المجموع : 3
أعنْ أرضِ الغميمِ لمحتُ نارا
أعنْ أرضِ الغميمِ لمحتُ نارا / بدتْ وهناً فهمتُ بها ادَّكارا
ذكرتُ بها المباسمَ وهي تُهدي / الى قلبي مع القُبَلِ الشَّرارا
زماناً كنتُ أهوى فيه لمّا / تبدَّتْ كالمهاةِ لنا نَوارا
رأيتُ البدرَ يحمِلُهُ قضيبٌ / وليلَ الشَّعْرِ قد أبدَى النهارا
فلما حالَ عهدُ الودَّ منهما / وأمستْ تمنعُ الكَلِفَ المزارا
تَحَدَّرَ دمعُه كَلَفاً ووجداً / وقد ضنَّتْ عليه بأنْ يُزارا
فيا للهِ مِن دمعٍ غزيرٍ / يُخَجَّلُ فيضُه السُّحُبَ الغِزارا
اِذا ما غاضَ دمعٌ فاضَ دمعٌ / يَسُحُّ على مرابِعها انهمارا
لقد أبقتْ بقلبي يومَ بانتْ / وحُمَّلَ حيُّها سَحَراً فسارا
ندوباً كيفما أبدتْ لِعيني / مودَّعةً اشارتُها السَّوارا
ولكنْ هذه شِيَمُ الغواي / طَوالَ الدهرِ لم يحفظنَ جارا
كأنَّ رعايةَ الميثاقِ ممّا / يُحَمَّلُهُنَّ بينَ الناسِ عارا
اِذا ما رمتُ طيبَ الاِلفِ منها / يَزيدُ نفارُها منَي نِفارا
كأنّي ما كشفتُ وقد أتتني / تَثنَّى عن محاسِنها الخِمارا
أتنسى حينَ زارتْني مساءً / تلوثُ على معاطِفها الاِزارا
تباعدْنا فَصَدَّتْ بعد وصلٍ / ألا حيَّ الوِصالَ المستعارا
اِذا ما طالَ بالحسناءِ عهدي / أعادتْ ذلك الودَّ ازورارا
لقد غدرتْ بمَنْ لم ينوِ غدراً / ولم يَذُقِ الكرى إلا غِرارا
اِذا آنستُ مِن أعلامِ رضوَى / بريقاً في مطالعِه أنارا
تعرَّضَ فوقَهنَّ فطارَ قلبي / اليه وقد تألَّقَ واستطارا
فبِتُّ كأنَّني منه نزيفٌ / أُعاطَى في معادِنها العُقارا
ذكرتُ بها الهوى العذرىَّ لمّا / تعلَّقْتُ الكواعبَ والعَذارى
وما في الناسِ أشقى مِن مُحِبًّ / تكلَّفَ عن أحبتِه اصطبارا
فشرطُ الوجد أن يبكي نجيعاً / على النأي الأحبَّةَ والديارا
فقد ملأَ الحنينُ عِراصَ قلبي / غداةَ تَغدَتْ ديارُهمُ قِفارا
أكفكِفُ أدمعي فيها مِراراً / مِنَ الواشي وأُطلِقُها مِرارا
وقد أحدثتَ لي يا بينُ شوقاً / الى الأحبابِ يمنعُني القرارا
أُسكَّنُ بالدموعِ لهيبَ نارٍ / أبتْ بعدَ النوى إلا استعارا
اِذا لم أبكِ مَنْ قد بانَ عنها / رَواحاً بالمدامعِ وابتِكارا
وأياماً بكاظمةٍ تولَّتْ / حميداتٍ سَعِدْتُ بها قِصارا
فلا حملتنيَ الجُرْدُ المذاكي / يُثيرُ طِرادُها النقعَ المثارا
أَشُنُّ بها وقد علمَ الأعادي / بأنّي سوفَ أطرُقُهمْ مُغارا
هل بعدَ وصالِكَ مِن وَطَرِ
هل بعدَ وصالِكَ مِن وَطَرِ / أم بعدَ فراقِكَ مِنْ حَذَرِ
كانا سبباً للدمعِ عَقَي / بَ نوى الأحبابِ وللسَّهرِ
يا صبرُ سرى الخُلاّنُ فكنْ / مِن بعدِ البينِ على الأثرِ
دمعي في الربعِ وقد بانوا / يَغني الأطلالَ عنِ المطرِ
والبرقُ لقيتُ شرارتَه / من نارِ غراميَ بالشَّرَرِ
والليلُ أراهُ ولا يُفضي / مِن فرطِ الشوقِ إلى سَحَرِ
قد كنتُ أنامُ ولي طرفٌ / ما كان تعرَّضَ للخطرِ
واليوَمِ أذودُ كرى العينينِ / لأجلِ نواكَ عنِ البصرِ
يا بدرَ دجًى لم يبدُ لنا / اِلاّ وغَنِيتُ عنِ القمرِ
وقضيباً ماسَ وما الأوراقُ / ترفُّ عليه سوى الشَّعَرِ
ما كنتُ بوصلكَ مقتنعاً / فقنِعتُ لبعدِكَ بالخَبرِ
علِّقتُكَ غِرّاً والأهواء / فبدأُها عَبَثُ الغَرَرِ
ومصيرُ دمِ العشاقِ متى / طُلَّتْ في الحبِّ إلى الهَدَرِ
عندي شكوًى لنواكَ / يَرِقُّ لشكواها قلبُ الحَجَرِ
وبليتُ بوخزِ هوًى قَصُرتْ / عنه في القلبِ شبا الاِبَرِ
كم بتُّ أؤمِّلُ في النسماتِ / عبيَر تأرُّجِكَ العَطِرِ
واِذا الأوطانُ خلتْ ودِّعْ / ما كنتَ تؤمِّلُ مِن وَطَرِ
ومُعَنَّى باتَ وقد قَدَحَتْ / في أضلُعِهِ نارُ الفِكَرِ
يهوى أغصانَ قدودِ / الهِيفِ وما فيهنِّ مِنَ الأطَرِ
ووجوهُ الغيدِ يُكلِّلَها / عَرَقُ كالدُّرِّ مِنَ الخَفَرِ
يا لوعةَ ساعِة بينهمُ / قد حَقَّ البعدُ فلا تَذَري
في الصدرِ غليلُ هوًى ما فا / زَ بورِدِ الوصلِ ولا الصَّدَرِ
فعلامَ هجرتَ أمِنْ شَيْبٍ / جلبتْهُ اليَّ يدُ الفِكَرِ
أم مِن واشٍ أجرى العبَراتِ / رماينُهُ لي بالقِصَرِ
مِنْ عاشَ رأى طولَ الأيا / م وقد أدَّتْهُ إلى الغِيَرِ
وبُريقٍ باتَ يُؤرِّقني / فَعَقَدْتُ بلمعتِهِ نَظَري
وحكيتُ تسعُّرَهُ في الجوِّ / مِنَ الأشواقِ بِمُسْتَعِرِ
وصبرتُ على مَضَضِ التسهيد / وطعمُ الصَّبْرِ فكالصَّبِرِ
يا قلبُ وكم لكَ مِن عُلقٍ / بالحُورِ قديماً والحَوَرِ
نزعتْ بكَ نحوهمُ حُرَقٌ / أجِّجْنَ بنارٍ مِنِ ذِكرٍ
فِالامَ تَعَلَّلُ دون السُّمْرِ / وقد هجروكَ وبالسَّمَرِ
وإِلامَ وقوفُكَ في دِمَنٍ / للبينِ بوالٍ كالسُّطُرِ
نظمَ الشعراءُ وما بَقَّوا / فخراً في القولِ لِمُفْتَخِرِ
وَشَّوا زهرَ الأشعارِ فقد / كَرَبتْ تختالُ على الزُّهُرِ
ونظمتُ فجئتُ بما أَربى / حسناً وأنافَ على الدُّرَرِ
كَلِمٌ كالروضِ أوشيهنّ / بلا عي وبلا حَصَرِ
تُلهي النَّدمانَ إذا ما فاه / به الركبانُ عنِ السُّكُرِ
رامُوا ورميتُ فكم قوسٍ / لهمُ في الشِّعرِ بلا وَتَر
ولئن عجزوا فقلد حَرَصُوا / ما الحِرصُ مُناطٌ بالظَّفَرِ
سلبوا الأعرابَ كلامَهمُ / وتعاورَهمْ عَجْزُ الحَصَرِ
وتتايهَ أكثرُهمْ حُمْقاً / بالشِّعرِ على أهلِ الوبَرِ
جَهِلوا الأشياءَ ولم أجهلْ / نقصَ التحجيلِ عنِ الغُرَرِ
فازَ القدماءُ بفضلِ السبقِ / وأين الصفوُ مِنَ الكَدَرِ
يُؤرَّقُني حنينٌ وادكارُ
يُؤرَّقُني حنينٌ وادكارُ / وقد خلتِ المرابعُ والديارُ
تناءى الظاعنونَ ولي فؤادٌ / يسيرُ مع الهوادجِ حيث ساروا
حنينٌ مثلَما شاءَ التنائي / وشوقٌ كلَّما بَعُدَ المزارُ
وليلٌ بعدَ بينهمُ طويلٌ / فأين مضتْ لياليَّ القِصارُ
ومذ حكمَ السهادُ على جفوني / تساوى الليلُ عندي والنهارُ
فمَنْ ذا يستعيرُ لنا عيوناً / تنامُ ومَنْ رأى عيناً تعارُ
سهادي بعدَ نأيهمُ كثيرٌ / ونومي بعدما رحلوا غِرارُ
فكيف أرومُ بعدهمُ اصطباراً / وقد عُدِمَ التصبرُ بالقرارُ
فلا ليلي له صبحٌ منيرٌ / ولا وجدي يُقالُ له عِثارُ
وكم من قائلٍ والحيُّ غادٍ / يُحَجِّبُ طعنَهُ النفعُ المثارُ
وقوفُكَ في الديارِ وأنتَ حيٌّ / وقد بَعُدَ الخليطُ عليكَ عارُ
ولمّا لاحَ برقُ الكأسِ ليلاً / ومِن سُدَفِ الظلامِ له صِدارُ
وقد جُلِيَتْ عروسُ الراحِ فيه / بليلٍ والنجومُ لها نِثارُ
وأعملَتِ الكؤوسُ فقالَ قومٌ / بدا لالأؤها لهم فحاروا
أخمرُ في الزجاجِ تدارُ وَهْناً / على النُّدماءِ أم في الكأْس نارُ
مُدامٌ نستطيرُ بها سروراً / متى طَفِقَتْ زجاجتُها تدارُ
عُقارٌ مثلُ ذوبِ التبرِ صرفٌ / يهانُ لعزِّ نشوتِها العِقارُ
اِذا برزتْ تَرقرَقُ في الأواني / خشينا أن يطيرَ لها شرارُ
لها حَبَبٌ علاها مِن لُجينٍ / وتحت شِباكهِ منها نُضارُ
كأنَّ لطائماً في الشَّرْبِ باتتْ / تُذبِّحُ فارَهُنَّ لنا التِّجارُ
فباكِرْها على زَهَراتِ روضٍ / يُغَنِّي في جوانبهِ الهَزارُ
فأيامُ الشبيبةِ والتصابي / على الانسانِ ثوبٌ مستعارُ
سقى أهلَ العقيقِ واِنْ تناءوا / دموعي فَهْيَ بعدَهمُ غِزارُ
واِنْ بَخِلَتْ غوادي السُّحبِ يوماً / فسحبُ الدمعِ مُثْقَلَةٌ عِثارُ
واِنْ نصبَ القِطارُ فِانَّ دمعي / له في كلِّ ناحيةٍ قِطارُ
وربَّ هلالِ ليلٍ بتُّ وهناً / أسايرُه كما انعطفَ السِّوارُ
على هوجاءَ ناحلةٍ برتني / وِايّاها المهامِهُ والقفارُ
لها في كلِّ مُضطرَبٍ ذميلٌ / ولي في كلِّ داجيةٍ منارُ
أُعلِّلهُا إذا لغبتْ بشعرٍ / عليه للهوى أبداً شِعارُ
قريضٌ ما تدفَّقَ بحرُ فكرى / به إلا تضاءلتِ البحارُ
اِذا أنشدتُه خفَّتْ حلومٌ / يُرجِّحُها السكينةُ والوقَارُ
يُذَرِّبُهُ كما أهوى لسانٌ / تُسَنُّ على مضاريهِ الشِّفارُ
له نسبٌ إلى العَرَبِ البوادي / يُصدِّقُه اختبارٌ واختيارُ
يفوحُ الشيحُ منه كلَّ وقتٍ / ويَنفَحُ مِن جوانبهِ العَرارُ
ففكري تقصرُ الأفكارُ عنه / وشِعري لايُشَقُّ له غبارُ