المجموع : 9
ألا مَنْ مبلغٌ عنّي سلامي
ألا مَنْ مبلغٌ عنّي سلامي / رئيساً في العراق على النّظام
تحية مخلصٍ بالوُدّ يُبدي / صبابةَ ذي فؤاد مستهام
ويبلغه على البعد اشتياقاً / من الداعي إلى الشَّهم الهمام
لقد طلعت فائله علينا / طلوع البدر في جنح الظلام
سنشكره على ما كانَ منه / كشكر الروض آثار الغمام
وما أسداه من كرم السجايا / وفاءٌ بالمودة والذمام
زهت في ناصر أبيات شعر / أتَتْ فالمدح من حُرِّ الكلام
لقد أثنى الرئيسُ بها عليه / ثناءً باحترام واحتشام
تُسَرُّ بها لعمري أولياءٌ / وتعقد عنه السنة الخصام
وإنَّ الفضل يعرفه ذووه / به امتاز الكرام عن اللئام
رآه مدحت الدنيا حُساماً / وقد يغنيه عن حمل الحسام
فقدَّمه المشيرُ ليوم بُؤسٍ / يقدُّ من الخوارج كل هام
فيا لله من والٍ مشيرٍ / عظيم الشأن عالي القدر سامي
لئن باهَتْ به الزوراء أرْبَتْ / بهمته على حلب وشام
إذ انتظم العراقُ به فأضحى / يفاخرُ غيرَه بالانتظام
ودمَّر بالصوارم مفسديها / وأوْرَدهم بها وِرْدَ الحمام
ومدَّ إلى الحَسا كفًّا فطالت / ونال بطولها صعب المرام
رمى من بالعراق عُصاةَ نجدٍ / وزيرٌ ما رمى مرماه رامي
وأدّى خِدمة عَظُمَتْ وجَلَّتْ / بهمته لسلطان الأنام
بدا والصُّبحُ غارَ على الظَّلامِ
بدا والصُّبحُ غارَ على الظَّلامِ / وعِقدُ النَّجم محلول النظامِ
فحيَّا بالرُّضاب وبالحميّا / فأحيا بالرّضاب وبالمدامِ
إذا ما الشيخ في الكأس احتساها / غدا في الحال أنشط من غلام
لئِنْ عَلَّلْتَني يا صاحِ يوماً / بأحبابي فَعَلّلْني بجام
دَعا عنِّي الملامة في التصابي / فقد رَوَّعتُماني بالملام
ألا يا صاحبيَّ وبي غرام / أعيناني على داءِ الغرام
ويا ريح الصَّبا النجديّ بلِّغْ / سُليْمى يا صَبا نجد سلامي
ومن لي بالكرى يوماً لعلي / أرى طيفَ المليحة بالمنام
وما أنسى لها في الركب قولي / وقد نظرت لأجفان دوامي
نحولي ما بخصرك من نحولٍ / وسقمي ما بطرفك من سقام
سقى الأثلاث في سلع سيولاً / فقد جَلَبَتْ حمائِمها حمامي
بكيتُ وما بكت في الدَّوح وُرْقٌ / تظنّ هيامها أبداً هيامي
ولو كانَ الهوى من غير دمع / قَضَينا بالغرام على الحمام
أداوي مهجةً يا سعد جرحى / رماها من رماة الحسن رام
رمين قلوبنا غزلانُ سلع / فما أخطأتَ هاتيك المرامي
فبتّ جريح ألفاظ مراضٍ / ورُحتُ طعين ذياك القوام
قدود البيض لا سمر العوالي / ولحظ السرب لا حد الحسام
كتمتُ الحبَّ متّهماً عليه / وما لي طاقة بالإكتتام
وكيفَ أطيقُ والعبرات منّي / تعبّر عن فؤاد مستهام
وما نقص اشتياق الصَّبِّ شيئاً / على وجه حكى بدر التمام
يَدِبُّ هواك يا سلمى بروحي / دبيبَ الصَّرخدية في العظام
وفيتُ بعهد من نقضت عهودي / وما لوفاء ميّ من دوام
فليتَ المالكيّة حين صَدَّت / رَعَيْتُ ذمامها وَرَعَتْ ذمامي
صَبَرتُ على الحوادث صَبْرَ حُرٍّ / يَرى بالصَّبرِ إبلاغ المرامي
وقلتُ معلِّلاً نفسي ولكن / مقالي كانَ أصدق من حذام
سأحمدْ عند محمود السجايا / عواقبَ أمرِ أخطار عظام
وأستغني به عمَّا سواه / كما يغني الركام عن الجهام
وأرجو أن تُظَفِّرَني سريعاً / عنايَتُه بغايات المرام
لقد دَرَّتْ سحائبه إلى أنْ / زهَتْ فيهنّ أزهار الكلام
فحَدِّثْ عن مكارمه فإنِّي / لتعْجِبُني أحاديثُ الكرام
إذا ما جئتني بحديث جودٍ / لقرم جوده كالغيث هامي
فما حَدَّثتُ إلاَّ عن أشمّ / ولا أخبرت إلاَّ عن همام
ذكاءٌ فيه أروى من زنادٍ / وكفٌّ منه أندى من غمام
وآراءٌّ إذا نَفَذَتْ لأمرٍ / فهنّ اليوم أنفَذُ من سهام
يرى فعل الجميل عليه فرضاً / كمفترض الصَّلاة مع الصّيام
وقامَ له على الأعناق شكر / فلا يُقضى إلى يوم القيام
سريع الجود إنْ يُدْعَ لحسنى / وها هو ذا بطيء الانتقام
أياديه حَطَمْنَ المال جوداً / فما أبْقَتْ يَداه من حطام
على أبوابه الآمال منّا / قدْ ازدحمت لنا أيَّ ازدحام
تخيَّرْ ما تشاء وسَله تعطى / من ابن المصطفى خير الأنام
تيقَّنْ أن أمرك سوف يقضى / إذا ما شِمْتَ منه سنا ابتسام
أخو الهمم الَّتي تحكي المواضي / وتفتك فتك خواض القتام
تسامى مجده فعلاً محلاً / وإنَّ مَحَلَّ أهلِ المجد سامي
جميلك قاطن في كلّ أرضٍ / وذكرك سار جوّان الموامي
طميتَ وأنتَ يوم الجود بحر / وبحرك لا يزال الدهر طامي
ومن جدواك كم قد سال سيلٌ / فروّى سيلُ جودك كل ظامي
لقد أوليتني نِعَماً جساماً / فما أهداك للنعم الجسام
دَعاك لأمره المولى عليٌّ / فكنتَ وأنتَ في أعلى مقام
وعُدْتَ لديه يا عين المعالي / برأيك ناظراً أمر النظام
فتمّ لجيشه المنصور أمر / وإنَّ الأمر يحسن بالتمام
أرى في لفظِ هذا الشَّهم معنًى
أرى في لفظِ هذا الشَّهم معنًى / يُنبئُ عَن مدى عِلْمٍ عظيم
ومهما زدته نظراً بفكري / رأيتُ نهاه قِسطاس العلوم
أفي الطلل الحديثِ أو القديم
أفي الطلل الحديثِ أو القديم / بلوغُ مرامِ صَبٍّ مَرومِ
وقفتُ على رسوم دارسات / وما يغني الوقوف على الرسوم
ألا سُقِيَتْ منازلُ آل سلمى / بذي سَلمَ ورامة والغميم
وحيّ حيَّ أحباب تناءت / بقلب سار عن جسد مقيم
خذي يا ريح أنفاسي إليهم / وإنْ كانت أحرّ من السُّموم
أُكفكفُ بعدهم دمعاً كريماً / جرى من لوعة الوجد اللَّئيم
رعى الله الأَحبَّة كيف مرَّت / لياليهم بمنعرج الصَّريم
قَضَيْتُ نعيم عيشٍ مرَّ فيها / فسَلني إنْ جهلتَ عن النعيم
وكم غصنٍ هصرتُ بها رطيباً / جَنيّ الزهر مخضرّ الأَديم
بحيث نزوّج ابنَ المزن لما / عقدت حبابه بنتَ الكروم
إلى بعد الغميم وعهد سلع / نجاة من هموم أو غموم
سقتها هذه العبرات صوباً / تنوف به على الغيث العميم
كأنِّي حين أسقيها دموعي / سقاني البين كأساً من حميم
تلوم لجهلها لمياءُ وجدي / وأين الَّلائمون من الملوم
سألتكِ إنْ رأيتِ اللَّوم يجدي / حليفَ الوجد حينئذٍ فلومي
أما وحشاشة في القلب تزكو / غراماً يا أُميمَة كالغريم
لقد عَدِمَ التصبُّر فيك قلبي / ومن يبغي الثراءَ من العديم
وها أنا بَعْدَ من أهوى عليلٌ / شفائي منه معتلّ النسيم
وكم دنفٍ بكاظمة سقيمٍ / ولكنْ من هوى طرف سقيم
وليثٍ دون ذاك الحيّ يرمي / فيصرَعُ في سهام لحاظ ريم
وأَحباب أُقاسي ما أُقاسي / عَذاباً من عذابهم الأَليم
هُمُ نقضوا العهود وهم أصَرّوا / بصدِّهم على الحنث العظيم
وذكري بعدهم جنَّات عيش / رماني في لظى نار الجحيم
وفي دار السلام تركت قومي / وما أنا من هواهم بالسَّليم
ولي في البصرة الفيحاء قوم / أصولُ بهم على الخطب الجسيم
جرى من صدر إبراهيم فيها / على الدُّنيا ينابيع العلوم
من الأَشراف من أعلى قريش / بهم شَرَفٌ لزمزم والحطيم
إذا عُدَّت قرومُ بني مَعَدٍّ / فأوَّلُ ما يُعَدُّ من القُروم
عماد الدِّين قام اليوم فينا / بأمرِ الله والدين القويم
وفرعٍ من رسول الله دَلَّتْ / أطايبُه على طيب الأُروم
ونجمٍ في سماء المجد يهدي / إلى نهج الصراط المستقيم
شهاب ثاقب لا زال يذكو / فيقذف كلّ شيطانٍ رجيم
يعيد ظلام ليل الشَّكِّ صبحاً / إذا ما كانَ كاللَّيل البهيم
يزيد عقولنا بدقيق فَهمٍ / غذاءً للعقول وللفهوم
ونرجع في الكلام إلى خبيرٍ / بكشف دقائق المعنى عليم
تكادُ حلاوة الأَلفاظ منه / تعيد الرُّوح في الجسم الرَّميم
وروضٌ من رياض الفضل ضاهى / بزهر كلامه زهر النُّجوم
يقصّر بالبلاغة باعَ قسٍّ / ويقصُرُ عنه قيس بن الخطيم
وإنَّكَ إنْ نظرتَ إلى علاه / نظرتَ إلى جبالٍ من حلوم
إذا ذكرتْ مناقبه انتشينا / وكانت كالمدامة للنديم
لقد كرمَتْ له خِيمٌ وجَلَّتْ / وخيمُ الأَكرمين أجلّ خيم
وهل في السَّادة الأَنجاب إلاَّ / كريمٌ قد تفرَّع من كريم
يفوقُ الدّرّ في نَثْرٍ ونَظْمٍ / إذا ما قيس في الدُّرِّ النظيم
وأينَ المسكُ من نفحاتِ شيخٍ / يفوقُ نوافج المسك الشميم
ولم يبرح يقابِلُ سائليه / بحسن الخلق والطبع الحليم
تنال بفضله عِلماً وحكماً / وتعلم فضل لقمان الحكيم
فحاز مكارم الأَخلاق طراً / وحاشاه من الخلق الذميم
زفَفْتُ إلى علاك بنات فكري / فكانت مُنيَة الكفو الكريم
أغارُ من اللّئام على القوافي / فلا يَحظى بها حظّ اللَّئيم
أُمانعُ عن قوافيَّ الأَداني / ممانعةَ الغيورِ على الحريم
جلا في الكأسِ جاليَة الهمومِ
جلا في الكأسِ جاليَة الهمومِ / وقامَ يمِيسُ بالقَدِّ القَويمِ
يحضُّ على مسرَّات النَّدامى / ويأمُرُ في مُصافاة النَّديم
وقد فرش الربيعُ لنا بساطاً / من الأزهار مختلف الرقوم
بحيث الأُفق مغبرّ الحواشي / ووجه الأرض مخضر الأديم
هنالك تطلعُ الأقمار فيها / شموس الراح في اللَّيل البهيم
كأنَّ حَبابها نُظِمَت نجوماً / رَجَمتْ بها شياطين الهموم
وأرشفني لماه العذب ألمى / مراشفه شفاء للسقيم
وأعذب ما أرى فيه عذابي / فما أشكو الظلامة من ظلوم
وأحبابٌ كما أهوى كرامٌ / تنادمني على بنت الكروم
ويسعدنا على اللذات عودٌ / يكرِّرُ نغمة الصوت الرخيم
يخصّ بما يعمّ أخا التصابي / فيشجي بالخصوص وبالعموم
فيالك لوعة في الحبّ باحت / بما في مضمر القلب الكتوم
وما أهرقت من دمع كريم / جرى من لوعة الوجد اللئيم
أُلام على هواك وليت شعري / فما للاّئمين من الملوم
وما سالتْ دموعُ العين إلاَّ / لما في القلب من حرّ السُّموم
وهل ينجو من الزفرات صبٌّ / رَمَتْهُ بالغرام لحاظُ ريم
وقد حان الوداع وحانَ فيه / رحيلُ الصَّبر عن وجدٍ مقيم
إلاَّ لله من زَمَنٍ قَضَيْنا / به اللّذّات في العصر القديم
وقد كانت تُدارُ عليَّ راحٌ / تُعيدُ الرُّوح في الجَسَدِ الرَّميم
أخَذْتُ بكأسها وطربت فيها / فسَلْني كيف شئتَ عن النعيم
بحيث الشمس طالعة مدامي / وبَدْرُ التّمِّ يومئذٍ نديمي
تصَرَّمتِ الصّبابة والتصابي / وصارَمني الهوى ظبيُ الصَّريم
ومفريَّة الفدافد والفيافي / لها في البيد إجفالُ الظَّليم
سريت بها أقدُّ السَّيرَ قدًّا / بضربِ الوخد منها والرَّسيم
إذا مرَّتْ على أرضٍ فَرَتْها / مرور العاصفات على هشيم
وقفتُ على رسوم دارسات / وما يُغني الوقوفُ على الرُّسوم
أُكفْكفُ عبرة الملهوف فيها / وتحتَ أضالعي نار الجحيم
أُطوِّفُ في البلاد وأنتحيها / وإنْ شَطَّتْ إلى حرٍّ كريم
لئنْ سَعِدَتْ به الكوماءُ يوماً / حسمت نحوس أيَّام حسوم
أُنيخت في رحاب بني عليٍّ / نياقي لا بمنعرج الغميم
وأغناني عن الدُّنيا جميعاً / ندى سلمان ذي القلبِ السَّليم
وما زالت مطايانا سراعاً / إلى نادي الكريمِ ابنِ الكريم
رعيت النَّدى به غضًّا نضيراً / فما أدنو إلى المرعى الوَخيم
أقبِّل منه راحة أريحيٍّ / تَصوبُ بصيّب الغيثِ العميم
وإنِّي والهموم إذا اعترتني / وجَدْتُ به النجاة من الغموم
ويحمي المنتمين إلى عُلاه / مُحاماة الغيورِ عن الحريم
إذا ذُكِرتْ مناقبُه بنادٍ / تَضَوَّعَ عن شذا مسكٍ شميم
يروقُ نَضارةً ويَروقُ ظرفاً / أرقَّ إذا نَظَرْتَ من النَّسيم
وما يُبديه من شَرَفٍ ومجدٍ / يَدُلُّ به على شَرَفِ الأُروم
وما برحت مكارمُه ترينا / وُجُوه السَّعد بالزَّمن المشوم
وتَطْلُعُ من مَعاليه فتزهو / مناقبُ أَشْهَتْ زَهر النجوم
ولِمْ لا يرتقي دَرَج المعالي / بما يُعطاه من شيمٍ وخِيم
بوار الخصم في بأسٍ شديد / ونيلُ البرِّ من بَرٍّ رحيم
له فينا وإنْ رَغِمَتْ أُنوف / يدا موسى بن عمران الكليم
أَنوءُ بشكرها وأَفوزُ منها / بما يوفي الثراءَ إلى العديم
وذو الحظّ العظيم فتًى بَرَتْهُ / يَدُ الباري على خلقٍ عظيم
وفيه منعة لا زالَ فيها / امتناع الحادثات من الهجوم
ويدرك فكره من كلِّ معنى / يدقّ على المكالم والفهوم
هو القرم الَّذي افتخرت وباهت / به الأَشرافُ أشراف القروم
تحومُ على مناهله العطاشى / وثمَّةَ مَنْهلٌ عَذْبٌ لِهيمِ
وتصدُرُ عن موارد راحتيه / وقد بلغ المرام من المروم
لعبد القادر الجيلي يُنمى / وقطب الغوث والنبأ العظيم
إلى من تفرج الكربات فيه / وينجي المستغيث من الهموم
إلى بيت النُّبوَّة منتماهم / رفيع دعائم الحسب الصميم
هُداةُ العالمين ومقتداهم / إلى نهج الصراط المستقيم
رياض محاسن وحياض فضل / تَدفَّقُ بالمكارم والعلوم
وما أدري إذا طاشتْ رجال / رجالٌ أمْ جبال من حلوم
نظمتُ بمدحهم غُرَرَ القوافي / فما امتازت عن الدّرّ النظيم
سقى الطللَ الغمامُ وجادَ رسْما
سقى الطللَ الغمامُ وجادَ رسْما / عفا من عالجٍ لديارِ سَلمى
وسحَّ على منازلنا بنجدٍ / مُلِثُّ القطر تسكاباً وسَجْما
وعهد في الصَّريم مضى وصَدَّتْ / أوانسُ غيدِه هجرأ وصَرْما
بحيثُ الكأس تُتْرَعُ بالحميَّا / وعقد الشَّمل مثل العقد نظما
وممَّا صبوَةٍ وصباً أصابا / مراماً باجتماعهما ومرمى
تساعدني على اللّذّات سعدى / وتنعم لي بطيب الوصل نعمى
وتعقرّنا العقار وكم عقَرْنا / بها في هذه الأَحشاء همَّا
وليلٍ ما برِحْتُ أُديرُ فيه / معَتَّقةً تلذُّ لدي طعما
أُزوِّجها بابنِ المُزن بكراً / وأَمْزِجُ صِرْفها برُضاب ألمى
وأَغْتَنِمُ المسَرَّةَ بالندامى / وكانتْ لذَّة النُّدماء غنما
رعى الله الشَّباب وإنْ تولَّى / وذكّرْ عهده يوماً فيَوْما
صحا سكرانُ من خمر التَّصابي / وبدّل بعد ذاك الجهل حلما
وصاخ إلى العَذول وكان صبًّا / يرى لوم العَذول أشدّ لوما
فمن لاحٍ يعَنِّفُه لدمعٍ / يُكفكِفه مخافة أن يُنمّا
أرَتني من حوادثها اللَّيالي / أعاجيباً لها العَبرات تدمى
ومن لي أن تسالِمُني الرَّزايا / فما زالت لي الأَرزاء خصما
أُؤَمِّل نفس حرٍّ لم تعدني / أمانيها إلى أجلٍ مسمَّى
ضلالاً ما أُعلِّلُ فيه نفسي / وقولي ربَّما وعسى ولمَّا
فما لي والخمول وكلّ يومٍ / تُفَوِّق لي خطوبُ الدَّهر سهما
أَراني إنْ عَزَمْتُ على مُهِمٍّ / ثَنَتْ عنِّي يدُ الأَقدار عزما
وإنِّي سوف أركبها لآمرٍ / أُحاول شأوه إمَّا وإمَّا
وإنَّ ليالياً أعْرَقْنَ عَظمي / أضاعتني وما ضيَّعْتُ عزما
فتبًّا للزَّمان لقد تعدَّى / حدوداً ما تعدَّاهنَّ قدما
أيسمو الجاهلون بغير علمٍ / ويروى من هزَوْتُ به وأَظما
تحوَّل يا زمان إلى الأَعالي / وخذْ بكمالها فالنَّقص تمّا
لقد جهل الزَّمان بعلم مثلي / وإنَّ الجهل بين بَنيه عَمَّا
وكيف أسودُ في زَمَنٍ جَهولٍ / ولو أنِّي كإبراهيم علما
قريب من رسول الله يُدعى / بأزكى العالمين أباً وأُمَّا
نَمَتْهُ الأَنجبون وكلّ قرم / إلى خير الورى يُعزى ويُنمى
تَخَلَّقَ من سنا نورٍ مُبين / فكانَ الجوهرَ النَّبويَّ جسما
بني الشَّرف الَّذي يعلو ويسمو / فما أعلى مبانيه وأَسمى
وشيَّدهُ وإن رَغِمتْ أَنوفٌ / ولم يَبْرَح لأنف الخصم رغما
بناءٌ قصَّرَتْ عنه السَّواري / وما استطاعتْ له الحُسَّاد هدما
تأَمَّل في عظيمٍ من قريش / تجدْ أُسْد الشَّرى والبدر تمّا
عليه من سول الله نورٌ / به يمحو الظَّلام المدلهّما
إذا الأَمر المهمُّ دهى كفانا / بدعوته لنا ما قد أهمّا
شفاءٌ للصُّدور وكم مريضٍ / يكون له اشتيار الشّهد سمَّا
بروحي منك أروع هاشميًّا / حديد القلب واري الزّند شهما
لك الكلمُ الَّتي جَمَعَتْ فأَوْعتْ / تروح الملحدون بهنَّ كلمى
وكم من حجَّة نَطَقَتْ فظلَّتْ / لها فصحاء غير الحقّ عجما
وجئتَ بما يحير الفكر فيه / بياناً منك إلهاماً وفهما
وقد أحيَيْتَ هذا الدِّين علماً / بحيث الدِّين قارب أن يرمّا
وقوَّمْتَ الشَّريعة فيه حكماً / ولم ترَ غير حكم الله حكما
وكم أَغْضَبْتَ يا مولايَ قوماً / بما فيهم وكم أَرْضَيْتَ قوما
أتكتم فضلك الحسَّاد جهلاً / وما اسطاع الدُّجى للنور كتما
مَناقِبُك النجومُ وليس بِدْعاً / إذا ما أَنكرتها عينُ أَعمى
وجَدتك سيِّدي للمدح أهلاً / فخذ مدحي إذَنْ نثراً ونظما
وحسبي منك جائزتي دعاءً / به من سائر الأَسواء أَحمى
أنال به الثواب بغير شكٍّ / وأمحو بالثناء عليك إثما
وليس يفي بفضلك كنه مدحي / وكانَ المدح إلاَّ فيك ظلما
شديدٌ ما أَضَرَّ بها الغرامُ
شديدٌ ما أَضَرَّ بها الغرامُ / وأَضْناها لِشقْوتِها السّقامُ
وما انفروت بصَبْوتها ولكنْ / كذلكم المحبُّ المستهام
تشاكَيْنا الهوى زمناً طويلاً / فأَدْمُعَنا وأدْمُعها سِجام
قريبة ما تذوب على طلول / عَفَتْ حتَّى معالمها رمام
سقى الله الدّيار حياً كمدمعي / لها فيها انسكاب وانسجام
وبات الغيث منهلاًّ عليها / تسيل به الأَباطح والآكام
حبستُ بها المطيَّ فقال صحبي / أَضرَّ بهذه النُّوق المقامُ
وبرَّح بالنّياق نوًى شطونٌ / وأشجانٌ تُراشُ لها سهام
فلا رنداً تشمّ ولا تماماً / وأين الرّند منها والثّمام
مفارقة أحبَّتُها بنجدٍ / عليك الصَّبر يومئذٍ حرام
تقرُّ لأعيُني تلك المغاني / وهاتيك المنازلُ والخيام
إذا ذُكِرَتْ لنا فاضَتْ عيون / وأَضْرَمَ مهجة الصّبِّ الضّرام
لعمرِك يا أُميمَةُ إنَّ طرْفي / على العبرات أَوْقَفَهُ الغرام
أشيمُ البرق يبكيني ابتساماً / وقد يُبكي الشجيَّ الابتسام
تَبَسَّم ضاحكاً فكأَنَّ سُعدى / تزحزح عن ثناياها اللّثام
يلوحُ فيَنْجَلي طَوْراً ويخفى / كما جُلِيَتْ مضاربه الحسام
أما وهواك يمنحني سقامي / ومنك البرءُ أجمَعُ والسّقام
لقد بلغَ الهوى منِّي مُناه / ولم يبلغْ مآرِبَه الملام
على الأَحداق لا بيضٌ حدادٌ / يُشَقُّ بها حشًى ويُقَدُّ هام
سلي السُّمر المثقَّفَةَ العوالي / أتفتكُ مثل ما فتك القوام
أَبيتُ أرعى النجمَ فيه / بطرفٍ لا يلمُّ به منام
يذكّرني حَمامُ الأَيْكِ إلْفاً / ألا لا فارقَ الإِلفَ الحَمامُ
وهاتفةٍ إذا هتفت بشجوي / أقول لها ومثلك لا يلام
فنوحي ما بدا لكِ أن تنوحي / فلا عيبٌ عليك ولا منام
بذلتُ لباخلٍ في الحبّ نفسي / ولَذَّ لي الصبابةُ والهيام
منعتُ رضابه حرصاً عليه / ففاض الريُّ واتَّقد الأُوام
وفي طيِّ الجوانح لو نَشَرْنا / بها المطويَّ طال لنا كلام
أرى الأَيَّام أَوَّلُها عناءٌ / وعقباها إذا انقرَضَتْ أثام
عناءٌ إنْ تأَمَّلها لبيبٌ / وما يشقى بها إلاَّ الكرام
لذاك الأَكرمون تُزادُ عَنها / فتُمنَعُها ويَعطاها اللّئام
نَزَلْنا من جميل أبي جميل / بحيث القصد يُبلغُ المرام
فثَمَّ العروةُ الوثقى وإنَّا / لنا بالعروة الوثقى اعتصام
إذا بَذَلَ النَّدى قالت علاه / لكسْبِ الحَمْد يُدَّخَرُ الحطام
فللأموال فيما يقتنيه / صُدوعٌ ما هنالك والتئام
وعضبٌ صارم الحدَّين ماضٍ / ولا كالصَّارم السَّيفُ الكَهام
إذا نَزَلَ المروع لديه أمسى / يضيم به الخطوب ولا يُضام
جوادٌ لا يجود به زمانٌ / ولا يستنتج الدَّهر العقام
أشيمُ بروقه في كلّ يومٍ / وما كلٌّ بوارقه تُشام
إذا افتَخر الأَنام وكان فيهم / فليس بغيره افتخر الأَنام
وإنْ عُدَّتْ على النسق الأَعالي / فذاك البدء فيه والختام
تيقَّظَ للمكارم والعطايا / وأَعُنُ غيره عنها نيام
مكانُكَ من عرانين المعالي / مكانٌ لا يُنالُ ولا يرام
وما جود الرَّوائح والغوادي / فإنَّ الجودَ جودُك والسَّلام
بنفسي من لدى حربٍ وسِلْمٍ / هو الضرغام والقرم الهمام
تُراعُ به أُلوفٌ وهوَ فَردٌ / وليسَ يَروعُه العَدَدُ اللَّهام
ومن عَظُمتْ له في المجد نفسٌ / أُهِينَتْ عنده الخِطَطُ العظام
لتهدى أُمَّة بك في المعالي / وما ضَلَّتْ وأنتَ لها إمام
كأنَّك في بني الدُّنيا أبوها / وراعٍ أنتَ والدُّنيا سَوام
محلُّك من بلادٍ أنتَ فيها / محلُّ الأَمن والبلد الحرام
لكلٍّ في حِماك له طوافٌ / وتقبيلٌ لكفِّك واستلام
تَعودُ بوجْهك الظَّلماءُ صُبحاً / ويُسْتَسْقى بطلعتِك الغمام
ويُشرقُ من جمالِك كلُّ فجٍّ / كما قد أَشْرَقَ البَدر التّمام
فِداؤك من عَرَفْتَ وأَنتَ تدري / فخيرٌ من حياتهمُ الحِمام
أُناسٌ حاوَلوا ما أنتَ فيه / وما سَلَكوا طريقك واستقاموا
لقد بَخِلوا وجُدْتَ أَنت فينا / كما انهلَّت عَزاليه الرّكام
وما كلٌّ بِمندورٍ ببخلٍ / ولا كلٌّ على بُخلٍ يُلام
تميل بنا بمدحتك القوافي / كما مالتْ بشاربها المدام
ولولا أَنتَ تُنْفِقُها لكانتْ / بوائِرُ لا تُباعُ ولا تُسام
نزورُك سَيِّدي في كلّ عامٍ / إذا ما مرَّ عامٌ جاءَ عام
تُخَبر أَنَّنا ولأنتَ أدرى / صيامٌ منذ وافانا الصِّيام
أَدارَ الكأْس صافيةَ المُدامِ
أَدارَ الكأْس صافيةَ المُدامِ / كحيلُ الطَّرْفِ ممشُوقُ القوامِ
وَقَد رَكَضَتْ بأقداح الحميّا / خيولُ الصُّبْح في جنحِ الظَّلام
وأبصر غادةً من آل سام / على الباقين من أولاد حام
ومالت للغروب نجومُ أفق / كما نثر الجمان من النظام
ونحنُ بروضة تَندى فتُبدي / لنا شكران آثار الغمام
وقد أمْلَتْ حمائمُها علينا / من الأوراق آياتِ الغرام
أقمْنا بينَ أفناءِ الأغاني / وما اخترنا المقام بلا مقام
تَلَذُّ لنا القِيان بها سماعاً / إذا اتَّصَلَتْ بمنقطع الكلام
وما رقَصَتْ غصونُ البان إلاَّ / لما سمعَته من لحن الحمام
فمن طربٍ إلى طربٍ توالى / ومن جامٍ سعى في إثر جام
رَضَعْنا من أفاويق الحميّا / وقلْنا لا منعنا بالفطام
نَفُضُّ خِتامَها مِسْكاً ذكيًّا / وكان الدَنُّ مسكيَّ الختام
تحلُّ بها المسرَّةُ حيث حَلَّتْ / ودبَّت بالمفاصل والعظام
عَصَيْنا من نَهى عنها عتوًّا / وفزنا بالمعاصي والأثام
وحرَّمنا الحلالَ على الندامى / وما يغني الحلال عن الحرام
وكم يومٍ تَركنا الزِّقَّ فيه / جريحاً من يد الندمان دامي
وعُجْنا بالكؤوس إلى التصابي / وما عُجْنا لأطلال رِمام
وليلٍ يجمعُ الأحبابَ شملاً / بمن نَهوى شديد الالتحام
وباتَتْ تُسْعِف اللَّذات فيه / ببنتِ الكرم أبناءُ الكرام
فمِنْ وَجهٍ تَقَرُّ به عُيوني / ومن رشفٍ أبُلُّ به أُوامي
فيبعثُ بالسرور إلى فؤادي / ويهدي بالشفاء إلى سقامي
وقد طاب الزمان فلا رقيب / يكدر صَفْوَ عيشي بالملام
وما أهنا شموسَ الراح تترى / وقد أخَذَتْ عن البدر التمام
وغانيةٍ تجود إذا استُميحَتْ / بطيب الوصل بعد الانصرام
فما غَدَرَتْ لمشتاق بعهدٍ / ولا خَفَرَتْ لصبِّ بالذمام
تركتُ العاذلين بها ورائي / وقدَّمتُ السرور بها أمامي
تعير بوجهها الأقمار معنىً / إذا وافتك بارزة اللثام
كأنِّي قد أخَذتُ على الليالي / عهود الأمن من ريب الحمام
ومَن أضحى إلى سلمان يُعزى / وخِدْمَتِه فمحمول السلام
أصَبْتُ بنيله أمَلاً بعيداً / وما طاشت بمرماها سهامي
كأنِّي أستزيد ندى يديه / بشكراني لأيديه الجسام
وكم نِعَمٍ له عندي وأيدٍ / رغمتُ بهنَّ آنافَ اللئام
وصالَحْتُ الخطوبَ على مرادي / وكنتُ عَهِدتُها لَدَّ الخصام
وما انْفَصلتْ عُرى أملٍ وثيقٍ / وفيه تَمسُّكي وبه اعتصامي
مكان تمسكي بالعهد منه / مكان الكف من ظبة الحسام
وسَيَّال اليدين من العطايا / تسيل من العطاء لكل ظامي
إذا ما فاتني التقبيل منها / فليس يفوتني نَوْءُ الغمام
تمام جماله خَلَقٌ رضيٌ / وحَسْبُك منه كالبدر التمام
وتلك خلائقٌ خَلُصَتْ فكانت / نُضاراً لا تُدَنَّسُ بالرغام
فتًى في الناجبين لقد أراني / وقارَ الشَّيخ في سِنِّ الغلام
ركبتُ إليه من أملي جواداً / بعيدَ الخطو جوَّابَ الموامي
فأبْرقَ واستهَلَّ ورحت أروي / سجام القطر عن قطر سجام
كما نَزَلتْ على أرضٍ سماءٌ / تسيل على الأباطح والأكام
فأمسى كلَّ آونةٍ قريضي / يُغَرِّدُ منه تغريد الحمام
أرى مديحي لآل البيت فرضاً / كمفتَرَضِ الصلاة أو الصيام
أئِمة ملَّة الإسلام كلٌّ / يُقالُ له الإمام ابن الأمام
وما شرَفُ الأنام بغير قومٍ / هُمُ مذ كُوّنوا شرَفُ الأنام
أفاضوا بالعطاء لمجتديهم / وللأعداء بالموت الزؤام
وكلٌّ منهمُ ليثٌ هصورٌ / وبحرٌ من بحور الجود طامي
بنفسي سيّداً في كلّ حالٍ / يرى فيها احتشامي واحترامي
ظفِرْتُ به حُساماً ليس ينبو / نُبُوَّ مضارب السَّيف الكهام
وقد يُدعى الكريمُ إلى نوالٍ / كما يُدعى الشجاع إلى صِدام
وعندي في صنائعه قوافٍ / يضيق بهنَّ صدرُ الاكتتام
وشعري في صفات بني عليّ / رُفعتُ به إلى أعلى مقام
سأُطْرِبُ في مديحك كلَّ واعٍ / ولا طربَ الشجيّ المستهام
وأشكرُ منك فضلك ثم أدعو / لوجهك بالبقاء وبالدوام
وعدلٍ ما قضى في الحبِّ يوماً
وعدلٍ ما قضى في الحبِّ يوماً / على عشّاقه إلاَّ بظُلْمِ
فَهِمْتُ بأنَّه قمرٌ منيرٌ / ولكنْ قد تحيَّرَ فيه فهمي