تعالَ نزفُّ للثغرِ السلامَا
تعالَ نزفُّ للثغرِ السلامَا / ألستَ تَرَى على الثغرِ ابتسامَا
ألم تشعر كأن يَدَي عزيزٍ / مَسَحنَ لك المواجعَ والسقاما
كأن خُطى العبابِ خطى حبيبٍ / كأنَّ الموجَ أفئدةٌ تَرامى
سلاماً يا عروسَ الماء إني / أحبُّكِ لا أملُّ بكِ المقاما
أسيرُ إِلى لقائكِ نِضوَ شوقٍ / وأرجعُ عن ربوعكِ مستهاما
أراكِ فتنتشي روحي وقلبي / كأني قد سُقِيتُ بك المدَاما
وإن طُوِيَ البساطُ فنصبَ عيني / عليكِ خيالُ أحبائي القدامى
وإن طاحَ الزمانُ بكأس حبي / فلا الساقي نسيتُ ولا الندامى
فؤادي قم بنا نذكر شجانا / لصخرٍ في جوارِ المكسِ قاما
تعالَ ولا تقل هذا جمادٌ / وكيفَ ترومُ بالصخرِ اعتصاما
فكم في الحيِّ من قلبٍ أصمّ / تَنَكَّرَ أو تَجَاهَلَ أو تعامى
وكم صخرٍ أحسَّ بما عنانا / وما عَرَفَ الحديثَ ولا الكلاما
وكم في الناسِ من رجلٍ قويٍّ / شديدِ البأسِ يقتحمُ اقتحاما
تَعرَّضَ للحوادث لا يبالي / تَلقَّاها نصالاً أم سهاما
فإِن عَرضت له الذكرُ الخوالي / رأيتَ الكونَ في عينيه غاما
عرته الرجفةُ الكبرى وراحت / جيوشُ الصبرِ تنهزمُ انهزاما
بربكِ أيها الأنوارُ ماذا / صنعتِ بساهرٍ ألِفَ الظلاما
بربك أيها الأمواجُ ظلَّت / على الشطئانِ ترتطمُ ارتطاما
أتيتُكِ أبتغي منك التأسِّي / وأَنشدُ في نواحيك السلاما
أراكِ فتحتِ لي شجناً جديداً / وكنتُ أرومُ للماضي التئاما
وَهَيتُ وخانني جَلَدِي وإلا / فهذي الدمعةُ الحرَّى علاما
أيا بلدَ التأسي كيف أنسَى / زماني فيكِ كهلاً أو غلاما
ويومَ أتيتُ مكتئباً عليلاً / أحسُّ البَينَ يدنو والحِماما
أجرجرُ فيكِ أقداماً ثقالاً / وأجمعُ مِن عزيمتيَ الحطاما
وعلاتي وأدوائي كبارٌ / شربنَ دمي وأبلَينَ العظاما
أراكِ فلا أبالي بالمنايا / وأَحمدُ عند شاطئكِ الختاما
وكم طافَ الرفاقُ وغادروني / كَعُوَّادٍ ومروا بي كراما
تمرُّ بيَ الحياةُ ولستُ أدري / أيومٌ مرَّ أم قضَّيتُ عاما
عرفتك والشتاءُ يمدُّ ظلا / وينشر في جوانبكِ الغماما
عرفتكِ والمصيفُ عليكِ زاهٍ / وقرنُ الشمسِ يضطرمُ اضطراما
عرفتكِ والعواصفُ فيك غضبى / نشرنَ على مُحَيَّاكِ القتاما
عرفتك والفلائكُ فيك بيضٌ / مجنحةٌ يحاكينَ الحَماما
عرفتكِ هادئاً والفجر غافٍ / كأَنَّ البحر وَسَّدَه فناما
عرفتك كالصديقِ بكلِّ حالٍ / وكنتِ شرابَ روحي والطعاما
وملحُكِ في دمي وشذاكِ باقٍ / وهذا الصوتُ أسمعُه دواما
تعالي صخرةَ الماضي أجيبي / وقوفُكِ وانتظارُكِ ذا إلاما
لقيتِ من العبابِ كما لقينا / من الأيَّام قرعاً واصطداما
كأنكِ للورى هدفٌ وهذي / جموعٌ تبتغي أمراً جساما
إذا ما أخفقوا رجعوا فُرَادَى / وإن هَمُّوا وجدتهُمُ زحاما
فؤادي إن تغيرتِ الليالي / فمثلكَ مَن رَعَى فيها الذماما
بلغنَا كعبةَ الآمالِ فاخشع / ودعنا في مناسِكهَا قياما
خُذِ السلوانَ من حجرٍ صموتٍ / فما أحراكَ بالحجرِ استلاما
بربكَ أينَ أحلامٌ غَوالٍ / وعمرٌ قد قطعناهُ نياما
وعهدٌ كانَ فيك ربيع وردٍ / كهذا اليومِ حُسناً وانسجاما