أَلا إِنّي وَهبتُ اليومَ نفسي
أَلا إِنّي وَهبتُ اليومَ نفسي / لمن هو في المودّةِ مثلُ نفسي
وَمَن لَولاه لاِستَوْبأتُ وِرْدِي / وَلاِستَخشَنتُ مَسِّي عند لَمْسِي
فَتىً ناط الإلهُ به فروعي / ولفَّ بأصلِهِ أصلي وجنسي
أصولُ بهِ على كَلَبِ الأعادي / وآوي منهُ في هَضَباتِ قُدْسِ
وَضوءُ جَبينهِ لَيلاً وصُبحاً / إِذا قابلتُهُ بدري وشمسِي
فَقُل لِلزينبيّ مقالَ خِلٍّ / صريحِ الوُدِّ لم يُلْبَسْ بلَبْسِ
أتذكرُ إِذْ هبطنا ذاتَ عِرْقٍ / ونحن معاً على أقتادِ عَنْسِ
على هوجاءَ يُخرجها التَّنَزِّي / أمامَ اليَعْملاتِ بغير حِلْسِ
وَإِذْ سالتْ إِلينا من هُذَيلٍ / شعابُ الواديين بغير بَخْسِ
رِجالٌ لا يُبالونَ المَنايا / تُصبّحهمْ نهاراً أو تُمَسِّي
بألسِنَةٍ خُلقن لغير ذوقٍ / وأفواهٍ شُققن لغير نَهْسِ
يُشيعون الطعامَ النَّزْرَ فيهمْ / إذا ما الزّادُ أمكن كلَّ حَرْسِ
كأنَهُمُ على الحَرّاتِ منها / وقد طلعوا عليك بغير لُبْسِ
نَفَيْتَهُمُ وقد دَلَفوا إلينا / بزوراءِ المناكبِ ذاتِ عَجْسِ
كأنّ حنينَها للنّزعِ فيها / حنينُ مُسنَّةٍ فُجِعَتْ بخَمْسِ
ولمّا أنْ لَقوا منّا جميعاً / شفاءَ الهمَّ في ضربٍ ودَعْسِ
علَوْا قُلَلاً لكلِّ أشمّ طَوْدٍ / على طُرُقٍ منَ الآثار طُمْسِ
كَأنَّ غروبَ قَرْنِ الشَمسِ يَطْلِي / ذوائبَه وأعلاهُ بوَرْسِ
فِداؤك أيّها المحتلُّ قلبي / حياةُ مُرَوَّعِ الأحشاء نُكسِ
يُعَرِّدُ قبلَ بارقَةِ المَنايا / وَيتَّخذُ الهَزيمة شرَّ تُرْسِ
فَكَم شاهدتُ قَبلك من رجالٍ / ودِدْتُ لأجلهمْ ما كان حِسّي
حَدَستُ بِأَنّ عقْدَهُمُ ضعيفٌ / وكانوا في الرّكاكةِ فوقَ حَدْسي
بأَجلادٍ من التَّتْريفِ بيضِ / وأعراضٍ من التَّقْريف غُبْسِ
كأنّ مَقامَ جارِهِمُ عليهمْ / مقامُ مؤمّلٍ لرجوع أمسِ
ينادي منهُمُ مَن صمَّ عنه / كما رجعتْ تُندِّبُ أهلُ رَمْسِ
ولمّا أنْ نزلتُ بهمْ قَرَوْنِي / جِفانَ خديعةٍ وكؤوسَ ألْسِ
وعدتُ وليس في كفَّيَّ لمّا / شريتهُمُ سوى وَكسي ونَحْسي
يُسوِّمُها مسوِّقُها الرَّكايا / وفي الأحشاء حاجٌ ليس يُنسي
يُشاطرك الهمومَ إذا ألمّتْ / ويُوسعك التقيُّلَ والتأسِّي
وغُصنُك من مودّتِهِ وَرِيقٌ / وغرسُك في ثراهُ خيرُ غَرْسِ
وَقاني اللّهُ ما أَخشاه فيمنْ / به من بين هذا الخلق أُنْسِي
وَنكّبَ فيه عَن قَلبي الرّزايا / فأُصبِحُ آمناً أبداً وأُمسِي