المجموع : 4
وحي من بني جشم بن بكر
وحي من بني جشم بن بكر / يزيدون القنا ثغر الأعادي
إذا نزلوا الحمى من أرض نجد / كفوه ترقب الديم الغوادي
أعاريب إذا غضبوا تروت / دما سربا أنابيب الصعاد
لهم أيد تشد عرى عراهم / بأطراف المهندة الحداد
وأعناق بها صعر قديم / تواري الغر باللم الجعاد
فلو جاورتهم لملئت كبرا / يخيم بين جيدك والنجاد
إذا ما جف ظهر الأرض محلا / فهم اندى البرية بطن واد
وفيهم كل واضحة المحيا / كأن وشاحها قلقا وسادي
ولولا حبها انتعلت نجيعا / إلى حفر حوافر من جيادي
نأت فكأن أجفاني طوتها / تباريح الهموم على قتاد
سلي عن يعملاتي كل واد
سلي عن يعملاتي كل واد / فقد باتت تشكاها البوادي
وأوردني السرى هلكات خيلي / فلم أبخل بشقر أو وارد
تعودت السياحة في الفيافي / فلم أعبأ بلج أو ثماد
ذريني والهوى بظباء قيس / فخدع الخل أثلم للفؤاد
وقد تأتي الخديعة من صديق / كما تأتي النصيحة من معاد
سليني شرح ديوان التصابي / فخافيه عليّ اليوم باد
قرأت صحائف الأشواق حرفا / فحرفا واهتديت إلى الرشاد
علمت بأن روضك غير روضي / فمالك تسألين عن ارتيادي
وللدنيا أحاديث طوال / غرائب شيبت لمم المداد
فكم صاد إلى الأحباب يوما / وكم يوم إلى الأحباب صاد
ليالي لم تزل بالبيض بيضا / وكانت كالسهول بلا وهاد
أرقت لذكركم طرفا وقلبا / ولحظ النجم يكحل بالرقاد
فزد يا سهد في قلقي إليهم / وزل عن جفن عيني يا رقادي
وهل يجدي سهاد العين شيئا / إذا كان الفؤاد بلا سهاد
أبعد مليح وجرة من مليح / وبعد مراد وجرة من مراد
شريت هواكم بالروح نقدا / وما علقت يدي بيد التمادي
أطالت فرقة الأحباب غيظي / فهل يوم أغيظ به الأعادي
ستذكرني إذا افتقدوا وفاتي / رجال من طباعهم التمادي
حسبت اللبث عجزا وانحطاطا / وما هو غير تمهيد المهاد
ولم أبرح وأن رغمت أنوف / عزيزا حيث كنت من البلاد
سلاني من أحب وواصلتني / أناس كان قطعهم مرادي
بليت بخلة كانت كأرض / أضاع سباخها عهد العهاد
وأصبح جامحا فرس الليالي / وكنت عهدته سلس القياد
وكل تنعم عقباه بؤس / وهل نار تكون بلا رماد
تلاعبني الليالي كل يوم / ملاعبة الفوارس في الطراد
خرقت صحائف الأيام علما / وصافحت الروائح والغوادي
وجربت الرفاق وجربتني / فلم أر غير زرع في جماد
معاداة الرجال بغير داع / بناء للأمور على فساد
وكانت قرة فغدت قذاة / وعقبى النار كلس من رماد
ورميك بالقطيعة غير رام / خلاف للمروءة والسداد
ومن زرع العداوة في البرايا / فليس سوى الندامة من حصاد
إذا ما كان ود المرء طبعا / فليس يفيد تطبيع الوداد
وليس بنافع طول اقتداح / إذا ما كان وري في الزناد
وحساد أضعت بهم هجائي / وحسب الليل أردية السواد
رأوا قمري بدا فاستكتموه / وماذا للمصر على العناد
إذا فسدت طباع الدهر سادت / على نجبائه أهل الفساد
وما أسفي على الأيام إلا / على إبل حداها غير حاد
أرى ترف الصبا كالشيب عندي / إذا كان الجميع إلى نفاد
فويل للشبيبة كيف ولت / ولم أنل السعادة من سعاد
وحظ كلما تاجرت فيه / رمى تلك التجارة في كساد
وخل كان معتمدي عليه / فمنذ جفا عتبت على اعتمادي
تصبر أو فمت جزعا ووجدا / حدا بعقيلة الحيين حاد
حبست ركابهم لوداع أحوى / ضلالي في محبته رشادي
إذا لم تبل حدا في حسام / فلا يغررك طول في النجاد
وقال القلب ودعني فلسنا / بملتقيين إلا في المعاد
قريب ما إليه سبيل وصل / وقرب ذوي القطيعة كالبعاد
ذريني فيهم وفساد حالي / صلاح البابلية في الفساد
كبا في حبكم يا سلم صبري / وقد يكبو النجيب من الجياد
طربت وحق لي طربي بقوم / جرى ملء العنان بهم جوادي
ترى أرما ديارهم المعالي / وأن هي لم تكن ذات العماد
تحوم لهم على العافي هبات / كما ازدحمت على الماء الصوادي
يؤمهم سليمان المعالي / ولا قش بن ساعدة الأيادي
فتى كم قاد للدنيا حرونا / أبى جبروته ذل القياد
وكم ساق العظام إلى صغار / كأنهم بقايا قوم عاد
يمينا باقتحامك والمنايا / تصبح بكل مقتحم بداد
أراه الحزم مصدر كل حال / وموقع كل داهية ناد
متى يجنى الغنى ممن سواه / وأين الورد من شجر القتاد
كأن عطاء كلتا راحتيه / عطاء النيرين بلا نفاد
ليمناه ويسراه يسار / ويمن في الملمات الشداد
ظلوم للذخائر ليس يبقى / على رمق الطريف ولا التلاد
وكف منك بالعقيان تندى / وذكر عنك يملأ كل واد
وطيب من حديث لهاك تلهو / به الركبان عن ماء وزاد
إذا خفقت لك الرايات يوما / تركت الدهر خفاق الفؤاد
يسارك معقل من كل عسر / وبأسك عوذة من كل عاد
فأنت أبو الزمان فمن يفادي / وأنت ابن القضاء فمن يعادي
دهمتهم بطعن من منايا / تسمى بالمثقفة الحداد
وزرتهم بأقدار مواض / يقال لها ظبى البيض الحداد
وطعن لا يذم الكر منه / إذا ذم الفرار من الجلاد
وزرع قنا على خلجان زغف / كأن قتيرها حدق الجراد
وإن تسلل بوارقه لحرب / فإن البرق من سمة الغوادي
هززت عوالي المران منه / فعادت عن مكائدها العوادي
متى عبس الكرام تجده طلفا / وسل يوم الطراد عن الجواد
وقدمه السماح على بنيه / فكان دليله في كل واد
وبلق من جياد الله باتت / تجهزها يد الملك الجواد
هواد للرجال إلى مناها / تسوم بالفتوح لها هواد
يسير بسيرها مولى تمنت / مواطىء خيله مقل الأعادي
أأحمد أنت أوفى الناس عهدا
أأحمد أنت أوفى الناس عهدا / ومجدا بعد والدك المجيد
عهدت لنا بأن تجدي مرار / وطبع الحر أنهى للعهود
فزودنا بمطلبنا وزدنا / فليس على عطائك من مزيد
وكم جيش يؤمك مستفيدا / سينعم منك بالكرم المفيد
وأنا كالرياض لها احتياج / لماء السحب من كرم وجود
وإن تسمح فإنك ذو سماح / تسهل شدة اليوم الشديد
وأين البخل عنك فررت منه / فرار الحسن من صور القرود
ومن لعبت بأنملة الغوادي / فليس يخاف اخلاف الوعود
أتاك العيد مبتسم المبادي
أتاك العيد مبتسم المبادي / كبسام الرياض من الغوادي
يداعب بعضه بعضا فيزهو / كأن العيد يهزأ بالأعادي
وفيه الكون مبيض الحواشي / وفيك العز مرفوع العماد
ضربت من الجميل له طريقا / ومن بيت المفاخر منك نادي
فحفتك البشائر منه حتى / أضاءت من أشعتها البوادي
فمهلاً أحمد الأفعال مهلاً / فقد تاب الزمان من العناد
وأمسى كالعدوّ بقيد ذلّ / وألقى الدهر فاضلة القياد
فإن قطع الزمان فأنت وصل / وأن ضل الزمان فأنت هاد
وإن أخفت حوادثه بزعم / بيوت الأكرمين فأنت باد
فدس بالأخمصين رقاب قوم / تصدت للعلى من غير زاد
وبيضٍ لو ضربت بها ثبيراً / تزلزل جانباه إلى الوهاد
وشوس لا تكعكعها المنايا / تمج الموت من صم صعاد
تطير بها عوابس ضابحات / من القبّ المطهمة الجياد
بها الأرواح تنتهب انتهابا / ويغدو الشمل ان طلعت بدادِ
لأهون للعدى مما تراه / من المجد المؤثّل والأيادي
ومن لم يعشق الحسنى ولكن / طريق المجد صعب والجهاد
ولو كانت بنو الدنيا سواء / لما عرف الصلاح من الفساد
يرى البخلاء أن المال ذخر / وبذل الذخر أذخر للجواد
ورب مولع بالشح حتى / رأى طرق الضلالة كالرشاد
ويهجر بالمكارم وهو أحرى / بذاك الهجر ما بين العباد
يروم بجهله أخماد ذكر / سرى كالبرق مخترق البلاد
فذرهم لا أبالهم يقاسوا / حرارات الضغائن والسهاد
فطرف المجد ساه فيك شوقا / كطرفك فيه ممتنع الرقاد
ملكت المجد والعلياء طفلا / فلا بدع إذا هجر المعادي
تحرك للجميل طباع قوم / غيوث الجود آساد الجلاد
قروم لا يرون الموت ذمّاً / إذا نادى إلى شرف مناد
سيوفهم لها أبداً مجيج / وهن إلى العدى أبداً صواد
على العلياء كم بذلوا نفيساً / وأنفسهم على البيض الحداد
فلو فدت العلى قوماً لكانت / لهم يوم المنية خير فاد
ولا سيما سليمان المعالي / نكال العاديات على الأعادي
فتى روى القنا والسيف حتى / بنى في المجد كالهرمين نادي
من الذكر الخلود له عماد / تشين بحسنها ذات العماد
وكان الناس جسماً وهو روح / وعيناً وهو انسان السواد
مبادي الجود أذهب ما عفاها / وأنت اليوم خاتمة المبادي
ولم يمت الذي يتلوه شهم / يقرب للعلى نهج البعاد
محل المكرمات محل حرّ / عليه الدهر بالأزمات باد
له أيد لفرط العذل يشكو / عليهن الطريف إلى التلاد
وحلم لفظه كالدر ينسى / به قس الزمان وحلم عاد
فيا من أضحت الركبان فيه / إذا سارت تراقصت البوادي
وأمسى الدهر من طرب يغني / كأن القفر عيس وهو حاد
تورك منكب العلياء واصدع / بما تهوى السراة بلا تماد
فإن العيش والأيام تمضي / وحاشا ما تحب إلى النفاد
وما يأتي غد إلا كيوم / عليك مضى وليس بمستعاد
ويبقى للفتى ذكر جميل / إلى يوم التغابن والتناد
ومن لم يحو في الدنيا جميلا / فلن يلقى الجميلة في المعاد
نقدت بني الزمان وكان ظني / مصيبا فيهم قبل انتقادي
فما شاهدت إلا بعض ناس / كنجم والبواقي من جماد
ودونك من قديم الودّ بكراً / تترجم عنه خالصة الوداد
إذا ذكرت علاك تهيم شوقاً / وشوق البكر عن حسن اعتقاد
ومحض الودّ تبرزه القوافي / ولولا ذاك ما عرف انقيادي
محبك حيثما اتجهت ركابي / وضيفك حيث كنت من البلاد