متى تحضر تطب يا عذل بالا
متى تحضر تطب يا عذل بالا / وأما أن تغب عنا فلا لا
وكم واعدتنا يا عدل وصلاً / وجوناه فلم تنل الوصالا
وطالبناك بالإبحار لما / مطلت فلم تزد إلا مطالا
إلى الناس التفت يا عدل يوماً / فإن عليك للناس اتكالا
زوالك بما لا تهنأ محضروه / يكون لعز مملكة زوالا
وإن السعد حيث ظلعت يبدو / وإن الأمن حيث تميل مالا
وإنك كالصبح إذا تجلى / وأسفر عن عمود قد تلالا
وإنك قد أضأت الناس قدماً / وإنك كنت حينئذٍ هلالا
فكيف وأنت هذا العصر بدرٌ / بلغت تمام ضوئك والكمالا
تُوارى نورك المحبوبَ عنا / وتحجُب عن محبيك الجمالا
أقم للحق ديواناً عظيماً / ورخّص كي نُلمَّ به عجالى
فنقرأ في ظُلامتنا كتاباً / ونشكو في حضورٍ منك حالا
وقفت وأعيني مغرورقاتٌ / على ربعٍ لمية قد أحالا
على ريعٍ لميةَ زايلتهُ / ولم يك عَرف مية عنه زالا
أسائله فلم يُرجع جوابي / كأن الربع ما فهم السؤالا
وقفت محاذياً طللاً حكاني / بهِ وحكيت دارسه هُزالا
كاني إذ أسائله خيالٌ / يخاطب في مُعَطّلة خيالا
ذكرت به زماناً فيه ميّ / تلاعبني وتوليني الوصالا
وصالاً قد نعمت به كأني / شربت به على ظمأٍ زلالا
إلا يا ميّ حبك في فؤادي / كمثل النار يشتعل اشتعالا
أبيني كيف ليلك قر تقضى / فبعدَك ليلنا يا ميُّ طالا
أَميَّةُ نوّلينا منك قرباً / أمية ثم لا تَذَرى النوالا
ولم نك إذ منعت الوصل ندرى / ابخلاً كان ذلك أم دلالا
اذنبٌ يا رعاكِ اللَه أنا / عشقنا منك يا ميُّ الجمالا
أدر في الربع عيناً منك وانظر / إلى حال إليها الربع حالا
تولى فيه عنك العيش حلواً / فخلَّ العين تنهمل انهمالا
وما الربع الذي أخبرت عنهُ / سوى الوطن الذي ركناه مالا
وليس سوى العدالة ما هوينا / وميٌّ قد ذكرناها مثالا
إذا أمست حياة المرء عبثاً / عليه لا يطيق لها احتمالا
ولازَمهُ من الآلام داءٌ / وأصبح داؤُه داءً عضالا
وقد فرحت أعاديه شِماتاً / وفارقه أحبتهُ مَلالا
فليس سوى الحِمام له طبيبٌ / يداوي منه آلاماً توالى
فإن الموت يرحمه وينفي / خطوباً قد نزلن به ثقالا
وإن الموت ملتجأ كريمٌ / لمن ألقى بساحته الرحالا
فزرنا عاجلاً يا موت زرنا / فإن لنا بزورتك احتفالا
ويا نفس ارحلي عنا ففينا / بقاؤك لم يكن إلا ضلالا
ودوسي في طريقك كل صعبٍ / بعزمٍ تنطحين به الجبالا
فإنك إن برحت الجسم منا / سموت إلى ذرى جوّ تعالى
نَفِرُّ من الحياة إلى المنايا / لأن حياتنا أمست وَبالا
نريد من الكروب بها خلاصاً / وعن دار الهوان بها ارتحالا
وإنّ لنا إذا متنا حياةً / ننالُ إلى السماء بها انتقالا
ستخرج عن مضيق الجسم روحي / وتلقى في الفضاء لها مجالا
بقاء الروح بعد الجسم أمرٌ / بهِ اختلفوا ومن يدري المآلا
فقال البعض إن الروح تبقى / إذا انفصلت عن الجسم انفصالا
وقال البعض إن النفس تفنى / إذا لاقت قوى الجسم انحلالا
فظن بقاءَها حتما أناسٌ / وعدَّ بقاءها قومٌ مُحالا
وقد قلنا بهِ ونفاه بعض / وإن لنا مع النافي جدالا