بدت كالشمسَ يحضُنها الغروب
بدت كالشمسَ يحضُنها الغروب / فتاةٌ راع نَضْرتها الشُحوب
منزّهة عن الفحشاء خَوْد / من الخَفِرات آنسة عَروب
نَوار تستجِدّ بها المعالي / وتَبلى دون عفتها العيوب
صفا ماء الشباب بوجنتيها / فحامت حول رَوْنقه القلوب
ولكنّ الشوائب أدركتْه / فعاد وصفْوُه كَدِر مَشوب
ذوي منها الجمال الغَضّ وجداً / وكاد يَجِف ناعمه الرطيب
أصابت من شبيبتها الليالي / ولم يُدرك ذؤابتها المشيب
وقد خلَب العقول لها جبين / تلوح على أسرّته النُكوب
ألا أن الجمال إذا علاه / نقاب الحزن منظره عجيب
حليلة طيّب الأعراق زالت / به عنها وعنه بها الكروب
رعى ورعت فلم تر قطّ منه / ولم ير قط منها ما يَريب
تَوَثَّق حبل وُدّهما حضوراً / ولم يَنْكث توثّقه المغيب
فغاضب زوجَها الخلطاءُ يوماً / بأمر للخلاف به نُشوب
فأقسم بالطلاق لهم يميناً / وتلك ألِيَّةٌ خطأ وحوب
وطلّقها على جهل ثلاثاً / كذلك يجهل الرجل الغَضوب
وأفتى بالطلاق طلاق بَتٍّ / ذوو فتياً تعصّبهم عصيب
فبانت عنه لم تأت الدنايا / ولم يَعْلَقْ بها الذام المَعيب
فظلّت وهي باكية تنادي / بصوت منه ترتجف القلوب
لماذا يا نجيب صَرَمت حبلي / وهل أذنبت عندك يا نجيب
وما لك قد جفَوت جفاء قالٍ / وصرت إذا دعوتُّك لا تجيب
أبِن ذنبي إليَّ فدتك نفسي / فإني عنه بعدئذ أتوب
أما عاهدتني باللّه أن لا / يفرّق بيننا إلاّ شَعوب
لئن فارقتني وصددت عني / فقلبي لا يفارقه الوَجيب
وما أدماء ترتع حول رَوض / ويرتع خلفها رشأٌ ربيب
فما لفتت إليه الجِيد حتى / تَخَطّفه بآزمتَيْه ذيب
فراحت من تحرُّقها عليه / بداء ما لها فيه طبيب
تشُمّ الأرض تطلُب منه ريحاً / وتَنْحَب والبُغام هو النحيب
وتَمْزَع في الفلاة لغير وجهٍ / وآونةً لمَصْرَعه تؤوب
بأجزع من فؤادي يوم قالوا / برغم منك فارقك الحبيب
فأطرق رأسَه خجلاً وأغضى / وقال ودمع عينيه سَكوب
نجيبة أقصري عنّي فإني / كفاني من لظى الندم اللهيب
وما واللّه هجرك بإختياري / ولكن هكذا جرت الخطوب
فليس يزول حبّك من فؤادي / وليس العيشُ دونك لي يَطيب
ولا أسلو هواك وكيف أسلو / هوىً كالروح فيّ له دبيب
سلي عنيّ الكواكب وهي تسري / بجنح الليل تطلُع أو تغيب
فكم غالبتها بهواك سُهداً / ونجم القطب مُطّلع رقيب
خذي من نور رنْتَجْنٍ شعاعا / به للعين تنكشف الغيوب
وألْقِيه بصدريَ وأنظريني / ترىْ قلبي الجريح به ندوب
وما المكبول ألقيَ في خِضَمّ / به الأمواج تصعد أو تَصوب
فراح يغُطّه التيار غطّاً / إلى أن تمّ فيه له الرسوب
بأهلَكَ يا ابنة الأمجاد منّي / إذا أنا لم يعُد بكِ لي نصيب
ألا قل في الطلاق لمُوقِعِيه / بما في الشرع ليس له وجوب
غَلَوتم في ديانتكم غُلُوّاً / يَضيق ببعضه الشرع الرحيب
أراد اللّه تَيْسيراً وأنتم / من التعسير عندكم ضُروب
وقد حلّت بامتكم كُروب / لكم فيهنّ لا لَهم الذنوب
وهَي حبل الزواج ورقّ حتى / يكاد إذا نفختَ به يذوب
كخيط من لعاب الشمس أدلت / به في الجوّ هاجرةٌ حَلوب
يمزّقه من الأفواه نفثٌ / ويقطعه من النَسَم الهُبوب
فدى ابنَ القَيم الفقهاءُ كم قد / دعاهم للصواب فلم يُجيبوا
ففي أعلامه للناس رُشد / ومُزْدَجَر لمن هو مستريب
نحا فيما أتاه طريق علم / نحاها شيخه الحبر الأريب
وبيّن حكم دين اللّه لكن / من الغالين لم تعه القلوب
لعلّ اللّه يُحدث بعدُ أمراً / لنا فيَخيبَ منهم منَ يخيب