القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عبد الغَفّار الأَخْرس الكل
المجموع : 13
لِيَهْنِكُمُ زواجٌ في هناءِ
لِيَهْنِكُمُ زواجٌ في هناءِ / به انشرحت لأقوامٍ صدورُ
ترون الخير مجلوباً إليه / وفي أطرافه الخير الكثير
ويطرب في مغانيكم محبٌّ / يبوح لكم بما كتم الضمير
تَقَرّ العين فيكم إن تراكم / وفي أخلاقكم كرمٌ وخيرُ
إذا سُدتُم وكنتم حيث أهوى / وما فيكم بمكرمة قصور
ولا عجباً إذا ما ساد شبلٌ / أبوه ذلك الأسد الهصور
ألا يا عمَّ أبناءٍ كرام / تَعمُّ به السعادة والحبور
ومهدي العالمين إلى رشاد / يلوح به لعلم منك نور
بذكر تطمئن به قلوب / ووعظ قد تلين له الصخور
تهنّ بذلك التزويج ممن / بها الأيام تشرق والشهور
وسُرَّ به كما تبغي وأرّخ / ففي تزويج نعمان سرور
ألا هَلْ للمتيَّمِ من مُجير
ألا هَلْ للمتيَّمِ من مُجير / كئيبٍ ذي فؤاد مستطيرِ
يقلِّبُه الأَسى ظهراً لبطنٍ / ويُسْلِمُهُ إلى حرِّ الزفير
وكيفَ يَقَرُّ بالزفرات صبٌّ / وفي أحشائه نار السَّعير
يعالج بالهوى دمعاً طليقاً / يصوبُ للوعة القلب الأَسير
وكم في الحيِّ من ليثٍ هصورٍ / صريع لواحظ الرشأ الغرير
وكنت على قديم الدهر أصبو / بأشواقي لربَّات الخدور
وكنت إذا زأرت بأسد غيل / رأيت الأُسْدَ تفزع من زئيري
فغادرني الزَّمان كما تراني / عقيراً في يد الخطوب العقور
فأَغدو لا إلى خلٍّ أنيسٍ / وما لي غير همِّي من سمير
فآهاً يا أُميمة ثمَّ آهاً / لما لاقيت من دهرٍ مبير
محا من أُسرتي الأَشراف منهم / كما مُحيت حروفٌ من سطور
لقد بعد الكرام النجب عنِّي / فليلي بعدهم ليل الضرير
على أنِّي دفعت إلى زمان / يخاطر فيه ذو المجد الخطير
تشبّهت الأَسالف بالأَعالي / وقد تاه الصغير على الكبير
وأمستْ هذه الدُّنيا تريني / حوادثها أعاجيب الأُمور
ولا زالتْ تتوقُ لذاك نفسي / إلى يومٍ عبوسٍ قمطرير
لعلِّي أنْ أبُلَّ به غليلاً / ويهدأ بعض ما بي من زفير
أراني إنْ حلَلْتُ بدار قومٍ / أساءَ ببعض أقوامٍ حضوري
وذي عجب أضرَّ الجهل فيه / وأنفٍ مشمخرٍ بالغرور
يرى من نفسه ربّ المعالي / ولا ربّ الخورنق والسدير
ضريت بوجهه وصددت عنه / كما صدَّ العظيم عن الحقير
وألقى المعجبين بكلِّ عُجْبٍ / وأسحبُ ذيل مختالٍ فخور
وكم رفع الزَّمان وضيع نفس / فنال الحظَّ بالباعِ القصير
وكم حطَّ القضاء إلى حضيض / وكان محلُّه فوقَ الأَثير
أصونُ عن الأَرذال عزَّ نفسي / وَصَوْنُ النفس من شِيَم الغيور
ولا أهديتُ منذ قرضت شعراً / إلى من لا يزال بلا شعور
وكم في الناس من حيٍّ ولكنْ / يُرى في الناس من أهل القبور
أتيتُ البصرة الفيحاء أسعى / وحبَّكِ سَعْيَ مقدام جسور
أزورُ بها من العلماء شيخاً / حباه الله بالعِلم الغزير
إلى عَلَمٍ من الأَعلام فردٍ / تفيض علومه فيض البحور
لأحمد نخبة الأَنصار يغدو / مسيري إنْ عزمت على المسير
إذا ما عدّدت أعيان قومٍ / وقابلنا نظيراً بالنَّظير
فعين أُولئك الأَعيان منهم / وقلب في صدور بني الصُّدور
وإنِّي مذ ركنتُ إلى عُلاه / كأنِّي قد ركنت إلى ثبير
رَغِمْتُ بودّه آناف قوم / رَمَوْني بالعتوّ وبالنفور
إذا أخَذَت بغاربهم يميني / أخذتُ بغارب الجدّ العثور
رعيت لديه روض العزّ غضًّا / وأنهلني من العذب النمير
إلى منهاج شرعته ورودي / وعن مورود نائله صدوري
ركنت إلى المناجيب الأَعالي / ولم أركنْ إلى وغدٍ شرير
أبار بنور تقوى الله وجهاً / وقد يزهو على القمر المنير
غنيٌّ عن جميعِ الناس عفٌّ / رؤوفٌ بالضَّعيفِ وبالفقير
ترى من وجهه ما قد تراه / على وجه الصَّباح المستنير
يُعَدُّ من الأَوائل في تقاه / وإنْ وافاك بالزَّمن الأَخير
وهل يخفى على أبصار بادٍ / شموس علاه بادية الظهور
فخُذْ عنه العلوم فقد حباه / إله العرش بالفضلِ الشهير
ولم نظفر بمثل علاه يوماً / بمطّلع بصير بالأُمور
فسل منه الغوامض مشكلاتٍ / فإنَّك قد سقطت على الخبير
تحومُ عليه أهل الفضل طرًّا / كما حامَ الظماءُ على غدير
ولم يبرح لأهل العلم ظلاًّ / يقي بظلاله حرَّ الهجير
ويغنيني عن الأَنصار مولًى / نصيري حين يخذلني نصيري
له محض المودَّة من خلوصي / ومحض الودّ إخلاص الضَّمير
سأجزيه على النعماء شكراً / بما يرضيه من عبدٍ شكور
لمطبوع على كرم السجايا / ومجبول على كرم وخِير
زهتْ في حسن مدحتك القوافي / كما تزهو القلائد في النحور
وطابَ بك الثناء وإنَّ شعري / تضمَّخَ من ثنائك بالعبير
فدمْ واسلمْ على أبد اللَّيالي / وعشْ ما دمت حيًّا في سرور
إلى شعبانَ مَولايَ المفدى
إلى شعبانَ مَولايَ المفدى / ربيعِ الفضلِ والروضِ النضير
إلى من لم تزل أيديه فينا / كأمثالِ القلائدِ في النحور
يعرّج بي الغرام وينثني بي / لأسباب تمرُّ من الخطور
وقد سأل الأميرُ الأمسِ عنّي / وعن سبب القعود عن المسير
ومن كرم السجايا والمزايا / إذا سأل الكبيرُ عن الصغير
وقالوا كيف لا تمضي إليه / فترجع بالسرور وبالحبور
فلم أكْشِفْ لهم عن كُنْهِ أمري / وأطْلِعْهم على ما في ضميري
وما تركي زيارته بقَصدي / ولا كانَ انقطاعي عن قصوري
وما استغنيتُ لا وأبيك عنه / غِنى الظامي عن الماء النمير
ولا من دون شرعته ورودي / ولا من غير مورده صدوري
نهاري عنده لمعانٌ بَرقٍ / وليلي بعْدَه ليلُ الضرير
فظاظة حاجبٍ ورديّ حظٍ / يعوقُ العبدَ عن باب الأمير
وجَدْتُ ببابه البوَّابَ يعدو / أشَدَ عليَّ من كلبٍ عقور
وصار الكلبُ ينبَحُني بسبٍّ / ويُكثِرُ بالنبيح وبالهرير
وأكره أن أكونَ له مجيباً / وما أنا من مجاوبة الشرير
فهل أبصرتم كلباً يحامي / محافظةً على الليث الهصور
لمن أشكو الحجاب ومن نصيري / وأبدي الاعتذار ومن عذيري
نقيبُ السَّادة الأَشراف زَانتْ
نقيبُ السَّادة الأَشراف زَانتْ / بطَلْعَتِهِ المنازلُ والقصورُ
بنى مقصورةً شَرُفَتْ بناءً / أُعِدَّتْ بالسُّرور لمن يزورُ
فقلتُ لسيِّد النُّقباء أرِّخ / مبانيها يشرِّفُها المشيرُ
أقولُ لصاحبي ورَضيع كأسي
أقولُ لصاحبي ورَضيع كأسي / رَفيقي بالفُسوق وبالفجورِ
علامَ صَدَدْتَ عن كأس الحميَّا / لقد ضيَّعتَ أوقات السُّرور
أبعدَ الشَّيْب ويحك تُبْتَ عنها / وما لكَ في متابك من عَذير
وكيفَ عَدَلْتَ عن حالات سَوْءٍ / تَصيرُ بها إلى بئسَ المصير
لبستُ بها وإيَّاك المخازي / فأسْحَبُ ذيلَ مختالٍ فخور
أتنسى كيفَ قضَّينا زماناً / به الأيام باسمة الثغور
وكنَّا كلَّما بِتْنا سكارى / ورحنا بالمدام بلا شعور
وقُمنا بعد ذلك واصطبحنا / فما نَدري المساءَ من البكور
وأنتَ معَ العواهر والزَّواني / تطاعِنُهنَّ بالرُّمح القصير
وكنتَ تقولُ لي اشرَب هنياً / وخُذها بالكبير وبالصغير
وكنتَ إذا نظرتَ ولو عجوزاً / سَلَلْتَ سلولَ غرمولِ الحمير
ومن سفهٍ ركَنْتَ إلى الغواني / وميَّزْتَ الإِناث على الذُّكور
تركتَ طريقتي وفررتَ عنِّي / فِرارَ الكلب من أسَدٍ هصور
وَتَوبَتُك الَّتي كانتْ نِفاقاً / غُرورٌ وانغماسك في الغرور
كصبغ الشيب ينصلُ بعد يومٍ / ولم يَبْعُدْ مداه عن الظهور
وما كتبت لتخطر لي ببال / ولا اختلجت وشيبك في الضمير
لئِنْ أخذوا عليك بها عهوداً / بما كَتَبَتْ يداك من السُّطور
فعُد عنها إلى ما كنتَ فيع / كمنْ شَمَّ الفسا بعد العبير
وأَكْثِرْ ما استطعتَ من المعاصي / فإنَّ الله يعفو عن كثير
وننعمُ بالملاح بخفض عيش / مدى الأَوقات من بمٍّ وزير
فإنْ حضر الفساد وغبتَ عنه / ولم تكُ من يُعَدُّ من الحضور
لسَوَّدْتُ الصحائفَ فيك هجواً / وإنِّي اليوم أهجى من جرير
تطيعُ مشورَتي وترى برأيي / وحَقَّ المستشير على المشير
لتقضي العمر في طرَبٍ ولهوٍ / فمرجعنا إلى ربٍّ غفور
وأنفِق ما ملكتَ ولا تبالِ / فناصرُنا ثراءٌ للفقير
فنحن بفضله وندى يديه / كمَن آوى إلى روضٍ نضير
ولا زلنا بشرعته وروداً / وُرودَ الهيم من عَذبٍ نمير
ألا بلِّغ جنابَ الشَّيخ عنِّي
ألا بلِّغ جنابَ الشَّيخ عنِّي / رسالَة مُتْقِنٍ بالأمرِ خُبرا
وسَل منه غداةَ يهُزُّ رأساً / بحلقة ذكره ويدير نحرا
أقال الله صفِّق لي وغنِّ / وقُلْ كفراً وسمِّ الكفرَ ذكرا
وأيُّ ولاية حَصَلتْ بجهلٍ / ومن ذا نالَ بالكفران أجرا
فإن قُلتَ اجتهَدْتَ بكلِّ علمٍ / فأعربْ لي إذَنْ لاقيت عمرا
وما يكفيك هذا الفعل حتَّى / كذبتَ على النبيِّ وجئت نكرا
متى صارت هيازع من قريش / فعدِّدها لنا بطناً وظهرا
فإنْ تكن السِّيادة باخضرار / لكان السلقُ أشرفَ منك قدرا
تقول العيدروسي كانَ يحيي / من الأَنفاس من قد مات دهرا
أكان شققتَ للباري شريكاً / فيَمْلِكُ دونه نفعاً وضرَّا
فويلك قد كفرتَ ولستَ تَدري / ولم تبرح على هذا مُصِرَّا
وويحك ما العبادة ضربُ دُفٍّ / ولا في طول هذا الذقن فخرا
برؤيتك الأنام تظنُّ خيراً / ولو علقتَ لظنَّت فيك شرَّا
أجب عمَّا سألتكَ واشف صدري / وإنْ أكُ قد عرفتك قبل ثورا
ألا مَن مبلغٌ عنِّي ابنَ شبلي
ألا مَن مبلغٌ عنِّي ابنَ شبلي / رسائِلَ ضمنها خِزيٌ وعارُ
قصيميٌّ عَدِمْتَ العقل يوماً / ويوماً شمّريٌّ مستعار
وجنيٌّ إذا ما جُنَّ ليلٌ / وإنسيٌّ إذا ضاءَ النَّهار
ذهبت مولياً خدعاً ولؤماً / فلم يلحق بمذهبك الغبار
كما ذهب الحمار بأُمِّ عمرو / فلا رجعت ولا رجع الحمار
سَنا بَرْقٍ تَبَلَّجَ واستَنارا
سَنا بَرْقٍ تَبَلَّجَ واستَنارا / أثارَ من الصَّبابة ما أثارا
وهاج لي الغرام وهيّجت بي / فؤاداً يا أُميمة مستطارا
فبرقاً شِمْتُه واللَّيل داج / كما أوْقَدْتَ في الظَّلماء نارا
كأَنَّ وميضَه لمعانُ عَضبٍ / يشقُّ من الدُّجى نقعاً مثارا
ذكرتُ به ابتسامك يا سُليمى / فأبكاني اشتياقاً وادّكارا
فما مرَّ الخيال إذنْ بطرفي / ولَمْ أذُقِ الكرى إلاَّ غرارا
وذكرى ما مضى من طيب عيشٍ / سحبت من الشباب به إزارا
وعهد هوىً لأيام التصابي / وإنْ كانت لياليه قصارا
أخَذْتُ بجانب اللَّذات منها / على طَربي وعاقرتُ العقارا
وكم من لذَّةٍ بكُمَيْت راحٍ / أغَرْناها فأبْعَدْنا المغارا
منظمة الحباب كأنَّ كسرى / أماطَ الطَّوق فيها والسّوارا
مزجناها وقد كانت عقيقاً / فصيَّرها المزاج لنا نضارا
فلو طار السرور بمجتليها / على الندمان يومئذٍ لطارا
وقد كانَ الشباب لنا لبوساً / يَلَذُّ بِخَلْعِنا فيه العذارا
فواهاً للشبيبة كيف ولّتْ / وما استرجعتُ حلْيا مستعارا
تنافَرَتْ الظباء وبان سِربٌ / ولم أُنْكِرْ من الظبي النفارا
وشطّ نزارُ من أهواه عنِّي / ومن لي أن أزورَ وأنْ أُزارا
إلام أُسائل الرُّكبانَ عَنهمْ / وأستَقْري المنازلَ والديارا
وقوفاً بالمطيِّ على رسومٍ / أُعاني ما تُعانيه البوارا
أُرقْرِقُ عَبرة وأذوبُ شوقاً / ويَعدِمُني بها الشَّوقُ القرارا
وحنَّتْ أنيقي وبكَتْ رفاقي / وأرسَلَتِ الدُّموع لها غزارا
أشوّقك العرارُ لأرض نجدٍ / ولا شيحاً شَمِمْتَ ولا عرارا
أضَرَّ بك الهوى لا باختيار / وما كانَ الهوى إلاَّ اضطرارا
سَقَتْها المزنُ سحًّا من نياقٍ / وصَبَّ على معالمها القطارا
وصَلْتُ بها المهامه والفيافي / وجُبْتُ بها الفدافد والقفارا
مُعلِّلتي بممرضتي حَديثاً / لقد داويت بالخمرِ الخمارا
بمن لا زلت تحييني التفاتاً / وتقتُلُني صُدوداً وازورارا
هي الحدق المراض فتكْنَ فينا / وألطف من ظبا البيض احورارا
فلولا فتكها ما بتُّ أشكو / بأحشائي لها جرحاً جُبارا
كأنَّ جفونَها بالسِّحرِ منها / سُكارى والنفوس بها سُكارى
بَلَوْتُ بني الزمان وعرفَتْني / تجاريبي سرائِرَهم جهارا
وإنَّك إن بلوتْ النَّاس مثلي / وجَدْتَ النَّاس أكثرهم شرارا
وإنْ قِسْتَ الرجال وهم كبار / بمجد محمد كانت صغارا
بأهداهم إلى المعروف برًّا / وأسرعهم إلى الحسنى بدارا
وكم لحقته في ميدان فضل / فما شَقَّتْ له فيه غبارا
بروحي من إذا ما جار خطبٌ / فَرَرْتُ إليه يومئذٍ فرارا
يرى في ظلِّه العافون عيشاً / يَروقُ العينَ بهجته اخضرارا
ويُنفِقُ في سبيل الله مالاً / بهِ ادَّخرَ الثوابَ له ادِّخارا
ويَرعى في صَنائِعِهِ ذِماراً / بجيلٍ قلَّ من يرعَى الذّمارا
تبصَّر في الأُمور وحنكته / التجاريب اختباراً واعتبارا
وحلَّتْهُ فضائله بحِلْيٍ / لعمرك لن يُباعَ ولنْ يُعارا
وأبدعَ بالمكارم والأَيادي / فما يأْتي بها إلاَّ ابتكارا
وما زالتْ كرامُ بني زهير / خياراً تنتجُ القوم الخيارا
نِجار أُبوَّةٍ ونتاج فخرٍ / فحيَّا الله ذيَّاك النجارا
هم الجبل المنيع من المعالي / يُجيرُ من الخطوب من استجارا
وإنَّ محمَّداً أندى يميناً / وأَوفرُ نائلاً وأَعزُّ جارا
أبا عبد الحميد رُفِعتَ قدراً / وقد أُوتِيتَ حِلماً واقتدارا
سَبقْتَ الأَوَّلين فلا تُجارى / إلى أَمَد العلاء ولا تبارى
فسبحان الَّذي أَعطاك حِلماً / فوازَنْتَ الجبالَ به وقارا
وألهَمَكَ الصَّوابَ بكلِّ رأيٍ / يُريك ظلامَ حندسِهِ نهارا
عليك النَّاس ما بَرحتْ عيالاً / ولم تبْرح لدائرها مدارا
تُشَيِّدُ من عُلاك لهم مقاماً / وتُوضِحُ من سَناك لهم منارا
لك النَّظر الدَّقيق يلوح منهم / هُدى قومٍ به كانتْ حيارى
وفيك فطانة وثقوب ذهنٍ / يَراكَ به المشيرُ المستشارا
بقد سارَتْ مناقبك السَّواري / فما اتَّخذت في الأرض لها دارا
تَقَلَّدْتَ القوافي الغرَّ منها / بأحسنَ ما تقلَّدتِ العذارى
وما استَقْصَتْ مدائحك القوافي / نظاماً في علاك ولا نثارا
لئنْ قصَّرتُ فيما جئتُ منها / فقد تتلى اقتصاراً واختصارا
ليهنِك رُتْبَةٌ تعلو وتسمو / ونيشانٌ نُؤرِّخه افتخارا
تَبَارَكَ من بَراكَ ابنَ المُبارَكْ
تَبَارَكَ من بَراكَ ابنَ المُبارَكْ / وَزادَك من مواهبه وبارَكْ
مكانةَ رفعةٍ وعلوَّ قدرٍ / يزيد به علاءك واقتدارك
وأبقاك الإِله غمام جودٍ / لمن يظما فيستسقي قطارك
رأيتك مورد الآمال طرًّا / فها أنا لم أرِدْ إلاَّ بحارك
تُهينُ نفائسَ الأَموال بذلاً / ولم تعبأ بها وتعزُّ جارك
حماك هو الحمى ممَّا يحاشى / تجير من الخطوب مَن استجارك
وإنَّك صفوة النجباء فينا / وإنَّك خيرة لمن استخارك
نشأت بطاعة المولى منيباً / وتقوى الله ما برحت شعارك
تجنّبك الَّتي تأبى تقاة / عَقَدْتَ على العفاف بها إزارك
تعير البدرَ من محياك حُسناً / كأَنَّ البدر طلعتَه استعارك
أَخَذْتَ بصالح الأَعمال تقضي / بأمر الله ليلَك أو نهارك
مجيباً من دَعاكَ ولا أناة / أثارك للمكارم مَن أثارك
ولا لحقتك يوم سبقتَ نجبٌ / بمكرمةٍ ولا شقَّتْ غبارك
أَغَرْتَ على الثناء من البرايا / وقد أبْعَدْتَ يومئذٍ منارك
لقد طابت بفضلك واستقرَّت / بك الأرض الَّتي كانت قرارك
وحقَّ لها إذا فخرت وباهت / ديارٌ رُحْتَ توليها افتخارك
سماحك لا يزالُ لمستميح / من العافين جاهك واعتبارك
وإنَّك دوحة بسقت وطالت / جنى الجانون يانعة ثمارك
يُشاركُ كلّ ذي مجد بمجد / ومجدك في الحقيقة لا يُشارك
ودهرٌ قد جنى ذنباً عظيماً / فلما قيل هل تلقي اعتذارك
تدارك ذنبَه بعلاك حتَّى / غفرنا ذنْبَه فيما تدارك
وإنَّ أبا الخصيب يروق عندي / لأنك فيه قد شيَّدْتَ دارك
أزورك سيِّدي في كلّ عام / فلا أنأى عن الدَّاعي مزارك
وإنِّي قد ترقَّبت الغوادي / ووابلها ترقَّبت ازديارك
شَهِدْتُ مشاهد النعماء فيها / فلا شاهدت في الدُّنيا بوارك
سقانيها معتَّقَةً عقاراً
سقانيها معتَّقَةً عقاراً / وقد ألقَتْ يدُ الفجر الإِزارا
ودار بها مشعشعة علينا / فَدارَ الأُنسُ فينا حيث دارا
إذا ما زفَّها السَّاقي بلَيْلٍ / أعاد اللَّيل حينئذٍ نهارا
تشقّ حشاشة الظَّلماء كأسٌ / كما أوقدَت في الظَّلماء نارا
جلاها في الكؤوس لنا عروساً / وقد جعل الجمان لها نثارا
يتوِّجها الحباب بتاج كسرى / إذا مزجت ويلبسها سوارا
فقبل المزج تحسبها عقيقاً / وبعد المزج تحسبها نضارا
جلاها فانجلتْ عنَّا هموم / وفرت كلَّما جُلِبَتْ فرارا
فأَدركت الندامى بالحميّا / من الهمِّ الَّذي في القلب ثارا
وكم من لذَّةٍ بكيتِ راح / أغرناها فأَبعدنا المفارا
ويعذرني الشَّباب على التَّصابي / بصبوة مغرم خلع العذارا
وما أَهنا المدام بكفِّ ساقٍ / كمثل البدر أشرق واستنارا
بروحي ذلك الرَّشأ المفدَّى / وإنْ ألِفَ التجنّب والنفارا
وأينَ الظبي من لفتات أحوى / يضاهيه التفاتاً واحورارا
رنا فأَصابَ بالأَلحاظ منَّا / فؤاداً بالصَّبابة مستطارا
مليحاً ما تصبّر في هواه / محبٌّ لم يجد عنه اصطبارا
وما أَنسى غداة الشّرب أمْسَتْ / بناظره وريقته سكارى
أَلا يا ممرضي بسقام طرفٍ / أصاب من الحشا جرحاً جبارا
فؤادي مثل طَرفك بانكسارٍ / فكلٌّ يشتكي منك انكسارا
غرامي في هواك بلا اختياري / وما كانَ الهوى إلاَّ اضطرارا
مضى وتصرَّمَتْ تلك التَّصابي / فإنْ عاد الصّبا عاد ادّكارا
فوالهفي على أوقات لهوٍ / قَضَيناها وإنْ كانت قصارا
تركت الشعر لمَّا ألْبَسَتْني / من الأَكدار أيَّامي شعارا
ولولا مدح مولانا عليٍّ / لما جُدْتُ النظام ولا النثارا
أجلّ السَّادة الأَشراف قدراً / وأرفعهم وأطيبهم نجارا
وأرأفهم على الملهوف قلباً / وأسرعهم إلى الحسنى بدارا
جواد في الأَكارم لا يبارى / وبحرٌ في المكارم لا يجارى
إذا نظر الكبار إلى علاه / رأت في المجد أنفسها صغارا
وقد سبقَ الأَعالي في المعالي / فما لحقت له فيها غبارا
وساجله السَّحاب فكان أندى / يداً منها وأعظمها قطارا
وكم عام منعنا القطر فيه / فأمطرَنا لجيناً أو نضارا
وكم شاهدت في الأَيَّام عسراً / ولذت به فشاهدت اليسارا
لنا في فضله غرس الأَماني / جَنَيْناها بدولته ثمارا
وكم أكرومةٍ عَذراءَ بِكْرٍ / يجيءُ بها إلى النَّاس ابتكارا
يُهينُ أَعزَّ ما ملكت يداه / بِوافر نَيْله ويعزّ جارا
ألَسْتُم في الحقيقة آل بيت / عَلَوْا جُوداً وفضلاً واقتدارا
عليكم تنزل الآيات قِدْماً / فحسبكمُ بذالكمُ افتخارا
أَقَمْتُم ركن هذا الدِّين فيها / وأَوْضَحْتُم لطالبه المنارا
جُزيتم عن جميع النَّاس خيراً / وما زلتم من النَّاس الخيارا
بنفسي منكَ قرماً هاشميًّا / يجير من الخطوب من استجارا
تَقُدّ حوادث الأَيَّام قَدًّا / فأنتَ السَّيف بل أمضى شفارا
بسرِّ نداك قام الشعر فينا / فأثنينا عليك به جهارا
نُقَلِّدُ من مناقبك القوافي / بأحسن ما تَقَلَّدَتِ العذارى
لبسن من الثناء عليك حِلْياً / لعمرك لن يُباع ولن يعارا
يضوع شميمه في كلّ نادٍ / كما نشرت صَبا نجدٍ عرارا
فلا زالتْ لكَ الأَيَّام عيداً / ولا شاهدت في الدُّنيا بوارا
لقد عَجِبَ الحِسانُ الغيدُ لمَّا
لقد عَجِبَ الحِسانُ الغيدُ لمَّا / رأتْ عنها سُلُوّي واصطباري
وأنِّي لا أميل إلى نديم / يروّيني بكاسات العقار
وإنِّي قد مَدَدْتُ اليوم باعاً / أنال بها الَّذي فوق الدراري
فلا يوم صَبَوْتُ إلى الغواني / ولا يوم خَلَعْتُ بع عذاري
ثكلتك ليس لي في اللهو عذر / وقد لاح المشيب على عذاري
ولست براكب من بعد هذا / جواداً غير مأمون العثار
فنم يا عاذلي بالأمن منِّي / فلم تَر بعد عذْلك واعتذاري
وقل للغيد شأنك والتجافي / وللغزلان أخْذَكِ بالنفار
صَبَوتُ إلى الدمى زمناً طويلاً / وقد أعْرَضْتُ عنها باختياري
وكانت صبوتي قد خامرتني / وها أنا قد صَحَوْتُ من الخمار
وقد هدرت زماناً فاستقرت / وكانت لا تصيخ إلى قرار
لئن ضيّعتُ أيام التصابي / فإنِّي قد حَظيتُ على الوقار
وكيف يجدُّ في طلب الغواني / فتىً قد جدّ في طلب الفخار
شَفَيْتَ بطردِ صالحِ كلّ صدرٍ
شَفَيْتَ بطردِ صالحِ كلّ صدرٍ / ولم تَبْرَحْ شِفاءً للصدورِ
وطهَّرْتَ الشَّريعة من دنيٍّ / يبيعُ الدِّين في فلسٍ صغيرِ
مطامعُ نفسِه قد صَيَّرَتْهُ / كما تدري إلى بئس المصير
ويشكو فَقره للنَّاس طرًّا / وما هو وربّك بالفقير
تعاطى من تجاسُرِه أُموراً / يَسُرُّ عِداك في تلك الأُمور
ويبطِشُ بطشَ جبَّار على أنْ / له جأشٌ يَفِرُّ من الصفير
فكيفَ يلينُ مولانا لخصمٍ / أشَدَّ عليك من صُمِّ الصّخور
عقورٍ إنْ ذُكِرْتَ له بغيبٍ / له الويلات من كلْبٍ عقور
ومن يك ذاته نَجِساً خبيثاً / متى يلقاك في قلب طهور
فلو يُرمى بلجّ البحر يوماً / لنَجَّسَ شيبُه ماءَ البحور
نظرتَ إليه في عيني رحيمٍ / صفوحٍ عن جنايته غفور
وأَحْيَيْتَ اسمَه من بعد موتٍ / وكانَ يُعَدُّ من أهل القبور
فعاد لما نُهي عنه وأمسى / على تلك السَّفاهة والفجور
يظنُّ لجهله من غير علمٍ / بأنَّك غير مُطَّلعٍ خبير
ولك يتحمَّل الإِكرام حتَّى / رماه لؤمه في قعرِ بير
يطيش إذا الْتَفَتَّ إليه طيشاً / ولا ربَّ الخورنق والسَّدير
فلو طالت يداه عليك يوماً / أراك الحتفَ ذو الباع القصير
وإنَّ سَماعَك الأَخبارَ عنه / وإنْ كَثُرتْ قَليلٌ من كَثير
وكدَّرَ كلّ من يهواك منَّا / وكنَّا قبلُ كالماء النَّمير
ولا ترضى الحميرُ به إذا ما / نَسَبْناه إلى جنس الحمير
أَزَلْتَ وجودَه فغَنِمتَ أجراً / كأعظم ما يكون من الأُجور
فأنتَ فُدِيتَ للإِسلام حصنٌ / وسُورٌ للشريعة أَيُّ سور
تحامي عن شريعة دين طه / بماضيها محاماة الغيور
أتانا عَنْكَ مَولانا البَشيرُ
أتانا عَنْكَ مَولانا البَشيرُ / فَبَشَّرَنا بما فيه السُّرورُ
ورُحْنا تَسْتَقِرُّ لنا قلوبٌ / بما فَرِحَتْ وتَنْشَرِح الصدور
تَقلَّدْتَ القَضاء ورُبَّ عِقْدٍ / تُزَيِّنه الترائِبُ والنحور
وأَمضى ما يكونُ السَّيفُ حدًّا / إذا ما استَلَّهُ البطل الجسور
تضيء البصرة الفيحاء نوراً / بأَحْمَدَ وهو في الفيحاء نورُ
إذا نازلتَه نازَلْتَ صِلاًّ / يروعُ الصّلَّ منه ويستجير
وإنْ نَزَلَتْ بمنزلِهِ ضيوفٌ / فقد شَقِيَتْ بمنزله الجُزور
إذا ما جِئْتَهُ يوماً ستلقى / ضيوفاً نحو ساحته تسير
ألا يا ساكني الفيحاءَ إنِّي / لكمْ من قَبلها عَبدٌ شكور
ليهْنِكُمُ من الأَنصار قاضٍ / لدين الله في الدُّنيا نصير
فهل عَلِمَ النقيبُ بأنَّ شوقي / إليه دُون أُسْرَتِهِ كثير
وهل يقِفُ الكتاب على أخيه / فيعلَمُ ما تضَمَّنَتِ السُّطور
هما قمرا سماوات المعالي / إذا ما يأْفُلُ القمر المنير
ومقصوصِ الجناح لو فؤادٌ / يكاد إلى معاليكم يطير
فلا خبرٌ ليوصله إليكم / على عَجَلٍ ولا أحدٌ يسير
يعالجُ في الجوى دمعاً طليقاً / يذوبُ لصَوْبهْ قلبٌ أَسير
ومن لي أنْ تكون بنو زهير / أَحبَّائي ولي فيهم سميرُ
إذا هَبَّ النَّسيمُ أقولُ هذي / شمائله اللَّطيفةُ والبخور
تَوَلَّى قاضياً فيكم وَوَلَّى / وفي أعقابهِ ظلمٌ وزُورُ
عَدُوّكم القضاة الصُّفْرُ تتلو / وشَرَّ الأَصْفَرين هو الأَخير
إذا ما مال نحو الحقّ يوماً / أمالته الوَساوِسُ إذ يجور
وكم في النَّاس من شيخ كبير / عليه ينزل اللَّعْن الكبير
تَمَلُّ حياتَهُ الأَحياءُ منَّا / وتكرهه الحفائر والقبور
قليل من سجاياه المخازي / وجزءٌ من خلائقه الفجور
طَوَيْتُ به الكتابَ وثَمَّ طيٌّ / يفوحُ المسكُ منه والعبير

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025