أَجَدَّ الصَبرُ بَعدَكُمُ اِمتِناعا
أَجَدَّ الصَبرُ بَعدَكُمُ اِمتِناعا / وَجَدَّ الوَصلُ نَأياً وَاِنقِطاعا
قَضى صَرفُ الزِمانِ لَنا اِفتِراقاً / فَهَل يَقضي الزَمانُ لَنا اِجتِماعا
يَحِنُّ إِلى رِباعِكُمُ فُؤادِي / فَلا بَعُدَت رِباعُكُمُ رِباعا
وَيَلمَعُ بارِقُها وَاللَيلُ داجٍ / كَما عايَنتَ في اليَمِّ الشُعاعا
سَرى طَيفُ الكَرى يَجتابُ فَرداً / مَهالِكَ تُرهِبُ البَطَلَ الشُجاعا
إِلى رَكبٍ تَهُزُّهُمُ النَواجي / كَما هَزَّت صَبا الرِيحِ اليَراعا
إِذا ما هَوَّمُوا وَضَعوا أَكُفّاً / عَلى الأَسرارِ خَوفاً أَن تُذاعا
رَجُوا حَلَبَ الغَمامِ فَقُلتُ إِنّي / أَرى حَلَباً أَدَرَّ لَنا اِنتِفاعا
إِذا زُرنا ابنَ فَخرِ الدِينِ بِتنا / رِواءً في مَكارِمِهِ شِباعا
فَتىً جَعَلَ البِلادَ مِنَ العَطايا / فَأَعطى المُدنَ وَاحتَقَرَ الضِياعا
سَمِعنا بِالكِرامِ وَقَد أَرانا / عِياناً ضِعفَ ما وَصَفُوا سَماعا
إِذا حَمَّلتَهُ نُوَبَ اللَيالي / تَحَمَّلَها وَناءَ بِها اِضطِلاعا
يَرى بِالظَنِّ ما في الغَيبِ حَتّى / كَأَنَّ لَهُ عَلى الغَيبِ اِطِّلاعا
إِذا شَهِدَ الوَغا تَرَكَ العَوالي / تَمُجُّ كَعُوبُها العَلَقَ المُتاعا
سَلِ الجَمعَينِ جَمعَ بَني نُمَيرٍ / وَمَن سَكَنَ المُدَيبِر وَالفَراعا
غَداةَ أَتوا يَهُزّونَ المَواضِي / إِلَينا وَالمُطَهَّمَةَ السِراعا
بِصَحراءِ الفُراتِ وَقَد تَوالَت / تَوالي الكُدرِ تَبتَدِرُ القِراعا
أَرَدَّ جُمُوعَهُم إِلّا ثِمالٌ / وَقَد مَلَأَت جُمُوعُهُمُ الوَساعا
بِضَربٍ يَصبِغُ الأَمواجَ حُمراً / وَيَحمي دَرَّ مَن صَدَقَ المِصاعا
رَماهُم بِالسَلاهِبِ مُقرَباتٍ / يُزَلزِلنَ الأَباطِحَ وَالتِلاعا
وَحَجَّبنَ السَنا بِالنَقعِ حَتّى / كَأَنَّ الشَمسَ لابِسَةٌ قِناعا
فَحِينَ تَأَمَّلُوا خَبَبَ المَذاكي / أَطارَ الخَوفُ أَنفُسَهُم شعاعا
وَسائِل عَنهُ في حَلَبٍ أُلوُفا / أَبَت أَسوارُهُم إِلّا اِمتِناعا
نَهاهُم عَن مَمالِكِهِ اِقتِساراً / وَقَد مَلَكُوا المَعاقِلَ وَالقِلاعا
وَحَطَّهُمُ وَقَد كَرِهُوا المَنايا / وَما كانُوا الظِماءَ وَلا الجِياعا
وَأَحسَنَ بِالمُسيءِ وَكَفَّ عَمّا / تَبِيتُ النَفسُ تَتَبَعُهُ اتِّباعا
وَخَلّى المالَ قَد أَوهى المَطايا / وَلَم يَعصِ الإِمامَ وَقَد أَطاعا
وَأَطلَقَ جَعفَراً وَبَني أَبيهِ / وَقَلَّدَهُم جَميلاً وَاِصطِناعا
وَمَنَّ عَلى بَني الجَراحِ جَمعاً / وَلَم تَكُ مِنَّةً ذَهَبَت ضَياعا
وَرَدَّ المُلكَ حَتّى ما رَأَينا / لَمُلكٍ غَيرِ ذا المُلكِ اِرتِجاعا
وَأَمَّنَ خَوفَنا حَتّى أَمِنّا / بِكَثرَةِ ما يُراعي أَن نُراعا
وَسَنَّ العَدلَ في حَلَبٍ فَأَخلَت / بِحُسنِ العَدلِ بُقعَتُها البِقاعا
حَليمٌ عَن جَرائِمِنا إِلَيهِ / وَحَتّى عَن ثَنِيَّتِهِ اِنقِلاعا
إِذا فَعَلَ الكَريمُ بِلا قِياسٍ / فِعالاً كانَ ما فَعَلَ اِبتِداعا
مَكارِمُ ما اِقتَدى فيها بِخَلقٍ / وَلَكِن رُكِّبَت فيهِ طِباعا
فَيالَلَّهِ أَنتَ كَريمُ قَومٍ / بِسَيفِكَ أَدرَكُوا الرُتَبَ الرِفاعا
عَلَوتَ إِلى السَماءِ بِكُلِّ فَضلٍ / فَكادَ الجَوُّ يُخفيكَ اِرتِفاعا
وَأَحيَيتَ النَدى وَالجُودَ حَتّى / حَسِبنا أَنَّ بَينَكُما رِضاعا
إِذا مَدَّت بُغاةُ المَجدِ يَدّاً / إِلى طَلَبِ العَلاءِ مَدَدتَ باعا
أَطَعتَ اللَهَ مُنذُ خُلِقتَ حَتّى / غَدَوتَ بِأَمرِهِ المَلِكَ المُطاعا
إِذا طَلَبَ العِدى لَكُمُ اِنحِطاطاً / أَبَت راحاتُكُم إِلّا اِرتِفاعا
غَدَوتُم عَن مَكارِهِنا بِطاءً / وَفيما سَرَّنا مِنكُم سِراعا
إِذا ضاقَت مُلِمّاتُ اللَيالي / أَبَت أَخلاقُكُم إِلّا اِتِّساعا
فَدَت رُوحي فَتىً ما ضاقَ ذَرعاً / بِنائِبَةٍ تَنوبُ وَلا ذِراعا
مَدَحتُ فَما أَضَعتُ المَدحَ فيهِ / وأَولاني الجَميلَ فَما أَضاعا
فَلَو داسَ التُرابَ بِأَخمَصَيهِ / وَجَدتُ لِناظِرَيَّ بِهِ اِنتِفاعا
كَلاكَ اللَهُ مِن نُوَبِ اللَيالي / فَإِنَّكَ تَكَلأُ الأَدَبَ المُضاعا
وَتَكسُو المَدحَ وَالمُداحَ فَخراً / إِذا أَصغَيتَ لِلمَدحِ اِستِماعا