رُوَيداً بَعضَ نَوحِكَ يا حَمامُ
رُوَيداً بَعضَ نَوحِكَ يا حَمامُ / أَجِدَّكَ لا تُنِيمُ وَلا تَنامُ
أَكُلَّ الدَهرِ تَذكاراً وَنَوحاً / أَما فَنِيَ اِشتِياقكَ وَالغَرامُ
هَتَفتَ فَهِجتَ لي شَوقاً فَقُل لِي / حَمامٌ أَنتَ وَيحَكَ أَم حِمامُ
وَرِفقاً إِنَّ جارَكَ مِن غَرامٍ / وَمِن قَلَقٍ لَيُؤلِمُهُ الكَلامُ
أَتَذكُرُ هالِكاً مِن عَهدِ نُوحٍ / مَضى وَالدَهرُ حِينَئِذٍ غُلامُ
وَأَنسى خِلَّتِي وَالعَهدُ مِنّي / قَرِيبٌ لَم يَمُرَّ عَلَيهِ عامُ
شُفيتَ وَلا شَقيتَ بِفَقدِ إِلفٍ / فَنِعمَ العَهدُ عَهدُكَ وَالذِمامُ
وَلَكِنّي أَراكَ ضَنينَ عَينٍ / وَعَيني ماؤُها أَبَداً سَجامُ
رَعى اللَهُ الثُلَيمَ وَساكِنِيهِ / وَأَجرَاعاً تَكنَّفَها الثلامُ
وَجادَ مِنَ الجَديدِ إِلى المُصَلّى / إِلى الحِصنَينِ وَكّافٌ رُكامُ
فَمَسرَحُ لَذّتي وَمَراحُ لَهوِي / هُنالِكُمُ وَجِيرَتِيَ الكِرامُ
وَمَلعَبُ كُلِّ غانِيَةٍ كَعابٍ / مُخَدَّمَةٍ يَزينُ بِها الخِدامُ
يَراها القابِسُ العَجلانُ لَمحاً / فَيَبقى لا وَراءُ وَلا أَمامُ
وَتُرسِلُ مِن لَواحِظِها سِهاماً / فَتَمضي حَيثُ لا تَمضي السِهامُ
مَضى ذاكَ الزَمانُ فَلَيتَ أَنّي / صَدىً مِن قَبلِ مَمضاهُ وَهامُ
وَأَسلَمَني الشَقاءُ إِلى زَمانٍ / مَصائِبُهُ كَما اِنهَلَّ الغَمامُ
نَهارٌ لا أُسَرُّ بِهِ وَلَيلٌ / يَنامُ بِهِ السَليمُ وَلا أَنامُ
تَلاعَبُ بِيَ خَواطِرُ مِن هُمُومٍ / كَما لَعِبَت بِشارِبها المُدامُ
إِذا ما قُلتُ أَهجَعُ بَعضَ لَيلي / أَتَت ذِكَرٌ يُقَضُّ لَها المَنامُ
فَعَزماً صاحِبَي رَحلي وَإِلّا / فَشاعَكُما وَخِلَّكُما السَلامُ
فَكَم أُبلى بِصُحبَةِ كُلِّ نَذلٍ / خَسيسٍ ما لِصُحبَتِهِ دَوامُ
أَقُولُ لَهُ فَيَحسِبُ ذاكَ هَزلاً / وَبَعضُ القَولِ تَجهَلُهُ الطَغامُ
لعَمرُكَ ما لَؤُمت أَباً وَلَكِن / أُناسٌ سَوَّدُوكَ هُمُ اللِّئامُ
فَمَسُّ الأَرضِ أَو أَلقى عَلِيّاً / عَلى رَحلي وَراحِلَتي حَرامُ
فَيَومَ أَرى عَلِيّاً لا أُبالي / أَإِعوَجَّ اللِئامُ أَمِ اِستَقامُوا
أَغَرُّ الوَجهِ مَن يَصحَبهُ يصحَب / جَواداً لا يُليمُ وَلا يُلامُ
تُرَجِّيهِ العُفاةُ وَتَتَّقِيهِ / هِجانُ المالِ وَالجَيشُ اللُهامُ
تَفُلُّ السَيفَ عَزمَتُهُ وَيُحيي / نَداهُ ما نَبا عَنهُ الغَمامُ
نَفُورٌ عَن مُداناةِ الدَنايا / وَصَبٌّ بِالمَكارِمِ مُستَهامُ
تَرى عِندَ المَديحِ لَهُ اِهتِزازاً / كَما يَهتَزُّ لِلضَربِ الحُسامُ
يُقِرُّ بِفَضلِهِ قارٍ وَبادٍ / وَيَحسِدُ مِصرهُ يَمَنٌ وَشامُ
يَحُلُّ المَجدُ أَرضاً حَلَّ فيها / وَتُضرَبُ لِلعُلا فِيها الخِيامُ
إِذا ما الحِلمُ عُدَّ فَما ثَبيرٌ / وَما حَضَنٌ لَدَيهِ وَما شَمامُ
يُقَصِّرُ حاتِمٌ في الجُودِ عَنهُ / وَكَعبٌ وَالبَرامِكَةُ الكِرامُ
وَعَمرٌو في اللَقاءِ عَلَيهِ كَلٌّ / وَعَوفٌ في الوَفاءِ لَهُ غُلامُ
لُكَيزِيُّ المَناسِبِ عامِرِيٌّ / مَلِيكٌ لِلمُلُوكِ بِهِ اِعتِصامُ
سَليلُ عُلاً له مِن كُلِّ مَجدٍ / ذُرى العَلياءِ مِنهُ وَالسَنامُ
تَرى لِلخَيلِ في الهَيجاءِ عَنهُ / شُرُوداً مِثلَما شَرَدَ النَعامُ
لَئِن نَفَرَت كُماةُ الحَربِ عَنهُ / إِذاً فَلَها بِعَقوَتِهِ اِزدِحامُ
نَماهُ إِلى ذُرى العَليا غَريرٌ / وَإِبراهيمُ والِدُهُ الهُمامُ
وَإِن تَذكُر أَبا جَروانَ غُضَّت / لَهُ الأَبصارُ وَاِنقَطَعَ الكَلامُ
عَلِيٌّ أَنتَ هَذِي الشَمسُ نُوراً / إِذا طَلَعَت وَذا الناسُ الظَلامُ
وَأَنتَ أَجَلُّ حينَ يَنُوبُ خَطبٌ / وَأَعظَمُ أَن يُقاسَ بِكَ الأَنامُ
إِذا أَهلُ المَكارِمِ ضَيَّعُوها / فَأَنتَ لِكُلِّ مَكرُمَةٍ نِظامُ
عَداني أَن أَزُورَكَ حادِثاتٌ / إِذا ذُكِرَت تَذُوبُ لَها العِظامُ
وَأَسبابٌ جَرَينَ وَكَيدُ أَمرٍ / قُعُودي في النَدِىِّ لَهُ قِيامُ
وَما تَركي زِيارَتَكَ اِختِياراً / وَلَكِن طالَما مُنِعَ المَرامُ
فَداكَ مِنَ الرَدى جَهمُ المُحَيّا / سَحابُ سَمائِهِ أَبَداً جَهامُ
عَبُوسٌ إِذ يُقابِلُ وَجهَ حُرٍّ / وَبَينَ المُومِساتِ لَهُ اِبتِسامُ
جَوادٌ حينَ يُلعَنُ وَالِداهُ / وَتُقرَعُ أَنفُهُ وَكَذا اللِئامُ
يُعِزُّ مُهِينَهُ وَيُهينُ لُؤماً / مُكَرِّمهُ كَذا النُطَفُ الحَرامُ
يَخافُ الضَيفَ يَقرِضُ حاجِبَيهِ / وَلا سِيما إِذا حَضَرَ الطَعامُ
ليَهنِكَ ما مَنَحتُكَ مِن ثَناءٍ / بِهِ لا غَيرِهِ يَجِبُ القِيامُ
وَلَستُ بِمادِحٍ سَفسافَ قَومٍ / وَإِن قالُوا لَهُ مالٌ رُكامُ
أَبى لي ذاكَ أَنّي مِن قُرومٍ / صَهاميمٍ تُسِيمُ وَلا تُسامُ
هَديرُ البُزلِ عِندَهُمُ كَشيشٌ / وَزَأرُ الأُسدِ عِندَهُمُ بُغامُ
وَقَولُهُمُ لَدى الإِعطاءِ فَذٌّ / وَضَربُهُمُ لَدى الهَيجا تُؤامُ
وَنَفسٌ لا تُريعُ لِوردِ سُوءٍ / وَلَو بَلَغَ الفَناءَ بِها الحيامُ
وَإِنّي لَلغَنيُّ وَإِن نَبا بِي / زَمانُ السُوءِ وَاِختُلِجَ السَوامُ
وَأَنتَ أَديمُ سَعدِكَ مِن أُناسٍ / أَخيرُهُمُ لِغَيرِهِمُ إِمامُ
وَلَولا ذاكَ عَن قُربى وَوُدٍّ / لَكانَ عَنِ المَديحِ لِيَ اِحتِشامُ
فَطُل مَجداً وَزِد شَرَفاً وَفَخراً / عَلى شَرَفٍ وَفَخرٍ لا يُرامُ
وَعِش في نِعمَةٍ وَدَوامِ عِزٍّ / بِمَنعَةِ مَن يُضيمُ وَلا يُضامُ