المجموع : 4
رويداً إنما الأيامُ سفرُ
رويداً إنما الأيامُ سفرُ / إذا وفدٌ تولى جاءَ وفدُ
كأنا في الجحيمِ من تفرى / له جلدٌ تبدل منه جلدُ
أرى قوماً أعدوا ما استطاعوا / لدهرهمُ وقوماً ما أعدوا
فلا يغررك من أحدٍ ودادٌ / فليس لواحدٍ في الناس ودُّ
رموا شبكاتهمْ في كل ماءٍ / فلو راموا السماءَ إذاً لجدوا
أرى الإنسانَ يطغى حينَ يغنى
أرى الإنسانَ يطغى حينَ يغنى / وما أدنى الهبوطَ من الصعودِ
يظنُّ الناسَ من خلقٍ قديمِ / ويحبسهُ أتاهم من جديدِ
كما تعمى البهائمُ حينَ ترعى / عن الشوكِ الكثيرِ لأجلِ عودِ
متى كانتْ جيوبكَ من نضارٍ / فقد صارتْ جنوبكَ من حديدِ
ومن عجبٍ يكونُ المالُ تاجاً / وحبُّ المالِ أشبهُ بالقيودِ
فيا أسفاً على الفقراءِ أمسوا / كمثلَ العودِ جُفِّفَ للوقودِ
دموعهم دنانيرٌ ولكن / تعامى الناسُ عن هذي النقودِ
أليسَ من التغابُنِ وهو ظلمٌ / جزاءُ السَّعي يعطى للقعودِ
ومن يحصدْ فإنَّ الويلَ أن لا / يذودَ الطيرَ عنْ حبِّ الحصيدِ
ومن يحملْ على عنقٍ حساماً / فقد ظمأ الحسامُ إلى الوريدِ
وما زال الورى بعضُ لبعضٍ / حسوداً يتقي شرَّ الحسودِ
يقولُ الناسُ إن المالَ ماءٌ / بهِ يحيى المجدُّ معَ البليدِ
أكالماءِ المرشحِ ما تراهُ / حوى الكدرينِ من طينٍ ودودِ
وأينَ البحرُ يضطربُ اضطراباً / من المستنقعاتِ على ركودِ
كذا خُلقَ الأنامُ فمن شقيٍّ / يلازمهُ الشقاءُ ومن سعيدِ
ومن يسخطْ على زحلٍ فلمْ لا / يدير بكفهِ نجمَ السعودِ
وكم بينَ النحاسِ وإن جلوهُ / وبينَ توهجِ الذهبَ الشديدِ
نواميس جرتْ في الكونِ قدماً / ليتَّضحَ الفناءُ من الخلودِ
مشى الجهَّلُ في طينٍ ولكنْ
مشى الجهَّلُ في طينٍ ولكنْ / أكفهمُ على حجرٍ صلودِ
كما يمشي الجبانُ وعن يديهِ / صفوفُ الحارسينَ من الجنودِ
وكم من العالمينَ أخا ذكاء / يجرُّ بهِ الذكاءُ إلى الجحودِ
أرى للعقلِ حداً في التسامي / كمرمى الباصراتِ إلى حدودِ
وإنَّ السيفَ إن لم يلف غمداً / كساهُ من الصدا شبهُ الغمودِ
وكلُّ تطرفِ العلماءِ جهلٌ / وبعضُ الجهلِ بالعلماءِ يودي
إذا انحرفَ القطارُ براكبيهِ / فقد وجدوا المحطةَ في اللحودِ
وسيانَ البصيرُ وكلُّ أعمى / إذا نظرَا إلى شيءٍ بعيدِ
على الطرسينِ من خدٍ وجيدِ
على الطرسينِ من خدٍ وجيدِ / ارى سطرينِ في معنى الصدودِ
وقد سدَلتْ غدائرها تريني / تبدلَ بيضَ أيامي بسودِ
وقطَّعني الأسى والدمعُ بحرٌ / فعادَ بسيطُ هميّ في المديدِ
ولما أمصدتْ قلبي بلحظٍ / علمتُ بأنهُ بيتُ القصيدِ
لها دينٌ ولي دينٌ ولكن / أرى القلبين في دينٍ جديدِ
وكم من ليلةٍ مرّت وأفقُ النجو / مِ كجيدها تحتَ العقودِ
وقد وقفَ الدُّجى فزعاً يصلي / وظلمةُ ذنبهِ ملءُ الوجودِ
وأنفاسُ النسائمِ كهرباءٌ / توصلُ بينَ قلبيَ والخدودِ
وقد سعتِ اللحاظُ بما أردنا / توكدُ يننا صدقُ العهودِ
فكم لحظةٍ وكم نفسٍ ترا ذا / تلغرافاً وذا ساعي بريدِ
فعدتُ ارى النعيمَ ولستُ فيهِ / كمثلِ الغصنِ شُبه بالقدودِ
فلا أهلاً بأيامِ التجافي / ويا أيامَ ذاكَ الوصلِ عودي