المجموع : 3
سقاني حُبُّهُ كأْساً دِهَاقا
سقاني حُبُّهُ كأْساً دِهَاقا / فأسكَرَني وأسكَرتُ الرِفاقا
وما عِلمُ الفُؤادُ قديمَ سُكرٍ / بهِ ولكانَ يَعَلمُ لو أفاقا
هَوَى قلبٍ تملَّكَهُ رقيقاً / فواعجبا ولا يرضَى العَتاقا
إذا رقَّ الحبيبُ ودقَّ معنىً / لهُ رقَّ الهَوَى ورَقِي وراقا
جميلٌ قد صَرَفتُ جميلَ صبري / على يدهِ فأحسنَتُ الطِباقا
يَتُوقُ إليهِ قلبي وَهْوَ فيهِ / ويخشى أن يذوبَ فلا يُلاقى
طبيبٌ لا ينالُ الموتُ منهُ / دِماءَ عليلِهِ إلا اسِتراقا
ولو تَرَكَ الدواءَ لنابَ عنهُ / بأطيبَ منهُ نشْراً أو مَذَاقا
فتىً يلهو العليلُ إذا أتاهُ / بهِ عمَّا أُصِيبَ فما أطاقا
ويُوشِكُ أن يخافَ فِراقَ سُقمٍ / مخافةَ أن يذوقَ لهُ فِراقا
أقولُ اليومَ صارَ الشَّرْقُ شَرْقا
أقولُ اليومَ صارَ الشَّرْقُ شَرْقا / فشمسُ الحَقِّ حَلَّتْ منهُ أُفْقا
وإنَّ اللهَ يَصنَعُ كلَّ عَدلٍ / فَيُعطي كُلَّ عبدٍ ما استَحَقَّا
تَهلّلَ ذلكَ التَّاجُ ابتِهاجاً / فكانَ مُسَبِّحاً لو حازَ نُطْقا
وأوشكَتِ العَصا تخضَرُّ خِصباً / فتُعطينا منَ الثَّمرَاتِ رِزْقا
لَقد خَلَفَ الزَّمانُ اليومَ عَمَّنْ / مَضَى عَنَّا وأيُّ النَّاس يَبْقى
كواكبُ لا يَغيبُ البعضُ حتى / نَرَى في مُرتَقاهُ البعضَ يَرْقَى
تَقلَّدَ بالرِّعايةِ خيرُ راعٍ / رَعاياهُ بماءِ البِرِّ تُسقَى
يَسُدُّ على ضَوارِي القَفْرِ باباً / ويَفتَحُ للمَراعي الخُضْرِ طُرْقا
نَراهُ أبرَّ أهلِ اللهِ قلباً / وأحسَنَ خَلْقِهِ خَلْقاً وخُلْقا
إذا كَلَّلتَ مَفْرِقَهُ بِتاجٍ / رأيتَ جبينَه أجْلى وأنقى
تردّى بالسَّواد فقلتُ بدرٌ / ودام كمالُهُ فوجدتُ فَرْقا
وخِلْنا صدرَهُ بحراً فلما / رأينا الدُّرَّ تمَّ الشِّبْهُ طِبقا
بيمُناهُ العزيزةِ صَوْلجانٌ / يُحطّمُ هامةَ الطاغوتِ سَحْقا
لهُ طَرَفٌ بأقصَى الشام يبدو / وأخَرُ في أقاصي مِصرَ يُلقَى
أرَى الإسكَنْدريَّةَ كلَّ يومٍ / تُهنّئُ بعدَ حَسْرَتِها دِمَشقْا
تَطَهَّرَ قلبُها من كُلِّ حُزنٍ / وقد فاضَ السُرورُ عليهِ دَفْقا
أتى الكُرْسِيَّ رافِعُهُ افتِخاراً / ومالكُ أمرِهِ فَتْقاً ورَتْقا
يُعيدُ سَلامةً ويَكُفُّ حرباً / ويَهدِمُ باطِلاً ويُقيمُ حَقّا
ويُضحِكُ أُنسُهُ مَنْ كَانَ يبكي / ويُسعِدُ لُطُفُهُ مَن كانَ يَشْقَى
فيُشرِقُ منهُ بالتاريخِ صُبحٌ / يقولُ اليومَ صارَ الشَرْقُ شَرْقا
لَعمْركَ ليسَ فوقَ الأرضِ باقِ
لَعمْركَ ليسَ فوقَ الأرضِ باقِ / ولا مِمَّا قَضاهُ اللهُ واقِ
وما للمَرْءِ حظٌ غيرُ قُوتٍ / وثَوْبٍ فَوقَهُ عَقْدُ النِّطاقِ
وما للمَيْتِ إلاّ قيدُ باعٍ / ولو كانَتْ لهُ أرضُ العراقِ
وكم يمضي الفِراقُ بلا لِقاءٍ / ولكنْ لا لِقاءَ بِلا فِراقِ
أضَلُّ النَّاسِ في الدُّنيا سَبيلاً / مُحِبٌّ باتَ منها في وِثاقِ
وأخسَرُ ما يَضيعُ العُمرُ فيهِ / فَضولُ المالِ تُجمَعُ للرِّفاقِ
وأفضلُ ما اشتغَلْتَ بهِ كِتابٌ / جليلٌ نفعُهُ حُلوُ المَذاقِ
وعِشرةُ حاذقٍ فطِنٍ حكيمٍ / يُفيدُكَ من مَعانيهِ الدِّقاقِ
هُناكَ المجدُ يَنهَضُ من خُمُولٍ / بصاحبِهِ إلى أعلى الطِّباقِ
ويُنشي الذِّكرَ بينَ النَّاسِ حَتَّى / يقومَ بهِ على قَدَمٍ وساقِ
مضَى ذِكرُ الملوكِ بكُلِّ عَصرٍ / وذكر السُّوقةِ العلماءِ باقِ
وكم علمٍ جنى مالاً وجاهاً / وكم مالٍ جَنَى حربَ السِّباقِ
وما نَفعُ الدَّراهمِ مع جَهُولٍ / يُباعُ بدِرهمٍ وقتَ النَّفَاقِ
إذا حُمِلَ النُّضارُ على نياقٍ / فأيُّ الفخرِ يُحسَبُ للنِّياقِ
وأقبَحُ ما يكونُ غِنَى بخيلٍ / يَغَصُّ وماؤُهُ مِلءُ الزِّقاقِ
إذا مَلَكَتْ يداهُ الفَلسَ أمسَى / رقيقاً ليسَ يطمَعُ في العَتاقِ
ألا يا جامعَ الأموالِ هَلاّ / جَمَعْتَ لها زَماناً لاِفتِراقِ
رأيتُكَ تَطلُبُ الأَبحارَ جَهلاً / وأنتَ تكادُ تغرَقُ في السَّواقي
إذا أحرزتَ مالَ الأرضِ طُرّاً / فما لَكَ فوقَ عَيْشكَ من تَراقِ
أتأكلُ كُلَّ يومٍ ألْفَ كَبْشٍ / وتَلبَسُ ألفَ طاقٍ فوقَ طاقِ
فَضولُ المال ذاهبةٌ جُزافاً / كماءٍ صُبَّ في كأسٍ دِهاقِ
يَفيضُ سُدىً وقد يسطو عليها / فينُقِصُ مِلأها عندَ انِدفاقِ
مَضَت دُوَلُ العُلومِ الزُّهرِ قِدْماً / وقامتْ دَولةُ الصُّفرِ الرِّقاقِ
وأبرَزَتِ الخَلاعَةُ مِعصَميْها / وباتَ الجَهْلُ ممدُودَ الرِّواقِ
فأصبَحَ يَدَّعي بالسَّبقِ جَهلاً / زَعانِفُ يَعجزونَ عَنِ اللحاقِ
إذا هَلَكَتْ رِجالُ الحَيِّ أضحَى / صَبيُّ القومِ يحلِفُ بالطَّلاقِ
أسَرُّ النَّاسِ في الدُّنيا جَهولٌ / يُفَكِّرُ في اصطباحٍ واغتِباقِ
وأتعَبُهم رئيسٌ كلَّ يومٍ / يكونُ لكلِّ ملسوعٍ كراقِ
وأيسرُ كلِّ موتٍ موتُ عبدٍ / فقيرٍ زاهدٍ حَسَن السِّياقِ
فليسَ لهُ على ما فاتَ حُزنٌ / وليسَ بخائفٍ ممَّا يُلاقي