طَما بَحرُ الهُمومِ بِهِ فَمادا
طَما بَحرُ الهُمومِ بِهِ فَمادا / وَعَوَّضَهُ مِنَ الغمضِ السُهادا
وَأَنساهُ الصَبابَةَ رَيبُ دَهرٍ / يُجَرِّدُ مِن مَكائِدِهِ عِنادا
إِذا قُلت اِرعوى أَبدى غَراماً / وَأَربى في تَخايُلِهِ وَزادا
شَكَوتُ الجَورَ وَالعُدوانَ مِنهُ / فَقالَ شَكَوتَ عَدلاً وَاِقتِصادا
وَصَيَّرَني لِما أَلقاهُ أَرضى / مِن التَمرينِ أَسرَتنا وَسادا
أَلا خِلٌّ عَلى الأَيّامِ نَدبٌ / يُشاطِرُني الصَبابَةَ وَالسُهادا
أُعاهِدُهُ بِأَن لا خانَ عَهداً / وَلا جَعَلَ المحالَ لَهُ عَتادا
وَأَنّى لي بِذاكَ وَهَل كَحُرٍّ / أَخِي ثِقَةٍ إِذا ما الأَمرُ آدا
وَأُقسِمُ لَو طَمِعتُ بِهِ بِمصرٍ / لَجُبتُ لَهُ الغَوائِرَ وَالنِّجادا
قَقَد قَضَّيتُ عُمري في أُناسٍ / يَرَونَ الغَدرَ دِيناً وَاِعتِقادا
كَأَنّي بَينَهُم نِضوٌ يُعاني / وَقَد أَفضى بِجَرَّتِهِ اِزدِرادا
أَهيمُ وَلا أَريمُ حذارَ أَمرٍ / يهيجُ بِحامِلِ الدّاءِ الغِدادا
أُريهِم مَنطِقاً عَيّاً وَإِنّي / لَأُفحِمُ في بلاغَتِهِ زِيادا
وَأُغضي ناظِري حَتّى كَأَنّي / حَديثُ عَمىً يُحرِّجُ أَن يُقادا
وَنارُ الزَندِ تُدرِكُها لِحاظي / وَإِن لَم يُورِ قادِحُهُ الزِنادا
وَأُبدي فيهِمُ صَمَماً وَسَمعي / يُحِسُّ النَّملَ إِذ يُخفي السَوادا
سَأُرحِلُها مُجَلَّلَةً بِعَزمٍ / إِذا يُدعى هَلا وَهَبٍ تَمادى
وَأُقحِمُها المَهالِكَ لا أُبالي / أَغَيّاً كانَ ذَلِكَ أَم رَشادا
فَفي عُرضِ البَسيطَةِ لي مَجالٌ / إِذا مُتأَجِّمٌ أَلِفَ الوِسادا
فَإِن أُدرِك مُنايَ فَكَم هُمامٍ / أَفادَ المَجدَ أَن جابَ البِلادا
وَإِن أَهلَك فَقَد أَبلَيتُ عُذراً / أَقومُ بِهِ وَلَم آلُ اِجتِهادا
وَما طَلَبي سِوى لِقيانِ مَلكٍ / يَلوحُ ضِياءُ غُرَّتِهِ اِتِّقادا
لِأَقضِي بَعضَ واجِبِهِ وَأَحظى / بِلَفظٍ مِنهُ كَالدُرِّ اِنتِقادا
يُؤَيِّدُ خاطِري وَيُجيدُ فِكري / وَأَجعَلُهُ لِما أَبني عِمادا
وَمَن ينزِل بِشَمسِ الدينِ يَصحَب / عَلى العِلّاتِ بَسّاماً جَوادا
يُجالِسُ مِنهُ قَعقاعَ بنَ شَورٍ / وَكَعباً مُلبِسَ النَعما إِيادا
مَليكٌ إِن يَقُل يَفعَل وَإِن يَس / تَزِد مِن نَيلِهِ العافونَ زادا
يُشبِّهُ كَفَّهُ بِالغَيثِ قَومٌ / وَما من رامَ تَشبيهاً أَجادا
لَوَ اِنَّ الغَيثَ يُشبِهُ راحَتَيهِ / نَدىً لَم تَحمِلِ الإِبلُ المَزادا
فَأَبلِغ ساكِنَ الزَوراءِ عَنّي / رِسالَةَ مُخلِصٍ لَهُمُ الوِدادا
فَإِنّي لَم أَحُطَّ قُيودَ رَحلِي / بِإمَّعَةٍ يُذعلِبُ إِذ يُنادى
وَلَم أَنزِل بِزِعنِفَةٍ لَئيمٍ / يَصُرُّ لِوَفدِهِ النُكدَ الجِلادا
وَلَكنّي نَزَلتُ نُزولَ حُرٍّ / بِأَسراها وَأَوراها زِنادا
وَأبسطها يَداً وَأَمَدّ باعاً / إِلى العَليا وَأَطوَلِها نِجادا
وَأَسرَعِها إِلى الغاياتِ سَعياً / عَلى قَدَمٍ وَأَرساها عِمادا
وَأَكرَمِها إِذا ما العامُ أَبدى / لِأَكلِ المالِ أَنياباً حِدادا
وَأَبيَضُ كَالمُهنَّدِ أَيهَمِيٌّ / جَوادٌ ما بَدا إِلّا أَعادا
هُمامٌ سادَ قَبلَ تَمامِ عَشرٍ / وَمَن ذا قَبلَهُ لِلعَشرِ سادا
وَقَبلَ الإِحتِلامِ سَقى المَواضي / دَمَ الأَعداءِ ريّاً وَالصِعادا
وَيَومٌ تَشخَصُ الأَبصارُ فيهِ / وَيُشبِهُ فَحمُهُ اللَيلَ اِسوِدادا
تَخالُ بِهِ الأَسِنَّةَ لامِعاتٍ / نُجومَ القَذفِ تَطَّرِدُ اِطِّرادا
وَتَحكي الهُندُوانِيّاتِ فيهِ / شَقائِقُ تُمتَرى حَتّى تُصادا
وَفيهِ تُشبِهُ الراياتُ طَيراً / يُباري النَحلَ تَحسبُهُ جَرادا
تَلقّاهُ بِعَزمٍ لَو ثَبيرٌ / وَثَهلانٌ بِهِ رُديا لَمادا
وَعامٍ تُلحَدُ الأَحياءُ فيهِ / وَيُنسيها المَآثِرَ وَالمَعادا
يَظَلُّ بِهِ اللِوى يَنصاعُ حَتّى / كَأَنَّ بِهِ وَلَيسَ بِهِ عدادا
أَقامَ إِلى نَداهُ بِهِ سَبيلاً / يَرى لِلمُعتَفينَ بِهِ اِرتِيادا
وَعودٌ في البَلاغَةِ ذو فُنونٍ / يُريكَ بِذِهنِهِ إِرمَاً وَعادا
تَوَهَّمَهُ وَلَم يَلفِظ بِحَرفٍ / فَما أَبدى لَدَيهِ وَلا أَعادا
وَأَحمَقَ مارِقٍ ناوى عُلاهُ / لِيُدرِكَها فَعادَ وَما أَفادا
إِذا أَعداؤُهُ ذكرَتهُ باتَت / كَأَنَّ عَلى مَضاجِعِها القَتادا
تُقلِّبُ رَأيَها بَطناً وَظَهراً / فَلا خَطاً رَأَتهُ وَلا سَدادا
حذارَ مُعاوِدِ الهَيجا لَجوجٍ / يَعُدُّ لَجاجَةَ السَرَفِ اِقتِصادا
جَرِيءٌ لَم يَصُل إِلّا أَرَتهُ / أُسودَ الغابِ صَولَتُهُ نِقادا
بَنى بِالبَصرَةِ الفَيحاءِ سُوراً / يُضاهي السَدَّ سَبكاً وَاِنعِقادا
وَأَيَّدَهُ بِمِثلِ اللَهبِ تَأبى / عَلى الأَيّامِ صُفَّتُهُ اِنهِدادا
وَزَيَّنَها بِأَسواقٍ أَرانا / بِها كُلَّ البِلادِ لَها سَوادا
وَأَروى أَهلَها عَذباً فُراتاً / وَلَم يَنفَح لَها عَذبٌ فُؤادا
وَكَم مِن مَشهَدٍ وَرِباطِ عَدٍّ / وَمَدرَسَةٍ بَنى وَهُدىً أَفادا
وَجامِعُها المُعَظَّمُ إِذ تَداعى / وَقالَ القائِلونَ عَفا وَبادا
أَقامَ لَهُ إِلى الأَهوازِ عِيراً / صِلاداً تَحمِلُ الصُمَّ الصِلادا
وَلِلشِيزى إِلى شيرازَ نُجباً / كَمِثلِ الهُضبِ أَجساداً وَآدا
وَبَثَّ بِكُلِّ بَحرٍ مُنشآتٍ / تَفوتُ بِطَيِّها الجُردَ الجِيادا
فَحينَ بَكى المُزاود لَيسَ فيها / تَرى أَمتاً يَشينُ وَلا اِتِّئادا
وَما مِن جَوهَرٍ إِلّا وَأَجرى / بِهِ مِن صَفوِ جَوهَرِهِ مِدادا
فِعالُ مُجاهِدٍ في اللَهِ بَدلٍ / مِنَ الأَبدالِ قَولاً وَاِعتِقادا
فَها هُوَ لَو خَوارِزمٌ رَآهُ / لَأَصغَرَ قَصرَهُ اللَّذ كانَ شادا
فَتيهي أَيُّها الرَعناءُ عُجباً / بِهِ وَتَناوَلي السَبعَ الشِدادا
فَقَد صارَت شُهورُكِ مُذ تَوَلّى / رَبيعاً لا تُمرُّ بهِ جُمادى
فِدىً لَكَ باتَكينُ نُفوسُ قَومٍ / أَجابُوا اللُؤمَ طَوعاً وَاِنقِيادا
إِنِ اِستَمرَيتَ أَسمَحَهُم فَباباً / تُعَوَّرُ إِذ تَسُدّ بِهِ الوِدادا
وَإِن يَوماً دَعَوتَهُمُ لِحَربٍ / أَثَرتَ لِيَومِ عاصِفَةٍ رَمادا
فَدونَكَ عَذبَةَ الأَلفاظِ جاءَت / بِنورٍ ساطِعٍ يَغشى البِلادا
تُريكَ سُطورُها وَاللَيلُ داجٍ / فَريدَ الدُرِّ مَثنىً أَو فُرادى
لَوِ اِجتازَت بِسامِعَتَي جَريرٍ / لَقامَ لَها جَلالاً وَاِستَعادا
وَلَستُ بِحالِبٍ لِسِواكَ شِعراً / فَأَخشى مِن تَعَرُّضِهِ الكَسادا
أَبَت لِي ذاكَ آباءٌ كِرامٌ / إِذا وُلِدَ اِمرُؤٌ مِنهُم أَفادا
وَنَفسٌ لا تُريعُ لوِردِ سُوءٍ / تُعابُ بِهِ وَلَو ماتَت جَوادا
بَقيتَ بَقاءَ ذِكرِكَ في المَعالي / فَلَيسَ أَرى عَلَيهِ مُستَزادا
وَعاشَ عَدُوُّ مَجدِكَ لا يُنادي / عَلى طُولِ الحَياةِ وَلا يُنادى