المجموع : 6
أَلا للّه ما صنع الحِمامُ
أَلا للّه ما صنع الحِمامُ / وما وارَتْ بساحتها الرِّجامُ
طوى مَن لا سبيلَ إلى لقاهُ / وإنْ جدّ التّطَلُّبُ والمَرامُ
وكيف لقاءُ مَن دهتِ اللّيالي / وغرّبه صباحٌ أو ظلامُ
وهيهات المطامعُ في أُناسٍ / أقاموا حيث لا يُغني المقامُ
ثَوَوْا متجاورين ولا لقاءٌ / وناجَوْا واعظين ولا كلامُ
خُلقنا للفناءِ وإنْ غُرِرْنا / بإيماضٍ من الدُّنيا يُشامُ
ونُبصِرُ مِلْءَ أعيننا فعالَ الر / رَدى وكأنّنا عنه نِيامُ
وتحلو مَذْقَةُ الدّنيا لحيٍّ / له من بعدها كأسٌ سِمامُ
غمامٌ من مواعدها جَهامٌ / وأسبابٌ لِجدْواها رِمامُ
وما الأحزانُ والأفراحُ فيها / وَإِنْ طاوَلنَنا إلّا مَنامُ
وَلَو علم الحَمامُ كما علمنا / من الدّنيا لما طَرِب الحَمامُ
سلامُ اللَّه غادٍ كلَّ يومٍ / على مَن ليس يبلغه السّلامُ
على عَبِقِ الثّرى خَضِلِ النّواحي / وإنْ لم يُستَهلَّ له الغَمامُ
مضى صِفْرَ الحقيبةِ من قبيحٍ / غريباً في صحيفته الأثامُ
نقيَّ الجيبِ عَفَّ الغيبِ بَرٌّ / حرامٌ ليس يألفه الحرامُ
من القومِ الأُلى دَرَجوا خِفافاً / وزادُهُم صلاةٌ أو صيامُ
لهمْ في كلّ مَأْثُرَةٍ حديثٌ / كما طابتْ لناشقها المُدامُ
مضوا وكأنّهمْ من طيبِ ذكرٍ / تراه مخلّداً لهمُ أقامُوا
تعزَّ أبا عليٍّ فالرّزايا / مَتى تَعدوك لَيسَ لها اِحتِرامُ
وما صابتْ سهامُ الموت خلقاً / إذا طاشتْ له عنك السّهامُ
وغيرُك مَن تُثقّفه التّعازي / ويعدِلُ من جوانبه الكلامُ
فإنّك مَن تَجافى العَتْبُ عنه / وأَعْوَزَ في خلائقه الملامُ
أشاعرةٌ بما نلقى ظَلومُ
أشاعرةٌ بما نلقى ظَلومُ / فما نلقى وإنْ حَقَرَتْ عظيمُ
ولو صدق الوشاةُ إليك عنّي / لقالوا إِنّه دَنِفٌ سقيمُ
أفاقوا من هوىً فلَحَوْا عليه / ومن لا يعرف البَلْوى يلومُ
يلوم على الهوى مَن ليس يدري / بأنّ ضَنَى الهوى داءٌ قديمُ
وناموا والهوى سَقَمٌ دَخيلٌ / طويلٌ لا ينام ولا يُنِيمُ
وليلةَ زارنا منكمْ خيالٌ / وجِلْدُ اللّيل من وَضَحٍ بَهيمُ
وأَحسبُهُ الضّجيعَ على وسادي / وما رام اللّقاءَ ولا يرومُ
وكيف يزور من بلدٍ بعيدٍ / ولا عَنَقٌ هناك ولا رسيمُ
ومعشوقٍ له نطقٌ رخيمٌ / يُدِلُّ به ومُنْتَطَقٌ هضيمُ
لنا من لفظهِ درٌّ نَثيرٌ / ومن ثَغرٍ له درٌّ نظيمُ
خلوتُ به وباطنه سليمٌ / بلا دَنَسٍ وظاهره كليمُ
لمنْ طَلَلٌ وقفتُ به سُحيراً / أُصَيحابي وقد هَوَتِ النّجومُ
وللظّلماء في الخضراءِ بُرْدٌ / وُشومٌ بالكواكب أَو رُقومُ
وعُجنا نحوه والشّوقُ حادٍ / قلائصَ في مغانيها القَصيمُ
وكيف سؤالُ رسمٍ عن فريقٍ / ولم تعرف فتخبرك الرّسومُ
لفخر الملك في شرف المعالي / محلٌّ لا يُرامُ ولا يَرِيمُ
وفضلٌ حلّ ساحته خصوصٌ / وأفضالٌ تجلّلنا عُمومُ
خلائقُ كالزّلالِ العَذْبِ أضحى / يزعزعه لدى سَحَرٍ نسيمُ
وصدرٌ لا يبيت عليه حِقْدٌ / ولا تَسرِي بساحته السَّخيمُ
وبشْرٌ قبل أنْ تكفِ العطايا / يُشاهده فيستغني العديمُ
وإنْ قِسناه فالتّبريزُ نقصٌ / لمن يَعدوه والتّبذيرُ لُومُ
ألا قلْ للأُلى ملكوا البرايا / وعشعش في ديارهمُ النّعيمُ
وحلّوا كلَّ شاهقةِ المباني / من العلياء يسكنها الكريمُ
وطالتْ فيهمُ أيدٍ إذا ما / تمنَّوْه كما طالتْ جُسومُ
ملوكٌ ما لهمْ طرفٌ دَنِيُّ / يعابُ به ولا خُلُقٌ ذميمُ
أَرونا مثلَ فخرِ الملك فيكمْ / يقوم من الأمور بما يقومُ
ومَن خضعتْ لغُرّتِهِ النّواصي / وقِيدَتْ في أزمّتِهِ القُرومُ
فللّهِ اِنبِعاثُك كلَّ يومٍ / تسوم من العظيمة ما تسومُ
على جرداءَ إنْ حُبِسَتْ فقصرٌ / وإنْ ركضتْ لِهَمٍّ فالظّليمُ
وحَولك في مُلَملمةٍ رجالٌ / رُكودٌ في سُروجِهمُ جُثومُ
وفي أيديهمُ أَسَلٌ طِوالٌ / لهَاذِمَةٌ إلى الأَرواح هِيمُ
إذا غضبوا رأيتَ الموتَ صِرفاً / على مُهَجِ الكرامِ بهمْ يحومُ
وعِيدُ النّحْرِ يُخبر أنّ ظِلّاً / مَنَنْتَ به على الدّنيا يدومُ
وقد جادتْ سحائبه سعوداً / ونُعْمى لا تجود بها الغيومُ
فنلْ منه الطِّلابَ فكلُّ يومٍ / أَنَالَكَ ما طلبتَ أخٌ حميمُ
فعيشٌ لا تكون به مماتٌ / ودهرٌ لست عاذرَه مَلومُ
وأُمُّ الدّهر ناسلةٌ ولكنْ / لمثلك أنْ يكون لها عقيمُ
وما نخشى صُرُوفَ الدّهرِ جَمْعاً / وأنّك من بوائقها حريمُ
حَلفتُ بمعشرٍ عَسَفوا المطايا
حَلفتُ بمعشرٍ عَسَفوا المطايا / يريدون البنيّةَ من تِهامَهْ
وكلِّ مُعَرَّقٍ كالنِّسْعِ ضُمْراً / له رَتَكٌ ولا رَتَكُ النّعامَهْ
أتوا جَمْعاً وقد وقفوا جميعاً / على عَرَفات يا سُقِيَتْ مُقامَهْ
عِراصٌ مَن يزرْ منهنّ شِعباً / فقد أمِنَ الملامةَ والنّدامَهْ
وما هَرَقوه عند مِنىً يُبارِي / بجَرْيَتِهِ بها ماءَ الغمامَهْ
وأحجار قُذفن تُقىً وبِرّاً / كما قُذفتْ بإصبعها القُلامَهْ
وأقدامٌ يُطفْن على أشمٍّ / يُطِلْن وقد علقن به اِستلامَهْ
لقد فَضَل القبائلَ آلُ موسى / كما فضلتْ على العَطَبِ السَّلامَهْ
هُمُ دعموا قِبابَ المجد فينا / ولولاهمْ لكان بلا دِعامَهْ
وهمْ دأَبوا إلى طُرُقِ المعالي / وما حَفِلوا بشيءٍ من سَآمَهْ
وما أيمانُهمْ إلّا لبيضٍ / يبلّغْنَ الفتى أبداً مَرامَهْ
وسُمرٍ مثل أرْشِيَةٍ طوالٍ / يَقُدْن إلى الكَمِيِّ بها حمامَهْ
وما أموالُهمْ إلّا لجودٍ / وإلّا للحَمالةٍ والغرامَهْ
وفيهمْ عرّست وبهمْ أقامتْ / شريداتُ الشّجاعةِ والصّرامَهْ
وعَرْفُهُمُ يضوع على البرايا / كما طابتْ لناشِقها المُدامَهْ
ولولا أنّهمْ فينا لكانتْ / رباعُ العزِّ ليس بها إقامَهْ
عَليكَ وليّ نِعمَتِنا سَلامي
عَليكَ وليّ نِعمَتِنا سَلامي / وَفيكَ مَدائحي وَبك اِعتِصامي
وَفي النّعمِ الّتي جَلّلتَنيها / مَرادي في العَشيرة أَو مَسامي
أَخَذنَ عَليَّ مُطّلَعَ الأماني / وَزِدنَ ولم يَرُمنَ عَلى مرامي
فَضَلتَ عَلى المُلوكِ وَقَد تَدانَوا / كَما فَضل الصباحُ على الظلامِ
بِإِقدامٍ يهابُ اللّيثُ منهُ / وَإنعامٍ يبرِّحُ بِالكرامِ
فَكَم أَغنيتَ أَرضاً حلّ فيها / غَمامةُ راحَتَيك عَن الغمامِ
وَكَم رُمناكَ لِلجَدوى علينا / فَما رُمناك ممتنع المرامِ
وغرثان الجوانح من قبيحٍ / وظمآن الجوارح من حرامِ
تُضلُّ سَبيلَه كَلِمُ الدَّنايا / وَتَنبو عنهُ أَخلاقُ اللّئامِ
تَلفّت يا مَليكَ النّاس شرقاً / وَغَرباً هَل تَرى لك من مسامِ
وَهَل أَبقى الإلهُ لَكم عدوّاً / يُحاذَرُ منه في هَذا الأنامِ
وَولِّ عَظيمَ شُكرك مَن تولّى / لَك النَّفَحات بِالنّعمِ العظامِ
وَما النّيروزُ إِلّا خَيرُ يومٍ / أَتَت بُشراهُ فيك بِخَيرِ عامِ
يخبّر في عطائِك بِالأماني / وَيُؤذنُ في بقائِكَ بالدوامِ
وَعيشٍ كالزّلالِ العذبِ لمّا / رَماهُ المزنُ صُفِّقَ بالمُدامِ
فَلا طَرَقت بِما تَخشى اللّيالي / وَلا همّت عُهودك بِاِنصِرامِ
وَلا بَرِحت شُؤونك كلّ يومٍ / تقلّبُ في كمالٍ أَو تَمامِ
فَلَيسَ على الزمانِ إِذا تَجافت / نَوائبُهُ حريمك مِن مَلامِ
على دارٍ حَللتَ بِها سَلامي
على دارٍ حَللتَ بِها سَلامي / وَجادَتها مغلَّسةُ الغمامِ
وَزارَك بِالتحيّةِ كلُّ يومٍ / وَجادَك بالعطيَّةِ كلّ عامِ
فَكَم لكَ في رِقابٍ مِن أَيادٍ / بَواقٍ مثلَ أَطواقِ الحمامِ
وَمِن مِنَنٍ مَلَكنَ الفَضلَ حتّى / خَلَطنَ كِرامَ دَهرك باللئامِ
فَكيفَ أُطيق شُكرَكَ وَهو شيءٌ / يَضيقُ بِثقلِ غايَته كَلامي
فَرَأيُكَ جُنَّتي وَنَداكَ كَنزي / وَمن جَنَفِ الخطوبِ بك اِعتِصامي
وَإِن ذعرَ الزّمانُ فَأَنتَ رُكني / أَلوذُ بِهِ مِن الخططِ العظامِ
فَقُل لِمُسَوّفٍ بِالبذلِ ملقىً / يُعلَّلُ بِالمَواعِدِ وَهو ظامِ
وَمَن يُزوى عَنِ الجَدوى وَيُعطي / مَتى يُعطي القَليلَ منَ الحطامِ
خُذوا منّي الثناءَ عَلى مقامٍ / بعَقوَةِ مَن يَطيب به مقامي
حِمىً مُنِحَ الكفايَةَ قاطنوهُ / فَلا سَغبي يُخاف ولا أوامي
حِمىً لأغرّ تُبصره قريباً / كَشمسِ الأفقِ أَو بدرِ التمامِ
كَأنّي إِذ حَطَطت إليهِ رَحلي / نَزلتُ بِهَضب رَضوى أو شمامِ
سلوتُ النّاسَ كلّهمُ وأَضحى / بِهِ وَجدي وَفي يده غرامي
أَلا يا ذا السّياساتِ اللّواتي / غَلَبنَ عَلى المَقاصِدِ وَالمرامِ
وَمَن قَطع الزمانَ وفي يَديهِ / مَقادَةُ ذَلك الجيش اللهامِ
وَمن سلبت مَحاسِنُه عديلاً / يُضافُ إِليهِ مِن هَذا الأنامِ
أَجِرني أَن أَزورَ سِواك مولىً / أَراهُ وَأَنت لي مولى غلامِ
وَدُم لِلفَضل وَالإنعامِ حتّى / نَراكَ وَقَد سئمتَ من الدوامِ
ألا قلْ للوزير مقالَ مُثْنٍ
ألا قلْ للوزير مقالَ مُثْنٍ / بما يولي من المِنَنِ الجِسامِ
أبي سعدٍ ومن لولاه كانتْ / أمورُ العالمين بلا نظامِ
أنِفْتُ تفضُّلاً من أنْ يُرى لي / مديحٌ سار في قومٍ لِئامِ
ولو أنّي جريتُ على اِختِياري / وكانتْ راحتي فيها زِمامي
لما عرّجتُ إِلّا عَن لِئامٍ / وَلا عرّستُ إِلّا في كِرامِ
ولكنّ التَّقِيَّةَ لم تزلْ بِي / تقود إلى فعالٍ أو كلامِ
عَنِ القومٍ الّذين على هداهمْ / بقولٍ في حلالٍ أو حرامِ
تلقّينا مجاملةَ الأعادي / وَفي الأحشاءِ وَقْدٌ كالضّرامِ
ولولا ما تراه سمعتَ قولي / وَكَم بُليَ المُفَوَّهُ بالكِمامِ
وإِنّي راقبٌ زمناً وشيكاً / يَبينُ به الصّباحُ من الظّلامِ
أَقول إذا أردتُ بلا اِتّقاءٍ / وآتي ما أشاءُ بلا اِحتشامِ
فعيشُ المرء لا عَبِقاً بسُؤْلٍ / وَلا جَذِلاً بشيءٍ كالحِمامِ
هو الزّمنُ الّذي ما صحّ يوماً / لعانٍ في يديه من السَّقامِ
جَموحٌ بين أضدادٍ فنَحْسٌ / بلا سَعْدٍ وصبحٌ في ظلامِ
وَما يَسطيعُ فَرْقاً فيه إِلّا / قليلٌ بين عَضْبٍ أو كَهامِ
وَقَد عَشِيَتْ عيونٌ فيه عن أَنْ / تميّز بين نَبْعٍ أو ثُمامِ
وكلُّ مقالةٍ قيلتْ دفاعاً / لشرٍّ فهي صِفْرٌ من ملامِ
ومن لا فضلَ فيه ولا خِلالٌ / تقدّم ما يقدّمه كلامي
فما الأقدامُ تُعْدَلُ بالهوادي / ولا خُفٌّ يُسَوّى بالسّنامِ
ومَن هو ناقصٌ لم يدنُ يوماً / بتفضيلٍ إلى دارِ التَّمامِ
وَمدحُك لاِمرئٍ كَذِباً هجاءٌ / وطيفٌ زار في سُكْرِ المنامِ
وَلَو أَنّا عَددنا كلَّ نابٍ / عن الحُسنى حقيقٍ بِالملامِ
لكان النّاسُ كلُّهم سواءً / وأخرجناك من كلِّ الأنامِ
فمدحُك دون كلِّ النّاسِ حِلٌّ / وفي باقي الورى كلُّ الحرامِ