المجموع : 7
أَدأبُكَ أن تُريدَ المستحيلا
أَدأبُكَ أن تُريدَ المستحيلا / تأمّلْ أيها المولى قليلا
لبثتَ تُعالج الداءَ الدخيلا / وتُضمِرُ في جوانحك الغليلا
وما يُجديك لاعجهُ فتيلا /
أما تنفكُّ تذكر يومَ بدر / وما عانيت من قتلٍ وأسرِ
وَراءَك إنّها الأقدارُ تجري / بنصرٍ للنبيّ وراءَ نصرِ
وكان الله بالحسنى كفيلا /
أبا سُفيانَ دّعْ صفوانَ يبكي / وعكرمةً يُطيل من التشكّي
وقلْ للقومِ في بِرِّ ونُسكِ / نَهيتُ النفسَ عن كفرٍ وشركِ
وآثرتُ المحجّةَ والسبيلا /
أراك أطعتَهم وأبيتَ إلّا / سبيلَ السُّوءِ تسلكه مُدِلّا
تريدُ مُحمداً وأراه بَسْلا / رُويدك يا أبا سفيان هلّا
أردت لقومك الحَسَن الجميلا /
قُريشٌ لم تزل صَرْعَى هواها / وعِيرُ الشؤمِ لم تَحلل عُراها
أجِلْ عينيك وانظر ما عساها / تسوقُ من الجنودِ إلى وغاها
فقد حَملتْ لكم أسفاً طويلا /
دعا صفوانُ شاعِرَه فلبَّى / وكان يسومه شَططاً فيأبى
أحلَّ له الهجاءَ وكان خِبَّا / أحبَّ من الخيانةِ ما أحبّا
يُريدُ العَيشَ مُحتقَراً ذليلا /
يذمُّ محمداً ويقول نُكْرا / ولولا لؤمه لم يَألُ شكرا
تغمَّد حقَه وجزاه شَرّا / وأمسى عهدهُ كذباً وغدرا
وإنّ له لمنقلباً وبيلا /
ألم يَمنُنْ عليه إذ الأُسارى / تكاد نفوسُها تهوِي حذارا
تطوفُ به مُولَّهةً حيارى / تَودُّ لو اَنّها ملكت فرارا
وهل يُعطَى عدوُّ اللهِ سُولا /
جُبَيْرُ أكان عمُّك حين أودى / كعمّ محمدٍ شرفاً ومجدا
أحمزةُ أم طعيمةُ كان أهدى / رُويدك يا جبير أتيت إدّا
وإنّ قضاءَ ربّكِ لن يحولا /
أراد فما لِوَحْشِيٍّ مَحيدُ / ولا لك مصرفٌ عما يُريدُ
أليس لِحمزةَ البأسُ الشديدُ / فما يُغني فتاك وما يُفيدُ
تباركَ ربُّنا رباً جليلا /
تَولَّوْا بالكتائبِ والسَّرايا / وساروا بالحرائرِ والبغايا
منايا قومهم جَلبتْ منايا / فسيري في سبيلك يا مطايا
ولا تَدَعِي الرسيمَ ولا الذّميلا /
ويا خَيلُ اركضي بالقوم ركضا / وجوبي للوغى أرضاً فأرضا
لعلّ الناقمَ الموتورَ يرضى / نَشدتُكِ فانفضي البيداءَ نفضا
وَوالي في جوانبها الصّهيلا /
ويا هندُ اندبي القتلى ونوحي / وزيدي ما بقومِكِ من جُروحِ
وراءَكِ كلُّ مُنصلِتٍ طَموحِ / تُهيِّجُّ بأسَهُ رِيحُ الفتوحِ
وراءك فتيةٌ تأبى النّكولا /
وراءك نِسوةٌ للحرب تُزجَى / تَرُجُّ دفوفُها الأبطالَ رجّا
وتلك خمورُ عسكركِ المرجَّى / وكان الغيُّ بالجهلاءِ أحجى
كذلك يطمسُ الجهلُ العقولا /
رأيتِ الرأي شُؤماً أيَّ شؤمِ / وما تدري يمينُك أين ترمي
لعمركِ إنه لَرسيسُ همِّ / تغلغل منك بين دَمٍ ولحمِ
فيا ابنةَ عُتبة اجتنبي الفُضولا /
أعنْ جَسدِ الرضيّةِ بنتِ وهبِ / تُشَقُّ القبرُ يا امرأةَ ابن حرب
ويُقطَعُ بالمُدى في غير ذنب / ليُفدَى كلُّ مأسورٍ بإربِ
فيا عجباً لقولٍ منكِ قيلا /
هي الهيجاءُ ليس لها مردُّ / فمن يَكُ هازلاً فالأمرُ جِدُّ
لَبأسُ اللهِ يا هندٌ أشدُّ / له جندٌ وللكفّارِ جند
وإنّ لجندهِ البطشَ المهولا /
سيوفُ محمدٍ أمضى السيوفِ / وأجلبُ للمعاطبِ والحتوفِ
إذا هوتِ الصفوفُ على الصفوفِ / وأعرضَ كلُّ جبارٍ مخوفِ
مَضتْ مِلءَ الوغَى عَرضاً وطولا /
أرى السَّعدَيْنِ قد دلفا وهذا / عليٌّ بالحُسامِ العَضْبِ لاذا
وحمزةُ جَدَّ مُعتزِماً فماذا / وَمن للقومِ إن أمسوا جُذاذا
وطار حُماتُهم فمضوا فلولا /
وفي الأبطالِ فِتيانٌ رِقاقُ / بأنفسهم إلى الهيجا اشتياقُ
لهم في الناهضين لها انطلاقُ / دعا داعي الجهادِ فما أطاقوا
بدارِ السّلمِ مَثوىً أو مقيلا /
أعادهُم النبيُّ إلى العرينِ / شُبولاً سوف تَصْلُبُ بعد لينِ
يضنُّ بها إلى أجلٍ وحينِ / رَعاكَ اللهُ من سَمْحٍ ضنين
يَسوسُ الأمرَ يكرهُ أن يَعولا /
وَقيلَ لرافعٍ نعم الغلامُ / إذا انطلقتْ لغايتِها السّهامُ
تقدم أيّها الرامي الهمامُ / إذا الهيجاءُ شبّ لها ضرامُ
فأَمطِرْها سِهامَكَ والنُّصولا /
ونادى سمرةٌ أيرُدُّ مثلي / ويُقبلُ صاحبي وأنا المجلِّي
أُصارِعُه فإن أغلبْ فَسؤْلي / وكيف أُذادُ عن حقٍّ وعدلِ
وأُمْنَعُ أن أصولَ وأن أجولا /
وصَارعَهُ فكان أشدَّ أسرا / وأكثرَ في المجالِ الضّنكِ صبرا
وقيل له صدقتَ فأنت أحرى / بأن تردَ الوغى فتنالَ نصرا
ألا أقبل فقد نِلتَ القبولا /
أعبدَ اللهِ مالكَ من خَلاقِ / فَعُدْ بالنّاكِثينَ ذوي النّفاقِ
كفاكَ من المخافةِ ما تُلاقي / ومالّك من قضاءِ اللهِ واقِ
وإن أمسيتَ للشّعرى نزيلا /
أبيتَ على ابن عمرٍو ما أرادا / وشرُّ القومِ من يأبى الرشادا
نهاكَ فلم تَزِدْ إلا عنادا / ألم يَسمعْ فريقُكَ حين نادى
أطيعوا الله واتّبعوا الرسولا /
يقولُ نشدتُكم لا تخذلوهُ / ومَوْثِقَ قومِكم لا تَنقضوهُ
رسولُ الله إلّا تنصروهُ / فإنّ الحقَّ ينصرُهُ ذَووهُ
ألا بُعداً لمن يَبغِي الغُلولا /
تجلَّى نورُ ربّكَ ذي الجلالِ / وهزّ الشِّعبَ صوتٌ من بِلالِ
بلالُ الخيرِ أذَّنَ في الرجالِ / فهبُّوا للصلاةِ من الرِحالِ
وقاموا خلَف سيّدهم مُثولا /
عَلاَ صَوتُ الأذينِ فأيُّ مَعنى / لِمَنْ هو مُؤمنٌ أسمَى وأسنى
إلهُ النّاسِ فردٌ لا يُثنَّى / تأمّلْ خلقه إنساً وجنّا
فلن تجدَ الشريكَ ولا المثيلا /
أَجلْ اللّهُ أكبرُ لا مِراءَ / فهل سَمِعَ الألى كفروا النّداءَ
أظنُّ قلوبَهم طارت هَباءَ / فلا أرضاً تُطيقُ ولا سَماءَ
جَلالُ الحقِّ أورثهم ذهُولا /
سرى الصّوتُ المردَّدُ في الصباحِ / فضجَّ الكونُ حيَّ على الفلاحِ
تلقَّى صيحةَ الحقِّ الصّراحِ / فقام يَصيحُ من كلِّ النواحي
يُسبِّحُ ربَّهُ غِبَّ ارتياحِ / ويحمَدُه بألسنةٍ فِصاحِ
تَعطّفتِ الجبالُ على البطاحِ / وكبّرتِ المدائنُ والضواحي
وأوَّبتِ البحارُ مع الرياحِ / وصفَّقَ كلُّ طيرٍ بالجناحِ
كتابُ الحقِّ ما للحقِّ ماحِ / يُرتَّلُ في الغُدوِّ وفي الرواحِ
فَقُلْ للنّاسِ من ثَمِلٍ وصاحِ / شريعةُ ربّكم ما من براحِ
فَمنْ منكم يُريدُ بها بديلا /
ألا طابتْ صلاتُكَ إذ تُقامُ / وطابَ القومُ إذ أنتَ الإمامُ
أقمها يا محمدُ فَهْيَ لامُ / تَساقَطُ حولها الجُنَنُ العِظامُ
بها يُتخطَّفُ الجيشُ اللهّامُ / وليس كمثلِها جَيشٌ يُرامُ
قضاها اللّهُ فَهْيَ له ذِمامُ / وذاك نِظامُها نِعمَ النّظامُ
يوطِّد من بَنَى وهي الدّعامُ / ويصعدُ بالذّرى وهي السّنامُ
نَهضتَ لها وما هبَّ النيامُ / وبادرها الميامينُ الكرامُ
مَقامٌ ما يُطاوله مَقامُ / ودينٌ من شعائِره السّلامُ
يصونُ لواءَهُ جيلاً فجيلا /
هُدَى الأجيالِ يخطبُ في الهُداةِ / ويأمُر بالجهادِ وبالصّلاةِ
وبالأخلاقِ غُرّاً طيّباتِ / مُلَقَّى الوحيِ والإلهامِ هاتِ
وَصفْ للنّاسِ آدابَ الحياةِ / وكيف تكونُ دُنيا الصّالحاتِ
وَخُذهم بالنّصائحِ والعظاتِ / مُضيئاتِ المعالمِ مُشرِقاتِ
شُعوبُ الأرضِ من ماضٍ وآتِ / عيالُكَ فاهْدِهم سُبُلَ النَّجاةِ
إذا ضلَّت دَهاقينُ الثّقاتِ / وأمسى الناسُ أسرى التُّرَّهاتِ
وخفّ ذَوُو الحلومِ الراسياتِ / فأصبحتِ الممالكُ راجفاتِ
أقمتَ الأرضَ تكره أن تميلا /
ألا بَرَزَ الزُبَيْرُ فأيُّ وصفِ / حَواريُّ الرسول يفي ويكفي
برزتَ لخالدٍ حتفاً لحتفِ / تصدُّ قواه عن كرٍّ وزحفِ
وتَدفعهُ إذا ابتعثَ الرعيلا /
ألم تَرَهُ وعكرمَة استعدَّا / فأمَّا جدَّتِ الهيجاءُ جَدّا
بنى لهما رسولُ الله سَدَّا / ومثلك يُعجزُ الأبطالَ هدّا
ويتركُ كلَّ مُمتنعٍ مَهيلا /
لِمَنْ يَرِثُ الممالكَ لا سِواهُ / أعدَّ القائدُ الأعلى قُواهُ
وبَثَّ الجيشَ أحسنَ ما تراهُ / تعالى اللّهُ ليس لنا إلهُ
سِواهُ فوالِهِ ودَعِ الجهولا /
رُماةُ النَّبْلِ ما أمَرَ النبيُّ / فَذلِك لا يكنْ منكم عَصِيُّ
إذا ما زالتِ الشُّمُّ الجِثيُّ / وكان لها انطلاقٌ أو مُضِيُّ
فكونوا في أماكنكم حُلولا /
رُماةَ النَّبلِ رُدُّوا الخيلَ عنَّا / وإن نَهلتْ سيوفُ القومِ منَّا
فلا تتزحزحوا فإذا أذنَّا / فذلك إنّ للهيجاءِ فنَّا
تُلقّنه الجهابذةَ الفُحولا /
تَلقَّ أبا دُجانةَ باليمينِ / حُسامَكَ من يَدِ الهادِي الأمينِ
وَخُذْهُ بحقِّه في غيرِ لينِ / لِتنصُرَ في الكريهةِ خيرَ دينِ
يَرِفُّ على الدُّنَى ظِلاًّ ظليلا /
نَصيبك نِلتَهُ من فضلِ ربِّ / قضاهُ لصادقِ النَّجدَاتِ ضَرْبِ
تخطَّى القومَ من آلٍ وصحبِ / فكان عليك عضْباً فوق عَضْبِ
تبخترْ وامضِ مسنوناً صَقيلا /
أبا سُفيانَ لا يقتلْكَ همَّا / ولا يذهبْ بحلمكَ أن تُذَمّا
أحِينَ بَعثَتها شَرّاً وشُؤما / أردتَ هَوادةً وطلبتَ سلما
مَكانك لا تكن مَذِلاً ملولا /
مَنِ الدّاعي يَصيِحُ على البعيرِ / أمالي في الفوارسِ من نظيرِ
أروني همّةَ البطلِ المُغيرِ / إليَّ فما بِمثلي من نكيرِ
أنا الأسدُ الذي يحمي الشُّبولا /
تَحدّاهُ الزُّبَيْرُ وفي يَديْهِ / قَضاءٌ خفَّ عاجِلُه إليْهِ
رَمى ظهرَ البعيرِ بمنكبيهِ / وجرَّعهُ منيَّته عليْهِ
فأسلمَ نفسَهُ وهوَى قتيلا /
ألا بُعداً لِطلحةَ حين يهذي / فيأخذُه عليٌّ شَرَّ أخذِ
أُصِيبَ بِقسْوَرِيِّ البأسِ فذِّ / يُعَدُّ لكلِّ طاغِي النّفسِ مُؤذِ
يُعالِجُ دَاءَهُ حتى يزولا /
أمِنْ فَقدٍ إلى فقدٍ جَديدِ / لقد أضحى اللّواءُ بلا عميدِ
بِصارمِ حمزة البطلِ النّجيدِ / هَوى عثمانُ إثرَ أخٍ فقيدِ
وأُمُّ الكُفرِ ما برحت ثَكولا /
أبَى شرُّ الثلاثةِ أن يَريعا / فخرَّ على يَدَيْ سعدٍ صريعا
ثلاثةُ إخوةٍ هلكوا جميعا / وَراحَ مُسافِعٌ لهمُ تبيعا
رَمتْ يَدُ عاصمٍ سُمّاً نقيعا / تَورَّدَ جوْفَهُ فجَرى نجيعا
وجاء أخوهُ يلتمسُ القَريعا / فأورَدَ نفسَه وِرداً فظيعا
أعاصِمُ أنت أحسنتَ الصّنيعا / فَعِندَ اللّهِ أجرُكَ لن يَضيعا
وإنّ لربّكَ الفضلَ الجزيلا /
رَمَيْتَهُما فظلّا يزحفانِ / يَجُرَّانِ الجِراحَ ويَنْزِفانِ
وخَلفهما من الدّمِ آيتانِ / هما للكفرِ عنوانُ الهوانِ
تَرى الرأسيْنِ مما يحملانِ / على الحجرِ المذمَّمِ يُوضَعانِ
أمن ثَدْيَيْ سُلافة يرضعان / تَقولُ وقلبُها حرّانُ عانِ
عليَّ الجودُ بالمئةِ الهجانِ / لمن يأتي بهامةِ مَن رماني
فوا ظَمَئي إلى بنتِ الدّنانِ / تُدارُ بها عليَّ فودِّعاني
وَمُوتا إنّ للقتلى ذُحولا /
دُعَاةَ اللاتِ والعُزَّى أنيبوا / فليس لصائحٍ منكم مُجيبُ
وليس لكم من الحسنى نصيبُ / لِربِّ النّاسِ داعٍ لا يخيبُ
ودينُ الحقِّ يعرفهُ اللّبيبُ / وما يخفَى الصّوابُ ولا يَغيبُ
رُويداً إنّ موعدكم قريبٌ / وكيف بمن يُصابُ ولا يُصيبُ
سَليبُ النّفسِ يتبعه سليبُ / أما يفنى الطّعينُ ولا الضَّرِيبُ
لِواءٌ ليس يحملهُ عَسِيبُ / عليهِ مِن مناياكم رقيبُ
كفاكم يا له حِملاً ثقيلا /
رَمَى بالنّبلِ كلُّ فتىً عليمِ / فردَّ الخيلَ داميةَ الشَّكيمِ
بِنَضْحٍ مِثلِ شُؤْبوبِ الحميمِ / يَصبُّ على فراعنةِ الجحيمِ
وصاحتْ هندُ في الجمعِ الأثيمِ / تُحرِّضُ كلَّ شيطانٍ رجيمِ
ألا بطلٌ يَذُبُّ عنِ الحريم / ويَضرِبُ بالمهنَّدِ في الصّميم
فهاجت كلَّ ذاتِ حشىً كليمِ / تبثُّ الشجوَ في الهذَرِ الذميم
وتذكرُ طارقاً دَأْبَ المُلِيمِ / يُسيءُ ويُدَّعَى لأبٍ كريمِ
وأين مَكانهنَّ من النّعيمِ / ومن جُرثومةِ الحسبِ القديمِ
زعمنَ الشّركَ كالدّينِ القويمِ / لهنَّ الويلُ من خطبٍ عميمِ
رمى الأبناءَ وانتظمَ البُعولا /
مَنِ البطلُ المُعصَّبُ يختليها / رِقاباً ما يَملُّ الضرب فيها
بِأبيضَ تتقيهِ ويعتريها / وتكرهُ أن تراه وَيشتهيها
لها من حَدّهِ والٍ يليها / ويَنتزعُ الحكومةَ من ذويها
بَررتَ أبا دُجانة إذ تُريها / وحِيَّ الموتِ تطعمه كريها
صَددتَ عن السفيهةِ تزدريها / وتُكرِمُ سيفَكَ العفَّ النزيها
تُولوِلُ للمنيّةِ تتّقيها / فإيهاً يا ابنةَ الهيجاءِ إيها
نَجوتِ ولو رآكِ له شبيها / مَضى العَضْبُ المشطَّبُ ينتضيها
حياةَ مُناجزٍ ما يبتغيها / إذا شَهِدَ الكريهةَ يصطليها
فأرسلها دماً وهوى تليلا /
ترامى الجيشُ واندفعَ الرعيلُ
ترامى الجيشُ واندفعَ الرعيلُ / فقل لبني قريظةَ ما السَّبيلُ
سَلُوا كعباً وصاحَبُه حُيّياً / نَزيلَ الشُّؤمِ هل صَدَقَ النزيلُ
أطعتم أمرَهُ فتلقّفتكم / من الأحداثِ داهيةٌ أكولُ
وكان دَليلَكم فجنى عليكم / وقد يَجني على القومِ الدليلُ
دَليلُ السُّوءِ لا عَقلٌ حَصِيفٌ / يُسَدِّدُه ولا رأيٌ أصيلُ
تَفرَّقَتِ الجموعُ وأدركَتْكُم / جنودُ اللَّهِ يَقْدُمُها الرَّسولُ
جهلتم ما وراءَ الغدرِ حتّى / رأيتم كيف يَتّعظُ الجهولُ
ألم تروا اللِّواءَ مشى إليكم / به وبسيفهِ البطلُ المَهولُ
حذار بني قريظة من عليٍّ / ولا يغرركمُ الأُطُمُ الطويلُ
وما يجديكم الهذَيانُ شيئاً / وهل يُجدِي المُخبَّلَ ما يَقولُ
وما لبني القرودِ سِوَى المواضي / يكون لها بأرضِهِمُ صَلِيلُ
تَوارَوْا كالنِّساءِ مُحجَّباتٍ / حَمَتْها في المقاصيرِ البُعُولُ
خلا الميدانُ لا بَطلٌ يُنادِي / ألا بَطَلٌ ولا فَرَسٌ يَجولُ
أقاموا مُحْجَرِينَ على هَوانٍ / أقامَ فما يَرِيمُ ولا يَحولُ
يُرنِّقُ عَيْشَهم جُوعٌ وخَوْفٌ / كِلاَ الخطبَيْنِ أيْسرُهُ جَليلُ
يَبيتُ الهمُّ مُنتشِراً عليهم / إذا انتشرتْ من اللّيلِ السُّدولُ
يلفّهمُ السّهادُ فلا رُقادٌ / يَطيبُ لهم ولا صَبْرٌ جَميلُ
يخاف النومَ أكثرُهم سُهاداً / كأنّ النومَ في عينيه غُولُ
إذا مالت به سِنَةٌ تنزّى / يظنُّ جَوانِبَ الدنيا تميلُ
تَطوفُ بهم مناياهم ظُنوناً / تَوهَّجُ في مخالبِها النُّصولُ
بهم وبحصنهِم ممّا دَهاهُمْ / وحَاقَ بهم جُنونٌ أو ذُهولُ
يقول كبيرُهم يا قومِ ماذا / تَرَوْنَ أهكذا تَعْمَى العُقولُ
أليس مُحمدٌ من قد علمتم / فما الخَبَلُ المُلِحُّ وما الغُفُولُ
رسولُ اللَّهِ ما عنه صُدوفٌ / لمن يبغي النَّجاةَ ولا عُدُولُ
أبعدَ العِلم شَكٌّ بل ضللتم / على عِلْمٍ وذلكمُ الغُلولُ
هَلمُّوا نَتَّبِعْهُ فإنْ أبيتُم / فليس لنا سِوَى الأخرى بَديلُ
نُضَحِّي بالنّساءِ وبالذراري / ونَخرجُ والدّمُ الجاري يَسيلُ
بأيدينا السُّيوفُ مُسَلَّلاَتُ / نَصونُ بها الذِمارَ إذا نَصولُ
فإلا تفعلوا فالقومُ منّا / بمنزلةِ تُنالُ بها الذُّحولُ
لهم منّا غداً بالسَّبْتِ أمْنٌ / فإن تكُ غِرّةٌ شُفِيَ الغَليلُ
هلمّوا بالقواضبِ إن أردتم / فما يُغنِي التَّردّدُ والنُّكولُ
عَصَوْهُ وَراضَهُم عمروُ بن سُعْدَى / فما اجتُنِبَ الجماحُ ولا الجُفولُ
أَبَوْها جِزيةً ثَقُلَتْ عليهم / وقالوا بئسما يرضى الذّليلُ
ففَارقَهم على سُخْطٍ وضِغْنٍ / ورَاحَ يقولُ لا نِعْمَ القبيلُ
نهاهم قبل ذلك أن يخونوا / فكان الغدرُ والداءُ الوبيلُ
تَوالَى الضُّرُّ عِبْئاً بعد عِبْءٍ / فهدَّ قُواهُمُ العبءُ الثقيلُ
دَعَوْا يَسْتَصْرِخونَ ألا دَواءٌ / فقد أشفَى على الموتِ العليلُ
لعل أبا لُبابةَ إن ظفرنا / بمقدمه لِعَثْرتِنَا مُقيلُ
وأرسله النبيُّ فخالفوه / وقالوا لا يُصابُ لنا قتيلُ
لكم منّا السّلاحُ إذا أردتم / وتنطلق الركائبُ والحُمولُ
وَعَادَ فرَاجَعُوه على اضطرارٍ / وهانَ عليهمُ المالُ الجزيلُ
إليكَ أبا لُبابةَ ما منعنا / وشرُّ المالِ ما مَنَعَ البَخِيلُ
خُذوهُ مع السلاحِ وأطْلِقُونا / فَحَسْبُ مُحمّدٍ منّا الرحيلُ
فقال دِماؤُكم لا بُدَّ منها / وذلك حُكمُهُ فمتى القُبولُ
أجِبْ يا كعبُ إنّ الأمرَ حَتْمٌ / فماذا بَعْدُ إلا المستحيلُ
وما من معشرٍ يا كعبُ إلا / على حُكْمِ النبيِّ لهم نُزولُ
نَصحتُ لكم وما للقومِ عُذْرٌ / إذا نَصَحَ الحليفُ أو الخليلُ
هَوَوْا من حصنِهِم وكذاك تَهوي / وتهبطُ من مَعاقِلها الوُعولُ
وجاءوا ضَارِعينَ لهم خُوارٌ / يجاوِبُهُ بُكاءٌ أو عَويلُ
يبثُّ الوجدَ مُبتَئِسٌ حِزينٌ / وَتذرِي الدمعَ وَالِهَةٌ ثَكُولُ
قضاءُ اللَّهِ من قتلٍ وسَبْيٍ / مَضَى والبغيُ دَولَتُهُ تدولُ
يَقولُ الأوسُ إنّ القومَ منّا / على عهدٍ وقد طَمَتِ السُّيولُ
مَوالِينا إذا خَطبٌ عَنَاهُمْ / عَنَانَا ما يَشُقُّ وما يَعُولُ
وَهُمْ حُلَفاؤُنا نحنو عليهم / ونَحدبُ إن جَفَا الحَدِبُ الوَصولُ
أنقتلهم بأيدينا فعفواً / رسولَ اللَّهِ إن أَثِمَ الضَّلولُ
فقال جَعلتُ أمرَ القومِ طُرّاً / إلى سَعْدٍ فَنِعْمَ هو الوَكيلُ
وَجِيءَ بِهِ يقول له ذوُوهُ / تَرفَّقْ إنّك المولى النَّبيلُ
فقال دعوا اللَّجاجَ فإنّ سعداً / بِنُصرةِ ربِّهِ الأعلى كَفيلُ
فَصَاحَ يقولُ وَاقَومَاهُ منهم / رجالٌ عزمهم واهٍ كليلُ
أَتَى فاَقَرَّ حُكمَ اللَّهِ فيهم / وآلَ الأمْرُ أَحْسَنَ ما يؤولُ
عليٌّ والزُّبيرُ لِكُلِّ عَضْبٍ / صقيلٍ منهما عَضْبٌ صَقِيلُ
هما استَبَقَا نُفوسَ القومِ نَهباً / ورُوحُ اللَّهِ بينهما رَسِيلُ
تَقَدَّمْ يا حُيَيُّ فلا مَحِيصٌ / ورِدْ يا كعْبُ ما وَرَدَ الزَّميلُ
لِكُلٍّ من شَقَاءِ الجَدِّ وِرْدٍ / وسَجْلٌ من مَنيّتِهِ سَجِيلُ
أصابكما من الأقدَارِ رامٍ / هَوَى بكما فشأنكما ضَئِيلُ
لَبِئْسَ السيِّدانِ لِشَرِّ قومٍ / هُمُ البُرَحاءُ والدَّاءُ الدَّخيلُ
منابتُ فِتنةٍ خَبُثَتْ وساءَتْ / فلم تَطِبِ الفُروعُ ولا الأُصولُ
قُلوبٌ من سَوادِ القومِ عُمْيٌ / وألبابٌ من الزعماءِ حُولُ
أَضلَّهُمُ الغباءُ فهم كثيرٌ / وَعَمَّهُمُ البلاءُ فهم قَليلُ
تَخطَّفَهُمْ هَرِيتُ الشِّدْقِ ضارٍ / له من مُحكَمِ التنزيلِ غِيلُ
فما نَجتِ النِّساءُ ولا الذراري / ولا سَلِمَ الشَّبابُ ولا الكُهولُ
تهلَّلتِ المنازِلُ والمغاني / وأشرقَتِ المزارِعُ والحقولُ
وباتَ الحِصنُ مُبْتَهِجاً عليه / لآلِ مُحَمّدٍ ظِلٌّ ظليلُ
لعمرُ الهالكينَ لقد تأذَّى / تُرابٌ في حَفائِرِهم مَهيلُ
طَوَى رِجْساً تكادُ الأرضُ منه / تَمُورُ بمن عليها أو تَزولُ
يُساقُ السبْيُ شِرْذِمَةٌ بنَجدٍ / وأخرى بالشآمِ لها أليلُ
جَلائِبُ لا أبٌ في السُّوقِ يَحمِي / ولا وَلَدٌ يَذُّبُّ ولا حلِيلُ
تُجَرُّ على الهوانِ ولا مُغِيثٌ / بأرضٍ ما تُجَرُّ بها الذُّيولُ
أصابَ المسلمونَ بها سلاحاً / وخَيْلاً في قَوَائِمِها الحُجُولُ
مُكَرَّمَةً تُعَدُّ لِكُلِّ يومٍ / كَريمِ الذِّكْرِ لَيْسَ له مثيلُ
إذا ذُكِرَتْ مَنَاقِبُهُ الغوالي / تَعَالتْ أُمَّةٌ واعتزَّ جيلُ
مَنَاقِبُ ما يزالُ لها طُلوعٌ / إذا الأقمارُ أدركها الأُفُولُ
لها من نابِه الأدبِ انبعاثٌ / فما يُخفِي زَوَاهِرَها الخُمُولُ
ضَمِنتُ لها البقاءَ وإن عَنَتْنِي / مِنَ الدَّهرِ العوائِقُ والشُّغولُ
وما تُغْنِي الخزائمُ حين تُلوَى / إذا انطلقَتْ لحاجتها الفُحولُ
تُخَلِّدُها مصوناتٌ حِسانٌ / حرائِرُ مالَها أبداً مُذِيلُ
صفايا الشِّعرِ لا خُلُقٌ زَرِيٌّ / يُخالِطُها ولا أدبٌ هَزيلُ
لَعلَّ اللَّهَ يجعلها ربيعاً / لألبابٍ أضرَّ بها المحولُ
فَوا أسَفَا أتُطمعني القَوافِي / فَيُخْلِفُ مطمعٌ وَيَخِيْبُ سُولُ
وَوَاحَربا أما يُرجَى فِكاكٌ / لأِسْرَى ما تُفارِقُها الكُبولُ
بني لِحيانَ لُوذوا بالجبالِ
بني لِحيانَ لُوذوا بالجبالِ / وَقُوا مُهَجَاتِكم حَرَّ القِتالِ
أَمِنْ غَدرٍ إلى جُبنٍ لعمري / لقد ضِقْتُم بأخلاقِ الرِجالِ
لكم من خَصمِكم عُذرٌ مُبِينٌ / فليس لنارِه في الحربِ صالِ
أما انصدعتْ قُواكم إذ أخذتم / صحابتَه بمكرٍ وَاحْتيالِ
كَذبتُمْ ما لأهلِ الشِّركِ عَهدٌ / وما الكُفّارُ إلا في ضَلالِ
قَتلتُمْ عاصماً بطلاً مَجيداً / مَخُوفَ الكَرِّ مَرهوبَ النِزالِ
فُنونُ الحربِ تَعرفُه عليماً / بأسرارِ الأسنَّةِ والنِّصالِ
وَتشهدُ أنه البطلُ المُرَجَّى / إذا فَزَعَ الرُّماةُ إلى النِّبالِ
رَماكُمْ ثُمَّ جَالدَكم فأدَّى / أمانتَهُ وَأَوْدَى غيرَ آلِ
وقاتِلُ عُقْبَةٍ في يومِ بَدرٍ / أَيحفِلُ حِينَ يُقتلُ أو يُبالِي
أردتُمْ بَيعَهُ لِيُنالَ وِترٌ / رُوَيْداً إنّ صاحبَكم لَغَالِ
وليس لدى سُلافَة من كِفاءٍ / لِهَامَةِ ماجدٍ سَمْحِ الخِلالِ
حَماهُ اللَّهُ من دَنَسٍ وَرِجْسٍ / وَسُوءِ المنُكراتِ من الفِعالِ
شَهيدُ الحقِّ تَحرسُه جُنودٌ / مِنَ الدَّبْرِ المُسلَّحِ للنضالِ
وَعبدُ اللَّهِ فِيمَ قَتلتموهُ / وَسُقْتُمْ صاحِبَيْهِ بشرِّ حالِ
طِلاَبُ المالِ يُولِعُ بالدّنايا / ويَلوِي المرءَ عن طَلَبِ المعالي
رَضِيتُمْ بَيْعَ أَنْفُسِكم بَبَخْسٍ / قليلِ النَّفعِ من إبلٍ ومالِ
خُبَيْبٌ في يَدَيْ جافٍ شديدٍ / يُعذَّبُ في أداهمِهِ الثِّقالِ
وَزَيْدٌ عِنْدَ جَبّارٍ عنيدٍ / يَصُبُّ عليه مُختلفَ النَّكالِ
كِلاَ أَبَوَيْهِمَا قُتِلاَ بِبَدرٍ / فَتِلكَ حفائظُ الرِّمَمِ البَوالي
يَزيدُهما البلاءُ هُدىً وَعِلماً / بأَنّ الحادثاتِ إلى زَوالِ
وَأَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ مُنْتَهاها / وإنْ طَمِعَ المضلَّلُ في المُحالِ
لِكُلٍّ مَشهدٌ عَجَبٌ عليه / جَلالُ الحقِّ بُورِكَ مِن جَلالِ
يَروحُ الموتُ حولهما وَيَغْدو / يُكَشِّرُ عن نَواجِذِهِ الطِّوالِ
وَذِكْرُ اللَّهِ مُتَّصِلٌ يُوالِي / مِنَ العَبَقِ المُقدَّسِ ما يُوالي
هُوَ الإيمانُ مَن يشدُدْ قواهُ / يُزَلْزِل في الخطوبِ قُوى الجِبالِ
هنيئاً يا خُبَيْبُ بلغتَ شَأْواً / رَفيعَ الشَّأنِ مُمتنعَ المَنَالِ
مَلأتَ يَدَيْكَ مِن رِزقٍ كَريمٍ / أتاكَ بِغَيْرِ كَدٍّ أو سُؤالِ
تَنزَّلَ مِن لَدُنْ رَبٍّ رَحيمٍ / عَميمِ الجودِ فَيّاضِ النَّوالِ
كُلِ العِنَبَ الجَنِيَّ وَزِدْهُ حَمداً / على حَمْدٍ يَدومُ مَدى الليالي
تَقولُ الحارِثِيَّةُ مَا لِعَيْنِي / أَفي سِحرٍ تَقَلَّبُ أم خَيالِ
أرى عِنَباً وما مِن ذَاكَ شَيْءٌ / بِمكّةَ يا لها عِظَةً ويالي
ويا لكَ من أسيرٍ ما عَلِمنا / له بين الأسَارى من مِثالِ
أتى الأجلُ الذي انتظروا وَهَذِي / سُيوفُ القومِ مُحَدَثَةُ الصِّقالِ
فماذا في يَمينكَ يا خُبَيْبٌ / وما بالُ الصَّغيرِ من العيالِ
كأنَّ بأُمِّهِ حَذَراً عليهِ / نَوازِعَ من جنونٍ أو خَبالِ
تَرَى الموسَى بِكَفِّكَ وَهْوَ رَهْنٌ / بِذَبحٍ فوقَ فخذك واغتيالِ
ولكنْ للكريمِ السَّمْحِ ناهٍ / مِنَ الشِّيَمِ السَّنِيَّةِ والخِصَالِ
وماذا كنتَ تحذرُ من عقابٍ / وَوِرْدُ الموتِ مُحتضَرِ السِّجالِ
وَسِعْتَ عَدوَّكَ الموتورَ حِلماً / ومكرمةً على ضيقِ المجالِ
فأيُّكما الذي رَمَتِ السَّجايا / مُروءَتَهُ بِأَسرٍ واعْتِقَالِ
وأَيُّكما القتيلُ وَمَنْ سيبقى / حياةٌ للأواخِرِ والأوالي
ألا إنّ الصلاةَ لَخيرُ زادٍ / وإنّ الركبَ آذنَ بارتحالِ
تزودْ يا خُبَيْبُ وَثِقْ بِرَبٍّ / لِمثلِكَ عِندَهُ حُسْنُ المآلِ
فَسِرْ في نورِهِ الوضّاحِ وَالبس / جَمالَ الخُلدِ في وَطَنِ الجمالِ
هُنالِكَ مَعْرِضٌ للَّهِ فخمٌ / بَدِيْعُ الصُّنعِ لم يَخْطُرْ بِبالِ
أَتَرْضَى أن تَرى خَيْرَ البرايا / مَكَانَكَ ساءَ ذَلِكَ من مَقالِ
صَدَقْتَ خُبَيْبُ إنّكَ لِلعوادي / إذا هِيَ أخطأَتْهُ لَذُو احْتِمالِ
تَبيعُ بِشَوكةٍ تُؤذيهِ نَفْساً / تَشُكُّ صَمِيْمَها صُمُّ العوالي
كذلِكَ قال زَيْدُ الخيرِ لمّا / تَردَّى في السَّفاهةِ كلُّ قالِ
همُو قتلوكَ مَصلوباً وأَغْروا / بِهِ وبِكَ الضِّعافَ مِنَ الموالي
رَفِيقُكَ في التَجَلُّدِ والتأَسِّي / وَخِدْنُكَ في التَّقدُّمِ والصِّيالِ
أتعتزلانِ دِينَ اللَّهِ خَوْفاً / فَمنْ أولَى بخوفٍ وَابْتِهالِ
معاذَ اللَّهِ إنّ اللَّهَ حَقٌّ / وإنّ المجرِمينَ لَفِي وَبَالِ
لَدِينُ الشِّركِ أجدرُ بِاجْتنابٍ / وأخلقُ باطِّراحٍ واعْتِزالِ
هُوَ الدّاءُ العُضالُ لِمُبتغيهِ / وكلُّ الشَّرِّ في الدَّاءِ العُضالِ
كمالُ النَّفسِ إيمانٌ وَتَقْوَى / وماذا بعدَ مَرتبةِ الكمالِ
حَبِيسَ الأربعينَ ألا انطلاقٌ / كَفَاكَ ألم تَزَلْ مُلْقَى الرِّحالِ
أَسَرَّكَ أن تَظَلَّ مَدَى اللَّيالي / جَمِيْعَ الشَّملِ مَوصولَ الحِبالِ
عَلَى خَرْقَاءَ يَكرهُ مَن يراها / طِلابَ الوُدِّ مِنها والوصالِ
عَلِقْتَ بها فما أحدثتَ هَجراً / ولا حَدَّثْتَ نَفْسَكَ بالزِّيالِ
يَمَلُّ المرءُ صاحِبَهُ فَيشقَى / بِصُحْبَتِهِ وما بِكَ مِن مَلالِ
وَيَسْلُو كلُّ ذِي شَجَنٍ وَوَجْدٍ / وأنتَ على مُصَابِكَ غير سالِ
بُليتَ بِكلِّ ذِي قَلْبٍ غَبِيٍّ / غُدافِيٍّ مِنَ الإيمانِ خَالِ
لأنتَ الحجَّةُ الكُبرى عليهم / فما نَفْعُ المِراءِ أوِ الجدالِ
تَأَهَّبْ يا خُبَيْبُ أتاكَ غَوْثٌ / يَؤُمُّكَ في رَكائبهِ العِجالِ
مَضَى بِكَ يَتبَعُ الغُرَماءُ مِنه / بَعيدَ مَدَى التَعَلُّلِ والمِطالِ
تَقَاضَوْهُ فما ظَفِرَ التَّقاضي / بِغَيْرِ عُلالَةِ النَّقْعِ المُذالِ
قَطيعٌ من طَغامِ القومِ يَعْدُو / على آثارِهِ عَدْوَ الرِّئَالِ
فلمّا أوشكوا أن يُدْرِكُوه / أهَابَ عليكَ يا ربِّ اتِّكالِي
وألقَى بالشَّهيدِ فَغيَّبتْهُ / طَباقُ الأرضِ كَنزاً من لآلِ
يَزينُ المسلمِينَ إذا تداعَتْ / شعوبُ الأرضِ من عَطِلٍ وَحَالِ
طَوَتْ جَسَداً من الريحانِ رَطباً / عليهِ جلالةُ الشَّيخِ البَجالِ
قَضَى وَكَأنَّهُ حَيٌّ يُرجَّى / لِحُسنِ الصُّنْعِ من صحبٍ وآلِ
يُدِيْرُ القومُ أعيُنَهم حَيارى / كأنّ اللَّهَ ليس بِذِي مِحَالِ
وَيَأسَفُ مَعشرٌ باتوا سهارَى / تَفيضُ جِراحُهم بعدَ انْدِمالِ
أجابَ اللَّهُ دَعْوَتَهُ فبادوا / وعادوا مِثلَ مُحْتَرَقِ الذُبالِ
بَني لِحْيانَ ما صَنَعَ ابنُ عمروٍ / وماذا بالأُسودِ من النّمالِ
قَتلتم صحبَهُ وصرعتموه / فيا لِلُّؤْمِ والخُلُقِ الرُّذالِ
ولولا الغَدْرُ لم يخشَوا أذاكم / وهل تخشى القُرومُ أذَى الأَفالِ
أأصحابُ اليمينِ بكم أُصِيبوا / لأنتم شَرُّ أصحابِ الشِّمالِ
بَني لِحْيَانَ وَاعَجبِي لِبأْسٍ / خَبَتْ جَمَراتُه بعدَ اشْتِعالِ
فررتم تَتَّقون الموتَ زَحْفاً / على القِمَمِ الشَّواهِقِ والقِلالِ
هو المَسْخُ المُبينُ فمن أُسودٍ / تَصيدُ القانِصينَ إلى وِعالِ
دَعُوا الشِّركَ المُذِلَّ إلى حياةٍ / مِنَ الإسلامِ وارفةِ الظِّلالِ
هو الدّيْنُ الذي يُحيي البرايا / ويُصلِحُ أمرَهم بعدَ اخْتِلالِ
يَظلُّ النُّورُ في الآفاقَ يَسْري / وَيَسطعُ ما تَلا القرآنَ تالِ
أرى أُمَماً على الغَبراءِ مَرْضَى / تَبَطَّنَ جَوفَها داءُ السِّلالِ
تُخالُ أشَدَّ خَلْقِ اللَّهِ بأساً / على الضعفِ المُبرِّحِ والهُزالِ
إذا مَلأتْ جَوانِبَها دَوِيّاً / فلا تَغْرُرْكَ جَلْجَلَةُ السُّعالِ
مُخضَّبةَ البَنانِ لكلِّ صَيْدٍ / يَعِنُّ وتلك أنيابُ السَّعالي
حَيَارَى لا تُرِيْدُ الحقَّ نَهْجاً / ولا تَدَعُ الحرامَ إلى الحلالِ
ألا هادٍ يُقَوِّمُ من خُطاها / وَيَحْسِمُ دَاءَها بعد اعْتِلالِ
أَتَيْنَ بِهِنَّ من شَوقٍ غَليلُ
أَتَيْنَ بِهِنَّ من شَوقٍ غَليلُ / وَعُدْنَ لَهُنَّ مُنْقَلَبٌ جَليلُ
خَرَجْنَ من الخدورِ مُهاجِراتٍ / فلا دَعَةٌ ولا ظِلٌّ ظَليلُ
يَسِرْنَ مع النَّبيِّ على سواءٍ / ولا هادٍ سِواهُ ولا دَليلُ
يُرِدْنَ الله لا يَبغِينَ دُنيا / كثيرُ مَتاعِها نَزْرٌ قَلِيلُ
عَقَائِلُ في حِمَى الإسلامِ يَسْمُو / بِهِنَّ مِنَ العُلَى فَرْعٌ طَوِيْلُ
يَفِئْنَ إلى صَفِيَّةَ حيث كانت / وكان سَبيلُها نِعْمَ السَّبيلُ
عَلَيْها من رسولِ الله وَسْمٌ / مُبينُ العِتقِ وضّاحٌ جَميلُ
عَشِيرَةُ سُؤْدُدٍ وقَبيلُ مَجْدٍ / فَبُورِكَتِ العَشيرةُ والقَبيلُ
يُجَرِّدْنَ النُّفوسَ مُجاهِداتٍ / بِحَيْثُ يُجرَّدُ العَضْبُ الصَّقِيلُ
فَلا ضَعْفٌ يَعوقُ ولا لُغُوبٌ / ولا وَلَدٌ يَشوقُ ولا حَلِيلُ
نِساءُ الصِّدْقِ ما فِيهِنَّ عَيْبٌ / وليس لَهُنَّ في الدنيا مَثيلُ
أَخَذْنَ عَطَاءَهُنَّ على حَياءٍ / يَزيدُ جَمالَهُ الخُلُقُ النَّبيلُ
لَئِنْ قَلَّ الذي أُوتِينَ مِنْهُ / فأجرُ الله مَوفورٌ جَزيلُ
أَمِن صَلَفٍ صَدودُكِ أَم دَلالِ
أَمِن صَلَفٍ صَدودُكِ أَم دَلالِ / فَقَد أَحدَثتِ حالاً بَعدَ حالِ
صَدَدتِ وَكُنتِ لا تَنوينَ شَرّاً / لِمَن أَخزَيتِهِ بَينَ الرِجالِ
مَضى بِكِ لا يُريبُكِ مِنهُ شَيءٌ / سِوى ما غابَ مِن تِلكَ الخِلالِ
وَما بَينَ الرِضى وَالسُخطِ إِلّا / تَأَمُّلُ ناظِرٍ فيما بَدا لي
فَيا لَكِ نَظرَةً جَرَّت شُؤوناً / هُنالِكَ لَم تَكُن تَجري بِبالِ
أَحَلتِ سُرورَ ذاكَ القَلبِ حُزناً / وَهِجتِ لَهُ أَفانينَ الخَبالِ
سَجِيَّةُ هَذِهِ الدُنيا وَخُلقٌ / تُريناهُ تَصاريفُ اللَيالي
وَلَكِن أَنتِ أَعجَلُ بِاِنقِلابٍ / مِنَ الدُنيا وَأَعجَبُ في اِنتِقالِ
وَأَقرَبُ مِن هُدىً فيما رَواهُ / لَنا الراوي وَأَبعَدُ عَن ضَلالِ
رَأَيتِ خِيانَةَ الأَوطانِ ذَنباً / فَلَم يَكُنِ الجَزاءُ سِوى الزِيالِ
وَلَم يَكُ ذاك مِن شِيَمِ الغَواني / إِذا ما أَزمَعَت صَرمَ الحِبالِ
شَرَعتِ لَها وَلِلفِتيانِ ديناً / ضَرَبتِ بِهِ عَلى دينِ الأَوالي
وَأُقسِمُ لَوحَكَتكِ نِساءُ قَومي / لَسَنَّت بَينَنا سُبُلَ المَعالي
نَخونُ بِلادَنا وَنَنامُ عَنها / وَنَخذُلُها لَدى النُوَبِ الثِقالِ
وَنُسلِمُها إِلى الأَعداءِ طَوعاً / بِلا حَربٍ تُقامُ وَلا قِتالِ
وَنَلهو بِالحِسانِ فَلا تُرينا / تَبَرُّمَ عاتِبٍ وَمَلالَ قالِ
وَلَو صَنَعَت صَنيعَكِ لَم نَخُنها / وَلَم نُؤثِر مُصانَعَةَ المَوالي
وَلَم يَكُ نَقصُها لِيُعَدَّ عَيباً / إِذا عَجَزَ الرِجالُ عَنِ الكَمالِ
فَإِن غَضِبوا عَلَيَّ فَقَولُ حُرٍّ / يَرى أَوطانَهُ غَرَضَ النِبالِ
أَتَنقِمُ ما يُريبُكَ مِن خِلالي
أَتَنقِمُ ما يُريبُكَ مِن خِلالي / وَتُنكِرُ ما يَروعُكَ مِن مَقالي
وَما ذَنبي إِلَيكَ إِذا تَعامَت / عُيونُ الناقِصينَ عَنِ الكَمالِ
وَما بي غَيرُ جَهلِكَ مِن خَفاءٍ / وَما بِكَ غَيرُ عِلمي مِن ضَلالِ
كِرامُ الناسِ أَكثَرُ مَن تُعادي / بَنو الدُنيا وَأَتعَبُ مَن تُوالي
وَما يَنفَكُّ ذو أَدَبٍ يُعاني / جَفاءَ عَشيرَةٍ وَصُدودَ آلِ
أُعادى بِالمَوَدَّةِ مِن أُناسٍ / وَأُنكَبُ بِالكَرامَةِ مِن رِجالِ
كَفى بِالمَرءِ شَرّاً أَن تَراهُ / بَعيدَ الوُدِّ مُقتَرِبَ الحِبالِ
أَمِنتُ بَني الزَمانِ فَعاقَبوني / بِداءٍ مِن خِيانَتِهِم عُضالِ
وَرُمتُ شِفاءَهُم فَرُميتُ مِنهُم / بِما أَعيا الطَبيبَ مِنَ الخَبالِ
وَمَن يَصحَب بَني الدُنيا يَجِدهُم / وَإِن صَحِبَ السَلامَةَ كَالسُلالِ
صَبَرتُ عَلى المَكارِهِ صَبرَ حُرٍّ / تَميلُ بِهِ الأَناةُ عَنِ المَلالِ
فَلَم أَجهَل لِخَلقٍ جاهِلِيٍّ / وَلَم أَجزَع لِحادِثَةِ اللَيالي
وَفي الأَخلاقِ إِن عَظُمَت دَليلٌ / عَلى عِظَمِ المَكانَةِ وَالجَلالِ
وَلَولا مَوقِفٌ لِلنَفسِ عالٍ / لَما سيقَت لِأَهليها المَعالي
تَخَلَّ عَنِ الدَنِيَّةِ وَاِجتَنِبها / وَلا تُؤثِر سِوى شَرَفِ الفِعالِ
وَنَفسَكَ لا تَبِع إِن كُنتَ حُرّاً / بِزائِلِ مَنصِبٍ وَخَسيسِ مالِ
لَكَ الوَيلاتُ إِنَّ العَيشَ فانٍ / وَإِنَّ الحَيَّ يُؤذِنُ بِاِرتِحالِ
وَما أَبقَت عَوادي الدَهرِ إِلّا / بَقايا الذِكرِ لِلأُمَمِ الخَوالي
مَتى تُؤثِر حَياةَ السوءِ تَعلَق / جِنايَتُها بِعَظمٍ مِنكَ بالِ
تَأَمَّل في نَواحي الدَهرِ وَاِنظُر / وَقِف بَينَ الحَقيقَةِ وَالخَيالِ
وَسَل عَمّا يُريبُكَ مِن خَفايا / يُجيبُكَ وَحيُها قَبلَ السُؤالِ
إِذا ما اِرتابَ فَهمُكَ فَاِتَّهِمهُ / بِنَقصٍ في التَبَيُّنِ وَاِختِلالِ
وَما خَفِيَ الصَوابُ عَلى عَليمٍ / وَلا اِحتاجَ الضِياءُ إِلى مِثالِ
وَلَكِنَّ الحَقائِقَ عائِذاتٌ / بِرَأسِ مُمَنَّعٍ صَعبِ المَنالِ
يَرُدُّ يَدَ الفَتى التِنبالِ كَلمي / وَيَشدَخُ هامَةَ الرجلِ الطِوالِ
تَعاطى شَأوَها قَومٌ فَخَرّوا / وَلَمّا يُدرِكوا شَأوَ التِلالِ
تَبيتُ حَقائِقُ الأَشياءِ وَلهَى / تَضُجُّ حِيالَها الحِكَمُ الغَوالي
تُعاني المَوتَ مِن زَمَنٍ ضَلالٍ / وَتَشكو البَثَّ مِن ناسٍ مُحالِ
أُراعُ لِخَطبِها وَالدَهرُ أَمنٌ / وَنُعمى العَيشِ وارِفَةُ الظِلالِ
كَأَنَّ رُماتَها تَفري فُؤادي / بِأَنفَذ ما تَريشُ مِنَ النِبالِ
إِذا اِنكَفَأَت قَوارِبُها ظِماءً / غَضِبتُ لَها عَلى الشَبِمِ الزُلالِ
وَإِن وَجَدَت قِلىً وَرَأَت صُدوداً / صَدَدتُ عَنِ الحَياةِ صُدودَ قالِ
خَلَعتُ شَبيبَتي وَلَبِستُ شَيبي / وَسُستُ الدَهرَ حالاً بَعدَ حالِ
فَلَم أَجِدِ الهَوى إِلّا نَذيراً / يُؤَذِّنُ في المَمالِكِ بِالزَوالِ
يَصونُ الشَعبُ سُؤدُدَهُ فَيَبقى / وَلا يَبقى عَلى طولِ اِبتِذالِ
وَإِن صَغَتِ القُلوبُ إِلى شِقاقٍ / فَإِنَّ قُوى الشُعوبِ إِلى اِنحِلالِ
تَعادى الناسُ في مِصرٍ جَميعاً / وَخاضَ الكُلُّ في قيلٍ وَقالِ
فَما بَينَ المَذاهِبِ مِن وِفاقٍ / وَلا بَينَ القُلوبِ مِنِ اِتِّصالِ
وَما لِلقَومِ إِن طَلَبوا حَياةً / سِوى مَوتٍ يُلَقَّبُ بِاِحتِلالِ
أَرى في مِصرَ شَعباً لَيسَ يَدري / أَفي سِلمٍ يُغامِرُ أَم قِتالِ
تُمَزِّقُهُ السِهامُ فَلا يَراها / وَتَأخُذُهُ السُيوفُ فَلا يُبالي
تَثاقَلَ إِذ رَفَعتُ إِلَيهِ صَوتي / وَخَفَّ لَهُ الرَكينُ مِنَ الجِبالِ
فَلَولا اللَهُ وَالبَعثُ المُرَجّى / نَفَضتُ يَدَيَّ مِن أُمَمِ الهِلالِ
نَظَرتُ فَلَم أَجِد لِلقَومِ شَيئاً / سِوى الأَطلالِ وَالدِمَنِ البَوالي
وَشَمَّرَ غَيرُهُم فَبَنى وَأَعلى / وَناضَلَ بِاليَمينِ وَبالشِمالِ
سَما بِالعَزمِ يَبتَعِثُ المَطايا / فَجازَ النَجمَ مَشدودَ الرِحالِ
وَحَلَّ بِحَيثُ يَنتَعِلُ الثُرَيّا / وَكانَ مَحَلُّهُ تَحتَ النِعالِ
فَتِلكَ شَكِيَّتي وَعَذابُ نَفسي / وَحَرُّ جَوانِحي وَشَقاءُ بالي
تَعَزّى مِن بَني الآدابِ قَومٌ / سَهِرتُ وَنامَ هاجِعُهُم حِيالي
فَلا كَبِدٌ لِطولِ الشَوقِ وَلهى / وَلا قَلبٌ بِنارِ الوَجدِ صالِ
فَما أَنا إِن صَحا كَلِفٌ بِصاحٍ / وَلا أَنا إِن سَلا دَنِفٌ بِسالِ
جَعَلتُ وِلايَةَ الآدابِ شُغلي / وَكانَت أُمَّةً مِن غَيرِ والِ
كَأَنّي إِذ عَطَفتُ يَدي عَلَيها / عَطَفتُ يَدي عَلى بَعضِ العِيالِ
حَمَلتُ هُمومَها وَنَهَضتُ مِنها / بِأَعباءٍ مُلَملَمَةٍ ثِقالِ
وَلَم أَبخَل بِذي خَطَرٍ عَلَيها / وَإِن بَخِلَت بِمَنزورِ النَوالِ
إِذا ما رُمتَ لِلشُعَراءِ ذِكراً / فَلا تَحفِل بِتَضليلِ المُغالي
وَلا تَذكُر سِوى نَفَرٍ قَليلٍ / وَإِن هُم جاوَزوا عَدَدَ الرِمالِ
نَزيلَ النيلِ أَينَ تَرَكتَ مُلكاً
نَزيلَ النيلِ أَينَ تَرَكتَ مُلكاً / أَلَمَّ بِبابِكَ العالي نَزيلا
وَأَينَ التاجُ يُرفَعُ في دِمَشقٍ / فَيَصدَعُ هامَةَ الجَوزاءِ طولا
وَأَينَ الجُندُ حَولَكَ تَزدَهيهِ / مَواكِبُ تَحمِلُ الخَطَرَ الجَليلا
وَأَينَ الفَتحُ تُنميهِ المَواضي / وَجُردُ الخَيلِ تَبعَثُها فُحولا
أَثارَت وَجدَ أَحمَدَ حينَ مَرَّت / بِمَضجَعِهِ وَرَوَّعَتِ الخَليلا
وَهاجَت مِن أُمَيَّةَ في دِمَشقٍ / لَواعِجَ تَبعَثُ الداءَ الدَخيلا
نَزَلتَ عَلى صَلاحِ الدينِ ضَيفاً / فَلَم تَرضَ المُقامَ وَلا الرَحيلا
أَحَقّاً كُنتَ رَبَّ التاجِ فيها / وَكُنتَ الشَعبَ وَالملكَ النَبيلا
دَعِ النُعمانَ أَنتَ أَجَلُّ مُلكاً / وَأَمنَعُ جانِباً وَأَعَزُّ غيلا
وَمالَكَ في بَني غَسّانَ كُفءٌ / إِذا ذَكَروا العِمارَةَ وَالقَبيلا
أَلَستَ لِهاشِمٍ وَبَني أَبيهِ / إِذا اِنتَسَبَ الفَتى لِأَبٍ سَليلا
بِرَبِّكَ هَل يَدومُ أَسىً وَوَجدٌ / لِمُلكٍ لَم يَدُم إِلّا قَليلا
لَئِن تَكُ هاشِمٌ أَسِفَت عَلَيهِ / لَقَد كَرِهَت أُمَيَّةُ أَن يَزولا
عَزاءً إِنَّ لِلأَقدارِ حُكماً / وَإِنَّ قَضاءَ رَبِّكَ لَن يَحولا
وَقُل لِأَبيكَ وَالحَسَراتُ تَهفو / بِمَعقِدِ تاجِهِ صَبراً جَميلا
وَما تَعصى خُطوبُ الدَهرِ حُرّاً / أَطاعَ اللَهَ مِثلَكَ وَالرَسولا
سَأَرحَمُ بَعدَ قَصرِكَ كُلَّ قَصرٍ / وَأَحسُدُ بَعدَكَ الطَلَلَ المَحيلا
وَأَبكي الشَرقَ حيناً بَعدَ حينٍ / وَأَندُبُ في مَمالِكِهِ العُقولا
وَلَيسَ بِعاقِلٍ مَن رامَ شَيئاً / يَراهُ إِذا تَأَمَّلَ مُستَحيلا
لَعَمرُكَ ما الحَياةُ سِوى صِيالٍ / وَلَيسَ الرَأيُ إِلّا أَن تَصولا
مَتى رَفَعَ الرَجاءُ بِناءَ مُلكٍ / وَكانَ عِمادُهُ قالاً وَقيلا
نُريدُ الراحِمينَ وَأَيُّ شَعبٍ / عَزيزٍ يَرحَمُ الشَعبَ الذَليلا
أَتَعجَبُ أَن تَرى قَنَصَ الضَواري / وَتَغضَبُ أَن يَكونَ لَها أَكيلا
فَثِق بِاللَهِ وَاِنظُر كَيفَ يَهدي / شُعوبَ الشَرقِ إِذ ضَلّوا السَبيلا
أَظَلَّ جُموعَهُم حَدَثٌ مَهولٌ / لِيَكشِفَ عَنهُمُ الحَدَثَ المَهولا
وَما شَقَّ الدَواءُ عَلى مَريضٍ / إِذا ما اِستَأصَلَ الداءَ الوَبيلا
قُلِ اللَهُمَّ غَفّارَ الخَطايا / إِلَيكَ نَتوبُ فَاِرزُقنا القُبولا
عَرَفنا الحَقَّ بَعدَ الجَهلِ إِنّا / وَجَدنا الجَهلَ لِلأَقوامِ غولا