حَثثْتُ على عنيف السَّير نُوقي
حَثثْتُ على عنيف السَّير نُوقي / وقدَّمت الطَّريق على الرفيق
وقد فتق الزَّمان على فؤادي / هموماً فهي بارزة الفتوق
خرجت إلى جميل أبي جميل / إلى الرحب الفضاء من المضيق
ولولا تمره والبرّ منه / بقينا صابرين على السويق
فلو جاد النقيب لنا بسمنٍ / حَمِدْنا التمر يعجن بالدَّقيق
رأت عيناي في سفر عجيب / أعزّ لديَّ من بيض الأنوق
أخا رشد يغضّ من المعاصي / وزنديق يتوب من الفسوق
وقالوا إنَّ قدّوري تردَّى / رواء الناس كالبرّ الصدوق
فآونة يصلّي في فريقٍ / وآونة يسبّح في فريق
وأخبرني ثقات الناس عنه / بأنْ لا زال في كرب وضيق
فكاد الشوق يحملني إليه / فيستشفي مشوقٌ من مشوق
ولكنِّي كتبت له كتاباً / كما كتب الشفيق إلى الشفيق
أُعزِّره على ترك الحُميَّا / وأهديه إلى بئس الطريق
أقول له وبعض النصح غشٌّ / بما بيني وبينك من حقوق
وثوقك بالعذاب نهاك عنها / وعفو الله أولى بالوثوق
وكم لله من فرجٍ قريبٍ / وكم للعبد من سعة وضيق
أتنسى لا اقترفت الإِثم إلاَّ / كبيراً بين مزمارٍ وبوق
ليالينا الَّتي انصرمت وولَّت / حَلَتْ إلاَّ بكأس من رحيق
وكان مكاننا أنَّى سكرنا / مكان الكلب قارعة الطريق
يمرُّ بنا الشّقيُّ فنبتليه / ونزهد بالتقيّ المستفيق
وقولك للتي سكرت ونامت / فعلت بك المقابح أو تفيقي
سددت مسامع الحسناء قهراً / بمثل الجذع من نخلٍ سحوق
تخبّرني ضيوفك أين جاءَت / بأنَّك قد بعدت عن اللحوق
تنادي بالطعام بلا شراب / كما نهق الحمار على العليق
وما هذا الَّذي عوّضت عنها / وهل يُغني الحديث عن العتيق
ألم تك بالفساد كما تراني / يشقُّ عليَّ أن أعصي شقيقي
فلا طابتْ أُوَيقات لصاحٍ / رمى أُمَّ الخبائث بالعقوق
لقد كدَّرْتَ يومئذٍ صفائي / وقد أيبست بالتأنيب ريقي
وأصبح عنك راضي غير راضٍ / فلا ترْكن إلى سخط الصديق
وقد رزق السعادة بالمعاصي / بسلطنة ابن سلطان رزوقي
لقد أمسى يعضُّ على يديه / ويختار الرَّحيق على الحريق
وكم خمرٍ معتّقةٍ رآها / ففضَّلها على الخلِّ العتيق
وكانَ الدنّ لا يروي مناها / فأصبح يشمئزّ من النشوق
وكم من تائبٍ من قبل هذا / مروع من كبائره فروق
وحدّ التَّائبين اليوم عندي / اختياراً رميهم بالمنجنيق
فيا لك توبة عادت عليه / بأن يهوي سحيقاً من سحيق
رأيناهُ يُصلِّي الخَمْسَ باقٍ / بمحراب الصَّلاة على الشَّهيق
فسلَّطنا شياطين القوافي / عليه بالصّبوح وبالغَبُوق
وأغوينا في سحرٍ مبينٍ / من التبيان بالشعر الرقيق
إلى أن عاد أفسق من عَليها / وأَسرَعَ بالإِجابة من سلوقي
فما يدنو من الشيطان إلاَّ / تَمَسَّكَ منه بالحبل الوثيق
وكان بنعمةٍ لو كانَ يرعى / لها حقًّا ويوفي بالحقوق
وها هو بعدها في كلِّ حالٍ / تغيّر بالمجاز عن الحقيقي
قضى في خدمةِ النقباء عمراً / وتلك نضارة العيش الأَنيق
غريقك يا أبا سلمان فيها / وكم في بحرِ جودك من غريق
يقول رجاء من آوي إليه / لقد حنَّتْ إلى الخيرات نوقي
يؤمّل من مكارمك الأَماني / ويرقبُ منك صادقة البروق
فلا غابت شموس بني عليٍّ / وقد أَذِنَتْ علينا بالشروق
تلوحُ لنا بهم صُوَرُ المعالي / فتهدينا إلى المعنى الدَّقيق
لبابك سيِّد النُّقباء وافت / منبِّئةً علاك عن العلوق
وتكشف عندك الأَستار كشفاً / بحرّ القول عن حال الرَّقيق
تحثُّ السَّير مسرعةً تهادى / إلى علياك من فجٍّ عميق
تقوم على الرُّؤوس لهم أناس / تساويهم على قَدَمٍ وسوق