لهم ِزمام
وأعجب منه أن الناس راموا / تنَوُّعه ألا بئس المرام
إذا أستَعصى القَفار عليك أكلاً / كفاك من القَراح له أدام
حَذارِ حذار من جَشَع فإني / رأيت الناس أجْشعها اللئام
وأغبى العالمين فتىً أكول / لفِطنَتِه ببِطنَتِه انهزام
ولو أني استطعت صيام دهري / لصمت فكان دَيدَنيَ الصيام
ولكن لا أصوم صيام قوم / تكاثر في فُطورهم الطعام
إذا رمضان جاءهم أعَدُّوا / مَطاعم ليس يُدركها انهضام
فإن وضح النهار طَوَوا ِجياعاً / وقد نهِموا إذا اختلط الظلام
وقالوا يا نهار لئن تُجِعنا / فإن الليل منك لنا انتقام
وناموا مُتْخَمين على امتلاء / وقد يتجَشّؤُون وهم نيام
فقل للصائمين أداء فرض / ألا ما هكذا فُرض الصيام