القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عبد الغَفّار الأَخْرس الكل
المجموع : 9
وميضُ البرق هيَّج منك وجدا
وميضُ البرق هيَّج منك وجدا / فكدت تظنُّه من ثغرِ سعدى
ألمَّ بنا بجنحِ الليل وهناً / كما جرّدت من سيف فرندا
توقَّد في حشا الظلماء حتَّى / وجَدنَا منه في الأحشاء وقدا
وجدَّ بنا الهوى من بعد هزلٍ / وكم هزل الهوى يوماً فجدَّا
خليليَّ اذكرا في الجزع عَهدي / فإنِّي ذاكر بالجزعِ عهدا
وأيَّاماً عهِدتُ بها التصابي / وكانَ العيش بالأحباب رغدا
زمان كم هصرتُ به قدوداً / لباناتِ النقا وقطفت وردا
ولذَّات لأيامٍ قصار / قَضَت أيَّامها أن لا تردا
بعيشك إن مررت بدارِ ميٍّ / وهاتيكَ الطلول فلا تعدَّى
لنقضي يا هُذَيْمُ بها حقوقاً / عَلينا واجباتٍ أن تؤدَّى
أتذكرُ يوم أقبلنا عليها / على إبلٍ تقدُّ السَّيرَ قدَّا
وعُجنا العيس عن نجدٍ حثيثاً / وخلَّفنا وراء العيس نجدا
فروَّينا منازلَ دارساتٍ / بها صرف النوى أزرى وأودى
بواعث لوعةٍ ودموع عينٍ / أمدَّ العينَ منها ما أمدَّا
لئنْ خُلِقَتْ منازلنا فإنِّي / رأيت الوجدَ فيها مستجدَّا
ملكتُ وقوف جانحةٍ إليها / ولم أملِكْ لهذا الدمع ردَّا
وكانتْ للغرامِ ديارُ ميٍّ / مراحاً كلّ آونةٍ ومغدى
بودّكما رفيقيَّ ارفقا بي / إذا راعَيتُما للصبِّ ودَّا
أعيناني على كلفي لعلِّي / أرى من هذه الزفرات بُدا
ولي كبدٌ إلى الأحبابِ حرَّى / فهل تلقى لها يا سعدُ بَردا
أحبَّتَنا وإنِّي قبلَ هذا / شريت هواكمُ بالرُّوح نقدا
أزيدكُمُ دنوًّا واقتراباً / وقد زدْتُمْ مصارمةً وبعدا
عِديني يا أُميمَة بالتداني / وإنْ لم تنجزي يا ميُّ وعدا
أرى سيفي فأذكر منك لحظاً / وخطَّاري فأذكر منك قدَّا
أمنك الطَّيف واصلني وولَّى / فما بلّ الصَّدا مني وصدَّا
ولو أهديته أخرى لعيني / لأنعمني بل أسدى وأهدى
تهدّى من زرودَ إلى جفوني / وما أدري إذاً أنَّى تهدَّى
ولو أدَّى إليك حديث وجدي / عرفت إليك منِّي ما يؤدَّى
جفتني الغانيات فلا سبيلٌ / إلى سلمى ولا إسعاف سعدى
وخاصمتُ الزمانَ فخاصمتني / حوادثُ لم تزلْ خصماً ألدَّا
فإنْ أظهرتُ للأيَّامِ منِّي / رضًى عنها فقد أضمرت حقدا
سأترك للنياق بكلِّ أرضٍ / ذميلاً من توقُّصِها ووخدا
كما لابن الجميل أبي جميل / نياق مطالب الرَّاجين تحدى
فتبلغ مقصداً وتنال عزًّا / كريم لو يفتني منه قصدا
فكم يولي الجميل أبو جميلٍ / ونوليه به شكراً وحمدا
ويوشك إنْ سقَتْ يده جماداً / بجدوى أنبتتْ شيحاً ورندا
إذا يمَّمته يَمَّمتُ يمناً / وإنْ طالعته طالعتُ سعدا
لقد نالَ العلاءَ ومدَّ باعاً / إلى ما لا ينال وجازَ حدَّا
هو الجبل الأشمّ من الرَّواسي / تخرُّ له الجبال الشمُّ هدَّا
أدامَ اللهُ في الزوراءِ ظِلاًّ / له منه علينا قد أمدَّا
وآمنَ أهلَها كَيدَ الرزايا / وإن لسائرِ الأرزاء كيدا
فوقرها وقد مارت وقور / إذا حرَّكته حرَّكت طودا
وأيّة أزمةٍ لم يُدعَ فيها / ولم يمدد لها باعاً أشدَّا
ومكرمة وإحسان وفضل / وما فيها سعى ولها تصدَّى
جميل ابنِ الجميل لكلِّ حرٍّ / يؤمل منه إحساناً ورفدا
فقلْ للوفدِ غايته إليه / أَوَفْدَ الأكرمين نعمت وفدا
بجودٍ منه يترك كلَّ حرٍّ / له في ذلك الإحسان عبدا
وفيض يدٍ يكاد البحر منها / على طولِ المدى أن يستمدَّا
مرير السخط نشهد أن ما في / يثيب عفاته ضرباً وشهدا
أبيٌّ لا يضام وَرُبَّ ضيمٍ / سعى لينال جانبه فأكدى
شجاعٌ ما انتضى الصمصام إلاَّ / وصيَّر مفرقَ الأعداء غمدا
قوام الدِّين والدُّنيا جميعاً / وسيف الله والركنَ الأشدَّا
مناقبك التي مثل الدراري / نظمت بها لجِيدِ الدهر عقدا
وجودكَ للوجودِ به حياة / ولولا أنتَ مهجته تردَّى
وبعض الجود منقصةٌ وذمٌّ / وجودكَ لم يزلْ عزًّا ومجدا
بروحي منك أبيضُ مشرفيٌّ / وأمضى من شفير السيف حدَّا
يضيءُ ضياءَ منصلتٍ صقيلٍ / تجرَّد من قرابٍ أو تَبَدا
وإنِّي قد عَرَفتُ الناس طرًّا / ولم أعرف له في الناسِ نِدَّا
فَضَلْتَ العالمين بكلِّ فضلٍ / فلا عجب إذا أصبحتَ فردا
وَفَدَّتْكَ الأماجد والأعالي / ومثلك في الأماجد من يُفدَّى
وما في الماجدين أجلُّ قدراً / ولا أورى وأثقب منكَ زندا
ولا أوفى وأطولُ منك باعاً / ولا أعلنُ إلى العلياءِ جدَّا
فَدُمْ واسلمْ كما نهوى وتهوى / تَسرُّ مُوالياً وتغيظُ ضدَّا
فإنَّكَ إنْ سَلِمْتَ مَعَ المعالي / فلا نخشى لكلِّ الناس فقدا
أمِنْ بعد الهُمام القَرْم وادي
أمِنْ بعد الهُمام القَرْم وادي / تَصوبُ غمامةٌ ويسيل وادي
وهل يسقي الغمامُ بني زبيدٍ / فتنقع غلة ويبلّ صادي
لتصدى بعده الورّاد طرا / وأين الماء من غلل الصوادي
شديد البأس أروع مستشيط / يرد شكيمة الكرب الشداد
فكيف يقوده صرف المنايا / وكنت عهدته صعب القياد
قريباً كانَ ممَّن يَرْتَجيه / رماه الحتفُ منّا بالبعاد
وذخر الأنجبين وكلّ ذخر / ستسلِمه الخطوبُ إلى النفاد
فقدنا صبحَ غرَّته بليل / كسا الأيام أردية السواد
وروّعت النجوم الزهر حتَّى / برزن من الدجنّة في حداد
كأنَّ له من الأحشاء قبراً / فؤادي لو شققت على فؤادي
يعز على العوالي والمعالي / وسمر الخط والخيل الجياد
أسيرٌ بين أيديها المنايا / فلا يُفدى وإن كثر المفادي
يغضّ الطرف لا عن كبرياء / ولم يشغل بمكرمة ودادي
فليس القول منه بمستعاد / وليس الجود منه بمستفاد
يبيت بلا أنيس بين قومٍ / نيامٍ لا تَهُبُّ من الرقاد
ولو يفدى فدته إذَن رجال / عوادٍ بالسيوف على الأعادي
وحالت دونه بيض حداد / شفعن بزرقة السمر الصعاد
ولاجتهدت بمنعته عقول / لها في الرأي حقّ الاجتهاد
ولكن قد أصيبَ بسهم رامٍ / قضى أن لا يرد عن المراد
وليس لما قضاه الله ردٌ / وأمرُ الله يجري في العباد
أرى الآجال تطلبنا حثيثاً / ونحن من الغواية في تهاد
وأعمار تناكَصُ بانتقاص / وآمال تهافت بازدياد
وقد غلبت لشقوتنا علينا / وكاد الغيُّ يمكر بالرشاد
ونطمع بالبقاء وما برحنا / نُرَوَّعُ بالتفرّق والبعاد
نودّع نائياً بالرغم منا / إلى سفر يطول بغير زاد
ونسلو عن أحبتنا ولسنا / بملتقيين إلاَّ في المعاد
لقد عظم المصاب وجل رزءٌ / بفقد المكرمين من البلاد
فقدنا وادياً فيها فقلنا / على الدنيا العفا من بعد وادي
وفلَّ الموت مضرب هندوانٍ / وأرزى بالحمائل والنجاد
أذوب عليك بالحزن إدّكاراً / وأشرقَ منك بالماء البراد
ولي نفسٌ تَلهبُ عن زفيرٍ / كما طار الشَّرار عن الزناد
على ليث هزبر تكاد منه / ليوث الغاب تصفد في صفاد
يماط عن الثياب وكان يكسو / غداة الروع سابغة الدؤادي
قد انقشعت سحابة كلّ عافٍ / بوبل القطر في السنة الجماد
وكدرت المشارب بعد صفو / وما يجديك رفق من ثماد
هي الأيام لا تصفو لحيًّ / ولا تبقي الموالي والمُعادي
ألَمْ تنظر لما صنعت بعادٍ / وأقيالٍ مضت من بعد عاد
وما أدري على أيّ اتكال / وثقنا بالسلامة واعتماد
فكم نطأ الرماد ونحن ندري / ونعلم أنَّ جمراً في الرماد
وهبنا مثل نبت الزرع ننمو / فهل زرع يدوم بلا حصاد
وتهلِكُ أمَّة وتجيء أخرى / ويخفى ذا وهذا اليوم بادي
على هذا اطّراد الدهر قِدماً / فكيف نروم عكس الاطراد
لقد كانت بيوت بني زبيد / ولا أرمٌ بها ذات العماد
فراحت كالسوام بغير راع / وضلّت كالجمال بغير حاد
فمن للجود بعدك والعطايا / ومن للحرب يقدم والجلاد
فلا تستسقيا غيثاً مريعاً / وقرّي يا صوارم في الغماد
فقد فَقَدَ المكارم ناشدوها / فلا جود يؤمل من جواد
بربك هل سمعت لنا نداءً / وما يغني النداء ولا التنادي
أما أنتَ المجيب لكل هول / ببيض الهند والزرق الحداد
ومنتدب الكماة ومقتداها / إذا انتدب الفوارس للطراد
ووابل صوبها المنهل تندى / بنائله الروائح والغوادي
فمن يدعى وقد صمَّ المنادي / فوالهف الصريخ عن المنادي
بللتك بالنجيع نجيع دمعي / وأقلامي بمسود المداد
وقد قلت الرثاء وثَمَّ قولٌ / يثير لظى حشاً ذات اتقاد
فليتك كنت تسمع فيك قولي / وما أبديه من محض الوداد
تشق لها قلوب لا جيوب / ولو كانت أفظّ من الجماد
قوافٍ تقطر العبرات منها / وتستسقى لك الديم الغوادي
إذا ناحت عليك بكلّ نادٍ / بكينا المكرمات بكل ناد
متى يَشفى بكَ الصبُّ العَميد
متى يَشفى بكَ الصبُّ العَميد / ويبلُغُ من دُنُوُّكَ ما يُريدُ
شجٍ يُحييه وصلٌ من حَبيبٍ / ويقتلُهُ التَجَنُّبُ والصُّدود
وما أنسى لنا ساعاتِ لهوٍ / مَضَتْ والعيشُ يومئذٍ حميد
ونحنُ من المسرَّةِ في رياضٍ / تُحاكُ من الرَّبيع لها برود
وبنتُ الكرم قد طَلَعت علينا / يُكلّل تاجَها الدرُّ النضيد
معتَّقَةً تُسَرُّ النفسُ فيها / وقد طافت بها حسناءُ رُود
وقد صَدَحَتْ على الأَغصان وُرقٌ / فأغصانُ النقا إذ ذاكَ ميد
تُعيدُ عليَّ ما تُبدي غَرَاماً / فكم تُبدي الغرامَ وكم تُعيدُ
تجاوبها الغواني بالأَغاني / فيُطربنا لها نايٌ وعُود
فحينئذٍ يدارُ على الندامى / مُذابُ التبر والماء الجَمود
ويُرجَمُ كلُّ شيطانٍ مريدٍ / بحيث الهمُّ شيطانٌ مريد
سقى أيَّام لهوٍ في زَرود / وما ضَمَّتْ معانيها زَرود
نُجَدِّدُ ذكرها في كلِّ يومٍ / وهل يبقى مع الذكر الجديد
فقد مَرَّتْ لنا فيها ليالٍ / كما نظمت قلائدها العقود
ليالٍ لم نكنْ نُصْغي للاحٍ / أينقص بالملامة أم يزيد
فكم في الحبِّ من لاح لصبٍّ / يفيد بزعمه ما لا يفيد
أحِبَّتَنا لقد طالَ التنائي / وحالت بيننا بيدٌ فبيد
فيا زمنَ الصِّبا هَلْ من رجوعٍ / ويا عهدَ الشباب متى يعود
سلامُ الله أحبابي عليكم / إلى بغداد يحملها البريد
يُهَيِّجُ لوعتي وَجْدٌ طريفٌ / لكم ويشوقُني وَجْد تليد
فهل أخبِرْتم أنِّي بحالٍ / يساءُ بها من الناس الحسود
تَقُرُّ البصرةَ الفيحاء عَيني / بما يولي محمَّدها السعيد
فتًى لا يزالُ يُوليني نداه / ويغمُرني له كرم وجود
تدفَّقَ منهلاً عذباً فراتاً / فلي من عذب منهله ورود
ولولا برّه طِبت نفساً / ولم يخضرّ لي في الدهر عود
أُشاهدُ منه إذ يبدو هلالاً / وبدراً من مطالعه السعود
وغيثاً كلّما ينهلُّ جَوٌّ / وليثاً كلّما خفَقَتْ بنود
فَدَتْه الناسُ من رجلٍ كريمٍ / تنبَّه للجميل وهم رقود
وشيَّد ما بَنَتْه من المعالي / له الآباء قِدماً والجدود
فتىً من هاشمٍ بيضِ الأيادي / بحيثُ حوادثُ الأيّام سودُ
رؤوفٌ بالمُلِمِّ له رحيمٌ / صديقٌ صادقٌ بَرٌّ وَدود
ومَن آوى إليه وحلَّ منه / بأكرم ما تحلُّ به الوفود
فقد آوى إلى ركنٍ شديد / وليس كمثله ركن شديد
همُ آلُ النبيّ وكلُّ فضلٍ / لديهم يستفيد المستفيد
هُمُ يوم النوال بحارُ جود / وفي يوم النزال هم الأُسود
فمن جودٍ تَصوبُ به الغوادي / ومن بأسٍ يلين له الحديد
هُمُ الأقطاب والأنجاب فينا / إذا دارت دوائرها الوجود
وإنْ عُرِضَت كرامتهم علينا / فما للمنكرين لها جحود
وما احتاج النهار إلى دليل / وقد شَهِدَتْ به منه شهود
فمنها ما نشاهده عياناً / إذا ما النار أضرمها الوقود
وللأكفاء يومئذٍ عَلَيْهم / هبوطٌ في الحضيض ولا صعود
رجال كالجبال إذا اشمَخرَّتْ / تَبيدُ الراسياتُ ولا تبيد
يخلّدُ ذكرهم في كلِّ عصر / وما للمرءِ في الدنيا خلود
فيا بيت القصيد إليك تهدى / من العبد الرقيق لك القصيد
فيطربك النشيد وكلَّ حرٍّ / كريم الطبع يطربه النشيد
فإنَّك والثناءُ عليك منِّي / وما أملَيته طوق وجيد
لقد سُدْتَ الكرامَ ولا عجيبٌ / فمثلك في الأكارم من يسود
وما استغنيتُ عنك بكلِّ حال / وهل يغني عن الماء الصعيد
خدمتك بالقريض فطال باعي / كما خَدَمَتْ مواليها العبيد
ونِلْتُ بك المرادَ من الأماني / فَنِلْتَ من المهيمنِ ما تريد
تَذَكَّر في ربوع الضّال عَهْداً
تَذَكَّر في ربوع الضّال عَهْداً / فزاد به وجودُ الذكر وَجْدا
وأضناه الهوى بغرام نجد / فأصبحَ بالضّنى عظماً وجلدا
وشامتْ منه أعْيُنه فأروى / وميض البرق في الأحشاء زندا
فمن لجوانح مُلِئَت غراماً / كما مُلِئَت عيون الصَّبِّ سهدا
وفي تلك المنازل كانَ قلبي / فمذ فقد الأحبة راح فقدا
سقى أطلال رامة في غوادٍ / تخدد ثم وجه الأرض خدا
وحيّاها حَياً يحكي دموعي / بها يسقي ها علماً ووهدا
وكيف سلوّ أهل الخيف وُدّي / ولم أسْلُ لهم في البين وُدّا
تصدّى ظبيُ لعلع في تلافي / وأسْلَبَني التصبّر حين صدّا
وظُلم منه حرّم رشفِ ظَلْمٍ / سواه لا يريني الوجد بردا
ولم يعطف على دَنِفٍ كئيب / وقد حاكى غصون البان قدا
أعينا مغرم العينين صبًّا / تَعدّته السّهام وما تعدّى
لعمرك ما الهوى إلاَّ هوانٌ / ومَن رام الملاح وما تردّى
وكم مولىً تعرّض للتصابي / فصيّره الهوى بالرغم عبدا
خليليَّ اسلكا فينا حديثاً / لنجفو عنده سلمى وسُعدى
وهاتا لي بمحمود مديحاً / وقولاً فيه مدحاً ما تَوَدّا
به الرحمن أودع كلَّ فضلٍ / وفي بُرد الفضائل قد تردّى
إذا عَدّوا أكابر كلّ قومٍ / فأول ما جناب علاه عدا
لقد زرع الجميل لكل قلب / فكلٌّ فاه في علياه حمدا
وحلّ له على الإسلام شكراً / فصار عليهم فرضاً يؤدّى
وعَمَّ ثناؤه شرقاً وغرباً / وسَيَّر ذكره غوراً ونجدا
ويبسط راحةً تنهلّ جوداً / أحبّ مكارم الكرماء وفدا
ونوردُ من يديه إذا ظَمِئْنا / فيسقيان بذاك الكفّ شهدا
وندفع في عنايته خطوباً / إذا أضحت لنا خصماً ألدا
متى يممته تجدو نداه / أفادك من كلا البحرين رفدا
فهذا أعلم العلماء طراً / وأكرمُ من أفاد ندىً وأجدى
وكم من حاسدٍ لعلاه يوماً / فمات بغيظه حَسَداً وحِقدا
وأمَّل مجده فغدا كليلاً / ورام بلوغ همّته فأكدى
أرَدْنا أنْ نَعُدّ له صفاتٍ / فما اسطعنا لذاك الفضل عدا
وحاولنا نروم له نظيراً / فان بعصرنا في الناس فردا
تقلّد منه هذا الدِّين سيفاً / وزيّن فيه هذا العصر عقدا
وقلنا كالحسام العضب عزماً / نفاق غراره قطعاً وحدا
وقسنا كفّه بالمزن جوداً / فكان يمينه من ذاك أندى
ويمزج لطفه آنا وقاراً / يذوب فكاهة ويشد وجدا
وصال بمحكم الآيات يوماً / وهدّ عقيدة الأغيار هدا
أبان لأهل إيران بياناً / فحيَّرهم بما أخفى وأبدى
دلائل ما استطاعوا ينكروها / وكيف الحق يُنكر إذ تبدّى
وبحر ما له جزر ولكن / يكون له مدى الأيام مدا
يجرّد من سيوف الله بيضاً / ويركب من خيول العزم جردا
كفى أهل العراق به افتخاراً / فقد نالوا به عزًّا ومجدا
فما ضلّت لعمر أبيك قوم / تروم بعلمه للحق رشدا
بروحي واطئ هام المعالي / وما أرضى بها إلاَّك يفدى
طلبت العلم لا طلباً لمال / فنلت بذاك توفيقاً وسعدا
ولو يعطى الرجال على حجاها / إليك من القليل الأرض تهدى
ولم لا منك تغتاظ الأعادي / وهم جِيَفٌ وشمّوا منك ندا
فظنوا قاربوك بكلّ شيءٍ / وهيهات التقارب صار بعدا
عليك أبا الثناء يبثّ عبد / مدى أيامه شكراً وحمدا
نعيد باسمك السامي قصيداً / ولا نبغي سوى المرضاة قصدا
ليالينا على الجرعاء عودي
ليالينا على الجرعاء عودي / بماضي العيش للصَّيب العميدِ
بحيث منازلُ الأحباب تزهو / ونظمُ الشمل كالدر النضيد
وفي تلك المنازل لا عداها / حَياً ينهلّ من ذات الرعود
مسارح للمها يسخن فيها / وإنْ كانتْ مرابضَ للأسود
تعلَّقها هوى قيسٍ لليلى / سوانح ربرب وقطيع غيد
هنالك تفتك اللحظات منها / وتنتسب الرماح إلى القدود
وكم في الحيّ من كبدٍ تَلَظّى / وتَصْلى حَرَّ نيران الخدود
ولما أنْ وقفْت بدار ميٍّ / لذكر الماضيات من العهود
نثرتُ بها دموع العين نثراً / كما انتثر الجُمان من العقود
وللركب المناخ بها حنينٌ / حنينَ الفاقدين على الفقيد
سقتك بمستهلّ المزن قطرٌ / ووشاك الحيا وشي البرود
فأينَ ملاعب الغزلان فيها / وصفو العيش في الزمن الرغيد
وفي تلك الشفاه اللُّعس ريٍّ / فوا ظمأ الفؤاد إلى الورود
وما أنسى الإقامة في ظلالٍ / على ماء من الوادي برود
تُغَنّينا من الأوراق وُرْقٌ / وتَشدونا على الغصن الميود
وتُنْشِدُنا الهوى طرباً فنلهو / وتُطْرِبُنا بذياك النشيد
لقد كانت ليالينا بجَمعٍ / مكان الخال من وجنات خود
أبيتُ ومَن أحبُّ وكأس راحٍ / كذَوْب التّبر في الماءِ الجَمود
وقد غنَّت فأعرَبَتِ الأغاني / عن اللّذات من نايٍ وعود
فما مالت إلى الفحشاء نفسٌ / ولا ركنت إلى حسناء رود
وما زالت بي الألحاظُ حتَّى / ألانَتْ هذه الأيام عودي
ولم تملِك يمين الحرص نفسي / ولا ألْوَتْ إلى الأطماع جيدي
وليلٍ قد لبست به دجاه / بأردية من الظلماء سود
لِبيدٍ يَفْرَقُ الخرّيتُ فيها / ولم أصْحَبْ سوى حَنَشٍ وسيد
يجاوبني لديها الحتف نفسٌ / فيلمَسُ ملمَس الصعد الشديد
وتمنع جانبي بيضٌ شدادٌ / ولي بأسٌ أشدُّ من الحديد
وكم يوم ركبنا الفلك تطفو / بسيطَ الماء في البحر المديد
إذا عصفت بها ريحٌ هوت بي / كما يهوي المُصلّي للسجود
فآونةً تكون إلى هبوط / وآونةً تكون إلى صعود
ولولا اليوسُفان لما رمت بي / مراميها إلى خطر مبيد
وقد أهوى الكويتَ وأنتحيها / إلى مَغنى محمدها السعيد
إذا طالعت بهجته أرَتْني / مَطالعُها مطالعَ للسعود
أنامِلُه جداول للعطايا / وبهجته رياضٌ للوفود
وأكرَمُ من غَدَتْ تُثني عليه / بنو الدنيا بقافية شرود
مفيدٌ كلّ ذي أمل وحاجٍ / يَمُدُّ إليه راحة مستفيد
ومُنْتَجَعُ العُفاة ينالُ فيه / مَكانةُ رفعة ومَنالُ جود
تَحُطُّ رحالَها فيه الأماني / وتعنيه المدائح من بعيد
وتأوي كلَّما آوت إليه / ومأواها إلى ركن شديد
فَتىً من عِقدِ ساداتٍ كرام / يتيمةُ ذلك العقد الفريد
نَعِمتَ فتىً من الأشراف خِلاًّ / فيا لله من خِلٍّ ودود
ولولا جودُه والفضلُ منه / كما مَنَّ الوجودُ على وجودي
مناقبُ في المعالي أورِثوها / عن الآباء منهمْ والجدود
أُسودُ مواطن الهيجاء قومٌ / لهُم شَرَفُ العقول على الأُسود
هو الشرف الَّذي يبدو سناه / فيُخْضِعُ كلُّ جبار عنيد
ويخمد نورهم ناراً تلظى / وكان الظنّ آبية الخمود
وما اعترف الجحود بها وفاقاً / ولكنْ لا سبيل إلى الجحود
رفاعيٌّ رفيعُ القدرِ سامٍ / أبيٌّ راغمٌ أنْفَ الحسود
ومُبدي كلِّ مكرمةٍ معيدٌ / فيا لله من مبدٍ معيد
مكارمُ منعم ونوالُ بَرٍّ / غنيٌّ بالنجاز عن الوعود
وما مَلَكَتْ يداه من طريف / فلم تُضَع الجميلَ ومن تليد
عمودُ المجد من بيت المعالي / وهل بيتُ يقوم بلا عمود
مَدَحْتُ سواه من نُقباء عصر / فكنتُ كمن تَيَمَّم بالصعيد
ولُذْتُ به فَلُذْتُ إذن بظلٍّ / يمدُّ ظلال جنات الخلود
ولستُ ببارحٍ عن باب قرم / أقيّدُ من نداه في قيود
إذا جَرَّدْته عَضباً صقيلاً / وقفتَ من الحديد على حديد
وإن ذكروا له خلقاً وخلقاً / فَقُلْ ما شئت بالخلق الحميد
إليك بعثْتُها أبيات شعر / يَسيرُ بها الرسول مع البريد
كقطرِ المزن يسجم من نمير / وروض المزن يبسم عن ورود
لئِنْ كانت بنو الدنيا قصيداً / فإنّك بينَهُم بيتُ القصيد
أتنسى صالحاً يوماً عبوساً
أتنسى صالحاً يوماً عبوساً / غداةَ هُجِيَتْ في شعر السُّويدي
ويوماً قد ضُرِبْتَ بكلِّ نعلٍ / ثقيلٍ فوق رأسكَ بالجُنَيْد
لقد أصبحتَ للشعراء مرمًى / فكلٌّ قال هذا كلبُ صَيْد
أمرَّ بها مع الأرواح رَنْدُ
أمرَّ بها مع الأرواح رَنْدُ / فَشَوَّقها إلى الأطلال وَجْدُ
أمْ ادَّكَرَتْ أحبَّتُها بسلع / فهيَّجها بذات الأثلِ عهد
أراها لا تُفيقُ جوىً ووجداً / وشبَّ بقلبها للشوق وقد
حدا فيها الهوى لديار ميٍّ / فَثَمَّ مسيرُها في البيد وخد
وتَيَّمها صبا نجدٍ غراماً / فما فَعَلَتْ بها سَلْعٌ ونجد
ولي كدموعها عبراتُ جَفْنٍ / لها في وجنتي عكس وطرد
بودِّي أنْ تعيدا لي حديثاً / بأحبابٍ لهم في القلب ودّ
لهم منِّي غرامٌ مستزادٌ / ولي منهم منافرةٌ وصدّ
ضَللْتُ عن التَصَبُّر في هواهم / وعندي أنَّه هديّ ورشد
فأخْلَقَ حبُّهم ثوبَ اصطباري / وثَوْبُ الوَجْد فيهم يُسْتَجدُّ
صَبَوْتُ إليهمُ فاستعْبَدوني / وإنَّ الصَّبَّ للمعشوق عبد
ولي في حيّهم رشَأ غرير / تخاف لحاظَهُ بالفتك أُسْد
إذا ما ماس أزرى بالعوالي / وكم طَعَنَ الجوانحَ منه قَدُّ
وليلٍ بالأُبيرقِ بِتُّ أُسقى / ثناياه ونَقْلي منه خد
يميل بنا التصابي حيث مِلْنا / وأمَّا عيشُنا فيه فرغد
رَكِبْنا من ملاهينا جُموحاً / فنحنُّ عن المسرَّة لا نُردُّ
لَيالي أوْرَثَتْنا حين وَلَّتْ / تَصَعُّدَ زفرةٍ فينا تجدّ
فهل يا سعد تُسْعِدُني فإني / فَقَدْتُ الصَّبر لا لاقاك فقد
وما كلٌّ يُرَجَّى عند خطبٍ / إذا ما خاصَمَ الدهرُ الألدّ
سوى محمود محمود السجايا / فلي من عطفه الركن الأَشدّ
إذا عُدَّتْ خِصالُ كريمِ قومٍ / فأَوَّلُ ما خصائله تعدّ
سروري في الهموم إذا اعترتني / وعيشي الرغد حيث العيش كدّ
بفضل يَمينه وظبا يَدَيْه / يفوز مصاحبٌ ويخيب ضدّ
وفيض علومه للناس جهراً / يدلُّ بأنَّهُ بحرٌ مُمدّ
وقد عَذُبَتْ موارده فأَمسى / لكلِّ النَّاس من صافيه وِرْد
طمى علماً ومكرمةً وجوداً / خضَمٌّ ليس يستقصيه حدّ
فجود لسانه درٌّ ثمينٌ / وجود بنانه كرم ورفد
تَقَلَّدَ صارمَ التقوى همام / له في هيبة الرحمن جند
سَلُوا منه الغوامض في علوم / فما في الكشف أسْرَعَ من يردّ
علومٌ نصْبَ عينيه أَحارَتْ / عقولَ طلابها أنَّى تجدّ
ذكيٌّ ثاقبُ الأَفكار ذهناً / فلم يَصْلد له بالفكر زند
تسائله فيبدي الدّرّ سيلاً / ويُنبي عن حُسام العَضب قدُّ
وكم قد أعْجَزَ الأَغيار ردًّا / بأجوبةٍ لعمرك لا تردّ
إذا كشف الحقائق في كلام / كأَنَّ نظامه في النثر عقد
وجاوَبَ عالِمُ الزَّورا بما لا / تُجاوبُ فيه إيرانٌ وهند
وأَمْسَتْ عندَه الأَغيار خرساً / وبانَ ضلالُهم وأُبينَ رُشْد
لد آتاهُ ربُّك أَيّ فضل / وذلك من إِله العرش وعد
أقامَ شريعةَ الغرَّاء فيه / وشُدَّ به لدين الله عضد
إمامٌ قدوةُ العلماء قرمٌ / لقد جَمَعَ الفضائل وهو فرد
ففي بَحْرينِ إفضالٍ وعلمٍ / يفوزُ بوَفْرها عافٍ ووفد
إليك أبا الثناء أبيتُ أُثْني / وإنْ أَثنى لساني عنك جهد
ومن جُمَل الفروض عليك تتلى / لشكر صنيعك الإِحسان حمد
ليهْنِك سيِّدي عيدٌ سعيدٌ / عليك له مدى الأَعوام عَوْد
وهاكَ من الفقير قصيد شعر / رضاكَ له بها كرم ورفد
أَجِزْ لي في مديحك لي بلثمي / يمينكَ فهو لي أملٌ وقصد
أَقولُ ليوسفٍ والمطل ظلمٌ
أَقولُ ليوسفٍ والمطل ظلمٌ / أما لي حصَّةٌ في ماءِ وَرْدِكْ
وإنَّك قَدْ وعدت به فقل لي / متى يا سيِّدي إنجازُ وَعْدِكْ
مَحَوْتَ بسَيف سَطوتك الفَسادا
مَحَوْتَ بسَيف سَطوتك الفَسادا / بحكْمٍ قَد أَرَحْتَ به العبادا
دَخَلْتَ البصرة الفيحاءَ صُبحاً / ونارُ الشّرِّ تَتَّقِدُ اتّقادا
وقد عَبَثَتْ يدُ الأَشرار فيها / وطالَ فسادهم فيها وزادا
لقد حَكَمَتْ بها جُهَّال قومٍ / يَرَوْنَ الغيَّ يومئذٍ رشادا
عَمُوا عمَّا بَصُرْتَ به وصَمُّوا / فما بلغوا بما صنعوا مرادا
فلو عُرِضَ الصَّوابُ إذَنْ عليهم / بحالٍ أَعْرَضوا عنه عنادا
وهل تثِقُ النفوسُ بعين راءٍ / يرى لونَ البياض بها سوادا
تفاوَتَتِ العُقول بما نراه / مَداركُها قياساً واطّرادا
ومن حقّ الرّئاسة أنْ نراها / لأَورى النَّاس إنْ قَدَحَتْ زنادا
وأَعلاها لدى الآراء رأياً / وأرفعها وأطولها عمادا
خطوبٌ ما مضى منهنَّ خطبٌ / بطارقِ ليلةٍ إلاَّ وعادا
وكم هَدَرَتْ دماءٌ من أُناسٍ / وأموالٌ لهم نَفِدَت نفادا
بحيثُ الأَشقياء استضعفتهم / وَقدْ طال الشقا وقد تمادى
ولمَّا ساءَت الأَحوال فيهم / ولا نَفَعَ الحِفاظُ ولا أفادا
ولم يُرَ مَنْ يُسَدُّ به خِلالٌ / إذا ما أَعْوَزَ الأَمر السدادا
وباتَ النَّاس في وَجَلٍ عظيم / يُريعُ السَّمعَ منه والفؤادا
دُعيتَ لكشفِ هذا الضرّ عنها / ولا يُدعى سواك ولا يُنادى
ومنذُ قَدِمْتَ مدعوًّا إليها / أَرَحْتَ بما قَدِمْتَ به العبادا
عَلِمْنا أنَّ رأيَك فلْسفيٌّ / وأنَّك تَكشِفُ الكُرَبَ الشدادا
وتَنْظُرُ بالفَراسة مِن يقينٍ / فَتَنْتَقِدُ الرِّجالَ بها انتقادا
وما قَلَّدتهم بالرأي منهم / وَلَمْ تحكُم لهم إلاَّ اجتهادا
لقد أَخمدْتَ نيراناً تَلَظَّى / وتلك النار قد أمستْ رمادا
وقَرَّتْ أعيُنٌ لولاك باتَتْ / على وَجَلٍ ولم تذق الرقادا
جُزِيتُم آل راشد كلَّ خيرٍ / ففيكُمْ تعرِفُ النَّاس الرشادا
لكم صَدْرُ الرئاسة في المعالي / وأَنتُمْ في بني العليا فُرادى
تدين لك الأَقاصي والأَداني / وتنقادُ الأُمور لك انقيادا
وقُدْتَ صِعابها ذُلُلاً وكانتْ / على الأَيَّام تأبى أنْ تقادا
لقد فازَ المشيرُ بك اتّكالاً / عَلَيْك بما يُؤَمّل واعتمادا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025