المجموع : 3
يقول : لَمَ اعتزلتَ؟ فقلتُ لِمْ لا
يقول : لَمَ اعتزلتَ؟ فقلتُ لِمْ لا / وخيرٌ من تظاهُريَ اعتزالي؟
نظمتُ فلم يُفد شيئاً نظامي / وقلت فلم يَجد أثراً مقالي
وهل تجدي الشَّجاعةُ في كلامٍ / جبانا عن مقارعة الرحال
أقول وذاك بهتانٌ وزورٌ / ظهوريَ لا لجاهٍ أو لمال
ألا فليشهَدَ الثقلانِ أني / مع الأيام ! ترخُص ..او تغالي
أذُم الناس إن غابوا ولكن / إذا حضروا فعُنوانُ الجلال
أبالي بامتداح الناس فعلي / وان أظهرت أني لا أُبالي
وازجُرهُم إذا نطقوا بعيبي / كأني بالغٌ حدَّ الكمال
وأُظهر عِفّةً عن نيل شيءٍ / إذا ألقيتُه صعب المنال
وأُسأل عن أمور لا أعيها / فأظْهِر أن نقصاً في السؤال
وكم سليت بالأوهام نفسي / وغطَّيت الحقيقةَ بالخيال
خططتُ على الرمالِ منىً فلما / تطامى السيلُ سِلْن مع الرمال
وكم من منطقٍ حُرٍّ نزيهٍ / أُزيَّفُهُ عِناداً بالجدال
مخافَة ان أُرى فيه اخيذاً / ومغلوباً كأني في قتال
على عهدي فلا الأيام حالت / ظواهرُها ولم تشِب الليالي
ولكنْ ضيقُ نفسي باعترافي / يريني أن ضيقاً في المجال
وكم وعدٍ حلفتُ بأنْ يوفّى / كأني قد حلفت على المِطال
أقول ولا أخاف الناسَ إني / مزجت حرامَ دهري بالحلال
وقد حَسُنتْ خِصالٌ لي ولكن / رأيت القبحَ أكثرَ في خِصالي
أخي إلياسً : ما أقسى اللَّيالي
أخي إلياسً : ما أقسى اللَّيالي / تُنيخُ بكَلْكَلٍ وتقولُ : مالي
تَسَمَّعُ إذ تَصامَمُ للنَّجاوى / وتَهْمِسُ إذ تخارسُ للنِّمال
وتخدَعُنا بمُقْمِرةٍ لَعُوبٍ / وتَرمينا بقوسٍ من " هِلال"
وتُعطينا اللَّذاذةَ عن يمينٍ / وتطعنُنا دِراكاً بالشِّمال
وتَفرُشُنا أمانيَ من حريرٍ / وفي طيَّاتِها سُمُّ الصِّلال
وتُدنينا وتُبعِدُنا وتلهو / بِنا لهوَ العواصف بالرِّمال
ونَلْمِسُها وتَلْمِسُنا عِياناً / وتمرُقُ مثلَ طَيفٍ من خيال
أخي إلياسً : لا تَخَلِ المُبَقَّى / يُوقَّى ما احتواكَ من الحِبال
كأنَّ الشَّمسَ لم تَطلُعْ علينا / ولم نَنعَم بوارفةِ الظِّلال
ولم نترَوَّ من كأسٍ حرامٍ / ولم نتمَلَّ من سِحْرٍ حَلال
ولم نتمَنَّ أنَّ الدَّهَر خُلْدٌ / وأنَّا لا نصيرُ إلى زَوال
ولم نسخَرْ بما نُملي عليه / ولم يسخَرْ بناسِخةِ الأمالي !
أخي إلياسُ : لا وصريحِ وُدٍّ / وعاطفةٍ أرقَّ من الزُّلال
وما شدَّ التَّصافي من عُرانا / وحَّلاها من الفِكَرِ الغوالي
يَميناً لستُ للدُّنيا بقالي / وإنْ كدُرتْ ولا عنها بسالي
لأنَّكَ كنتَ تُوصيني بهذا / وتُوصيني به سِيَرُ الرِّجال
ويُوصينا به أنَّا نُواري / حبيباً ثمَّ نُعقِبُه بتالي
ونَرجِعُ مِنْ جديدٍ عن فِراقٍ / أليمٍ نستزيدُ مِن الوصال
وما أنا مَنْ يُحاولُ أن يُداجي / أحِبَّتَهُ بكذِبٍ أو مُحال
بلى إنّي لَتُعْتَصَرُ اعتِصاراُ / حشايَ وأنت محترِبٌ حِيالي
خذي نفسَ الصبا " بغداد " إني
خذي نفسَ الصبا " بغداد " إني / بعثتُ لكِ الهوى عرضاً وطولا
يذكّرُني أريجٌ بات يُهدي / إلىَّ لطيمُه الريحَ البليلا
هواءك إذ نهشُّ له شَمالاً / وماءك إذ نصّفِقه شَمولا
ودجلةَ حين تَصقُلها النُعامى / كما مَسَحتْ يدٌ خداً صقيلا
وما أحلى الغصونَ إذا تهادت / عليها نُكَّسَ الأطراف مِيلا
يُلاعبها الصِّبا فتخال كفّاً / هناك ترقِّصُ الظلَّ الظليلا
ربوعُ مسرَّةٍ طابت مُناخاً / وراقت مَربعاً وحلَتْ مَقيلا
ذكرتُ نميرها فذكرتُ شعراً / " لأحمدَ" كاد لطفاً أن يسيلا
" وردنا ماءَ دجلةَ خيرَ ماءٍ / وزرنا أشرفَ الشجر النخيلا"
" أبغدادُ " اذكري كم من دموع / أزارتكِ الصبابةَ والغليلا
جرينَ ودجلةً لكن أجاجاً / أعدن بها الفراتَ السلسبيلا
" ولولا كثرةُ الواشينَ حولي " / أثرتُ بشعريَ الداءَ الدخيلا
إذن لرأيتِ كيف النار تذكو / وكيف السيل إنْ ركب المسيلا
وكيف القلبُ تملكه القوافي / كما يستملك الغيثُ المحولا
أدجلةُ إنَّ في العبرات نطقاً / يحّير في بلاغته العقولا
فانْ منعوا لساني عن مقالٍ / فما منعوا ضميري أن يقولا
خذي سجعَ الحَمامِ فذاك شعرٌ / نظمناه فرتَّله هديلا