خلعتُ على بُنيّاتِ الكرومِ
خلعتُ على بُنيّاتِ الكرومِ / محاسنَ ما خُلِعْنَ على الرسومِ
أخذتُ بمذهب الحكَميّ فيها / وكيفَ أميلُ عن غرَض الحكيمِ
وما فضلُ الطلول على شَمُولٍ / تمجّ المسك في نَفَس النسيمِ
يُجدَّدُ حبّها في كلّ قلبٍ / إذا صقلتْهُ من صدئ الهمومِ
وكنتُ على قديم الدهر أصبو / إلى اللّذّاتِ بالقصر القديمِ
تُرَدّ إذا ظمئت عليّ كأسي / كما رُدّ اللبان على الفطيمِ
وما استنطقْتُ من طَلَلٍ صَموتٍ / كأنّ له إشاراتِ الكليمِ
بل استنطقْتُ بالنّغماتِ عوداً / تَنَبّهَ مُطْرِباً في حجر ريمِ
وربّ منيمةِ الندماءِ سُكْراً / نفيتُ بها المنامَ عن النديمِ
فقامَ ومُقْلةُ الإصباحِ فيها / بقيَّةُ إثمدِ الليلِ البهيمِ
كأنّ الصبحَ معترضاً دجاهُ / خصيمٌ يستطيلُ على خصيمِ
كأنّ الشرق في هذا وهذا / مَصَفٌّ فيه زَنْجيّ ورومي
وليلٍ شُقّ فيه ضياءُ صُبْحٍ / كأدهمَ في إغارتهِ لطيمِ
قطعنا تحت غيهبه عَراءً / بعاريةِ العظامِ من اللحومِ
وداميَةً مناسِمُها رَسَمْنا / لها قَطْعَ المهامِهِ بالرّسيمِ
وَطُفْنا في البلاد طوافَ قَوْمٍ / يريح نفوسهمْ تَعَبُ الجسومِ
وفي مغنى ابنِ عبّادٍ حَلَلْنا / وقد نِلنا المنى عند العَزيمِ
بحيثُ يَغضّ أبصاراً ملوكٌ / تُعظِّمُ هيبةَ الملك العظيمِ
تُنَظَّمُ في مراتبِهِ المعالي / فتحسبُها نجوماً للنّجومِ
وتهمي من أنامِلِهِ العَطايا / فتحسبُها غيوماً للغيومِ
وتصدُرُ عن ندى يده الأماني / إذا وردتهُ هِيماً غير هيمِ
إذا نسيَ الكرامُ أنابَ ذكراً / يسافرُ في فمِ الزّمنِ المقيمِ
تناجيه فراسةُ ناظرَيهِ / بما في مُضْمَرِ القلبِ الكتومِ
فيا ابنَ الصّيد من لخْمٍ ولخمٌ / بدورُ مطالع الحسبِ الصميمِ
إذا جادوا فأنواءُ العطايا / وإن حلموا فأطوادُ الحلومِ
وأحرَمَ في يمينك مَشْرَفيّ / أدَمْتَ ببذلِهِ صَوْنَ الحريمِ
ومُعتَرَكٍ تَلَقّى الفنشُ فيه / غريماً مهلكاً نَفْسَ الغريمِ
تَسَتّرَ بالظلامِ وفرّ خوفاً / برَوْعٍ شَقّ سامعتي ظليمِ
وذاقَ بيوسفٍ ذي البأس بُؤساً / فمرّرَ عنده حلوَ النّعيمِ
وقد نهشتْهُ حيّاتُ العوالي / سلوا الليلَ السليمَ عن السليمِ
ثنى توحيدُكَ التثليثَ منه / يَعَضّ على يَدَيْ فَزِعٍ كظيمِ
رآك وأنتَ مبتسمٌ كضارٍ / تثاءَبَ عن نواجذه شتيمِ
غداة أتى بصلبانٍ أضَلّتْ / علوجاً أبْرَموا كَيْدَ البريمِ
كأنّهمُ شياطينٌ ولكنْ / رميتَهُمُ بمحرقةِ النجومِ
علوجٌ قُمْصُ حَرْبهمُ حَدِيدٌ / يُعبِّرُ عنهمُ سَهَكُ النَّسيمِ
يَقودهمُ لحينهِمُ ظَلومٌ / لأنفسهمْ فوَيلٌ للظلومِ
رعى نَبْتَ الوشيج بهمْ فمادوا / وتلك عواقبُ المرعى الوخيمِ
وأوردهمْ حياضاً في المواضي / بماءِ الموتِ ساقٍ من جمومِ
ولما أنْ أتاكَ بقومِ عادٍ / أتَيْتَ بصرصرِ الريح العقيمِ
وقد ضرَّمتَ نارَ الحرب حتى / حَكَتْ زفراتُها قِطَعْ الجحيمِ
وثارَ بركضِ شُزَّبِها قَتامٌ / خَلَعْنَ به الصريمَ على الصريمِ
فثوبُ الجوّ مُغْبَرُّ الحواشي / ووجهُ الأرض مُحمرُّ الأديمِ
وقد سَكِرَتْ صِعادُ الخطّ حتى / تأوّدَ كلّ لدنٍ مستقيمِ
وما شَرِبت سوى خمرِ التراقي / ولا انتشقتْ سِوَى وَرْدِ الكلومِ
فصلّ لربّك المعبودِ وانحرْ / قُرُوماً منهمُ بَعْدَ القرومِ
وَعَيِّدْ بالهدى وأعِدْ عليهمْ / عذابَ الحرب بالألمِ الأليمِ
أمُدامٌ عن حَبابٍ تبتسمْ / أمْ عقيقٌ فوقه دُرٌّ نُظِمْ
أعَلى الهمّ بعثنا كأسنا / أم بنجمِ الأفْقِ شيطانٌ رُجم
أظلامٌ لضياءٍ طَبَقٌ / أم على الكافور بالمسكِ خُتِم
أندىً في الزهرٍ أم ماءُ الهوى / حارَ في أعينِ حُورٍ لم تنم
أعمودُ الصبح في الغيهبِ أم / غُرّةُ الأشقرِ في الغيمِ الأحَمْ
أمِراةٌ أم غديرٌ دائمٌ / مقشعرّ الجلدِ بالقَرّ شَبِمْ
قَدَرَتْ منه الصّبا سرداً فما / رَفَعَتْ عنه يداً حتى انفصمْ
كلّ ذا يدعو إلى مشمولةٍ / فذرِ اللوم عليها أو فَلُمْ
واغتنمْ من كلّ عيشٍ صَفْوَهُ / فألَذّ العيش صفوٌ يُغْتَنَمْ
واشكلِ الأوتار عن نغمتها / لا تسوغُ الخمرُ إلا بالنّغم
ومدامٍ قَدُمَتْ فهيَ إذا / سُئِلتْ تخبرُ عنْ عادِ إِرم
سكنتْ أجوفَ في جوْف الثرى / نَسَجَ الدّهْرُ عليه وَرَقَم
خالفَتْ أفعالُها أعمارَها / فأتَتْ قُوّتُها بَعْدَ الهرم
فهي في الرّاووقِ إن رَوّقْتَها / لهبٌ جارٍ وماءٌ مُضطرم
أفْنَتِ الأحقابُ منها جوهراً / ما خلا الجزءَ الذي لا ينقسم
فهي مما أفرطتْ رقّتُها / تجدُ الريّ بها وهيَ عَدَم
لا ينالُ الشَّرْبُ من كاساتها / غيرَ لونٍ يُسْرِع السّكرَ وشم
وكأنّ الشمس في ناجودِها / من سوادِ القارِ في قمصِ ظلم
فأدِرْ للروح أُخْتاً والزرا / جينِ بنتاً وسرورِ النفس أُم
فهي مفتاحٌ للذّاتٍ لنا / ويدُ المنصور مفتاحُ الكرم
حلّ قصرَ المجد منه مَلِكٌ / بُدئَ المجدُ به ثمّ خُتِم
يحتبي في الدستِ منه أَسدٌ / وهلالٌ وسحابٌ وَعَلَم
يتركُ النقمةَ في جانبهِ / وإذا عاقبَ في اللّه انتقم
وإذا قال نعم وهي له / عادةٌ أسبغَ بالبذل النِّعَم
ذو أيادٍ بأيادٍ وُصِلَتْ / كتوالي دِيَمٍ بَعْدَ ديم
وإذا ما بَخِلَ الغيمُ سخا / وإذا ما عَبَسَ الدهرُ بَسَم
تنتخي السادات عزّاً فإذا / قَرُبَتْ من عنده صارتْ خدمْ
لست أدري أيمينٌ قُبّلَتْ / منه في تسليمها أمْ مُستَلم
يذعرُ الجبّارُ منه فعلى / شَفَةٍ يمشي إليه لا قدم
فالقُ الهامِ إذا كرّ سطا / مِسْعَرُ الحربِ إذا همّ اعتَزَم
كلَّما أوطأ حرْباً سنبكاً / حمِيَ الرّوْعُ وَشَبّ المقتحم
وإذا حاولَ في طعنِ الكُلى / صَرّفَ اللهذَمَ تصريفَ القلم
يطأ الهامَ التي فَلّقَهَا / بلهامٍ للأعادي مُلتهِم
يُرْجِعُ الليلَ نهاراً بالظّبا / ويعيدُ الظُّهرَ بالنقع عَتَمْ
فضياءُ الشهب في قَسْطَلِهِ / ويعيدُ الظهر ديال في نيم
إنّما حِمْيَرُ أُسْدٌ لم تَزَلْ / من قناها ساكناتٍ في أجَم
كلّ شهمِ القلبِ مرهوبِ الشبا / مُرْتضى الأخلاقِ محمودِ الشيم
يستظلّون بأوراق الظّبا / وأُوَارُ الرّوْعِ فيهم مُحْتَدم
وعروسٍ لك قد أهدَيْتُها / تُكْلَمُ الحُسّادُ منها بالكَلِم
في تقاصيرَ من الدّرّ إذا / حاولوا تحصيلهَا فهيَ حِكَم
يضربُ الأمثالَ فيها بِكُمُ / أُمَمٌ في المدح منْ بعد أُمم
أسكنت ذكرَك حُكْماً خالداً / أبداً بُنْيانُهُ لا ينْهَدِم