أتُنكِرُ بأسَ أحداقِ العَذارى
أتُنكِرُ بأسَ أحداقِ العَذارى / أمَا تدري بعربدةِ السُّكارى
وتفتِنُكَ العُيونُ وما عهِدْنا / جريحاً قلبُه يهوى الشِّفارا
وتُغرَمُ في القُدودِ فهل طَعينٌ / هوى من قَبلِكَ الأسَلَ الحِرارا
وتُمسي في الذوائِبِ مُستهاماً / متى عشِقَتْ سلاسِلَها الأسارى
لَقَد فتكَتْ بنا الأجفانُ حتّى / شكَتْ ضعفاً لذلك واِنكِسارا
إلامَ بها نُلامُ ولا نُبالي / فتُوسِعُنا جِراحاً واِعتذارا
رأينا أنّ حبلَ الحُبِّ فينا / شُعورٌ فاِتّخذناها شِعارا
وهِمنا بالحِسانِ وما فهِمْنا / بَنات صُدورِها تلِدُ البَوارا
وهَبْنا العُذرَ للعُذّالِ لمّا / خلعنا في عذاراها العِذارا
علامَ عُيونُنا بالدّمع غَرقى / ومن وجناتهنّ تخوضُ نَارا
ونسألُ من مراشفهنّ ريّاً / وبردُ برودِها يُوري الأُوارا
تؤرّقُنا ذوائِبُها ولَسنا / نرى لدُجى لياليها قُصارى
فهل تدري بغايتها المداري / فقد ضاقَتْ على المرضى السّهارى
لعَمرُك ليس من حُمرِ المَنايا / سوى الوجَناتِ تسلبُنا القَرارا
إذا لشقائِنا الآجالُ طالَتْ / تخلّصها الخُصورُ لنا اِختِصارا
وإن كَهُم الرّدى يوماً فمنهُ / يسنُّ لقتلِ أنفُسنا الغِرارا
تُحاذِرُنا المَنايا السودُ جَهراً / وتأتينا العُيونُ بها سَرارا
بروحي جِيرةٌ جاروا وقَلبي / لديهِم لم يزَلْ بالحَيّ جَارا
مصابيحٌ إذا سَفَروا بليلٍ / حسِبْتَ ظلامَه لبسَ النّهارا
بُدورٌ بالخيام ذَووا شموساً / بشِبهِ البيضِ تحملُها الغُبارا
مرنّحةٌ معاطفُهم صُحاةٌ / تكادُ عُيونُهم تجري عُقارا
لَهم صورٌ كأنّ الحُسنَ صبٌّ / تأمّل طرفُه فِيهم فحارا
وألفاظٌ إذا المَخمورُ فيها / تَداوى طبعُه فقدَ الخُمارا
وأسنانٌ تُفدّيها اللآلي / بأكبرِها وإن كانت صِغارا
بأعيُنِهم يَجولُ السحرُ حتّى / نَثيرُ الكُحلِ تحسَبُه غُبارا
لشوقِ سَنا الصّباحِ إلى لِقاهُم / تنفّس حسْرةً ورمى جِمارا
إذا بقبابِهم سفرَتْ ظُباهُم / حسِبْتَ بُيوتَهم بِيَعَ النّصارى
سقَتْهُم أعينُ الأنواءِ دمعاً / يخُطُّ بخدِّ واديهم عِذارا
ولا درَسَتْ نوادي الحُسنِ منهم / ولا فصمَ البِلى منها سِوارا
همُ بالقلبِ لا بالخَيفِ حلّوا / وفي جمَراتِه اِتّخذوا دِيارا
أقاموا فيه بعدَ رحيلِ صبري / فأضحَتْ مُهجَتي أهلاً قِفارا
إذا خطَروا بِبالي فرّ شوقاً / فلوْ حملَتْهُ قادمةٌ لَطارا
أروحُ ولي بهم روحٌ تلظّتْ / إذا اِستضرَمْتَها قدحَتْ شَرارا
وأجفانٌ كسُحبِ نَدى عليٍّ / إذا اِستمْطرْتَها مطرَتْ نُضارا
حليفِ المكرماتِ أبي عليٍّ / أجلِّ الناس قدْراً واِقتِدارا
أعزُّ بني المُلوكِ الغُرِّ نفْساً / وأشجعُهُم وأمنعُهُم ذِمارا
وأنجدُهم وأطولهم نِجاداً / وأفخرُهم وأطهرُهم إزارا
أخو شرفٍ تولّد من عليٍّ / وبضعةِ أحمدٍ فزَكا فَخارا
تلاقى مجمعُ البحرِ فيه / وشاركَ هاشمٌ فيه نِزارا
هو النّورُ الّذي لولاه لاقَتْ / بُدورُ المجدِ في التِمِّ السِّرارا
مَحا إيضاؤهُ صِبغَ اللّيالي / فعسْجدَ لونَهنّ وكان قَارا
أتى الأيّامَ والأيّامُ غَضْبى / فأحدَثَ في مباسِمِها اِفتِرارا
ووافى والنّدى ثمِدٌ ففاضَتْ / مواردُه ولولاه لَغارا
رَسا حِلماً فقرّ الحوْزُ فيه / ولولا حِلمُهُ فينا لَمارا
بصهوةِ مهدِه طلبَ المَعالي / وقبلَ قِماطِه لبسَ الوَقارا
وحازَ تُقىً ومعروفاً وفضلاً / وأَقداراً وبأساً واِصطِبارا
وأصبحَ للعُلا بعْلاً كريماً / فأولدَها المَحامِدَ والفَخارا
غَمامٌ صافحَ البيضَ المواضي / فأحدثَ في جوانبِها اِخضِرارا
تكادُ الأرضُ يُنبِتُها حَريراً / حَيا كفّيْهِ لا شِيحاً وغارا
ويوشِكُ أن يعودَ النورُ تِبْراً / لوَ انّ الغيثَ نائلَهُ اِستَعارا
وروضٌ من حمائِلِه اِلتقطْنا / دنانيرَ العطايا لا العَرارا
حكى فصلَ الربيعِ الطّلق خُلقاً / وفاقَ بجُودِ راحتِه القِطارا
كَسا قَتْلى أعاديه شَقيقاً / وبرقَعَ وجهَ حيّهم بَهارا
وهزّ على الكُماةِ قُطوفَ لُدْنٍ / فدلّتْ من جَماجِمهم ثِمارا
وأحدثَ عهدُه فينا سُروراً / فأنبتَ في الخُدودِ الجُلّنارا
مُطاعٌ لو دَعا الصّفواءَ يوماً / سمعتَ لها وإن صُمّت خُوارا
جوادٌ في ميادينِ العطايا / ومِضمارِ الفصاحةِ لا يُجارى
فصيحٌ نُطقُه نَظماً ونثراً / يرصّعُ لفظُه الدُرَرَ الكِبارا
توَدُّ مِدادَهُ الأيّامُ تُمسي / بأعيُنِها إذا كتبَ اِحوِرارا
فكم في خطِّه من بِنتِ فكرٍ / لها نسجَتْ محابرُه خِمارا
ذُكاءٌ من سَناها كادَ يحكي / ظلامُ مِدادِه الشّفقَ اِحْمِرارا
له القلَمُ الّذي في كلّ سطرٍ / ترى في خطّه فلَكاً مُدارا
يمجُّ على صباحِ السّطْرِ ليلاً / تكَوكَبَ في المعالي واِسْتَنارا
وأشرقَ منه في أندى يَمينٍ / فلجّجَ في أناملِها وسارا
ومَنْ يسعى إلى طلبِ المعالي / فلا عجبٌ إذا ركبَ البِحارا
يراعٌ روّعَ القُضُبَ المواضي / فأثبتَ في تقوّمِها اِزوِرارا
ترى ثُعبانَه الأفلاكُ تسعى / فيخفِقُ قلبُ عقرَبِها حذارا
يردُّ حُسامَ جَوْزاها كَهاماً / ويطعنُ في عُطاردِها اِحتِقارا
مؤيّدُ ملّةِ الإسلامِ هادٍ / إذا ضلّ الهُداةُ ولا مَنارا
له كُتبٌ يعِزُّ النّضبُ عنها / إذا شنّت كتائِبُها مُغارا
حكَتْ زَهر الرّياضِ الغضّ حُسناً / ونشْرَ المِسكِ طيباً واِنتِشارا
وفَاقَتْ عينَ تسنيمٍ صفاءً / وعينَ الشمسِ نوراً واِشتِهارا
فواصلُها سُيوفٌ فاصلاتٌ / وهَدْيٌ بالضّلالةِ لا يُمارى
من الدّيباجِ ألبسَها ثِياباً / وصاغَ من النُضارِ لها فِقارا
إذا في إثْرِها الأفكارُ سارتْ / لتُدرِكَ ثارَها وقَفَتْ حَيارى
فنورُ مُبينِها جمْعُ الدّراري / وخيرُ مَقالِها الدُرَرُ النِثارا
وفي نُكَتِ البيانِ أبانَ فضلاً / بمُختَصرٍ حوى حِكَما غِزارا
كتابٌ كُلُّ سِفرٍ منه سِفرٌ / من الإقهارِ في الأقطارِ دارا
فلو أمُّ الكتاب أتَتْ بنجلٍ / لقُلنا فيه قد حملَتْ قِصارا
إذا وَرَدَ العِدا منه كتابٌ / توعّدَهُم به طلَبوا الفِرارا
كأنّ كتابَهُ جيشٌ علَتْهُ / دُجى أترابِه نقْعاً مُثارا
وإن صدرَتْ ظُباهُ عن الهوادي / حسِبْتَ حديدَها ذَهباً مُمارا
وَهوبٌ يوسِعُ الفقراءَ تِبراً / ولم يهبِ العِدا إلّا تَبارا
ألا يا أيّها الملكُ المُرجّى / إذا غدرَ الزّمانُ بنا وجارا
ويا غيثاً إذا الأنواءُ ضنّتْ / وطال جَفا الحيا حيّا وزارا
لعَمرُك إنّ قدرَك لا يُجارى / وقطرك بالسّماحةِ لا يُبارى
بطولِك تمّ نُقصانُ المعالي / فطالَتْ بعدما كانت قِصارا
لئنْ أضحكْتَ بيضَ الهندِ يوماً / فقد أبكيتَهُنّ دماً جُبَارا
ليهْنِك بعد صومك عيدُ فطْرٍ / يُريكَ بقلبِ حاسدِك اِنفِطارا
أتاكَ وفوقَ غُرّتِه هِلالٌ / إذا قابَلْتَه خجَلاً توارى
يُشير به إليك هوىً كصبٍّ / إلى حِبٍّ بحاجبِه أشارا
فعُدْتَ وعاد نحوَك كلَّ عامٍ / يحدِّدُ فيك عهداً واِزدِيارا
ولا برِحَتْ لك العَلياءُ داراً / ومتّعكَ الزّمانُ بمُلكِ دارا