المجموع : 15
كَبيرُ السابِقينَ مِنَ الكِرامِ
كَبيرُ السابِقينَ مِنَ الكِرامِ / بِرُغمي أَن أَنالَكَ بِالمَلامِ
مَقامُكَ فَوقَ ما زَعَموا وَلَكِن / رَأَيتُ الحَقَّ فَوقَكَ وَالمَقامِ
لَقَد وَجَدوكَ مَفتوناً فَقالوا / خَرَجتَ مِنَ الوَقارِ وَالاِحتِشامِ
وَقالَ البَعضُ كَيدُكَ غَيرُ خافٍ / وَقالوا رَميَةٌ مِن غَيرِ رامِ
وَقيلَ شَطَطتَ في الكُفرانِ حَتّى / أَرَدتَ المُنعِمينَ بِالاِنتِقامِ
غَمَرتَ القَومَ إِطراءً وَحَمداً / وَهُم غَمَروكَ بِالنِعَمِ الجسامِ
رَأَوا بِالأَمسِ أَنفَكَ في الثُرَيّا / فَكَيفَ اليَومَ أَصبَحَ في الرِغامِ
أَما وَاللَهِ ما عَلِموكَ إِلّا / صَغيراً في وَلائِكَ وَالخِصامِ
إِذا ما لَم تَكُن لِلقَولِ أَهلاً / فَما لَكَ في المَواقِفِ وَالكَلامِ
خَطَبتَ فَكُنتَ خَطباً لا خَطيباً / أُضيفَ إِلى مَصائِبِنا العِظامِ
لُهِجتَ باِلاِحتِلالِ وَما أَتاهُ / وَجُرحُكَ مِنهُ لَو أَحسَستَ دامي
وَما أَغناهُ عَمَّن قالَ فيهِ / وَما أَغناكَ عَن هَذا التَرامي
أَحَبَّتكَ البِلادُ طَويلَ دَهرٍ / وَذا ثَمَنُ الوَلاءِ وَالاِحتِرامِ
حَقَرتَ لَها زِماماً كُنتَ فيهِ / لَعوباً بِالحُكومَةِ وَالذِمامِ
مَحاسِنُهُ غِراسُكَ وَالمَساوي / لَكَ الثَمَرانِ مِن حَمدٍ وَذامِ
فَهَلّا قُلتَ لِلشانِ قَولاً / يَليقُ بِحاِلِ الماضِيَ الهُمامِ
يَبُثُّ تَجارِبَ الأَيّامِ فيهِم / وَيَدعو الرابِضينَ إِلى القِيامِ
خَطَبتَ عَلى الشَبيبَةِ غَيرَ دارٍ / بِأَنَّكَ مِن مَشيبِكَ في مَنامِ
وَلَولا أَنَّ لِلأَوطانِ حُبّاً / يُصِمُّ عَنِ الوِشايَةِ كَالغَرامِ
جَنَيتَ عَلى قُلوبِ الجَمعِ يَأساً / كَأَنَّكَ بَينَهُم داعي الحِمامِ
أَراعَكَ مَقتَلٌ مِن مِصرَ باقٍ / فَقُمتَ تَزيدُ سَهماً في السِهامِ
وَهَل تَرَكَت لَكَ السَبعونَ عَقلاً / لِعِرفانِ الحَلالِ مِنَ الحَرامِ
أَلا أُنبيكَ عَن زَمَنٍ تَوَلّى / فَتَذكُرَهُ وَدَمعُكَ في اِنسِجامِ
سَلِ الحِلمِيَّةَ الفَيحاءَ عَنهُ / وَسَل داراً عَلى نورِ الظَلامِ
وَسَل مَن كانَ حَولَكَ عَبدَ جاهٍ / يُريكَ الحُبَّ أَو باغي حُطامِ
رَأَوا إِرثاً سَيَذهَبُ بَعدَ حينٍ / فَكانوا عُصبَةً في الاِقتِسامِ
وَنالوا السَمعَ مِن أُذُنٍ كَريمٍ / فَنالوا مِنهُ أَنواعَ المَرامِ
هُمُ حِزبٌ وَسائِرُ مِصرَ حِزبٌ / وَأَنتَ أَصَمُّ عَن داعي الوِئامِ
وَكَيفَ يَنالُ عَونَ اللَهِ قَومٌ / سَراتُهُمُ عَوامِلُ الاِنقِسامِ
إِذا الأَحلامُ في قَومٍ تَوَلَّت / أَتى الكُبَراءُ أَفعالَ الطَغامِ
فَيا تِلكَ اللَيالي لا تَعودي / وَيا زَمَنَ النِفاقِ بِلا سَلامِ
أُحِبُّكِ مِصرُ مِن أَعماقِ قَلبي / وَحُبُّكِ في صَميمِ القَلبِ نامي
سَيَجمَعُني بِكِ التاريخُ يَوماً / إِذا ظَهَرَ الكِرامُ عَلى اللِئامِ
لِأَجلِكِ رُحتُ بِالدُنيا شَقِيّاً / أَصُدُّ الوَجهَ وَالدُنيا أَمامي
وَأَنظُرُ جَنَّةً جَمَعَت ذِئاباً / فَيَصرُفُني الإِباءُ عَنِ الزِحامِ
وَهَبتُكِ غَيرَ هَيّابٍ يَراعاً / أَشَدَّ عَلى العَدُوِّ مِنَ الحُسامِ
سَيَكتُبُ عَنكِ فَوقَ ثَرى رِياضٍ / وَفي التاريخِ صَفحَةَ الاِتِّهامِ
أَفي السَبعينَ وَالدُنيا تَوَلَّت / وَلا يُرجى سِوى حُسنِ الخِتامِ
تَكونُ وَأَنتَ رِياضُ مِصرٍ / عُرابي اليَومَ في نَظَرِ الأَنامِ
إِلامَ الخُلفُ بَينَكُمُ إِلاما
إِلامَ الخُلفُ بَينَكُمُ إِلاما / وَهَذي الضَجَّةُ الكُبرى عَلاما
وَفيمَ يَكيدُ بَعضُكُمُ لِبَعضٍ / وَتُبدونَ العَداوَةَ وَالخِصاما
وَأَينَ الفَوزُ لا مِصرُ اِستَقَرَّت / عَلى حالٍ وَلا السودانُ داما
وَأَينَ ذَهَبتُمُ بِالحَقِّ لَمّا / رَكِبتُم في قَضِيَّتِهِ الظَلاما
لَقَد صارَت لَكُم حُكماً وَغُنماً / وَكانَ شِعارُها المَوتَ الزُؤاما
وَثِقتُم وَاِتَّهَمتُم في اللَيالي / فَلا ثِقَةً أَدَمنَ وَلا اِتِّهاما
شَبَبتُم بَينَكُم في القُطرِ ناراً / عَلى مُحتَلِّهِ كانَت سَلاما
إِذا ما راضَها بِالعَقلِ قَومٌ / أَجَدَّ لَها هَوى قَومٍ ضِراما
تَرامَيتُم فَقالَ الناسُ قَومٌ / إِلى الخِذلانِ أَمرُهُمُ تَرامى
وَكانَت مِصرُ أَوَّلَ مَن أَصَبتُم / فَلَم تُحصِ الجِراحَ وَلا الكِلاما
إِذا كانَ الرِماةُ رِماةَ سوءٍ / أَحَلّوا غَيرَ مَرماها السِهاما
أَبَعدَ العُروَةِ الوُثقى وَصَفٍّ / كَأَنيابِ الغِضَنفَرِ لَن يُراما
تَباغَيتُم كَأَنَّكُمُ خَلايا / مِنَ السَرَطانِ لا تَجِدُ الضِماما
أَرى طَيّارَهُم أَوفى عَلَينا / وَحَلَّقَ فَوقَ أَرؤُسِنا وَحاما
وَأَنظُرُ جَيشَهُم مِن نِصفِ قَرنٍ / عَلى أَبصارِنا ضَرَبَ الخِياما
فَلا أُمَناؤُنا نَقَصوهُ رُمحاً / وَلا خُوّانُنا زادوا حُساما
وَنَلقى الجَوَّ صاعِقَةً وَرَعداً / إِذا قَصرُ الدُبارَةِ فيهِ غاما
إِذا اِنفَجَرَت عَلَينا الخَيلُ مِنهُ / رَكِبنا الصَمتَ أَو قُدنا الكَلاما
فَأُبنا بِالتَخاذُلِ وَالتَلاحي / وَآبَ مِمّا اِبتَغى مِنّا وَراما
مَلَكنا مارِنَ الدُنيا بِوَقتٍ / فَلَم نُحسِن عَلى الدُنيا القِياما
طَلَعنا وَهيَ مُقبِلَةٌ أُسوداً / وَرُحنا وَهيَ مُدبِرَةٌ نَعاما
وَلينا الأَمرَ حِزباً بَعدَ حِزبٍ / فَلَم نَكُ مُصلِحينَ وَلا كِراما
جَعَلنا الحُكمَ تَولِيَةً وَعَزلاً / وَلَم نَعدُ الجَزاءَ وَالاِنتِقاما
وَسُسنا الأَمرَ حينَ خَلا إِلَينا / بِأَهواءِ النُفوسِ فَما اِستَقاما
إِذا التَصريحُ كانَ بِراحَ كُفرٍ / فَلِم جُنَّ الرِجالُ بِهِ غَراما
وَكَيفَ يَكونُ في أَيدٍ حَلالاً / وَفي أُخرى مِنَ الأَيدي حَراما
وَما أَدرى غَداةَ سُقيتُموهُ / أَتِرياقاً سُقيتُمُ أَم سِماما
شَهيدَ الحَقِّ قُم تَرَهُ يَتيماً / بِأَرضٍ ضُيِّعَت فيها اليَتامى
أَقامَ عَلى الشِفاهِ بِها غَريباً / وَمَرَّ عَلى القُلوبِ فَما أَقاما
سَقِمتَ فَلَم تَبِت نَفسٌ بِخَيرٍ / كَأَنَّ بِمُهجَةِ الوَطَنِ السَقاما
وَلَم أَرَ مِثلَ نَعشِكَ إِذ تَهادى / فَغَطّى الأَرضَ وَاِنتَظَمَ الأَناما
تَحَمَّلَ هِمَّةً وَأَقَلَّ ديناً / وَضَمَّ مُروءَةً وَحَوى زِماما
وَما أَنساكَ في العِشرينَ لَمّا / طَلَعتَ حِيالَها قَمَراً تَماما
يُشارُ إِلَيكَ في النادي وَتُرمى / بِعَينَي مَن أَحَبَّ وَمَن تَعامى
إِذا جِئتَ المَنابِرَ كُنتَ قُسّاً / إِذا هُوَ في عُكاظَ عَلا السَناما
وَأَنتَ أَلَذُّ لِلحَقِّ اِهتِزازاً / وَأَلطَفُ حينَ تَنطِقُهُ اِبتِساما
وَتَحمُلُ في أَديمِ الحَقِّ وَجهاً / صُراحاً لَيسَ يَتَّخِذُ اللِثاما
أَتَذكُرُ قَبلَ هَذا الجيلِ جيلاً / سَهِرنا عَن مُعَلِّمِهِم وَناما
مِهارُ الحَقِّ بَغَّضَنا إِلَيهِم / شَكيمَ القَيصَرِيَّةِ وَاللِجاما
لِواؤُكَ كانَ يَسقيهِم بِجامٍ / وَكانَ الشِعرُ بَينَ يَدَيَّ جاما
مِنَ الوَطَنِيَّةِ اِستَبقَوا رَحيقاً / فَضَضنا عَن مُعَتِّقِها الخِتاما
غَرَسنا كَرمَها فَزَكا أُصولاً / بِكُلِّ قَرارَةٍ وَزَكا مُداما
جَمَعتَهُمُ عَلى نَبَراتِ صَوتٍ / كَنَفخِ الصورِ حَرَّكَتِ الرِجاما
لَكَ الخُطَبُ الَّتي غَصَّ الأَعادي / بِسَورَتِها وَساغَت لِلنُدامى
فَكانَت في مَرارَتِها زَئيراً / وَكانَت في حَلاوَتِها بُغاما
بِكَ الوَطَنِيَّةُ اِعتَدَلَت وَكانَت / حَديثاً مِن خُرافَةٍ أَو مَناما
بَنَيتَ قَضِيَّةَ الأَوطانِ مِنها / وَصَيَّرتَ الجَلاءَ لَها دِعاما
هَزَزتَ بَني الزَمانِ بِهِ صَبِيّاً / وَرُعتَ بِهِ بَني الدُنيا غُلاما
بِهِ سِحرٌ يُتَيِّمُهُ
بِهِ سِحرٌ يُتَيِّمُهُ / كِلا جَفنَيكَ يَعلَمُهُ
هُما كادا لِمُهجَتِهِ / وَمِنكَ الكَيدُ مُعظَمُهُ
تُعَذِّبُهُ بِسِحرِهِما / وَتوجِدُهُ وَتُعدِمُهُ
فَلا هاروتَ رَقَّ لَهُ / وَلا ماروتَ يَرحَمُهُ
وَتَظلِمُهُ فَلا يَشكو / إِلى مَن لَيسَ يَظلِمُهُ
أَسَرَّ فَماتَ كُتماناً / وَباحَ فخانَهُ فَمُهُ
فَوَيحَ المُدنَفِ المَع / مودِ حَتّى البَثُّ يُحرَمُهُ
طَويلُ اللَيلِ تَرحَمُهُ / هَواتِفُهُ وَأَنجُمُهُ
إِذا جَدَّ الغَرامُ بِهِ / جَرى في دَمعِهِ دَمُهُ
يَكادُ لِطولِ صُحبَتِهِ / يُعادي السُقمَ يُسقِمُهُ
ثَنى الأَعناقَ عُوَّدُهُ / وَأَلقى العُذرَ لُوَّمُهُ
قَضى عِشقاً سِوى رَمَقٍ / إِلَيكَ غَدا يُقَدِّمُهُ
عَسى إِن قيلَ ماتَ هَوىً / تَقولُ اللَهُ يَرحَمُهُ
فَتَحيا في مَراقِدِها / بِلَفظٍ مِنكَ أَعظُمُهُ
بِروحِيَ البانُ يَومَ رَنا / عَنِ المَقدورِ أَعصَمُهُ
وَيَومَ طُعِنتُ مِن غُصنٍ / مُعَلِّمُهُ مُنَعِّمُهُ
قَضاءُ اللَهِ نَظرَتُهُ / وَلُطفُ اللَهِ مَبسِمُهُ
رَمى فَاِستَهدَفَت كَبِدي / بِيَ الرامي وَأَسهُمَهُ
لَهُ مِن أَضلُعي قاعٌ / وَمِن عَجَبٍ يُسَلِّمُهُ
وَمِن قَلبي وَحَبَّتِهِ / كِناسٌ باتَ يَهدِمُهُ
غَزالٌ في يَدَيهِ التي / هُ بَينَ الغيدِ يَقسِمُهُ
مَعالي العَهدِ قُمتَ بِها فَطيما
مَعالي العَهدِ قُمتَ بِها فَطيما / وَكانَ إِلَيكَ مَرجِعُها قَديما
تَنَقَّل مِن يَدٍ لِيَدٍ كَريماً / كَروحِ اللَهِ إِذ خَلَفَ الكَليما
تَنحّى لِاِبنِ مَريَمَ حينَ جاءَ / وَخَلّى النَجمُ لِلقَمَرِ الفَضاءَ
ضِياءٌ لِلعُيونِ تَلا ضِياءً / يَفيضُ مَيامِناً وَهُدىً عَميما
كَذا أَنتُم بَني البَيتِ الكَريمِ / وَهَل مُتَجَزِّئٌ ضَوءُ النُجومِ
وَأَينَ الشُهبُ مِن شَرَفٍ صَميمِ / تَأَلَّقَ عِقدُهُ بِكُمو نَظيما
أَرى مُستَقبَلاً يَبدو عُجابا / وَعُنواناً يُكِنُّ لَنا كِتابا
وَكانَ مُحَمَّدٌ أَمَلاً شِهابا / وَكانَ اليَأسُ شَيطاناً رَجيما
وَأَشرَقَتِ الهَياكِلُ وَالمَباني / كَما كانَت وَأَزيَنَ في الزَمانِ
وَأَصبَحَ ما تُكِنُّ مِنَ المَعاني / عَلى الآفاقِ مَسطوراً رَقيما
سَأَلتُ فَقيلَ لي وَضَعَتهُ طِفلاً / وَهَذا عيدُهُ في مِصرَ يُجلى
فَقُلتُ كَذَلِكُم آنَستُ قَبلا / وَكانَ اللَهُ بِالنَجوى عَليما
بِمُنتَزَهِ الإِمارَةِ هَلَّ فَجرا / هِلالاً في مَنازِلِهِ أَغَرّا
فَباتَت مِصرُ حَولَ المَهدِ ثَغرا / وَباتَ الثَغرُ لِلدُنيا نَديما
لِجيلِكَ في غَدٍ جيلِ المَعالي / وَشَعبِ المَجدِ وَالهِمَمِ العَوالي
أَزُفُ نَوابِغَ الكَلِمِ الغَوالي / وَأَهدي حِكمَتي الشَعبَ الحَكيما
إِذا أَقبَلتَ يا زَمَن البَنينا / وَشَبّوا فيكَ وَاِجتازوا السِنينا
فَدُر مِن بَعدِنا لَهُمو يَمينا / وَكُن لِوُرودِكَ الماءَ الحَميما
وَيا جيلَ الأَميرِ إِذا نَشَأنا / وَشاءَ الجَدُّ أَن تُعطى وَشِئتا
فَخُذ سُبُلاً إِلى العَلياءِ شَتّى / وَخَلِّ دَليلَكَ الدينَ القَويما
وَضِنَّ بِهِ فَإِنَّ الخَيرَ فيهِ / وَخُذهُ مِنَ الكِتابِ وَما يَليهِ
وَلا تَأخُذهُ مِن شَفَتَي فَقيهِ / وَلا تَهجُر مَعَ الدينِ العُلوما
وَثِق بِالنَفسِ في كُلِّ الشُؤونِ / وَكُن مِمّا اِعتَقدتَ عَلى يَقينِ
كَأَنَّكَ مِن ضَميرِكَ عِندَ دينٍ / فَمِن شَرَفِ المَبادِئِ أَن تُقيما
وَإِن تَرُمِ المَظاهِرَ في الحَياةِ / فَرُمها بِاِجتِهادِكَ وَالثَباتِ
وَخُذها بِالمَساعي باهِراتِ / تُنافِسُ في جَلالَتِها النُجوما
وَإِن تَخرُج لِحَربٍ أَو سَلامِ / فَأَقدِم قَبلَ إِقدامِ الأَنامِ
وَكُن كَاللَيثِ يَأتي مِن أَمامِ / فَيَملَأُ كُلَّ ناطِقَةٍ وُجوما
وَكُن شَعبَ الخَصائِصِ وَالمَزايا / وَلا تَكُ ضائِعاً بَينَ البَرايا
وَكُن كَالنَحلِ وَالدُنيا الخَلايا / يَمُرُّ بِها وَلا يَمضي عَقيما
وَلا تَطمَح إِلى طَلَبِ المُحالِ / وَلا تَقنَع إِلى هَجرِ المَعالي
فَإِن أَبطَأنَ فَاِصبِر غَيرَ سالِ / كَصَبرِ الأَنبِياءِ لَها قَديما
وَلا تَقبَل لِغَيرِ اللَهِ حُكماً / وَلا تَحمِل لِغَيرِ الدَهرِ ظُلما
وَلا تَرضَ القَليلَ الدونَ قِسما / إِذا لَم تَقدِرِ الأَمرَ المَروما
وَلا تَيأَس وَلا تَكُ بِالضَجورِ / وَلا تَثِقَنَّ مِن مَجرى الأُمورِ
فَلَيسَ مَعَ الحَوادِثِ مِن قَديرِ / وَلا أَحَدٌ بِما تَأتي عَليما
وَفي الجُهّالِ لا تَضَعِ الرَجاءَ / كَوَضعِ الشَمسِ في الوَحَلِ الضِياءَ
يَضيعُ شُعاعُها فيهِ هَباءَ / وَكانَ الجَهلُ مَمقوتاً ذَميما
وَبالِغ في التَدَبُّرِ وَالتَحَرّي / وَلا تَعجَل وَثِق مِن كُلِّ أَمرِ
وَكُن كَالأُسدِ عِندَ الماءِ تَجري / وَلَيسَت وُرَّداً حَتّى تَحوما
وَما الدُنيا بِمَثوىً لِلعِبادِ / فَكُن ضَيفَ الرِعايَةِ وَالوِدادِ
وَلا تَستَكثِرَنَّ مِنَ الأَعادي / فَشَرُّ الناسِ أَكثَرُهُم خُصوما
وَلا تَجعَل تَوَدُّدُكَ اِبتِذالاً / وَلا تَسمَح بِحِلمِكَ أَن يُذالا
وَكُن ما بَينَ ذاكَ وَذاكَ حالا / فَلَن تُرضي العَدُوَّ وَلا الحَميما
وَصَلِّ صَلاةَ مَن يَرجو وَيَخشى / وَقَبلَ الصَومِ صُم عَن كُلِّ فَحشا
وَلا تَحسَب بِأَنَّ اللَهَ يُرشى / وَأَنَّ مُزَكّياً أَمِنَ الجَحيما
لِكُلِّ جَنىً زَكاةً في الحَياةِ / وَمَعنى البِرِّ في لَفظِ الزَكاةِ
وَما لِلَّهُ فينا مِن جُباةِ / وَلا هُوَ لِاِمرِئٍ زَكّى غَريما
فَإِن تَكُ عالِماً فَاِعمَل وَفَطِّن / وَإِن تَكُ حاكِماً فَاِعدِل وَأَحسِن
وَإِن تَكُ صانِعاً شَيئاً فَأَتقِن / وَكُن لِلفَرضِ بَعدَئِذٍ مُقيما
وَصُن لُغَةً يَحُقُّ لَها الصِيانُ / فَخَيرُ مَظاهِرِ الأُمِّ البَيانُ
وَكانَ الشَعبُ لَيسَ لَهُ لِسانُ / غَريباً في مَواطِنِهِ مَضيما
أَلَم تَرَها تُنالُ بِكُلِّ ضَيرٍ / وَكانَ الخَيرُ إِذ كانَت بِخَيرِ
أَيَنطِقُ في المَشارِقِ كُلُّ طَيرِ / وَيَبقى أَهلُها رَخَماً وَبوما
فَعَلِّمها صَغيرَكَ قَبلَ كُلِّ / وَدَع دَعوى تَمَدُّنِهِم وَخَلِّ
فَما بِالعِيِّ في الدُنيا التَحَلّي / وَلا خَرَسُ الفَتى فَضلاً عَظيما
وَخُذ لُغَةَ المُعاصِرِ فَهيَ دُنيا / وَلا تَجعَل لِسانَ الأَصلِ نَسيا
كَما نَقَلَ الغُرابُ فَضَلَّ مَشياً / وَما بَلَغَ الجَديدَ وَلا القَديما
لِجيلِكَ يَومَ نَشأَتِهِ مَقالي / فَأَمّا أَنتَ يا نَجلَ المَعالي
فَتَنظُرُ مِن أَبيكَ إِلى مِثالٍ / يُحَيِّرُ في الكَمالاتِ الفُهوما
نَصائِحُ ما أَرَدتُ بِها لِأَهدي / وَلا أَبغي بِها جَدواكَ بَعدي
وَلَكِنّي أُحِبُّ النَفعَ جَهدي / وَكانَ النَفعُ في الدُنيا لُزوما
فَإِن أُقرِئتَ يا مَولايَ شِعري / فَإِنَّ أَباكَ يَعرِفُهُ وَيَدري
وَجَدُّكَ كانَ شَأوي حينَ أَجري / فَأَصرَعُ في سَوابِقِها تَميما
بَنونا أَنتَ صُبحُهُمُ الأَجَلُّ / وَعَهدُكَ عِصمَةٌ لَهُمو وَظِلُّ
فَلِم لا نَرتَجيكَ لَهُم وَكُلٌّ / يَعيشُ بِأَن تَعيشَ وَأَن تَدوما
عَظيمُ الناسِ مَن يَبكي العِظاما
عَظيمُ الناسِ مَن يَبكي العِظاما / وَيَندُبُهُم وَلَو كانوا عِظاما
وَأَكرَمُ مِن غَمامٍ عِندَ مَحلٍ / فَتىً يُحيِ بِمِدحَتِهِ الكِراما
وَما عُذرُ المُقَصِّرِ عَن جَزاءٍ / وَما يَجزيهُمو إِلى كَلاما
فَهَل مِن مُبلِغٍ غَليومَ عَنّي / مَقالاً مُرضِياً ذاكَ المَقاما
رَعاكَ اللَهُ مِن مَلِكٍ هُمامٍ / تَعَهَّدَ في الثَرى مَلِكاً هُماما
أَرى النِسيانَ أَظمَأَهُ فَلَمّا / وَقَفتَ بِقَبرِهِ كُنتَ الغَماما
تُقَرِّبُ عَهدَهُ لِلناسِ حَتّى / تَرَكتَ الجَيل في التاريخِ عاما
أَتَدري أَيَّ سُلطانٍ تُحَيّي / وَأَيَّ مُمَلَّكٍ تُهدي السَلاما
دَعَوتَ أَجَلَّ أَهلِ الأَرضِ حَرباً / وَأَشرَفَهُم إِذا سَكَنوا سَلاما
وَقَفتَ بِهِ تُذَكِّرُهُ مُلوكاً / تَعَوَّدَ أَن يُلاقوهُ قِياما
وَكَم جَمَعَتهُمو حَربٌ فَكانوا / حَدائِدَها وَكانَ هُوَ الحُساما
كلام للبرية داميات / وَأَنتَ اليَومَ مَن ضَمَدَ الكلاما
فَلَمّا قُلتَ ما قَد قُلتَ عَنهُ / وَأَسمَعتَ المَمالِكَ وَالأَناما
تَساءَلَتِ البَرِيَّةُ وَهيَ كَلمى / أَحُبّاً كانَ ذاكَ أَمِ اِنتِقاما
وَأَنتَ أَجَلُّ أَن تُزري بِمَيتٍ / وَأَنتَ أَبَرُّ أَن تُؤذي عِظاما
فَلَو كانَ الدَوامُ نَصيبَ مَلكٍ / لَنالَ بِحَدِّ صارِمِهِ الدَواما
بِأَرضِ الجيزَةِ اِجتازَ الغَمامُ
بِأَرضِ الجيزَةِ اِجتازَ الغَمامُ / وَحَلَّ سَماءَها البَدرُ التَمامُ
وَزارَ رِياضَ إِسماعيلَ غَيثٌ / كَوالِدِهِ لَهُ المِنَنُ الجِسامُ
ثَنى عِطفَيهِما الهَرَمانِ تيهاً / وَقالَ الثالِثُ الأَدنى سَلامُ
حَلُمّي مَنفُ هَذا تاجُ خوفو / كَقُرصِ الشَمسِ يَعرِفُهُ الأَنامُ
نَمَتهُ مِن بَني فِرعَونَ هامٌ / وَمِن خُلَفاءِ إِسماعيلَ هامُ
تَأَلَّقَ في سَمائِكِ عَبقَرِيّاً / عَلَيهِ جَلالَةٌ وَلَهُ وِسامُ
تَرَعرَعَتِ الحَضارَةُ في حُلاهُ / وَشَبَّ عَلى جَواهِرِهِ النِظامُ
وَنالَ الفَنُّ في أُولى اللَيالي / وَأُخراهُنَّ عِزّاً لا يُرامُ
مَشى في جيزَةِ الفُسطاطِ ظِلٌّ / كَظِلِّ النيلِ بُلَّ بِهِ الأُوامُ
إِذا ما مَسَّ تُرباً عادَ مِسكاً / وَنافَسَ تَحتَهُ الذَهَبَ الرَغامُ
وَإِن هُوَ حَلَّ أَرضاً قامَ فيها / جِدارٌ لِلحَضارَةِ أَو دِعامُ
فَمَدرَسَةٌ لِحَربِ الجَهلِ تُبنى / وَمُستَشفى يُذادُ بِهِ السَقامُ
وَدارٌ يُستَغاثُ بِها فَيَمضي / إِلى الإِسعافِ أَنجادٌ كِرامُ
أُساةُ جِراحَةٍ حيناً وَحيناً / مَيازيبٌ إِذا اِنفَجَرَ الضِرامُ
وَأَحواضٌ يُراضُ النيلُ فيها / وَكُلُّ نَجيبَةٍ وَلَها لِجامُ
فَقَوِّ حَضارَةَ الماضي بِأُخرى / لَها زَهوٌ بِعَصرِكَ وَاِتِّسامُ
تَرفُّ صَحائِفُ البَردِيِّ فيها / وَيَنطُقُ في هَياكِلِها الرُخامُ
رَعَتكَ وَوادِياً تَرعاهُ عَنّا / مِنَ الرَحمَنِ عَينٌ لا تَنامُ
فَإِن يَكُ تاجُ مِصرَ لَها قِواماً / فَمِصرُ لِتاجِها العالي قِوامُ
لِتَهنَأ مِصرُ وَليَهنَأ بَنوها / فَبَينَ الرَأسِ وَالجِسمِ اِلتِئامُ
سلام الله لا أرضى سلامي
سلام الله لا أرضى سلامي / فكل تحية دون المقام
وعين من رسول الله ترعى / وتحرس حامل الأمر الجُسام
وتنَجد مقلة في الله يقظى / وتخلفها على أمم نيام
تقلَّب في ليال من خطوب / تركن المسلمين بلا سلام
ومن عجبٍ قيامك في الليالي / وأنت الشمس في نظر الأنام
أحب خليفة الرحمن جهدي / وحب الله في حب الإمام
وأجعل عصره عنوان شعري / وحسن العقد يظهر في النظام
فإن نفت الموانع فيه حظى / فليس بفائت حظ الكلام
وقد يُرعى الغمام الأرض أذنا / وأين الأرض من سمع الغمام
إلى ابن محمد أهدي كتابي
إلى ابن محمد أهدي كتابي / وقد يُهدَى القليل إلى الكريم
وما أهدى له إلا فؤادي / وما بين الفؤاد من الصميم
وغرس طفولتي وجَنَى شبابي / وما أوعيت من وحي قديم
وما حاولت من عصر عظيم / من الآداب للوطن العظيم
وكان محمد أوفى وأرعى / لهذا الدرّ من واعي اليتيم
وإن الشعر ريحان الموالي / وراحة كل ذى ذوق سليم
وما شرب الملوك ولا استعادوا / كهذى الكأس من هذا النديم
تحبك صاحبي منا قلوب
تحبك صاحبي منا قلوب / لغيرك ظهرها ولك الصميم
وترجو أن تعيش لها نفوس / إذا تبقى لها يبقى النعيم
عن اللذات صامت لم تجادل / فإما عن هواك فلا تصوم
أفي هذا الشباب تعف نفس
أفي هذا الشباب تعف نفس / ولا يلهى الفتى هذا النعيم
ألا يدعوك للذات صفو / وأكثرنا على كدر يحوم
كأن مكارم الأخلاق روض / وأنت الزهر فيه والنسيم
فهلا أختار هذا النهج قوم / خلالُ الدين بينهم رسوم
وما جهلوا فوائد ما أضاعوا / ولكن ربما نسى العليم
تَغَيَّرنا فلا ظن جميل / بخالقنا ولا قلب سليم
كأنا في التلون قوم موسى / وأنت بنا كما شقى الكليم
فإن لم نرض أخلاقا فعذرا / لعل ضلالنا هذا قديم
عرابي كيف أوفيك الملاما
عرابي كيف أوفيك الملاما / جمعت على ملامتك الأناما
فقف بالتل واستمع العظاما / فإن لها كما لهمو كلاما
سمعت من الورى جدا وهزلا / فانصت إذ تقول القول فصلا
كانك قاتل والحكم يتلى / عليك وانت تنتظر الحماما
ولا تامل من الأموات عفوا / وإن كان الحسين اباك دعوى
ارقت دماءهم لعبا ولهوا / ولم تعرف لغاليها مقاما
دماء قد فدتك ولم تصنها / نفضت يديك يوم التل منها
فكيف تنام عين الله عنها / إذا غفل الملا عنها وناما
لقد سفكت بجهلك شر سفك / لغير شهادة او رفع ملك
وانت على قديم العز تبكى / وتندب رتبة لك او وساما
تقول لك العظام مقال صدق / ورب مقالة من غير نطق
قتلت المسلمين بغير حق / وضيّعتَ الأمانة والذماما
تقول لقد بقيت وما بقينا / ثبتنا للعدا حتى فنينا
فما حكم الليالي في بنينا / وما صنع الأرامل واليتامى
وتقول وصوتها رعد قوىّ / ونحل في الضمير لها دوى
لقد مات الكرام وأنت حىّ / حياة تنقضى عارا وذاما
تقول وصوتها ملأ الدهورا / وأنت أصم من حجر شعورا
عرابي هل تركت لنا قبورا / يقول الطائفون بها سلاما
تقول وصورتها بلغ السماء / وأسمع خير من سمع النداء
إله العالمين أجب دماء / تصيح الانتقاما الانتقاما
تقول جبنت حين الظلم ينمو / وثر ولم يكن في مصر ظلم
وغرك من أبي العباس حلم / ولما يكتمل في الحكم عاما
وقفت له وما ظلم الأمير / ولم يكن آطمأن به السرير
فجل الخطب واضطربت أمور / عييت بأن تكون لها نظاما
تقول مقالة فيها اعتبار / عشية حال بينكما الفرار
أموتٌ يا عرابي ثم عار / يلازمنا بقائدنا لزاما
رمانا بالجبانة كل شعب / وسبتنا الخلائق أى سب
لأجلك حين تخرج لحرب / ولا جردت في الهيجا حساما
وقيل زعيمهم ولى الفرارا / وفي بلبيس قد ساق القطارا
وخلف جيشه فوضى حيارى / وقد بلغ العِدى فيهم مراما
نسائل عن عرابي لا نراه / وننشد حاميا خلّى حماه
ركبنا الموت لم نركب سواه / ونت ركبت للعار الظلاما
رويدا يا شعوب الأرض مهلا / فما كنا لهذا اللوم أهلا
أراكم واحد جبنا وجهلا / فأنساكم مواقفنا العظاما
سلوا تاريخنا وسلوا عليا / ألم يملأ بنا الدنيا دويا
لقد عاش الأمير بنا قويا / وعشنا تحت رايته كراما
يَعزّبنا ويقهر من يشاء / كأنا تحت رايته القضاء
لنا في ظلها وله علاء / ومجد يملأ الدنيا ابتساما
ألم نكف الحجاز عوان حرب / وأنقذناه من حرب وكرب
فكنا للمهيمن خير حزب / أجرنا الدين والبيت الحراما
سلوه وأهله أيام ثاروا / ألم نقبض عليه وهو نار
وكان الدين ليس له قرار / فثبتناه يومئذ دعاما
ألم نك خلف إبراهيم لما / رمى بجواده الأبراج شما
وكبرّ يوم مورة ثم سمى / فكنا الصف إذ كان الإماما
ترانا في مواقفه نليه / كما جمع الأب الوافي بنيه
وليس الجيش إلا قائديه / إذا ما قوموا الجيش استقاما
نلبى إن أشار براحتيه / إلى حصن فيسبقنا إليه
كأن سميّه في بردتيه / يخوض النار في الهيجا سلاما
وفي اليونان أحسنا البلاء / وهز المسلمون بنا اللواء
وقدّمنا بوارجنا فداء / على الأمواج تضطرم اضطراما
وفي البلغار صلنا ثم صلنا / وطاولنا الجبال بها فطلنا
وأنزلنا العدوّ وما نزلنا / وكنا للرواسى الشم هاما
وسل بأسنا سودان ومصرا / فبعد الله والمهدىّ أدرى
بأنا الأسد إقداما وأجرا / إذا اصدم الفريقان اصطداما
وفي المسكوف شدنا ذكرا مصرا / على قتلى بها منا وأسرى
بلغنا نحن والأتراك عذرا / وأرضينا المهيمن والإماما
وكان لنا بلاء في كريد / بيوم ثائر الهيجا شديد
أذبناها وكانت من حديد / وأطفأنا لثورتها ضِراما
رفعنا الملك بالمهج الغوالي / تسيل على القواضب والعوالي
وبالأذكار لم نحيى الليالي / ولا بتنا على ضيم نياما
تقول لك العظام دع الأماني / ولا تحِفل بسيف غير قاني
وليس بذى الفقار ولا اليماني / ولا المقهور دفعا واستلاما
أراح الله منك حدِيدَتَيه / وأنسى الناس ما علموا عليه
وأنت تنبه الدنيا إليه / وتفتأ تذكر العار الجُساما
تحنّ له كأنك لم تضعه / فسعه بجبنك المأثور سعه
ودعه في ظلام الغمد دعه / لعل مع الظلام له احتراما
أما والله ما لُعَب الصغار / ولا خُشُب يقلدن الجوارى
ولا الأوتار في ايدى الجوارى / بأحسن منه في الهيجا قياما
وهذا الصدر أضيق أن يحلَّى / وأن يسترجع الشأن الأجلا
فلم يك للقنا يوما محلا / ولا لقى الرصاص ولا السهاما
لقد ضاع الفخار على الخفير / وضاعت عنده نعم الأمير
أمن تحت السلاح إلى وزير / يسمى السيد البطل الهماما
عمَّى في الشرق كان ولا يزال / فما برحت معاليه تنال
ويبلغ شاوها الأقصى رجال / لهم في الجهل قدر لا يسامى
فخذ رتب المعالي أو فدعها / وإن شئت اشِرها أو شئت بعها
فإنك إن تنلها لا تضعها / وحاشا ترفع الرتب الطغاما
تقول كل العظام وأنت لاه / تمنى النفس من مال وجاه
وتكذب بالصلاة على إله / ولما بتلغ الروح التراقي
سنأخذ منك يوما بالخناق / ولما تبلغ الروح التراقي
تلاقى يوم ذلك ما تلاقى / دماء الخلق والموت الزؤاما
نجيئك يوم يحضُرك الحمام / يسل حسامه ولنا حسام
وتسبق سهمه منا سهام / لها بالحق رام لا يرامى
نجيئك يوم تحضُرك المنون / ويأتى العقل إذ يمضى الجنون
نقول لنا على الجاني ديون / فياربَّ الدم احتكم احتكاما
ونُسأل ما جنى ماذا أساء / ليلقى عن جنايته الجزاء
فنرفعها إلى البارى دماء / ونعرضها له جثثا وهاما
نقول جنى ومنَّ بما جناه / وحاول أن تُردّ له علاه
وضيع أنفسنا ذهبت فداه / وأنت الله فانتقم انتقاما
هناك ترى جهنم وهي تُحمَى / وتذكر ما مضى جرما فجرما
فَتُشرقَ بالدم المسفوك ظلما / وبالوطن العثور ولا قياما
توليت الصحافة فاستكانت
توليت الصحافة فاستكانت / لما أرخصتها بيعا وسوما
وقد أبكيتها دهرا طويلا / فلا تحزن إذا أبكتك يوما
به هجر يتيمه
به هجر يتيمه / كلا جفنيك يعلمه
هما كادا لمهجته / ومنك الكيد معظمه
تعذِّبه بسحرهما / وتوجده وتعدمه
فلا هاروت رق له / ولا ماروت يرحمه
وتظلمه فلا يشكو / إلى من ليس يظلمه
أَسَرَّ فمات كتمانا / وباح فخانه فمه
فويح المدنف المعمو / د حتى البث يُحرمه
طويل الليل ترحمه / هواتفه وأنجمه
إذا جد الغرام له / جرى في دمعه دمه
يكاد لعهده أبدا / بعادى السقم يسقمه
ثنى الأعناق عوّده / وألقى العذر لوّمه
قضى عشقا سوى رمق / إليك غدا يقدمه
عسى إن قيل مات هوى / تقول الله يرحمه
فتحيا في مراقدها / بلفظ منك أعظمه
بروحي البان يوم رنا / عن المقدور أعصمه
ويوم طعنتُ من غصن / منَّعمه معلَّمه
قضاء الله نظرته / ولطف الله مبسمه
رمى فاستهدفت كِبدى / بىَ الرامي وأسهمه
له من أضلعي قاع / ومن عجب يسلمه
ومن قلبي وحبته / كِاس بات يهدمه
غزال في يديه التي / ه بين الغيد يقسمه
كأن أباه مر بأح / مدَ الهادى يكلمه
نبىُّ البر والتقوى / منار الحق معلمه
معاني اللوح أشرفها / رسالته ومقدمه
له في الأًصل أكرمهم / عريق الأصل أكرمه
خليل الله معدنه / فكيف يزيف درهمه
أبوّة سؤدد أخذت / بقرن الشمس تزحمه
ذبيجون كلهم / أمير البيت قيَّمه
تلاقوا فيه أطهارا / بسيماهم تَسَوُّمه
فنعم الغمد آمنة / ونعم السيف لهذمه
سرى في طهر هيكلها / كمسرى المسك يفعمه
يتيما في غِلالتها / تعالى الله مُوتمه
تزف الآىُ محملَه / إلى الدنيا وتقدمه
ويمسى نور أحمد في / ظلام الجهل يهزمه
وفي النيران يخمدها / وفي الإيوان يثلمه
وفي المعود من دين / ومن دنيا يقوّمه
فلما تم من طهر / ومن شرف تنسمه
تجلى مولد الهادى / يضئ الكون موسمه
هلموا أهل ذا النادى / على قدم نعظمه
بدا تستقبل الدنيا / به خيرا تَوسَّمه
يُجِّملها تهلله / ويحييها تبسمه
إلى الرحمن جبهته / ونحو جلالها فمه
وفي كتفيه نور الح / ق وضاح وروسمه
يتيم في جناح الل / ه يرعاه ويعصمه
فمن رحم اليتيم ففي / رسول الله يرحمه
يقوم به عن الأبو / ين جبريل ويخدمه
وترضعه فتاة البر / ر من سعد وترحمه
ويكفله موشَّى البر / د يوم الفخر مُعلَمه
نبىّ البر علمه / وجاء به يعلمه
أبر الخلق عاطفة / وأسمحه وأحلمه
وأصبره لنائبة / ومحذور يجَّشمه
لكل عنده في البر / حق ليس يهضمه
ولىّ الأهل والأتبا / ع والمسكين يطعِمه
سحاب الجود راحته / وفي برديه عيلمه
وما الدنيا وإن كثرت / سوى خير تقدّمه
يضئ القبرَ موحشُه / عليك به ومظلمه
وتغنمه إذا ولَّى / عن الإنسان مغنمه
نظام الدين والدنيا / أُتِيح له يتممه
تطلع في بنائهما / على التوحيد يدعمه
بشرع هام في النا / س هاشمه وأعجمه
كضوء الصبح بيِّنه / وكالبنيان مُكَمه
بيان جل موحيه / وعلم عز ملهمه
حكيم الذكر بين الكت / ب مظهره وميسمه
وكم للحق من غاب / رسول الله ضيغمه
له الغزوات لا تُحصى / ولا يحصى تكرمه
تكاد تقيد الإسداء ق / بل السيف أنعمه
أمين قريش اختلفت / فجاءته تُحكَّمه
صبيا بين فتيتها / إليه الأمر يرسمه
وإن أمانة الإنسا / ن في الدنيا تقدّمه
زكى القلب طُهِّر من / هوىً وغوايةٍ دمه
عفيف النوم يصدقُ ما / يرى فيه ويحلُمه
وخلوته إلى مَلك / على حلم يحلِّمه
يفيض عليه من وحى / فيَفهمه ويُفهِمه
كتاب الغيب مفضوض / له باد محكَّمه
مبين فيه ما يأتي / وما ينوى ويعزمه
ويظهر كل معجزة / لشانيه فيفحمه
فغاديةٌ تظلله / وباغمة تكلمه
تروِّى الجيش راحته / إذا استسقى عرمرمه
ويستهدى السماء حيا / لسائله فتسجُمه
ويرسل سهم دعوته / إلى الباغي فيقِصمه
تبارك من به أسرى / وجل الله مكرمه
يريه بيته الأقصى / ويُطلعه ويعلمه
على ملَكٍ أمين الل / هُ مسرجه وملجمه
معارجه السموات ال / عُلى والعرس سلَّمه
فلما جاء سدرته / وكان القرب أعظمه
دنا فرأى فخَّر فكا / ن من قوسين مجثمه
رسول الله لن يشقى / ببابك من يُيَمِّه
وأين النار من بشر / بسدّته تحرمه
لواء الحشر بين يد / يك يوم الدين تقدمه
شفيعا فيه يوم يلو / ذ بالشفعاء مجرمه
ففي يمناك جنته / وفي اليسرى جهنمه
أنا المرحوم يومئذ / بِدرُ فيك أنظمه
ولا منٌّ عليك به / فِمن جدواك منجمه
أينطق حكمة وحجا / لسان لا تقوّمه
خلاصي لست أملكه / وفضلك لست أعدمه
ثراك متى أطيف به / وأنشقه وألثمه
ففيه الخلق أعظمه / وفيه الخلق أوسمه
سقاه من نمير الخل / د كوثره وزمزمه
ولا برحت معطَّرةٌ / من الصلواتِ تلزمه
ألا بديارهم جن الكرام
ألا بديارهم جن الكرام / وشفهم بليلاها الغرام
بلاد أسفر الميلاد عنها / وصرحت الرضاعة والفطام
وخالط تربها وارفضّ فيه / رفات من حبيب أو عظام
بناء من أبوتنا الأوالي / يتمم بالبنين ويستدام
توالى المحسنون فشيدوه / وأيدى المحسنون هي الدعام
وأبلج في عنان الجود فرد / كمنزلة السموال لا يرام
يبيت النجم يقبس من ضياه / ويلمسها فيرتجل الجهام
له في الأعصر الأولى سمىٌّ / إذا ذكر اسمه ابتسم الذمام
كلا الجبلين حر عبقري / لدى محرابه ملك همام
أُزيلوا عن معاقلهم فأمسي / لهم في معقل الصخر اعتصام
تعذرت الركائب والمطايا
تعذرت الركائب والمطايا / فأوفدنا القلوب إلى السلوم
نحث صميمها حبا وشوقا / إلى الملك الكريم بن الكريم
تعَّهدَ ظلك الصحراء حتى / غدت رمضاؤها برد النعيم
مررتَ بها فهبَّت من بِلاها / كعيسى يوم مرّ على الرميم
وأنت النيل إحياء ونفعا / تبث البرء في البلد السقيم
تهنئك البلاد وَمن عليها / بعام هلَّ ميمون القدوم
يزيد هلالهَ حسنا وحسنى / هلالُ من محّياك الوسيم
تطلعت السنون إليك حبا / وتاه بك الجديد على القديم
فعِش ما شئت من عددٍ جِدادا / بجيد الدهر كالعقد النظيم
مباركة أهَّلتُها لمصر / وللكرسيّ والنجل الفخيم
بعثت سرائري في الكتب تترى / إلى ملك بخالصها عليم
ودون خلاله الأرِجات شعري / وإن صغتُ المديح من النسيم