المجموع : 4
شَرِبناها على ذكرِ الوليدِ
شَرِبناها على ذكرِ الوليدِ / وليلُ الهمِّ يثقلُ كالحديدِ
فَخفَّ وشفَّ عن صبحٍ جميلٍ / كما شفَّ الحريرُ عن القدود
مُسخَّنةٌ وفاترةٌ تراءت / لنا في الكأسِ ناراً في جَليد
هي الصّهباءُ رَمزُ الحبِّ فيها / وفي لمعانِها كذبُ الوعود
ونكهتُها كأنفاسِ العذارى / إذا فاغَمتَهنَّ على صدود
وأما طعمُها فاسكُب وذقهُ / لتعرفَه بمختصرٍ مفيد
تَشوقُ العاشقين بريحِ شيحٍ / ولونٍ من دُجى ولظى قديد
وتُطمعُهم على نكدٍ وبؤسٍ / بما للإنكليزِ من الهنود
تقادمَ عَهدُها فروت حديثاً / غدا فيهِ حديثاً عهدُ هود
وعلّمتِ التآلفَ والتَّساوي / فأحسَت سيداً كأس المسود
وإنَّ صفاءَها منهُ التّصافي / وتوثيقُ المودّةِ والعهود
فلم أرَ مِثلها لرخاء عيشٍ / ونزعِ الغلِّ من قلبِ الحقود
فَقُل للمسلمينَ تجرَّعوها / على دين النّصارى واليهود
أخافُ من المزاجِ على زجاجٍ / يَسيلُ فما لدَيها من جمود
وَفورَتُها لسورَتِها مثالٌ / فإنذارُ الصواعقِ بالرعود
تَجنَّب شربَها واحذَر هواها / لأن الحانَ عرّيسُ الأسود
سواءٌ فيهِ عربدةٌ السكارى / وزمجرةُ الليوثِ على الصيود
تمشّت في عروقِ أبي نواسٍ / فهزّت عرشَ هارونَ الرشيد
وجرّدَت السيوفَ على عروشٍ / فأثكلتِ الخِلافةَ بالوليد
وذاقَتها جنانٌ بعدَ صدٍّ / فجادَت بالترائبِ والنُّهود
عديٌّ قد أجادَ الشّعرَ فيها / فلا تعذر بها غيرَ المُجيد
إذا الحَبَبُ النّثيرُ طفا عَليها / قرأتُ النَّثر من عبدِ الحميد
تذكّرتُ الذينَ تعشَّقوها / فكانَ الموتُ منهم كالرقود
فقلتُ على مضاجعهم سلامٌ / وموتاها أُولو الرأي السّديد
لقد ماتوا سَكارى واستحبُّوا / مناياهم على كرهِ الوجود
إلى السرِّ الخفيّ تحنُّ نفسي / لتسكنَ بعدَ تقطيعِ القيود
وتقنعُ بالقليل على حصولٍ / وتُعرِضُ بالوعودِ عن العديد
تمرُّدُها أثارَ الناسَ حَولي / فلم تحفل بوعد أو وعيد
ومن نُمرودَ شاقَتها نِبالٌ / فحيَّت كلَّ جبارٍ عنيد
ولم أكُ راغباً يوماً لجهلي / بعيشٍ أو بموتٍ من لبيد
أُحبُّ العيشَ في سعةٍ قصيراً / ولا اهتمُّ بالعيشِ العتيد
فما أدنى الحياةَ من التّلاشي / وما أدنى الحمامَ من الخلود
فكلني بالكؤوس أَكِل مداماً / فأخَتبرَ المنيّةَ بالهجود
وأسكرُ سكرةً لا صحوَ منها / وأَدخلُ جنّتَي حورٍ وغيد
وتحتي الزَّهرُ منتثرٌ وفَوقي / ونومي بينَ أقداحٍ وعود
وللأوتارِ ترنيمٌ شجيٌّ / كترجيعِ النواحِ على اللحود
فجلُّستانُ أو بستانُ سَعدي / يشَوّقُني إِلى عهدٍ سعيد
من الأقداحِ والأحداقِ سكري / فدع للنوكِ تجميعَ النقود
كذاكَ تقاربت لفظاً ومعنىً / فليسَ السكرُ عَنها بالبعيد
وفي الكأسِ الكياسةُ فاغتِنمها / وخُذ من نارِها قبلَ الخمود
فما نفعُ الحياةِ بلا اغتباطٍ / ولا طرب وإيناسٍ وجود
بحبّ الخمرِ شارَكني نَديمٌ / رشيقُ القدّ أطولُ من عمود
يموتُ بها ويحيا كلَّ يومٍ / فيدفعهُ القديمُ إلى الجديد
يَذوبُ ظرافةً ويَتيهُ عجباً / وينعتُ كلَّ صاحٍ بالبليد
يقولُ إذا عيوبُ الناسِ عُدّت / أتَعذلني على عَيبي الوحيد
تَعدُّ الشّربَ عَيباً غيرَ أني / عرفتُ بهِ الأسودَ من القرود
فقل للعاذِلينَ حَسدتُموه / ولا يُرجَى الثناءُ من الحسود
وحرمة دنّها لو ذقتمُوها / لجدتُم بالطّريفِ وبالتليد
وأطربكم على الألحانِ شعرٌ / من البحرِ الطّويلِ أو المديد
وإني لو مرضتُ وجعتُ يوماً / ومن تَشرابها داءُ العميد
لفضّلتُ المدامَ على دَوائي / وآثرتُ النبيذَ على الثَّريد
فمن دائي الدواءُ وفي الحميّا / محيّا السَّعدِ يبسمُ للمجيد
بها هانَ الحِمامُ على عَبيدٍ / فلم يَفرَق من الموتِ الأكيد
وقيلَ له تمنَّ فقالَ خمراً / يُنيرُ شُعاعُها عبرَ الشهيد
له يومٌ ولي أيامُ بؤسٍ / بها اشتُقّ الأشدُّ من الشَّديد
أنا بالسكرِ ثم الموت أولى / ففي هذينِ راحةُ مُستَزيد
فنعمَ الموتُ بعدَ السكرِ منها / وإلقاءُ السَّلامِ على عبيد
وفي موتي بها تحلوُ حَياتي / فمنها بَعثتي بعدَ الهمودِ
وفي حزني تُسلّيني كؤوسي / كأبوابٍ من العقدِ الفريد
فقلت لهُ اسقِنيها واشرَبَنها / على رغمِ الحسودِ أو الجحود
فأجلسُ بينَ ريحانٍ وراحٍ / وأستَجلي الكؤوسَ على الورودِ
وأغرسُ جنةً وأشيدُ قصراً / على أطلال عادٍ أو ثمود
ليالي مسلمٍ بيضٌ ففيها / شَفَت بنتُ المجوسِ ابنَ الوليد
وفي جرجانَ عزَّتهُ قليلاً / فلم يعبأ بأعمالِ البريد
كنَخلتِه غريباً حنَّ لما / رأى في الخمرِ أمناً للطريد
فكم من ليلةٍ منهُ تريني / شريداً يَقتفي أثرَ الشَّريد
وقد بلَّ النّدى شَعري وثوبي / وشِعري كالجواهرِ في العقود
ولاح البدرُ بين غماتيهِ / فرغّبني بمكسالٍ قعود
إليها اجتَزتُ سُوقاً بعد سوقٍ / وقلبي فيهِ من حرِّ الوقيد
وحينَ دَخَلتُ منزلها أرَتني / كناساً فيهِ تخويرُ الجليد
جَلت عن نارِ وَجنتِها دخاناً / وأبدَت حمرَها من تحتِ سود
وقالت والوشاحُ على يَدَيها / بهذا مَصرعُ البطل النجيد
فقلتُ النارُ شاقتني وإني / مجوسيٌّ يُشمِّرُ للسجود
أرى نهدَيكِ معزفةً وعرشاً / لأكبرِ من هشامٍ أو يزيد
إذا لمَستهما كفِّي وجسَّت / أُناغي أو أُغنِّي كالوليد
بضيقِ الذَّرعِ مِنكِ أضيقُ ذرعاً / فأَخفي ما يوَسوسُ أو فجودي
فلستُ براجعٍ عنهُ وإني / لآخِذُهُ من الزَّردِ النضيد
فآدمُ لم يَرعهُ الموتُ لما / جَنى التفَّاحَ من حمرِ الخدود
ولما احمرَّ خدّاها ولاحت / على الشّفتَينِ بيِّنةُ الشّهود
هَصَرتُ قوامَها بذؤابَتيها / فلامَسَ رأسُها حَبلَ الوريد
وبتُّ أقبِّلُ المرجانَ حتى / رأيتُ الدرِّ من أغلى فريد
وفاحَ على ثناياها شَذاها / وفي أنفاسِها تحريقُ عود
سَقَتني خمرَتَي كأسٍ وثَغرٍ / وجادَت لي بتَجويدٍ وجيد
نَعِمتُ بها منعِّمةً للحنِ / إذا غَنّت أقولُ لها أعيدي
كذا محبوبةٌ غَنّت وفضلٌ / لدى متوكِّلٍ ولدى سعيد
وأطرَبتِ الحجازَ جَرادتاهُ / مُغرِّدَتينِ للعيشِ الرغيد
ولما انشَقَّ صدرُ الليلِ حقداً / على مُتَمَتِّعٍ فيه سهيد
تنشّقتُ النسيمَ فنعّشتني / نوافحُ برَّدت حرّى الكبود
وقابَلني الصّباحُ كمشتهاةٍ / رَنت وتبسّمت لفتى ودود
فتقتُ إِلى التنزّه في رياض / معلّقةٍ إِلى الجبلِ المريد
لأملأ مُهجتي نوراً ونضراً / وطيباً في حِمى ظلٍّ برود
طلعتُ أجدّ آمالي عَليه / معَ الفَلَقِ المجدّدِ والمعيد
وليسَ مطيتي إِلا زحوفاً / أحَبُّ إِليَّ من ذاتِ الوخيد
فكم حنّت خمائلُ وارجَحَنَّت / ونَفحُ نَسيمها مشيُ الوئيد
وفيها الرّيحُ هبت فاشرأبت / كجمهورٍ يُطلّ على وفود
فأطرَبني حفيفٌ أو خريرٌ / لماءٍ في التهائم والنجود
فطَوراً سالَ رقراقاً وطَوراً / تبجَّسَ من حَشى الصّخرِ الصَّليد
وغَرّد ثَمَّ عصفورٌ لطيفٌ / فعلّمني أساليبَ النّشيد
وردَّد صفرةً خَلبت فؤادي / فكانت عنده بيت القصيد
فَقُلتُ أعِد غِناءَكَ يا مُعَنَّى / ولستُ لغيرهِ بالمُستعيد
سواءٌ نحن فالتغريدُ شعرٌ / فغرِّد للمجيدِ المستجيد
وإِلا ضعتَ مِثلي بينَ قومٍ / أُجاوِرُهم ولستُ بمُستفيد
جواري لم يكن إِلا إساراً / وأشعاري كصَلصلةِ القيود
فبت حرّاً وطِر حرّا فموتٌ / حياةُ الحرِّ ما بينَ العبيد
لسانُ الطَّير أفهمُه فرُوحي / كأرواحٍ من الأطيارِ رود
شكوتُ إليكَ والشّكوى عزاءٌ / فما أدنى الودود من اللدود
أراكَ تزقُّ أفراخاً وتزقُو / فأذكرُ كلّ مأدبةٍ وعيد
وَقَت لكَ دوحةٌ إلفاً وعشّاً / وهذي دعوةُ النائي الفقيد
مَرَرنَ وقد مرَرنَ على فؤادي
مَرَرنَ وقد مرَرنَ على فؤادي / رشيقاتِ القدودِ على الجيادِ
أوانسُ ضاحكاتٌ هازلاتٌ / يعلّمنَ الفتى حقرَ الرّشاد
رواتعُ في الحريرِ مُنَعَّماتٌ / كغيضةِ زنبقٍ في ظلِّ واد
حَمَلنَ الزهرَ في شعرٍ وصدرٍ / فاخرجنَ الشعورَ من الجماد
ورحنَ على السُّروج الى مروجٍ / كأنَّ السرجَ أنعمُ من وساد
فسِرتُ وراءهنّ على جوادٍ / يُرى في عينهِ قدحُ الزّناد
وحينَ سمِعنَ من مهري صَهيلاً / رَنونَ بأعيُنٍ خَلبَت فؤادي
فقلتُ لهنَّ لا تخشَينَ ضَيماً / فإني في الخطوبِ لكُنَّ فاد
وإني كي أُمثِّلكنَّ ليلاً / بتذكارٍ رغِبتُ عنِ الرقاد
فقلنَ نراكَ ذا لطفٍ وظرفٍ / فلستَ إذاً غريباً في البلاد
فقلتُ الحسنُ هذَّبني وقلبي / يحنُّ إلى الأزاهرِ والغوادي
ألا ياصاحِ قل لي هل تُلاقي / أحبَّ من الفتاةِ على الجواد
ألا يا حبَّذا فتياتُ قومي / على خيلِ التنزُّهِ والطِّراد
إلامَ تعالجُ الأُسدُ القيودا
إلامَ تعالجُ الأُسدُ القيودا / وهذا العصرُ قد رفع القرودا
فكم أصبَحتُ أرسُفُ في قيودي / فقطَّعت السلاسلَ والقيودا
وفي الأرزاءِ قد جرَّدتُ عزمي / حساماً يفلقُ الخطبَ الشديدا
خبرتُ الناسَ حتى بتُّ أخشى / لفرطِ اللؤمِ أن أغدو وَحيدا
فصرتُ أرى الفتى لسدادِ رأيي / رديءَ الخلقِ أصلاً أو حميدا
لقد غلبَ التَّطَبُّعُ من طباعٍ / فتربيةُ المربِّي لن تُفيدا
يُحَسِّنُ صَقلُنا ذَهباً ودرّاً / وليس يُغَيِّرُ الصَّقلُ الحديدا
بكيتُ على الصداقةِ من صديقٍ / يظلُّ وفاؤه أبداً وُعُودا
وحقَّرتُ الهوى العذريَّ لما / رأيتُ حبيبتي تُبدي صُدودا
وقد ملَّكتُها قلباً كريماً / ومني قد رأت بالنفسِ جودا
وفي غَيظي سعيتُ إلى رِضاها / فكانَ جزاءُ إحساني الجحودا
تراها ليسَ تذكرُ حين بِتنا / أُقبِّلُ وجنةً منها وجيدا
وأذرفُ أصدقَ الدمعاتِ حتى / غَدَت في جيدِها الباهي عُقودا
ونحوَ الشَّرقِ ليلَ مَدَدتُ كفي / أُجدِّدُ في محبَّتِها العهودا
وقد فعلت كذا مِثلي وكانت / نُجومُ الليلِ تَرقُبنا شهودا
كذاكَ الغانياتُ عَشِقنَ طَيشاً / من الدنيا الذي يَبدُو جديدا
أعنترَ قُم ويا عَمرو الزّبيدي
أعنترَ قُم ويا عَمرو الزّبيدي / معَ ابنِ العاصِ سِر وابن الوليد
ويا ابنَ زيادٍ الْحقْ بابن سعدٍ / وجُز بحراً إلى الفَتحِ البعيد
ويا حجاجُ أخمد كلَّ فوضى / وأهلِك كلَّ جبّارٍ عنيد
دَعوتُ لقلّةِ الأحياء موتى / لتَشتَقَّ الحياةُ من الخلود