عسى أنْ لا يطولَ بكَ الوُقوفُ
عسى أنْ لا يطولَ بكَ الوُقوفُ / وأنْ يَتعجَّلَ الزمنُ الرَّسيفُ
وأنْ ينجابَ عنكَ غُبارُ بُؤسٍ / يَضيقُ به مُحيَّاك الأسيف
أقِمْ كتِفَيْكَ لا يُثْقِلْكَ ذُلْ / ولا يشمَتْ بكَ القَصْرُ المُنيف
ولا يَقُلِ السَّريُّ هنا شقيٌّ / يَضيقُ بذُلِّ وَقْفَته الوصيف
تقدَّمْ إنَّ خلفَكَ راسفاتٍ / جماهيراً يضِجُّ بها الرَّصيف
صُفوفاً للسُجونِ بها تُعَبَّا / إذا أزِفَتْ وتنتَظِمُ الصُفوف
وأجنِحةً وإن طُويَتْ ففيها / على الأجيالِ قادِمةً رفيف
أطِلْ مُكثاً فانَّكَ عن قريبٍ / ستَنْقُّصُ في الضَّحايا أو تُضيف
وطُفْ دَهْراً فقد كرَّتْ دهورٌ / على الدُّنيا وأحرارٌ تطوف
ولم يَبْرَحْ بحيثُ نزلتَ ضيفاً / يُنيخُ الرَّحْلَ حُرٌّ مستضيف
هُنا الرأيُ العنيدُ أقامَ سَدّاً / عليه البغيُ – والفِكرُ الحصيف
ولا تخجَلْ فحيثُ وقفتَ ظلَّتْ / إلى غاياتِها تقفُ الأُلوف
ومِنْ حيثُ احتُجزِتَ مشى طليقاً / يَهُّزُّ الكونَ جبارٌ عَصوف
وأولاْءِ الذينَ لهمْ وجوهٌ / تُحَبِّبُ أو تُعَطِّفُ أو تخيف
وأجفانٌ ترِفُّ على عُيونٍ / تغورُ كما تَغوَّرَتِ الكهوف
وأسمالٌ لهمْ منها فِراشٌ / يُلَمُّ بها الثَّرى ولَهُمْ شُفوف
همُ المتقّحِمون الدَّهْرَ بأساً / به مِن وقعِ أرجُلِهمْ وجيف
فلا يُخذَلْ بمظهرِكَ الأليفُ / ولا يَطْمَعْ بِرُفقتكَ " العريف "
أطِلْ مكثاً فسوفَ يُزاحُ ليلٌ / تَلُفّكَ منه والدُّنيا سُجوف
ومِنْ هذي الكُوى سيُطِلُّ فجرٌ / ضَحوكٌ يملأ الدُّنيا كَشوف
ولم تَزَلِ الدُّنى من ألفِ ألفٍ / يُصرِّفُ من أعنَّتها " الرَّغيف "
تمرَّغَتِ الخدودُ مُصَعَّراتٍ / به واستُرْغِمتْ منها الأنوف
وظلَّ ابنُ " المطاحِنِ " مشمَخِراً / عليه الهامُ من فَزعٍ عُكوف
يدورُ الفِكرُ جباراً عنيداً / بحيثُ يدورُ والقلَمُ الرَّهيف
يُقِضُّ مضاجعَ الباغينَ منه / لكلِّ منامةٍ طيفٌ يطوف
وأني عرَّسوا أسرى إليهم / يُطيلُ عذابَهمْ وجهٌ مُخيف
تَخافُ شُذاةَ غَضبَتهِ أُلوفٌ / وتستجدي مودَّتهُ ألوف
وتُستاقَ الجيوشُ مُسَخَّراتٍ / لها من خوفِ زحفتهِ زُحوف
وكم جرَتِ الدّماءُ لها هَديرٌ / على حبَّاتِه وبها نزيف
وكم ألوى بها هذا النَّحيفُ / وهذا المستبِدُّ بنا العنيف
سَلِ التأريخَ كم زخَرَتْ شُجونٌ / بدفَّته وكمْ شُحِنَتْ حُتوف
وكم غادى ربيعَ الفكرِ فيه / من النَّزَّعاتِ عابرةً خريف
وكمْ ألقى على حيٍّ نزيلٍ / غُبارَ كِفاحهِ حيُّ خَلوف
وهلْ بالرَّغْمِ من هذا وهذا / تأبَّتْ منه دانيةً قُطوف
وهلْ دهرٌ أتى لمْ يَسْرِ فيه / يفيء ظِلالَهُ فِكرٌ وَريف
ولمْ تسحَبْ به الخطَرات ذيلاً / له في مسمعِ الدُّنيا حَفيف
أطِلْ مكثْاً إلى يومٍ تُوقّي / به كفَّيكَ أو تُلوى كُفوف
ودَعْ رُسْغَيهِما للقَيدِ نَهباً / لِنابَيه بلحمهِما صَريف
فمِنْ تأريخِكَ الألِقِ المدَّمى / تَبينُ بهذه النُقَطِ الحُروف
ومُلْكُ الدَّهرِ أنتَ بما توفّي / من الألمِ الذبيحِ وما تُعيف
ولَسْتَ مُخَّيراً في زمهريرٍ / تُشَتَي أو بجاحمةٍ تَصيف
ولا في أنْ يِمِسَّ ذويكَ ضُرٌّ / يَحيقُ بهمْ ومَظْلَمةٌ تَحيف
ولا آيِّ المصايرِ يحتويهمْ / وأيِّ نوىً تعاوَرهُمْ قَذوف
ولا أيِّ الجنينِ تُدِرُّ أمٌّ / رَءومٌ في مراضِعها رَءوف
ولا أيِّ الأكُفِّ بها تهاوى / ولا أيِّ السُمومِ لها تَديف
أطِل مكثاً فلمْ يَبْرَحْ أنيقٌ / رَشيقٌ في تأطّرهِ ظريف
يَتيهُ بحيثُ تَلتحِمُ الرَّزايا / عليكَ بحيثُ تَلْتَحِمُ السُقوف
مَشى فتعجَّبَ " الطاووسُ " منه / فقد ألوى بِمشيتهِ الزَّفيف
كأنْ لم تَضوِ إخوتَهُ سِياطٌ / ولمْ تَتحَدَّ أهلَهمُ الصُروف
بلى : وكأنَّ بُؤْسَهُمُ تليداً / له ولأهلهِ مَجْدٌ طَريف
أطِلْ مكثْاً إلى يومٍ تَلاقى / عليكَ بساحةِ الألمِ الصُفوف
أطِلْ مكثاً : وفاخِرْ أنْ خصماً / عَسوفاً خَصْمُهُ بغيٌ عسوف
ونَصِّبْ مِنْ جبينكَ فاللَّيالي / تُحاولُ ان تُخَوِّفَ مَنْ يُخيف
عسى أنْ لا يطولَ بكَ الوقوفُ / ومهما طالَ فالدُّنيا ظُروف