أريد لَو اِستَتَبَّ لي الخُلودُ
أريد لَو اِستَتَبَّ لي الخُلودُ / وَلَكِن أين مني ما أريدُ
عَلى أَنَّ البقاء يطيل همي / وَما في ريثه ما أَستَفيد
وَلَيسَ بِنافِعي شَيئاً بَقائي / وَقَد غصت بأصحابي اللحود
وَلكن كَيفَ إقناعي لنفس / تعلُّقُها بدنياها شَديد
أأصبر عن أحبائي الألى قد / ثَوَوا إني إذاً رجل جليد
مشوا للموت من دار أقاموا / معي فيها فأقفرت العهود
تثير ديارهم حزناً بقلبي / وتوحشني التهائم والنجودُ
فان يكُ في الأسى رجل وحيد / فاني ذلك الرجل الوحيد
يسير إلى المقابر كلَّ يوم / أخٌ منها التراب به يزيد
ولو عاد الذي يمضي سلونا / ولكن من ترحَّل لا يعود
وما هي حالة الشهداء فيها / أَأَيقاظٌ هنالك أم رقود
لعمرك لا يردُّ الموت حصن / ولا هذي العساكر والجنود
يبيد نعم يبيد المرء لكن / عناصره تدوم ولا تبيد
يدور الشيء من صفة لأخرى / ولكن منه لا يفنى الوجود
وجسم المرء تبنيه خلايا / زمانُ حياتها فيه زهيد
إذا ما مات منها فيهِ قسم / يجيء مكانه قسم جديد
وينقطع التجدُّد حين يودي / فلا يخضرُّ بعد اليبس عود
ألا إن الحياة أعزّ شيء / نُحب وإنها الخصم اللَّدود
شقاءٌ عم هذا الناسَ حتى / تشكَّى الشيخ منه والوليد
وقالوا بعض من يحيا سعيد / فمن هو ذلك الحيُّ السعيد
أتعكس حالة الشرق الليالي / فتجتمع المعارف والجدود
أثار الجهل في بغدادَ ناساً / تجيش بهم على هضمي الحقود
وما ان لي إلى الجهال ذنب / فيغريهم بنفسي أن يكيدوا
سوى أني مخالفهم وأني / لكل خرافة منهم جَحود
عليَّ كلابهم هرّت فمن لي / بِمخصَرة بها عني أذود
بُليت بثلة ضجوا وعجُّوا / لأقوالي كأنهم القرود
بهائمُ رتّع لكن عليهم / كإنسان تشكلت الجلود
وأشرافٍ لهم بالرغم منهم / طريف المجد والمجد التليد
لعمرك لا يُنيل المجد مالٌ / ولا خيلٌ ولا إبلٌ ترود
ولا ثوبٌ على طرفيه وشيٌ / ولا قصر على تلّ مَشيد
دَعُوا باللَه دعوى المجد مَيناً / فما أورت لكم فيهِ زنود
فإن المجد في أدب غزير / وإن المجد في علم يفيد
وإن المجد ذبٌّ عن ضعيف / تَهضَّمهُ أخو الظلم العنيد
وكم هُضمت ببلدتكم نفوس / فطاب لكم عن النصر القعود
وإن يطلع عليكم قرن والٍ / يَخِرُّ بكم إلى الأرض السجود
وهل علم الذين توعدوني / بأَني لا يخوّفني الوعيد
وأني في مكاني ثابت لا / تزلزلني الصواعق والرعود
ولست بِمَن إذا جلبوا يبالي / بهم فلكل زوبعة ركود
أداري الحاسدين رجاء أن لا / يبالغ في مساءتيَ الحسود
يضرُّ النفس منه أو يَقيها / فتى يلج الحوادث أو يحيد
وأوقاتُ الفتى إما نحوس / تدور على المصائب أو سعود
ليالٍ هن بالأفراح بيض / وأيام من الأحزان سود
كذاك الشعر فهو يكون إما / رديئاً لا يطيب به النشيد
وإما رائق الألفاظ زاهٍ / فتحسب أنه العقد الفريد
وذاك هو الذي إن أنشدوه / تَزَيّنَ منه للآداب جيد
أقول الشعر منقاداً إليه / بطبعٍ لي وأكثره قصيد
فأنظِمه ولا أدري أَأَني / مسيء حين أنظم أم مجيد
إليك عَن المَجَرَّة لا تسلني / وَعن عدد العوالِم كَم يَزيد
وَلا عما وَراء السحب منها / فَذَلِكَ مطلب عنا بَعيد
حدود تَنتَهي الأفكار منا / وَما إِن تَنتَهي تلك الحدود
وَبين الفرقدين عَلى اتصال / تَراهُ عيوننا بُعدٌ مَديد
أَلكني يا ضياء إلى نجوم / بعيدات لها منها وقود
يَراها من له لب شموساً / ويعمه عَن حقائقها البَليد
وَجئْ منها بأَخبار إلينا / فإنك بَينَنا نعم البَريد
سَترقى النفس طائرة إليها / إذا اِنفكت عَن النفس القيود
لقد تعست هنا فإذا تعالت / يكون نصيبَها عيش رغيد
لعمرك قد تَشابهت اللَيالي / فَما في عودها شيء جَديد
نهار بعده يأتي نهار / وَليل كُلما ولى يَعود
ترى عيني بكفِّ الموت قوساً / بها سهم إلى جهتي سديد
فيا موت ارمني إن كنت ترمي / فإني بالردى صبٌّ عميد
وَلَم أَرَ منهلاً كالمَوت عذباً / عَلى طرفيه تزدَحِم الورود
أقول لمن يهاب الموت جبناً / برغمك كائن ما لا تريد
ولكني أخلِّف عند موتي / نساءً حزنها بعدي شديد
فتلدم للجوى منها صدور / وتخمش للأسى منها خدود
مرزَّأَة وأخرى ذات نوح / وأخرى ما لأعينها جمود