المجموع : 8
أمالَكَ من غرامٍ ما أمالا
أمالَكَ من غرامٍ ما أمالا / وزادَك نصحُ عاذلها خَبالا
ولو كانتْ وقد هجرتْ أرادتْ / دلالاً لاِحتَملتُ لها الدّلالا
وما زال العذول يقول حتّى / أذنتَ له فأسمعك المحالا
فما لك والحِجالَ وقد جعلتمْ / قلوبَ العاشقين لكمْ حجالا
وما أُلحي سوى قلبي وفيه / نُدوبٌ منك كيف إليك مالا
هجرتَ ونحن أيقاظٌ بوَجٍّ / وزرت بنَعفِ كاظمةٍ خيالا
وليس الهجرُ عن سببٍ ولكنْ / خلوتَ وما خلونا منك بالا
وطيفٌ منكمُ بجنوب نجدٍ / أراني من محاسنكمْ مثالا
أقام على مضاجعنا هُدُوّاً / فلمّا زال عنّا النّومُ زالا
لَهَوْتُ بِباطل الأحلامِ حتّى / ودِدْتُ لهنّ أنّ اللّيلَ طالا
ألَيْلَتَنا بكاظمةٍ أضِلِّي / بياضَكِ أنْ يلمّ بنا ضلالا
فليس الصّبحُ من أَرَبي وحسبي / ظِلالُ اللّيل أسكنه ظِلالا
ومعسولِ المراشف لو سقاني / سقاني من مُجاجته الزّلالا
متى يَفَتَرّ يبسم عن نقيٍّ / شَتيتِ الرَّصْفِ تحسبه سَيالا
كأنّ به سحيقَ المسك وُهْناً / تناثر أو عقيقَ الخمر سالا
وكان الدّهرُ ألْبَسَنِي سواداً / أَروعُ به الغزالةَ والغزالا
نعمتُ بصبغِهِ زمناً قصيراً / فلمّا حالتِ الأعوامُ حالا
بفخر الملك أعتبتُ اللّيالي / وعاد أُجاجُنا عَذْباً زلالا
وسالمنا الزّمانُ به وكانتْ / حروبُ صُروفه فينا سِجالا
وأصبحتِ العراقُ بخير حالٍ / وكانتْ أسْوَأَ الأمصار حالا
دخلتُ عليه مجلسَه فأدنى / وأعلاني مكاناً لا يُعالى
وأثقلني ولم أكُ طولَ عمري / حملتُ لغيره المِنَنَ الثّقالا
بإكرامٍ إذا عظمتْ وجلّتْ / لدى قلبي أوائِله تَوَالى
وقولٍ كلّما اِضطربتْ قلوبٌ / بحظّي منه أعْقَبَهُ فِعالا
وبِشْرٍ يأخذ الأقوامُ منه / أمامَ نوالِ راحته النّوالا
ولمّا أنْ دعاك إليه بدرٌ / سبقتَ إلى تداركه العُجالى
فأحزنتَ السهولَ حمىً وجُرْداً / محصّنةً وأسهلتَ الجبالا
وأبصرها هِلالٌ خارقاتٍ / ذيولَ النَّقْعِ يحملن الهلالا
عوابس كلّما طرحت قتيلاً / جَعلن ضَفير لمّتهِ قِبالا
عليهنّ الأُلى جعلوا العوالي / وما طالتْ بأيديهمْ طوالا
كأنّ على قُنِيّهمُ نجوماً / خَرَرْن على القوانس أو ذُبالا
ومذ صقلوا سيوفهمُ المواضي / بأعناق العِدا هجروا الصّقالا
تُمَدُّ الحربُ منك بلَوْذَعِيٍّ / يسعّرها إذا خَبَتِ اِشتعالا
وقلبُك يا جريء القلب قلبٌ / كأنّك ما شهدتَ به القتالا
وذي لَجَبٍ تألّق جانباه / كأنّ به على الآفاقِ آلا
وفيه كلُّ سَلْهَبَةٍ جَموحٍ / يعاسلن المثقّفةَ الطِّوالا
فَلَوْتَ بكلّ أبيضَ مشرفيٍّ / بكَبَّتِهِ رؤوساً لا تُفالى
ومَنْ لولاك زوّارُ الأعادي / إذا ملّوك زدتَهمُ ملالا
وشاهقةٍ حماها مُبتنيها / وطوّلها حذاراً أن تُنالا
وحصّنها وعند اللَّه علمٌ / بأنّك لم تدع فيها عِقالا
تراها تستدقّ لمن علاها / كأنّ بها وما هُزِلَتْ هُزالا
وقُلَّتُها تمسّ الأُفقَ حتّى / تقدّرها بخدّ الشّمسِ خالا
ظفرتَ بها وضيفك من بعيدٍ / يرى ما كان فيه إليك آلا
وما كان الزّمانُ يرى عليها / لغير الطير جائلةً مجالا
نقلتَ بما نقلتَ قلوبَ قومٍ / ويحسبك الغنيُّ نقلتَ مالا
وسقتَ إلى قوام الدّين فتحاً / يرى كلّ الفتوح له عيالا
وكم لك قبله من قاطعاتٍ / مدى الآفاق لم تَخَفِ الكلالا
إذا ما بات يقلب جانبيها / قوامُ الدين تاه بها وصالا
فخذها فوق ما تهواه منها / عطاءً ما لقيتَ به مِطالا
ومجدِك إِنّه قسمٌ جليلٌ / لقد أتعبتَ في الدّنيا الرّجالا
إذا طلبوك فُتَّهُمُ جميلاً / وإنْ رَمَقوك رُعْتَهمُ جمالا
فما لَكَ ليس ترضى عن محلٍّ / كأنّك بعدُ لم تُصبِ الكمالا
أَلَسْتَ أتمَّنا خُلُقاً وخَلْقاً / وأبسطَنا يميناً أو شمالا
فما يبغي الّذي يضحي ويُمسِي / وقد جمع المهابةَ والجَلالا
ومَن لولاه كان الناسُ فَوْضى / وكان الأمر مُطّرَحاً مُذالا
فدمْ يا فخرَ ملك بني بُوَيْهٍ / دواماً لا نريد به زوالا
وقبلك مَن حرامٌ فيه مدحي / فخذه اليوم مبذولاً حلالا
أسيَّدَنا الشريفَ عَلَوْتَ عن أنْ
أسيَّدَنا الشريفَ عَلَوْتَ عن أنْ / تضاف إليك أوصافُ الجلالَهْ
لأنّك أوْحَدٌ والنّاسُ دونٌ / ومَن يسمو لمجدك أنْ ينالَه
وفُتَّ وزدتَ فضلاً إنّ فضلاً / كفضلك لا تحيط به مقالَه
ولي أمَلٌ سأُدركه وشيكاً / بعون اللَّه فيك بلا محالَه
وليس على مُوَالاتي مزيدٌ / لأنّي لم أرثْها عن كلالَه
متى يُبدِي الكثيبُ لنا غزالَه
متى يُبدِي الكثيبُ لنا غزالَه / ويُدني من أنامِلنا منالَهْ
وكيف يُنيلنا مَن ليس نَلقى / وقد وعد النّدى إلّا مِطالَهْ
أراد زيارتي غلطاً فلمّا / مددتُ لنيلها كفِّي بدا لَهْ
ولمّا أنْ جفا عيني نهاراً / رضيت بأنْ أرى ليلاً خيالَهْ
وعِفتُ حرامَه فأنال عيني / وقلبي في الدُّجى منه حلالَهْ
يُرِي عيني الكرى أنِّي أراه / ولم أرَ في الكرى إلّا مِثالَهْ
عدمتُ صحيحَه فرضيتُ قَسْراً / بأنْ ألقى على سِنَةٍ مُحالَهْ
وقولٍ زارني فوددتُ أنّي / وقيتُ بمهجتي مَن كان قالَهْ
ذكرتُ به التّصابي والغواني / وأيّامَ الشّبيبةِ والبطالَهْ
وكيف ألومُ إمّا لمتُ دهراً / ضللتُ به فأطلعَ لِي هِلالَهْ
ولمّا أنْ ظمئتُ به سقاني / عذوبتَه وأوْرَدَني زُلالَهْ
وكان من العِدا قلبي نفوراً / على حَذَرٍ فكان له الحِبالَهْ
غفرتُ له ذنوبَ الدّهرِ لمّا / أَتى كفّي فأعلقها وصالَهْ
وَما أَنا مصطفٍ إلّا خَليلاً / رضيتُ على تجاربه خلالَهْ
تركتُ بجانبِ الوادي ثُماماً / فلم أعرض له وجنيتُ ضالَهْ
وإنّك من أُناسٍ ما رأينا / لهمْ إلّا الرّياسةَ والجلالَهْ
علَوْا قُلَلَ الكلام الجَزْلِ فينا / وحلّوا كيفما شاؤوا جبالَهْ
وكم رام اِمرؤٌ بهمُ لُحوقاً / بطرقِ المأثُراتِ فما اِستوى لَهْ
وما زالوا بيوم ندىً سيولاً / لمفخرةٍ ويوم وغىً نِصالَهْ
وكم ماضي البيان رددتَ منه / غبيَّاً لا تبين له مقالَهْ
وذى لَسَنٍ رجعتَ به صَموتاً / وذى جَدَلٍ عكستَ له جِدالَهْ
فخذها اليومَ قافيةً شروداً / تجوب بها البلادَ ولا ضلالَهْ
فإنْ قَصُرَتْ فقد أغنتْك منها / إِشاراتٌ لَطُفْن عن الإطالَهْ
فلا مَلَلٌ لقلبي منك دهراً / وحاشا اللَّهَ قلبي من مَلالَهْ
ألا يا أحسنَ الثَقَلَيْنِ عَبْلاً
ألا يا أحسنَ الثَقَلَيْنِ عَبْلاً / أنيلي اليومَ مَن يهواك نيلا
يميل إليك من كَلَفٍ ولكنْ / إِلى مَن لا يميل إليه ميلا
فإنْ لم يأتِهِ منكمْ رسولٌ / نهاراً فاِجعلوه إليه ليلا
وقد قَطَر الجفاءُ فأوْسَعوه / فَسالَ عليَّ بعد القَطْر سيلا
ولو كنتُ الممكَّنَ من مُرادي / جررتُ على الطريق إِليك ذيلا
فإنْ لم آتكمْ في ظهر طِرْفٍ / رَكبتُ أخامصي نُجُباً وخيلا
وزَوْرٍ زارني واللَّيلُ داجٍ
وزَوْرٍ زارني واللَّيلُ داجٍ / فعلّلني بباطله وولّى
سقاني ريقَهَ مَن كنت دهراً / مَذوداً عن مراشفه مُحَلّا
وأولى فوق ما أهواه منه / وما يدري بما أعطى وأولى
وأرخص قربَه باللّيل مَن لو / سألنا قربه بالصّبحِ أغلى
نعمنا بالحبيب دجىً فلمّا / تولّى واِضمحلّ لنا اِضمحلّا
فإِنْ يك باطلاً فسقيم حبٍّ / أفاقَ به قليلاً أو أبَلّا
تلاقٍ لا نخاف ولا نبالي / بمن أوحى به وعليه دلّا
ولو أنّ الصَباحَ يُطيع أمري / لما كشف الظّلامَ ولا تجلّى
أَسيفَ الدّين قد حمّلتَ ظهري
أَسيفَ الدّين قد حمّلتَ ظهري / عوارفَ لا أُطيق لها اِحتمالا
ثقائلَ لو حُملنَ على شَرَوْرى / لزال بها شَرَوْرى أوْ لمَالا
هززتُك صارماً لم ينبُ عنّي / لأمرٍ ما اِرتضيتُ له الرّجالا
فَكنتَ إليَّ أَسرعَ من غمَامٍ / تبجّسَ أو مسيلَ الشِّعْبِ سالا
ولمّا أنْ سألتُك في مهمٍّ / وجدتُك قد سقبتَ به السُّؤالا
ومهما كنتَ لِي درعاً حصيناً / فما أخشى المثقّفَةَ الطِّوالا
وإمّا كنتَ لِي جبلاً منيعاً / فلم ينل العِدا مِنّي مَنالا
وإنّك من أُناسٍ إنْ أغذُّوا / بطُرْقِ الفضل لم يجدوا الكَلالا
فإنْ تقصُرْ فإنْ لها وشيكاً / كما تهواه أمثالا طوالا
وَلمّا حزتُمُ أملِي أَمرتمْ / لساني أنْ يقول لكمْ فقالا
وَمَن لم يدّخر عنِّي فعالا / كريما كيف أذخُرُه المقالا
رضينا من عِدانِك بالمِطالِ
رضينا من عِدانِك بالمِطالِ / ومن جَدواكِ بالوعد المحالِ
وأَقنعنا هواك وقد ظمئنا / إلى وِرْدِ الزّلالِ بكلِّ آلِ
وأنسانا دوامُ الهجر منكمْ / وطولُ النّأي أيّامَ الوِصالِ
وكنتِ الزَّوْرَ يطرقني مساءً / وإنْ منع الضّحى فإلى ظِلالي
إلى أن صدّكِ الواشون عنّا / فما نُزدارُ إلّا في الخَيالِ
إِلى كَم تَطلُبين وليس عندي / على الأيّامِ عذراً في الملالِ
وأشقى النّاسِ مَن يُضحى ويُمسي / يبالي في الهوى مَن لا يبالي
وبِيضٍ راعهنَّ البيضُ منّي / فقطّعْنَ العلائق من حبالي
جَعلنَ الذّنبَ لي حتّى كأنّي / جنيتُ أذى المشيب على جمالي
وَليسَ الشّيبُ من جهتي فأُلحى / ولا ردُّ الشّبيبةِ في اِحتِيالي
وما أنسى عشيّةَ يومِ جَمْعٍ / ونحن نضمّ منتشرَ الرّحالِ
وإذْ أُدْمُ المطيِّ معقّلاتٌ / على وادي مِنىً بيد الكلالِ
نساءٌ من بني ثُعَلِ بن عمروٍ / يصبن هناك أفئدةَ الرّجالِ
خرجن إلى المحَصَّبِ سافراتٍ / وجيدُ اللّيلِ بالجوزاء حالي
يَمِسْنَ بمَسْقَطِ الجَمَراتِ فينا / كما روّعْتَ حيّاتِ الرّمالِ
فحيّاهنّ ربُّ البيتِ عنّا / وأيّاماً بهنّ بلا ليالِ
سَقى اللَّهُ المنَقّى من محلٍّ / وما يحويه من سَلَمٍ وضالِ
وكم لي فيه من زمنٍ قصيرٍ / بمن أهوى وساعاتٍ طِوالِ
وأقوامٍ جَرَوا في كلّ فصلٍ / بلا لُجُمٍ إلى عالي الكمالِ
بأفئدةٍ إذا اِحتَربوا رِزانٍ / وأيمانٍ وأقدامٍ عجالِ
وَأَغلوا في ندىً ووغىً جميعاً / وما غبنوا بأثمان المعالي
بدورٌ إنْ سريتَ بهمْ هُدُوّاً / ففي يدك الأمانُ من الضّلالِ
تُناط حمائلُ الأسيافِ منهمْ / بعاتقِ كلّ ممتدٍّ طوالِ
هُمُ منعوا من المكروه سِرْبي / وساقوا الأمنَ يَرتع في رحالي
وأعدَوْني وكلُّ اليأسِ عندي / بنصرِهِمُ على نُوَبِ اللّيالي
كأنّي فيهمُ من ذي حِفاظٍ / يُلاطم عنك خِرصانَ العوالي
تهيب به حفيظتُه فينزو / كما تنزو السّهامُ بكلّ غالِ
ومولىً عَلَّني طَرْقاً أُجاجاً / بِما أَسقيهِ مِن عذبٍ زلالِ
هِدانٌ لا يريد السِّلْمَ إلّا / إذا ما كان يجبن عن قتالي
أرى في وجهه ماءَ التّصافي / وفي أحشائه نار التّقالي
يساميني فتُعليني عليه / أهاضيبُ الرّواسخِ من جبالي
فقل لمُسوّفٍ ببلوغِ شَأْوي / ويمناه تقصّر عن منالي
أَبِنْ لي أين قَطْرُك من سيولي / وأين حضيض أرضك من قِلالي
وكيف يُعدّ بي مَنْ ليس فيه / لباغي المجد شيءٌ مِن خِلالي
تَضِنُّ يمينُهُ بالنَّزْر منها / وأسخو للعُفاةِ بكلّ مالي
وليس لوعده أبداً نجاحٌ / ويسبق موعدي أبداً نوالي
ألم تَرَ أنّني أحذو قديمي / وأحذو إنْ حذوت على مثالي
وأدَّرعُ الدّجى واللّيلُ خافٍ / وأركب غاربَ الخَطْبِ الجَلالِ
وَأَكشفُ باطنَ الأمرِ المعمّى / وأطلعُ في الدَّءادي كالهلالِ
بعِرضٍ لا أجود به مصونٍ / ومالٍ لا أضنُّ به مُذالِ
سلِ الأبطالَ عنّي يومَ سَلْعٍ / وسيلُ الموتِ مُنحلُّ العَزالي
إذا عُقِد الغُبارُ الجونُ ليلاً / ترى فيه الأسنّة كالذُّبالِ
وقد ألقى التّضاغطُ كلَّ رمحٍ / فَليسَ الطّعنُ إلّا بالنّصالِ
أَلستُ هناك أسبقهم بِضَربٍ / وَأَشفاهم لذي الدّاءِ العُضالِ
أَعِد نظراً لعلّك أن تراها / مُنَشَّرَةَ النّواصي كالسَّعالي
تخال بها وقدرُ الحربِ تغلي / من النَّزوانِ مسّاً من خبالِ
وَإِنّ جلودها تهمي نجيعاً / طلاها اليومَ بالقَطِرانِ طالي
وفوق طهورهنّ بنو المنايا / إذا لاقوْا وأبناءُ القتالِ
فيقضي نَحْبه قلبٌ مُعَنّىً / أضرَّ به أفانينُ المِطالِ
ألا عوجا لمجتَمَعِ السِّيالِ
ألا عوجا لمجتَمَعِ السِّيالِ / فثَمَّ شفاءُ ما بي من خبَالِ
وإنْ أنكرتُما منّي ضلالاً / فماذا ضرّ غيري من ضلالي
فإمّا شئتُما أن تُسعِداني / فمُرّا بي على الدِّمَنِ البَوالي
خَرِسْن فلو ملكن النُّطقَ يوماً / شكون إليك من جَنَفِ اللّيالي
لَعَلِّي أنْ أرى طَلَلاً لحُبٍّ / وآثاراً لأيّامِ الوِصالِ
نصيبُ مُصاحبي منّى حنينٌ / حنينُ الرّائماتِ إلى الفِصالِ
ومُنْهَلٌّ من العَبَراتِ تجري / فينطِقُ إِنْ سكتُّ بسوء حالي
ومُسْتَرَقٍ من الأحشاء يخبُو / أُوارُ النّارِ وهو على اِشتعالِ
وفي الغادين من يمنٍ فتاةٌ / تُضام مَعادةً شبه الغزالِ
أُشاق إلى المواعد من هواها / وإِنْ كانتْ تُسَوِّف بالمُحالِ
وذلّلنا طويلُ الهجر حتّى / قنعنا في التّزاور بالخيالِ
وخبّرها الوشاةُ بنا إليها / بما جعلته عذراً في المَلالِ
وَقَد كنتُ اِعتَزمتُ الصّبرَ عنها / فلمّا أن بدأتُ به بدا لِي
سقى نجداً ومَن بجنوب نجدٍ / مَلِثُّ الوَدْقِ منهمرُ العَزالي
كأنَّ بروقَه يخفقن بُلْقٌ / خرجن على الظّلام بلا جِلالِ
وأسيافٌ سُلِلْن على الديّاجي / لها عهدٌ قريبٌ بالصّقالِ
فَكم بِجنوب نجدٍ من عزيزٍ / صغيرِ الذّنبِ مُحتَمَلِ الدّلالِ
إذا سلّى العواذلُ فيه قلباً / مشوقاً لم يكن عنه بسالِ
فقولوا للأُلى دَرَجوا ملوكاً / وحازوا باللُّها رِبَقَ الرّجالِ
أجِيلوا نظرةً بيني بويهٍ / تَرَوْا سَعَةً على ضيق المجالِ
لهمْ في كلّ نائبةٍ حلومٌ / ثِقالٌ لا تُوازنُ بالجبالِ
وفي العلياءِ فخرُ الملك يسمو / سُمُوَّ البدرِ في غُرَرِ اللّيالي
وقد علمتْ ملوكُ بني بويهٍ / بأنّك حاسمُ الدّاءِ العُضالِ
وأنّك في الخطوبِ الجُونِ منهمْ / مكانَ النّارِ في طَرَفِ الذُّبالِ
ولمّا رامها مَن رام منهمْ / عَجِلْتَ إِليه من قبل العِجالِ
ليوثٌ كالأجادل ضارياتٌ / على صَهَواتِ خيلٍ كالرِّئالِ
تَحُفُّ بصلّ رملةِ بطنِ وادٍ / تَناذرُ منه أصلالُ الرّمالِ
إِذا ما همّ طوّح بالتّمادي / وداس السِّلْمَ في طرقِ القتالِ
وأرغمها أنوفاً من أناسٍ / غَدَوْا يَستنزِلون عن النِّزالِ
وقد ساموك مشكلةً لَموعاً / كما لمع الفضاءُ بلمعِ آلِ
وظنّ بك الغُواةُ الصَّدَّ عنها / وما رِيعَتْ قرومُك بالإفالِ
فيا لشجاعةٍ بك ما أفادتْ / من النّعماء عندك للموالي
وأيّةُ صَعْبَةٍ ذلّلتَ قسْراً / قرَاها أيّ ذلٍّ للرّجالِ
فقد عَلَّمتَ كيف تفوت شرّاً / وكيف تجوز ضيّقةَ المجالِ
وليس يَضِلّ إِثْرَكَ مَن هَدَتْهُ / مواقعُ مَنْسِمِ العَوْدِ الجَلالِ
إذا ما كنتَ لي وَزَراً حصيناً / على نُوَبِ الزّمانِ فما أُبالي
وخوّفني العُداةُ الشَّرَّ منهمْ / فما خطرتْ مخافتُهمْ ببالي
وراموا قطعَ أسبابٍ مِتانٍ / علقتُ بها فما قطعوا قِبالي
وما نقموا سوى أنّي لديه / شديدُ القربِ مُستَمَعُ المقالِ
وأنّي فيه دون النّاس جمعاً / أُعادي مَن أُعادي او أوالي
وكم لي فيه من غُرَرٍ بَواقٍ / ومن سحرٍ سبقتُ به حلالِ
يغور إلى القلوب بلا حجابٍ / ويشفيك الجواب بلا سؤالِ
وقافيةٍ متى اِستُمِعتْ أبرّتْ / عذوبتُها على الماء الزُّلالِ
فلولا أنّها كِلَمٌ لكانتْ / فريدَ نحور ربَّاتِ الحِجالِ
وهذا العيدُ والنَّيروزُ جاءا / كما نهواه فيك بخير فالِ
وما اِفتَرقا بهذا العصر إلّا / كما اِفترقتْ يمينٌ مَعْ شمالِ
فدُم لتكرّمٍ أرخصتَ منه / ولم يزل التّكرُّمُ وهو غالِ
ويا نُعمى له دومي وكوني / على غِيَرِ الزّمان بلا زوالِ