بأيِّ جناية منع الوصال
بأيِّ جناية منع الوصال / أبخل بالمليحة أم دلال
تحرِّم أن تمَسَّ النوم عيني / مخافة أن يمرَّ بها خيال
وفي الركب اليمانيّين خشف / بحبات القلوب له اكتحال
يغصّ شتيته بنمير عذبٍ / لكلّ من عذوبته اشتعال
قرأت السحر من عيني غرير / يترجم عنهما السحر الحلال
ويثمر غصنه قمراً منيراً / قليل أن يقال له كمال
يميناً إن في برديه نشرا / كما هبت بغالية شمال
وفي ديباجيته فتات مسك / يقال لها بزعم الناس خال
وفي عينيه نرجسة ذبول / تعلّق بالقلوب لها ذبال
وفي الحدق المراض بدا عجيب / شفاء للنواظر واعتلال
يمج لعابه عسلا وخمراً / تفانت في طلابهما الرجال
وفيه كل جاذبة إليه / إلا للّه ما صنع الجمال
وقالوا لو سلا لأصاب رشداً / لقد كذبوا وبئس القول قالوا
أتحسب أنّ بعد الدار يسلي / نعم للعاشقين به انسلال
ويوم مثل أجياد العذارى / يقلده من البيض الوصال
شربت به على نغم الأغاني / عقارا للقلوب بها اعتقال
هواء في الاكفّ له جمود / وتبر في الزجاج له انحلال
حللنا تحت حلته نشاوى / ومن خيم الغمام لنا ظلال
ربوع للقيان بهن رقص / وغيث للربيع به اغتسال
وغنّى العود مرتجلا علينا / وللورقاء في الورق ارتجال
وقد مالت عمائمنا لسكر / تمكن في الرؤوس له مجال
ألا يا مالكي هبني لوجه / بمثل هواه طاب الاعتزال
جفونك أيها الرشأ المفدى / حسام اللَه ليس له انفلال
وركب في هواك سروا حيارى / يميل بهم نسيمك حيث مالوا
يذكرهم حديثك يوم حزوى / فتنهتك البراقع والحجال
يرحّلهم هواك بلا اختيارٍ / وتخلع في طواك لهم نعال
أنلتك هذه روحي فخذها / وقلّ من الحياة لك النّوال
تركت بك الجدال فلذّ عيشي / ولولا الحمق لم يكن الجدال
أعينونا على كبدٍ تلظّى / عسى أن ينقع الظما الزلال
وقد طال الحديث بذكركم لي / فواطرباه إن صدق المقال
فسادي في محبتكم صلاحي / وفي عوج القسيّ لها اعتدال
ولا تنسوا تطلعنا إليكم / لكلّ مغيب شارقة مآل
وما أنسى الوداع وقد وقفنا / وجدّ بجيرة الحيّ ارتحال
وقد غفلت عيون الركب عنّا / فأنعم بالوصال لنا غزال
مضت تلك الظعون فلا التفات / إلى تلك الديار ولا انفتال
رعى اللَه الجمال فكم لديه / مواقع عثرة لا تستقال
هوى كالمزح أول ما تراه / مداعبة وآخره قتال
وما أنا والهوى لولا قدود / مهفهفة وارداف ثقال
فكم طير بنى في الجوّ بيتاً / فأسلمته إلى الشرك اغتيال
أراه وباله طمع مبيد / وغاية صاحب الطمع الوبال
نشدتك هل على الدنيا خليل / أخو ثقة تسد به الخلال
كذبت إذا ادّعيت له وجوداً / ولكن هكذا أبداً يقال
تأنّ على الأمور تنل مداها / فإن البدر أوّله هلال
ومن جدّت مطاياه فأكدت / ولكن آفة الطّلب الملال
ولا تسأل تذلّ ولو نفيساً / فإن الذلّ قائده السؤال
ولا تؤيسك قارعة ألحّت / وكيف اليأس والدنيا سجال
ألم تر كيف يتلو الليل صبح / كذاك لكلّ مقبلةٍ زوال
فإن حاولت في الدنيا صديقا / فإنك ليس تعرف ما المحال
وربّ سحابة ملئت بروقاً / وما كل السحاب له انهمال
يروم المرء بالحيل المرامي / وما يغني عن القدر احتيال
ذري إبلي تخد الأرض خدا / فعز الشهب في الفلك انتقال
فأما أن يبادرها نعيم / وأما أن يفاجئها نكال
تريدين الإقامة والتهاني / بأرض ما بها إلا الصلال
وكيف أراع من خطب عقور / سليمان الزمان له عقال
سرى بالخيل موقرة نضاراً / ومن عدد الوغى خيل ومال
يبتّ حبائل الحدثان بتّاً / كريم لا تبت له حبال
تعرّض منه للأقران بحر / تموج به الأسنة والنّصال
ويسبح في غدير من دلاص / تحوم على مشارعه النّبال
ولولا طبّه ما كان يرقا / من الملوين جرحهما العضال
ولا يالو لعمرك عن جميل / فتى بحر الجميل لديه آل
لكلّ صفات أهل المجد فضل / وأفضلها السماحة والنزل
يجدّد كل آونة رسوماً / من العلياء جدّ بها اختلال
تسهل حزنها منه علوم / بخاتمهنّ تنطبع الجبال
مواسم أنعم ومناخ فضل / وذروة حكمة لا تستطال
منازل تنزل الآمال فيها / وأفنية تحط بها الرحال
تسايره الروائح والغوادي / لينعشهن منه الانتحال
وتطلع من خلال قباه شمس / مطالعها الأبوة والجلال
لنائله من الإكسير معنىً / له بالشمس والقمر اتّصال
أقل صفاته نسب نقيّ / وأخلاق مضاربها صقال
أبا داود فزت بمأثرات / هي الأقمار والأيام هال
لو استهديت أعناق الأعادي / لا هدوها إليك وهم عجال
طعنت الطاعنين بطول باع / يقصّر دونه الاسل الطوال
حمدتك إذ ثبتّ له وفروا / ولولا القبح ما عرف الجمال
يريك الرأي صورة كلّ أمر / وفي المرآة يرتسم المثال
جررت فيالقاً لو طاولتهم / أعالي كلِّ شاهقة لطالوا
خزنتهم فكانوا حيث تهوى / وخير خزائن الدول الرجال
تجز بهم نواصي الخيل جزّاً / ويصفع للملوك بهم قذال
وكم أمر تنشق منه عَرفاً / فشبَّ وقد تعاوره اكتهال
وحسبك أنَّ رأيك فلسفيَّ / عليه فلاسف الدنيا عِيال
ضربنا منك بالقدح المُعلّى / ففازت ضربة وأجاد فال
أنالتنا يداك من المعالي / أعاليها اللّواتي لا تنال
فرغت من المثالث والمثاني / بقلب فيه للكرم اشتغال
يمر الدهر حالا بعد حال / وليس يحول من جدواك حال
ولولا أن بخلك مستحيل / لقلنا ليس في الدنيا محال
لينهك طالع لقحت سعوداً / به الدنياوكان بها محال
جمالك لم يزل للعيد عيداً / وأنت شبابه والاقتبال
ولاكملت سعودك في المراقي / فإن البدر آفته الكمال
متى توفى عهودكم وتقضى / ديونكم وقد طال المطال
أرى كرم الكريم بغير وعد / وما أقواله إلا الفِعال
فدم واسلم بعافية وخير / فإن بقاك للنوب اعتلال