بَدَتْ أعلامُها فهفا وهامَا
بَدَتْ أعلامُها فهفا وهامَا / سلاماً دُرَّةَ الوادي سلاَمَا
بعثْنَا بالتحيَةِ خَفْق قلبٍ / يطيرُ إليكِ شوْقاً واضطراما
تحياتٌ إذا رفَّتْ أثارتْ / أريجَ المسكِ أو ريحَ الْخُزامى
نظمْنَا لؤلؤَ الفِرْدَوسِ فيها / وسمَيناه تضليلاً كلاما
عروسَ الشرقِ دونكِ كُلُّ مَهْرٍ / وأين لمِثل مهرِك أنْ يُساما
فجوهرُ ثغرِكِ الفتَانِ فَرْدٌ / تأبَّى أَنْ يرىَ فيه انقساما
بَهرْتِ بني الزمانِ حُلىً وحُسناً / ودلَّهتِ الأواخرَ والقدامَىَ
فمكُسكِ مُشْرِقُ البسماتِ ضاحٍ / ورملُكِ جنَةٌ طابت مُقامَا
ترامَى المْوجُ فوق ثَراه صَبَاً / وكم صَبٍّ تمنى لو تَرامى
ونزهتكِ البديعةُ ما أحيلى / وما أبهَى اتَساقاً وانسجاما
إذا انتثرتْ أزاهرُها نِثارا / جمعن الحسنَ فانتظم انتظاما
جرى التاريخُ بين يَدَيْكِ طفلاً / وشمس الأفقِ لم تَعْدُ الفِطاما
وصال البحرُ حولكِ منذُ مينا / عظيماً يدفَعُ الكُرَبَ العِظاما
يحوطُ حماكِ أبيضَ أَحْوَذيَاً / كما جرَدتِ من غمدٍ حُساما
فكم غازٍ به أمسى رميماً / وكم فُلْكٍ به أمست حُطَامَا
يمدُّ يَدَيه نحوكِ في حنانٍ / ويغمرُكِ اعتناقاً واستلاما
ويشدو في مسامعكِ الأغاني / بلحنٍ علَّم السجعَ الحَماما
بعثتِ النورَ من زمنٍ تولَّى / وكنتِ لنهضةِ العِلْمِ الدِعاما
وفي فجرِ الزمانِ طلعتِ فجراً / على الدنيا فأيقظتِ النِياما
دهتك نوازلٌ لو زُرْنَ رَضْوَى / لما أبقَيْنَ رَضْوَى أو شمامَا
فكم بعثوا عَلَى ظَمأٍ غَماماً / لئيمَ البرقِ قد حَجب الغماما
أبابيلاً نشأنَ مُلَعَّناتٍ / تسوقُ أمامها الموتَ الزُؤاما
وأسراب الجحيمِ مُحلِّقاتٍ / إذا ما حوَمتْ قذفتْ ضِرامَا
فلا أمَاً تركن ولا رضيعاً / ولا شيخاً رحِمْن ولا غلاما
وخلفَكِ رابضاً جيشٌ لُهامٌ / يصولُ مُناجزاً جيشاً لُهَاما
إلى العلمين أبدَى ناجذَيْه / وزمجَرَ غاضباً وسطا وحاما
وهوَّل ما يهوِّلُ واستطارت / بُروقٌ تنشُرُ النبأَ الجُسَاما
فما أطلقتِ صيحةَ مُستجيرٍ / ولا شرَدْتِ عن عينٍ مناما
تحدَيتِ الخطوبَ تزيدُ هَوْلاً / فتزدادين صبراً واعتِزاما
إذا عصفتْ بجْوِّكِ عابساتٍ / ملأتِ الجوَّ هُزْءاً وابتساما
عمودُكِ في سمائِكِ مُشْمخرٌّ / عليه السحْبُ ترتطمُ ارتطَامَا
وحصنُكِ لا يلينُ له حديدُ / ولو شُهُبُ الدُجَى كانت سهاما
وصخرُكِ لا يزال اليومَ صخراً / يفُلُّ عزائماً ويشقُّ هَاما
أتَوْكِ مُناجزين أسودَ غابٍ / وشالوا بعد نكبتهم نَعاما
ومن يكن الإلهُ له نصيراً / فحاشا أن يُضَيَعَ أو يُضاما
أحقاً أنَ ليلكِ صار ليلاً / وَمغْنَى اللهوِ قد أمسى ظلاما
وأنَ حِدادَ ليلِكِ طرَزتْه / دُموعٌ للثواكِل واليتامى
وأنَ ملاعباً ضحِكَتْ زماناً / غدت بيد البِلَى طلَلاً رُكَاما
وأنَ الغيدَ فيكِ وكنَ زَهْراً / تحَيرن الْخُدورَ لها كِمَامَا
وأنَ البحرَ لم ينعَمْ بوجهٍ / صَباحيٍّ ولم يهصِرْ قَواما
ولم تَمشِ السواحرُ فيه صُبْحاً / ولم تملأ شواطئَه غراما
حَناناً إنها شِيَمُ الليَالي / إذا كشَفْن عن غَدْرٍ لِثاما
ولولا صَوْلةُ الأحداثِ فينا / لما عرَف الورَى حمداً وذاما
وقد يُخفي الهلالَ مِحاق ليْلٍ / ليظهرَ بعده بدراً تمامَا
أبنتَ البحرِ والذكرَى شُجونٌ / إذا لمستْ فؤاداً مُستهاما
ذكرتُ صِبايَ فيكِ وأين منَي / صباي إلامَ أنشُدُه إلاما
فعذراً إن وصلتُكِ بعد هجرٍ / وما هَجَر الذي حفِظ الذِمَامَا
فهل تَدْرِي النوَى أنَا التقيْنا / كما ضمَ الهوى قُبلاً تُؤَاما
وأنَا بين عَتْبٍ واشتياقٍ / نناغي الحبَ رشْفاً والتزاما
سعَى لكِ من حُماةِ الطبِ حَشْدٌ / فكنتِ كريمةً لاقتْ كِراما
إذا اختلفوا لوجهِ الحقِّ يوماً / مشَوْا للحقِ فالتأموا التئاما
ملائكةٌ إذا لَمَسوا عليلاً / أزاحا الداءَ واستلُّوا السَقَاما
وجندٌ في شجاعتِهم حياةٌ / إذا جلَب الجنودُ بها الحِماما
فكم أودَى بهم داءٌ عُقامٌ / إذا ما حاربوا داءً عُقاما
أمَاماً يا رجالَ الطبِّ سيروا / فإنَ لكلِّ مَرْحَلةٍ أمامَا
أقمتم مِهْرجانَ الطبِّ يحُيي / مَعالمَ دَرْسِه عاماً فعاما
وطفتم حوْلَ شيخٍ عبقريٍّ / فألقيتم بكفْيِّهِ الزِماما
دعوناه أبا حسنٍ عليَاً / فقلتم نحن ندعوه الإماما
وفودَ العُربِ غنَاكم قريضي / وحنَ إلى معاهدكم وهاما
رمَى الشرقُ الغمامةَ بعد لأيٍ / وألقى تحت رجْلَيْه الخِطاما
عقدنا للعرُوبةِ فيه عهداً / فلا وَهْناً نخافُ ولا انفصاما
تَلُمُّ شتاتَنا أَنَّى نزلنا / حِجازاً أو عِراقاً أو شَآما
ونمشي إن دعتْ صَفَاً فصفَاً / نصافحُ تحتَ رايتِها الوِئاما