أتدري الريحُ من ملكتْ زمامهْ
أتدري الريحُ من ملكتْ زمامهْ / تشقُّ الغربَ أو تطوي ظلامهْ
هَفَتْ للشرق فاختلجتْ جناحاً / بهِ واستقبلت لثماً غمامهْ
وقيلَ دنا وحوَّم فاشرأبّتْ / ضفافُ النيل تستهدي حِيامَهْ
وعانقه الصباحُ على رُباها / غضيضَ الطَّرفِ لم ينفضْ منامهْ
يضيء بورده الأزليِّ أُفقاً / تُظلِّلهُ الرعايةُ والسلامهْ
وواكبَهُ على سيناءَ برقٌ / بعينِ الملهمين رنا فشامهْ
تمثَّلَ إذْ تألّقَ ذكرياتٍ / وأمجاداً مشهّرةً مُسامهْ
لمحتربٍ مِنَ الأبطال فادٍ / يخاف الدهرُ أن يَلقى عُرامهْ
حواريٌّ على كفّيهِ قلبٌ / أَبى غيرَ الشهامة والكرامهْ
نحيفٌ مِن شُراةِ الخلد يحمِي / تراثَ الشرق أو يرْعى ذمامهْ
كسَتهُ خُشنةً غِيرُ الليالي / وسلَّتْ عزمه وجلتْ حُسامهْ
أَشدّ على قواضبها مراساً / وأَنفذ مِن مضاربها هُمامهْ
أَقام على الفلاة طريدَ ظلمٍ / وذِيدَ فما أطاق بها مقامهْ
وبايعَ في شبيبته المنايا / فعادت منه وادَّرأتْ حمامهْ
أحلُّوا قتله وتطلّبوهُ / دماً حراً وروحاً مستهامهْ
تُنَسِّي الحربُ كلَّ فتىً هواه / ولا يَنسَى الكميُّ بها غرامهْ
زئيرُ الليثِ يطربُ مسمَعيهِ / وتُشجيهِ بِرَنَّتِها الحمامهْ
ووثبُ الخيل أفراسُ الأماني / إِلى خَطَرٍ تعشَّقه ورامهْ
يَصُفُّ البيض والسُّمر العوالي / ويرقبُ مِن فم الصُّبح ابتسامهْ
ويفرُك راحتيهِ دماً وناراً / يُغَنِّي حُبَّهُ ويُديرُ جامهْ
كذاك رأى الحياة فما احتواها / ولا عرفَ الملالة والسآمهْ
مفازعُ للرَّدى إن لاح فَرّتْ / وراءَ خطاهُ وارتدّتْ أمامهْ
أخا الهيجاءِ كيفَ شهِدْتَ حَرْباً / يُذكّرُ هولُها يومَ القيامهْ
وكيف رأيتَ بعد الحرب سِلْماً / تملأُ بالضغينةِ واللآمهْ
وقالوا عالَمٌ قد جَمّلوهْ / فلم يَعْدُ الشناعةَ والدمامهْ
تناثرتِ الممالكُ فيهِ حتى / لتعجزَ أن تُبينَ لها حطامهْ
متاهاتٌ تضلُّ بها الليالي / ولا يدري بها فَلَكٌ نظامهْ
فلسطينُ الشهيدةُ في دجاه / مَفزّعةُ الخواطِرِ مستضامهْ
أَقام المستبدُّ على حماها / فعاث بها وأفردها طغامهْ
وجاء بآبقٍ لَفظَتْهُ دارٌ / وأفَّاقٍ يُحمِّلُها أثامهْ
أباح له على كيْدٍ جناها / وشاطره على خُبثٍ مدامهْ
وعلّمهُ الرمايةَ واجتباه / فسدّد في مقاتله سهامهْ
نديمُ الأمس سَقَّاهُ بكأسٍ / أحسَّ لهيبها ورأى ضرامهْ
رمى الشيطانُ عن فخَّارتيها / وعضَّ على نواجذه ندامهْ
ألا لا يمرح الباغون فيها / فلن ينسَى لها الحقُّ انتقامهْ
مُحالٌ أن تَطيبَ لهم حياةٌ / عليها أو تدوم لهم إِقامهْ
عروبتُها على الأدهار أبقى / وأثبتُ من رواسخها دِعامهْ
أتهدأ وهي في الغمرات تأسو / جريحاً أو تشدُّ له ضِمامهْ
ومفتيها الأمينُ ومفتديها / وراءَ تخومها يشكو هيامهْ
فتى أحرارها ما عابَ عنها / ولا منع الخيالَ بها لِمامهْ
كأمسِ كعهدها لم يغْفُ عيناً / بليلٍ أَقسمتْ ألَّاَ تنامهْ
يؤلّفُها على الأحداث صفاً / جسورَ النفس جبّار العُرامهْ
جهادٌ في العروبة واحتشادٌ / له التاريخ قد أَلقى زمامهْ
أَخا الصَّبَواتِ هل شَفَتِ الليالي / جراحَ القلب أو روَّتْ أُوامهْ
حَللتَ بسوريا بعد اغتراب / وقد كاد الجلاءُ يُتِمُّ عامهْ
فقلتُ تحيّةُ الزمن المعادِي / لمقتتلٍ أطال بهِ صدامهْ
وأشرقتِ الكتائبُ عن لواءٍ / يَدُ الشهداءِ لم تتركْ عِصامهْ
لأصهبَ من أُسودِ الحرب يمشي / بأصهَبَ تُمسِكُ الدنيا لجامهْ
حواكَ جلالة فحنيت رأساً / ولم تخفِضْ لجبّارين هامهْ
طريقُ المجد كم أَثرٍ عليه / لأهوالٍ لقِيتَ وكم علامهْ
وكم جبل هبطتَ برأس وادٍ / يعزُّ الجنَّ أن ترقَى سنامهْ
حميتَ الغاصبين خُطىً إليه / فصان عراقه وحمى شآمهْ
بجيش من بَني عدنان فادٍ / ترَى نسراً بهِ وترى أُسامهْ
يروعكَ خالدٌ فيهِ وتلقى / عُبَيْدَةَ وهو في سيفٍ ولامهْ
كأن الفاتحين مِن الأوالي / على أسيافهم رفعوا خيامهْ
حُماة الشرق كم في الغرب باغٍ / عليهِ أذاقه بطشاً وسامهْ
وكم أيْدٍ عليه مُجرّداتٍ / مخالبَ كاسرٍ يبغي التهامهْ
ذئاب حول جنَّتِهِ تعاوَى / كأن بها إِلى دمه نهامهْ
فهزُّوه صوارمَ مشرعاتٍ / تشقُّ بكلِّ مُعْتركٍ زحامهْ
هو السيفُ الأصمُّ إذا تغنَّى / صغا متجبّرٌ ووعَى كلامهْ
أَعِدوا حده لصراع دهر / صريعُ الوهم من يرجو سلامهْ