عَسَى يَجْري الزمانُ على اخْتِياري
عَسَى يَجْري الزمانُ على اخْتِياري / فيُدْنِينى إلى وَطني ودارِي
فأدفعَ عادياتِ الشوقِ عني / وآخذَ من صُروف البَيْن ثاري
وأَمْرَح في ميادين التَّصابي / وأخلع في مَلاعبِها عِذاري
وقد نشر الربيعُ على الرَّوابي / ملابسَ رَقْمِ أَنْداءِ القِطار
ورَنَّة زامرِ الدُّولاب فيها / تُوافق طيبَ ألحانِ القَمارِي
وفاض خَليجُها والريحُ تُنشِى / دُروعا هنَّ من زَرَد صِغار
وقد بثَّ النسيمُ بخورَ عطرٍ / يُصعِّد طِيبه من غير نار
وقد حَبَك الربيعُ لساحليه / فَراوِزَ في حَواشٍ باخْضِرار
مُرصَّعةَ الزمردِ باللآلى / مُفصَّلة الجَواهر بالنُّضار
جِنانُ الخيرِ فالنَّورُ فيها / لفَرْط الضيقِ كالشُّهْب الدَّراري
سَماواتٌ من الأوراق فيها / شموسٌ من بدورٍ في ثمارِ
وتُرْبٍ فيه من بِرَكٍ بقارٍ / سُبِكْنَ فسِلْنَ قُضْبا في المَجاري
فكم ثغرٌ بذاك الثغرِ عَذْبٌ / كطعم الشّهد في أَرَج العُقار
سكرت به هَوىً ونَوىً وصَدّا / فها أنا في التذكُّر في خُمار
ولكنْ سدَّ همُّ الشيبِ قلبي / فضاق عن الصغائر بالكبار
فوا عَجَباه من فرحي بليلي / ومن أَسَفي على ضوء النهار
جَرتْ نُقَطُ المدامِع من جفوني / على نقطٍ لشيبٍ في عِذارى
وزادت هذه لمزيد هذي / فأصبحَتا بِحارا في بحار
وقائلةٍ وقد نظرت إليه / فكادتْ أن تُبادر بالفرار
أَشيبٌ ما بدا بك قلت لا بل / هو الملبوس من حُلَل الوقار
وجاريتُ الأسى طَلقا فأَبْدَى / بفَرْقى ما رأيتِ من الغُبار
فولَّت وهْي هاربة وقالتْ / تَيبَّبْ لاعتذارك في اعتذاري
إذا ما الشيبُ نَوَّر في عِذارٍ / جَفتْه كلُّ غانيةٍ نَوارِ
سَقَى الإسكندريةَ كلُّ غيثٍ / يُحاكى بعضَ أدمُعِيَ الغزار
ولو أني أرَقْتُ جميع دمعي / وأطلقتُ الدعاءَ بلا اختصار
لأَصبح فوقَها طوفانُ نوحٍ / يجِلُّ عن السواحلِ والقَرار
ولكنْ كلُّ مُرتجِزٍ غزيرٍ / يفيض على السَّوارى
إلى أنْ تُصبحَ الهَضَبات فيها / مُعطَّرة المُلاءِة والخِمار
عرائسُ تَجْتَلى في زَوِّ روضٍ / لها منثوره مثل النُّثار
فوا أسفاهُ أنْ فُقِدتْ حياتي / ولم يُدْنِ الزمان بها مَزارى
على أَنّى أُؤَمِّلها وما لى / سوى صبرٍ يسيرٍ في إسارِى