المجموع : 9
وميضُ البرق هيَّج منك وجدا
وميضُ البرق هيَّج منك وجدا / فكدت تظنُّه من ثغرِ سعدى
ألمَّ بنا بجنحِ الليل وهناً / كما جرّدت من سيف فرندا
توقَّد في حشا الظلماء حتَّى / وجَدنَا منه في الأحشاء وقدا
وجدَّ بنا الهوى من بعد هزلٍ / وكم هزل الهوى يوماً فجدَّا
خليليَّ اذكرا في الجزع عَهدي / فإنِّي ذاكر بالجزعِ عهدا
وأيَّاماً عهِدتُ بها التصابي / وكانَ العيش بالأحباب رغدا
زمان كم هصرتُ به قدوداً / لباناتِ النقا وقطفت وردا
ولذَّات لأيامٍ قصار / قَضَت أيَّامها أن لا تردا
بعيشك إن مررت بدارِ ميٍّ / وهاتيكَ الطلول فلا تعدَّى
لنقضي يا هُذَيْمُ بها حقوقاً / عَلينا واجباتٍ أن تؤدَّى
أتذكرُ يوم أقبلنا عليها / على إبلٍ تقدُّ السَّيرَ قدَّا
وعُجنا العيس عن نجدٍ حثيثاً / وخلَّفنا وراء العيس نجدا
فروَّينا منازلَ دارساتٍ / بها صرف النوى أزرى وأودى
بواعث لوعةٍ ودموع عينٍ / أمدَّ العينَ منها ما أمدَّا
لئنْ خُلِقَتْ منازلنا فإنِّي / رأيت الوجدَ فيها مستجدَّا
ملكتُ وقوف جانحةٍ إليها / ولم أملِكْ لهذا الدمع ردَّا
وكانتْ للغرامِ ديارُ ميٍّ / مراحاً كلّ آونةٍ ومغدى
بودّكما رفيقيَّ ارفقا بي / إذا راعَيتُما للصبِّ ودَّا
أعيناني على كلفي لعلِّي / أرى من هذه الزفرات بُدا
ولي كبدٌ إلى الأحبابِ حرَّى / فهل تلقى لها يا سعدُ بَردا
أحبَّتَنا وإنِّي قبلَ هذا / شريت هواكمُ بالرُّوح نقدا
أزيدكُمُ دنوًّا واقتراباً / وقد زدْتُمْ مصارمةً وبعدا
عِديني يا أُميمَة بالتداني / وإنْ لم تنجزي يا ميُّ وعدا
أرى سيفي فأذكر منك لحظاً / وخطَّاري فأذكر منك قدَّا
أمنك الطَّيف واصلني وولَّى / فما بلّ الصَّدا مني وصدَّا
ولو أهديته أخرى لعيني / لأنعمني بل أسدى وأهدى
تهدّى من زرودَ إلى جفوني / وما أدري إذاً أنَّى تهدَّى
ولو أدَّى إليك حديث وجدي / عرفت إليك منِّي ما يؤدَّى
جفتني الغانيات فلا سبيلٌ / إلى سلمى ولا إسعاف سعدى
وخاصمتُ الزمانَ فخاصمتني / حوادثُ لم تزلْ خصماً ألدَّا
فإنْ أظهرتُ للأيَّامِ منِّي / رضًى عنها فقد أضمرت حقدا
سأترك للنياق بكلِّ أرضٍ / ذميلاً من توقُّصِها ووخدا
كما لابن الجميل أبي جميل / نياق مطالب الرَّاجين تحدى
فتبلغ مقصداً وتنال عزًّا / كريم لو يفتني منه قصدا
فكم يولي الجميل أبو جميلٍ / ونوليه به شكراً وحمدا
ويوشك إنْ سقَتْ يده جماداً / بجدوى أنبتتْ شيحاً ورندا
إذا يمَّمته يَمَّمتُ يمناً / وإنْ طالعته طالعتُ سعدا
لقد نالَ العلاءَ ومدَّ باعاً / إلى ما لا ينال وجازَ حدَّا
هو الجبل الأشمّ من الرَّواسي / تخرُّ له الجبال الشمُّ هدَّا
أدامَ اللهُ في الزوراءِ ظِلاًّ / له منه علينا قد أمدَّا
وآمنَ أهلَها كَيدَ الرزايا / وإن لسائرِ الأرزاء كيدا
فوقرها وقد مارت وقور / إذا حرَّكته حرَّكت طودا
وأيّة أزمةٍ لم يُدعَ فيها / ولم يمدد لها باعاً أشدَّا
ومكرمة وإحسان وفضل / وما فيها سعى ولها تصدَّى
جميل ابنِ الجميل لكلِّ حرٍّ / يؤمل منه إحساناً ورفدا
فقلْ للوفدِ غايته إليه / أَوَفْدَ الأكرمين نعمت وفدا
بجودٍ منه يترك كلَّ حرٍّ / له في ذلك الإحسان عبدا
وفيض يدٍ يكاد البحر منها / على طولِ المدى أن يستمدَّا
مرير السخط نشهد أن ما في / يثيب عفاته ضرباً وشهدا
أبيٌّ لا يضام وَرُبَّ ضيمٍ / سعى لينال جانبه فأكدى
شجاعٌ ما انتضى الصمصام إلاَّ / وصيَّر مفرقَ الأعداء غمدا
قوام الدِّين والدُّنيا جميعاً / وسيف الله والركنَ الأشدَّا
مناقبك التي مثل الدراري / نظمت بها لجِيدِ الدهر عقدا
وجودكَ للوجودِ به حياة / ولولا أنتَ مهجته تردَّى
وبعض الجود منقصةٌ وذمٌّ / وجودكَ لم يزلْ عزًّا ومجدا
بروحي منك أبيضُ مشرفيٌّ / وأمضى من شفير السيف حدَّا
يضيءُ ضياءَ منصلتٍ صقيلٍ / تجرَّد من قرابٍ أو تَبَدا
وإنِّي قد عَرَفتُ الناس طرًّا / ولم أعرف له في الناسِ نِدَّا
فَضَلْتَ العالمين بكلِّ فضلٍ / فلا عجب إذا أصبحتَ فردا
وَفَدَّتْكَ الأماجد والأعالي / ومثلك في الأماجد من يُفدَّى
وما في الماجدين أجلُّ قدراً / ولا أورى وأثقب منكَ زندا
ولا أوفى وأطولُ منك باعاً / ولا أعلنُ إلى العلياءِ جدَّا
فَدُمْ واسلمْ كما نهوى وتهوى / تَسرُّ مُوالياً وتغيظُ ضدَّا
فإنَّكَ إنْ سَلِمْتَ مَعَ المعالي / فلا نخشى لكلِّ الناس فقدا
أمِنْ بعد الهُمام القَرْم وادي
أمِنْ بعد الهُمام القَرْم وادي / تَصوبُ غمامةٌ ويسيل وادي
وهل يسقي الغمامُ بني زبيدٍ / فتنقع غلة ويبلّ صادي
لتصدى بعده الورّاد طرا / وأين الماء من غلل الصوادي
شديد البأس أروع مستشيط / يرد شكيمة الكرب الشداد
فكيف يقوده صرف المنايا / وكنت عهدته صعب القياد
قريباً كانَ ممَّن يَرْتَجيه / رماه الحتفُ منّا بالبعاد
وذخر الأنجبين وكلّ ذخر / ستسلِمه الخطوبُ إلى النفاد
فقدنا صبحَ غرَّته بليل / كسا الأيام أردية السواد
وروّعت النجوم الزهر حتَّى / برزن من الدجنّة في حداد
كأنَّ له من الأحشاء قبراً / فؤادي لو شققت على فؤادي
يعز على العوالي والمعالي / وسمر الخط والخيل الجياد
أسيرٌ بين أيديها المنايا / فلا يُفدى وإن كثر المفادي
يغضّ الطرف لا عن كبرياء / ولم يشغل بمكرمة ودادي
فليس القول منه بمستعاد / وليس الجود منه بمستفاد
يبيت بلا أنيس بين قومٍ / نيامٍ لا تَهُبُّ من الرقاد
ولو يفدى فدته إذَن رجال / عوادٍ بالسيوف على الأعادي
وحالت دونه بيض حداد / شفعن بزرقة السمر الصعاد
ولاجتهدت بمنعته عقول / لها في الرأي حقّ الاجتهاد
ولكن قد أصيبَ بسهم رامٍ / قضى أن لا يرد عن المراد
وليس لما قضاه الله ردٌ / وأمرُ الله يجري في العباد
أرى الآجال تطلبنا حثيثاً / ونحن من الغواية في تهاد
وأعمار تناكَصُ بانتقاص / وآمال تهافت بازدياد
وقد غلبت لشقوتنا علينا / وكاد الغيُّ يمكر بالرشاد
ونطمع بالبقاء وما برحنا / نُرَوَّعُ بالتفرّق والبعاد
نودّع نائياً بالرغم منا / إلى سفر يطول بغير زاد
ونسلو عن أحبتنا ولسنا / بملتقيين إلاَّ في المعاد
لقد عظم المصاب وجل رزءٌ / بفقد المكرمين من البلاد
فقدنا وادياً فيها فقلنا / على الدنيا العفا من بعد وادي
وفلَّ الموت مضرب هندوانٍ / وأرزى بالحمائل والنجاد
أذوب عليك بالحزن إدّكاراً / وأشرقَ منك بالماء البراد
ولي نفسٌ تَلهبُ عن زفيرٍ / كما طار الشَّرار عن الزناد
على ليث هزبر تكاد منه / ليوث الغاب تصفد في صفاد
يماط عن الثياب وكان يكسو / غداة الروع سابغة الدؤادي
قد انقشعت سحابة كلّ عافٍ / بوبل القطر في السنة الجماد
وكدرت المشارب بعد صفو / وما يجديك رفق من ثماد
هي الأيام لا تصفو لحيًّ / ولا تبقي الموالي والمُعادي
ألَمْ تنظر لما صنعت بعادٍ / وأقيالٍ مضت من بعد عاد
وما أدري على أيّ اتكال / وثقنا بالسلامة واعتماد
فكم نطأ الرماد ونحن ندري / ونعلم أنَّ جمراً في الرماد
وهبنا مثل نبت الزرع ننمو / فهل زرع يدوم بلا حصاد
وتهلِكُ أمَّة وتجيء أخرى / ويخفى ذا وهذا اليوم بادي
على هذا اطّراد الدهر قِدماً / فكيف نروم عكس الاطراد
لقد كانت بيوت بني زبيد / ولا أرمٌ بها ذات العماد
فراحت كالسوام بغير راع / وضلّت كالجمال بغير حاد
فمن للجود بعدك والعطايا / ومن للحرب يقدم والجلاد
فلا تستسقيا غيثاً مريعاً / وقرّي يا صوارم في الغماد
فقد فَقَدَ المكارم ناشدوها / فلا جود يؤمل من جواد
بربك هل سمعت لنا نداءً / وما يغني النداء ولا التنادي
أما أنتَ المجيب لكل هول / ببيض الهند والزرق الحداد
ومنتدب الكماة ومقتداها / إذا انتدب الفوارس للطراد
ووابل صوبها المنهل تندى / بنائله الروائح والغوادي
فمن يدعى وقد صمَّ المنادي / فوالهف الصريخ عن المنادي
بللتك بالنجيع نجيع دمعي / وأقلامي بمسود المداد
وقد قلت الرثاء وثَمَّ قولٌ / يثير لظى حشاً ذات اتقاد
فليتك كنت تسمع فيك قولي / وما أبديه من محض الوداد
تشق لها قلوب لا جيوب / ولو كانت أفظّ من الجماد
قوافٍ تقطر العبرات منها / وتستسقى لك الديم الغوادي
إذا ناحت عليك بكلّ نادٍ / بكينا المكرمات بكل ناد
متى يَشفى بكَ الصبُّ العَميد
متى يَشفى بكَ الصبُّ العَميد / ويبلُغُ من دُنُوُّكَ ما يُريدُ
شجٍ يُحييه وصلٌ من حَبيبٍ / ويقتلُهُ التَجَنُّبُ والصُّدود
وما أنسى لنا ساعاتِ لهوٍ / مَضَتْ والعيشُ يومئذٍ حميد
ونحنُ من المسرَّةِ في رياضٍ / تُحاكُ من الرَّبيع لها برود
وبنتُ الكرم قد طَلَعت علينا / يُكلّل تاجَها الدرُّ النضيد
معتَّقَةً تُسَرُّ النفسُ فيها / وقد طافت بها حسناءُ رُود
وقد صَدَحَتْ على الأَغصان وُرقٌ / فأغصانُ النقا إذ ذاكَ ميد
تُعيدُ عليَّ ما تُبدي غَرَاماً / فكم تُبدي الغرامَ وكم تُعيدُ
تجاوبها الغواني بالأَغاني / فيُطربنا لها نايٌ وعُود
فحينئذٍ يدارُ على الندامى / مُذابُ التبر والماء الجَمود
ويُرجَمُ كلُّ شيطانٍ مريدٍ / بحيث الهمُّ شيطانٌ مريد
سقى أيَّام لهوٍ في زَرود / وما ضَمَّتْ معانيها زَرود
نُجَدِّدُ ذكرها في كلِّ يومٍ / وهل يبقى مع الذكر الجديد
فقد مَرَّتْ لنا فيها ليالٍ / كما نظمت قلائدها العقود
ليالٍ لم نكنْ نُصْغي للاحٍ / أينقص بالملامة أم يزيد
فكم في الحبِّ من لاح لصبٍّ / يفيد بزعمه ما لا يفيد
أحِبَّتَنا لقد طالَ التنائي / وحالت بيننا بيدٌ فبيد
فيا زمنَ الصِّبا هَلْ من رجوعٍ / ويا عهدَ الشباب متى يعود
سلامُ الله أحبابي عليكم / إلى بغداد يحملها البريد
يُهَيِّجُ لوعتي وَجْدٌ طريفٌ / لكم ويشوقُني وَجْد تليد
فهل أخبِرْتم أنِّي بحالٍ / يساءُ بها من الناس الحسود
تَقُرُّ البصرةَ الفيحاء عَيني / بما يولي محمَّدها السعيد
فتًى لا يزالُ يُوليني نداه / ويغمُرني له كرم وجود
تدفَّقَ منهلاً عذباً فراتاً / فلي من عذب منهله ورود
ولولا برّه طِبت نفساً / ولم يخضرّ لي في الدهر عود
أُشاهدُ منه إذ يبدو هلالاً / وبدراً من مطالعه السعود
وغيثاً كلّما ينهلُّ جَوٌّ / وليثاً كلّما خفَقَتْ بنود
فَدَتْه الناسُ من رجلٍ كريمٍ / تنبَّه للجميل وهم رقود
وشيَّد ما بَنَتْه من المعالي / له الآباء قِدماً والجدود
فتىً من هاشمٍ بيضِ الأيادي / بحيثُ حوادثُ الأيّام سودُ
رؤوفٌ بالمُلِمِّ له رحيمٌ / صديقٌ صادقٌ بَرٌّ وَدود
ومَن آوى إليه وحلَّ منه / بأكرم ما تحلُّ به الوفود
فقد آوى إلى ركنٍ شديد / وليس كمثله ركن شديد
همُ آلُ النبيّ وكلُّ فضلٍ / لديهم يستفيد المستفيد
هُمُ يوم النوال بحارُ جود / وفي يوم النزال هم الأُسود
فمن جودٍ تَصوبُ به الغوادي / ومن بأسٍ يلين له الحديد
هُمُ الأقطاب والأنجاب فينا / إذا دارت دوائرها الوجود
وإنْ عُرِضَت كرامتهم علينا / فما للمنكرين لها جحود
وما احتاج النهار إلى دليل / وقد شَهِدَتْ به منه شهود
فمنها ما نشاهده عياناً / إذا ما النار أضرمها الوقود
وللأكفاء يومئذٍ عَلَيْهم / هبوطٌ في الحضيض ولا صعود
رجال كالجبال إذا اشمَخرَّتْ / تَبيدُ الراسياتُ ولا تبيد
يخلّدُ ذكرهم في كلِّ عصر / وما للمرءِ في الدنيا خلود
فيا بيت القصيد إليك تهدى / من العبد الرقيق لك القصيد
فيطربك النشيد وكلَّ حرٍّ / كريم الطبع يطربه النشيد
فإنَّك والثناءُ عليك منِّي / وما أملَيته طوق وجيد
لقد سُدْتَ الكرامَ ولا عجيبٌ / فمثلك في الأكارم من يسود
وما استغنيتُ عنك بكلِّ حال / وهل يغني عن الماء الصعيد
خدمتك بالقريض فطال باعي / كما خَدَمَتْ مواليها العبيد
ونِلْتُ بك المرادَ من الأماني / فَنِلْتَ من المهيمنِ ما تريد
تَذَكَّر في ربوع الضّال عَهْداً
تَذَكَّر في ربوع الضّال عَهْداً / فزاد به وجودُ الذكر وَجْدا
وأضناه الهوى بغرام نجد / فأصبحَ بالضّنى عظماً وجلدا
وشامتْ منه أعْيُنه فأروى / وميض البرق في الأحشاء زندا
فمن لجوانح مُلِئَت غراماً / كما مُلِئَت عيون الصَّبِّ سهدا
وفي تلك المنازل كانَ قلبي / فمذ فقد الأحبة راح فقدا
سقى أطلال رامة في غوادٍ / تخدد ثم وجه الأرض خدا
وحيّاها حَياً يحكي دموعي / بها يسقي ها علماً ووهدا
وكيف سلوّ أهل الخيف وُدّي / ولم أسْلُ لهم في البين وُدّا
تصدّى ظبيُ لعلع في تلافي / وأسْلَبَني التصبّر حين صدّا
وظُلم منه حرّم رشفِ ظَلْمٍ / سواه لا يريني الوجد بردا
ولم يعطف على دَنِفٍ كئيب / وقد حاكى غصون البان قدا
أعينا مغرم العينين صبًّا / تَعدّته السّهام وما تعدّى
لعمرك ما الهوى إلاَّ هوانٌ / ومَن رام الملاح وما تردّى
وكم مولىً تعرّض للتصابي / فصيّره الهوى بالرغم عبدا
خليليَّ اسلكا فينا حديثاً / لنجفو عنده سلمى وسُعدى
وهاتا لي بمحمود مديحاً / وقولاً فيه مدحاً ما تَوَدّا
به الرحمن أودع كلَّ فضلٍ / وفي بُرد الفضائل قد تردّى
إذا عَدّوا أكابر كلّ قومٍ / فأول ما جناب علاه عدا
لقد زرع الجميل لكل قلب / فكلٌّ فاه في علياه حمدا
وحلّ له على الإسلام شكراً / فصار عليهم فرضاً يؤدّى
وعَمَّ ثناؤه شرقاً وغرباً / وسَيَّر ذكره غوراً ونجدا
ويبسط راحةً تنهلّ جوداً / أحبّ مكارم الكرماء وفدا
ونوردُ من يديه إذا ظَمِئْنا / فيسقيان بذاك الكفّ شهدا
وندفع في عنايته خطوباً / إذا أضحت لنا خصماً ألدا
متى يممته تجدو نداه / أفادك من كلا البحرين رفدا
فهذا أعلم العلماء طراً / وأكرمُ من أفاد ندىً وأجدى
وكم من حاسدٍ لعلاه يوماً / فمات بغيظه حَسَداً وحِقدا
وأمَّل مجده فغدا كليلاً / ورام بلوغ همّته فأكدى
أرَدْنا أنْ نَعُدّ له صفاتٍ / فما اسطعنا لذاك الفضل عدا
وحاولنا نروم له نظيراً / فان بعصرنا في الناس فردا
تقلّد منه هذا الدِّين سيفاً / وزيّن فيه هذا العصر عقدا
وقلنا كالحسام العضب عزماً / نفاق غراره قطعاً وحدا
وقسنا كفّه بالمزن جوداً / فكان يمينه من ذاك أندى
ويمزج لطفه آنا وقاراً / يذوب فكاهة ويشد وجدا
وصال بمحكم الآيات يوماً / وهدّ عقيدة الأغيار هدا
أبان لأهل إيران بياناً / فحيَّرهم بما أخفى وأبدى
دلائل ما استطاعوا ينكروها / وكيف الحق يُنكر إذ تبدّى
وبحر ما له جزر ولكن / يكون له مدى الأيام مدا
يجرّد من سيوف الله بيضاً / ويركب من خيول العزم جردا
كفى أهل العراق به افتخاراً / فقد نالوا به عزًّا ومجدا
فما ضلّت لعمر أبيك قوم / تروم بعلمه للحق رشدا
بروحي واطئ هام المعالي / وما أرضى بها إلاَّك يفدى
طلبت العلم لا طلباً لمال / فنلت بذاك توفيقاً وسعدا
ولو يعطى الرجال على حجاها / إليك من القليل الأرض تهدى
ولم لا منك تغتاظ الأعادي / وهم جِيَفٌ وشمّوا منك ندا
فظنوا قاربوك بكلّ شيءٍ / وهيهات التقارب صار بعدا
عليك أبا الثناء يبثّ عبد / مدى أيامه شكراً وحمدا
نعيد باسمك السامي قصيداً / ولا نبغي سوى المرضاة قصدا
ليالينا على الجرعاء عودي
ليالينا على الجرعاء عودي / بماضي العيش للصَّيب العميدِ
بحيث منازلُ الأحباب تزهو / ونظمُ الشمل كالدر النضيد
وفي تلك المنازل لا عداها / حَياً ينهلّ من ذات الرعود
مسارح للمها يسخن فيها / وإنْ كانتْ مرابضَ للأسود
تعلَّقها هوى قيسٍ لليلى / سوانح ربرب وقطيع غيد
هنالك تفتك اللحظات منها / وتنتسب الرماح إلى القدود
وكم في الحيّ من كبدٍ تَلَظّى / وتَصْلى حَرَّ نيران الخدود
ولما أنْ وقفْت بدار ميٍّ / لذكر الماضيات من العهود
نثرتُ بها دموع العين نثراً / كما انتثر الجُمان من العقود
وللركب المناخ بها حنينٌ / حنينَ الفاقدين على الفقيد
سقتك بمستهلّ المزن قطرٌ / ووشاك الحيا وشي البرود
فأينَ ملاعب الغزلان فيها / وصفو العيش في الزمن الرغيد
وفي تلك الشفاه اللُّعس ريٍّ / فوا ظمأ الفؤاد إلى الورود
وما أنسى الإقامة في ظلالٍ / على ماء من الوادي برود
تُغَنّينا من الأوراق وُرْقٌ / وتَشدونا على الغصن الميود
وتُنْشِدُنا الهوى طرباً فنلهو / وتُطْرِبُنا بذياك النشيد
لقد كانت ليالينا بجَمعٍ / مكان الخال من وجنات خود
أبيتُ ومَن أحبُّ وكأس راحٍ / كذَوْب التّبر في الماءِ الجَمود
وقد غنَّت فأعرَبَتِ الأغاني / عن اللّذات من نايٍ وعود
فما مالت إلى الفحشاء نفسٌ / ولا ركنت إلى حسناء رود
وما زالت بي الألحاظُ حتَّى / ألانَتْ هذه الأيام عودي
ولم تملِك يمين الحرص نفسي / ولا ألْوَتْ إلى الأطماع جيدي
وليلٍ قد لبست به دجاه / بأردية من الظلماء سود
لِبيدٍ يَفْرَقُ الخرّيتُ فيها / ولم أصْحَبْ سوى حَنَشٍ وسيد
يجاوبني لديها الحتف نفسٌ / فيلمَسُ ملمَس الصعد الشديد
وتمنع جانبي بيضٌ شدادٌ / ولي بأسٌ أشدُّ من الحديد
وكم يوم ركبنا الفلك تطفو / بسيطَ الماء في البحر المديد
إذا عصفت بها ريحٌ هوت بي / كما يهوي المُصلّي للسجود
فآونةً تكون إلى هبوط / وآونةً تكون إلى صعود
ولولا اليوسُفان لما رمت بي / مراميها إلى خطر مبيد
وقد أهوى الكويتَ وأنتحيها / إلى مَغنى محمدها السعيد
إذا طالعت بهجته أرَتْني / مَطالعُها مطالعَ للسعود
أنامِلُه جداول للعطايا / وبهجته رياضٌ للوفود
وأكرَمُ من غَدَتْ تُثني عليه / بنو الدنيا بقافية شرود
مفيدٌ كلّ ذي أمل وحاجٍ / يَمُدُّ إليه راحة مستفيد
ومُنْتَجَعُ العُفاة ينالُ فيه / مَكانةُ رفعة ومَنالُ جود
تَحُطُّ رحالَها فيه الأماني / وتعنيه المدائح من بعيد
وتأوي كلَّما آوت إليه / ومأواها إلى ركن شديد
فَتىً من عِقدِ ساداتٍ كرام / يتيمةُ ذلك العقد الفريد
نَعِمتَ فتىً من الأشراف خِلاًّ / فيا لله من خِلٍّ ودود
ولولا جودُه والفضلُ منه / كما مَنَّ الوجودُ على وجودي
مناقبُ في المعالي أورِثوها / عن الآباء منهمْ والجدود
أُسودُ مواطن الهيجاء قومٌ / لهُم شَرَفُ العقول على الأُسود
هو الشرف الَّذي يبدو سناه / فيُخْضِعُ كلُّ جبار عنيد
ويخمد نورهم ناراً تلظى / وكان الظنّ آبية الخمود
وما اعترف الجحود بها وفاقاً / ولكنْ لا سبيل إلى الجحود
رفاعيٌّ رفيعُ القدرِ سامٍ / أبيٌّ راغمٌ أنْفَ الحسود
ومُبدي كلِّ مكرمةٍ معيدٌ / فيا لله من مبدٍ معيد
مكارمُ منعم ونوالُ بَرٍّ / غنيٌّ بالنجاز عن الوعود
وما مَلَكَتْ يداه من طريف / فلم تُضَع الجميلَ ومن تليد
عمودُ المجد من بيت المعالي / وهل بيتُ يقوم بلا عمود
مَدَحْتُ سواه من نُقباء عصر / فكنتُ كمن تَيَمَّم بالصعيد
ولُذْتُ به فَلُذْتُ إذن بظلٍّ / يمدُّ ظلال جنات الخلود
ولستُ ببارحٍ عن باب قرم / أقيّدُ من نداه في قيود
إذا جَرَّدْته عَضباً صقيلاً / وقفتَ من الحديد على حديد
وإن ذكروا له خلقاً وخلقاً / فَقُلْ ما شئت بالخلق الحميد
إليك بعثْتُها أبيات شعر / يَسيرُ بها الرسول مع البريد
كقطرِ المزن يسجم من نمير / وروض المزن يبسم عن ورود
لئِنْ كانت بنو الدنيا قصيداً / فإنّك بينَهُم بيتُ القصيد
أتنسى صالحاً يوماً عبوساً
أتنسى صالحاً يوماً عبوساً / غداةَ هُجِيَتْ في شعر السُّويدي
ويوماً قد ضُرِبْتَ بكلِّ نعلٍ / ثقيلٍ فوق رأسكَ بالجُنَيْد
لقد أصبحتَ للشعراء مرمًى / فكلٌّ قال هذا كلبُ صَيْد
أمرَّ بها مع الأرواح رَنْدُ
أمرَّ بها مع الأرواح رَنْدُ / فَشَوَّقها إلى الأطلال وَجْدُ
أمْ ادَّكَرَتْ أحبَّتُها بسلع / فهيَّجها بذات الأثلِ عهد
أراها لا تُفيقُ جوىً ووجداً / وشبَّ بقلبها للشوق وقد
حدا فيها الهوى لديار ميٍّ / فَثَمَّ مسيرُها في البيد وخد
وتَيَّمها صبا نجدٍ غراماً / فما فَعَلَتْ بها سَلْعٌ ونجد
ولي كدموعها عبراتُ جَفْنٍ / لها في وجنتي عكس وطرد
بودِّي أنْ تعيدا لي حديثاً / بأحبابٍ لهم في القلب ودّ
لهم منِّي غرامٌ مستزادٌ / ولي منهم منافرةٌ وصدّ
ضَللْتُ عن التَصَبُّر في هواهم / وعندي أنَّه هديّ ورشد
فأخْلَقَ حبُّهم ثوبَ اصطباري / وثَوْبُ الوَجْد فيهم يُسْتَجدُّ
صَبَوْتُ إليهمُ فاستعْبَدوني / وإنَّ الصَّبَّ للمعشوق عبد
ولي في حيّهم رشَأ غرير / تخاف لحاظَهُ بالفتك أُسْد
إذا ما ماس أزرى بالعوالي / وكم طَعَنَ الجوانحَ منه قَدُّ
وليلٍ بالأُبيرقِ بِتُّ أُسقى / ثناياه ونَقْلي منه خد
يميل بنا التصابي حيث مِلْنا / وأمَّا عيشُنا فيه فرغد
رَكِبْنا من ملاهينا جُموحاً / فنحنُّ عن المسرَّة لا نُردُّ
لَيالي أوْرَثَتْنا حين وَلَّتْ / تَصَعُّدَ زفرةٍ فينا تجدّ
فهل يا سعد تُسْعِدُني فإني / فَقَدْتُ الصَّبر لا لاقاك فقد
وما كلٌّ يُرَجَّى عند خطبٍ / إذا ما خاصَمَ الدهرُ الألدّ
سوى محمود محمود السجايا / فلي من عطفه الركن الأَشدّ
إذا عُدَّتْ خِصالُ كريمِ قومٍ / فأَوَّلُ ما خصائله تعدّ
سروري في الهموم إذا اعترتني / وعيشي الرغد حيث العيش كدّ
بفضل يَمينه وظبا يَدَيْه / يفوز مصاحبٌ ويخيب ضدّ
وفيض علومه للناس جهراً / يدلُّ بأنَّهُ بحرٌ مُمدّ
وقد عَذُبَتْ موارده فأَمسى / لكلِّ النَّاس من صافيه وِرْد
طمى علماً ومكرمةً وجوداً / خضَمٌّ ليس يستقصيه حدّ
فجود لسانه درٌّ ثمينٌ / وجود بنانه كرم ورفد
تَقَلَّدَ صارمَ التقوى همام / له في هيبة الرحمن جند
سَلُوا منه الغوامض في علوم / فما في الكشف أسْرَعَ من يردّ
علومٌ نصْبَ عينيه أَحارَتْ / عقولَ طلابها أنَّى تجدّ
ذكيٌّ ثاقبُ الأَفكار ذهناً / فلم يَصْلد له بالفكر زند
تسائله فيبدي الدّرّ سيلاً / ويُنبي عن حُسام العَضب قدُّ
وكم قد أعْجَزَ الأَغيار ردًّا / بأجوبةٍ لعمرك لا تردّ
إذا كشف الحقائق في كلام / كأَنَّ نظامه في النثر عقد
وجاوَبَ عالِمُ الزَّورا بما لا / تُجاوبُ فيه إيرانٌ وهند
وأَمْسَتْ عندَه الأَغيار خرساً / وبانَ ضلالُهم وأُبينَ رُشْد
لد آتاهُ ربُّك أَيّ فضل / وذلك من إِله العرش وعد
أقامَ شريعةَ الغرَّاء فيه / وشُدَّ به لدين الله عضد
إمامٌ قدوةُ العلماء قرمٌ / لقد جَمَعَ الفضائل وهو فرد
ففي بَحْرينِ إفضالٍ وعلمٍ / يفوزُ بوَفْرها عافٍ ووفد
إليك أبا الثناء أبيتُ أُثْني / وإنْ أَثنى لساني عنك جهد
ومن جُمَل الفروض عليك تتلى / لشكر صنيعك الإِحسان حمد
ليهْنِك سيِّدي عيدٌ سعيدٌ / عليك له مدى الأَعوام عَوْد
وهاكَ من الفقير قصيد شعر / رضاكَ له بها كرم ورفد
أَجِزْ لي في مديحك لي بلثمي / يمينكَ فهو لي أملٌ وقصد
أَقولُ ليوسفٍ والمطل ظلمٌ
أَقولُ ليوسفٍ والمطل ظلمٌ / أما لي حصَّةٌ في ماءِ وَرْدِكْ
وإنَّك قَدْ وعدت به فقل لي / متى يا سيِّدي إنجازُ وَعْدِكْ
مَحَوْتَ بسَيف سَطوتك الفَسادا
مَحَوْتَ بسَيف سَطوتك الفَسادا / بحكْمٍ قَد أَرَحْتَ به العبادا
دَخَلْتَ البصرة الفيحاءَ صُبحاً / ونارُ الشّرِّ تَتَّقِدُ اتّقادا
وقد عَبَثَتْ يدُ الأَشرار فيها / وطالَ فسادهم فيها وزادا
لقد حَكَمَتْ بها جُهَّال قومٍ / يَرَوْنَ الغيَّ يومئذٍ رشادا
عَمُوا عمَّا بَصُرْتَ به وصَمُّوا / فما بلغوا بما صنعوا مرادا
فلو عُرِضَ الصَّوابُ إذَنْ عليهم / بحالٍ أَعْرَضوا عنه عنادا
وهل تثِقُ النفوسُ بعين راءٍ / يرى لونَ البياض بها سوادا
تفاوَتَتِ العُقول بما نراه / مَداركُها قياساً واطّرادا
ومن حقّ الرّئاسة أنْ نراها / لأَورى النَّاس إنْ قَدَحَتْ زنادا
وأَعلاها لدى الآراء رأياً / وأرفعها وأطولها عمادا
خطوبٌ ما مضى منهنَّ خطبٌ / بطارقِ ليلةٍ إلاَّ وعادا
وكم هَدَرَتْ دماءٌ من أُناسٍ / وأموالٌ لهم نَفِدَت نفادا
بحيثُ الأَشقياء استضعفتهم / وَقدْ طال الشقا وقد تمادى
ولمَّا ساءَت الأَحوال فيهم / ولا نَفَعَ الحِفاظُ ولا أفادا
ولم يُرَ مَنْ يُسَدُّ به خِلالٌ / إذا ما أَعْوَزَ الأَمر السدادا
وباتَ النَّاس في وَجَلٍ عظيم / يُريعُ السَّمعَ منه والفؤادا
دُعيتَ لكشفِ هذا الضرّ عنها / ولا يُدعى سواك ولا يُنادى
ومنذُ قَدِمْتَ مدعوًّا إليها / أَرَحْتَ بما قَدِمْتَ به العبادا
عَلِمْنا أنَّ رأيَك فلْسفيٌّ / وأنَّك تَكشِفُ الكُرَبَ الشدادا
وتَنْظُرُ بالفَراسة مِن يقينٍ / فَتَنْتَقِدُ الرِّجالَ بها انتقادا
وما قَلَّدتهم بالرأي منهم / وَلَمْ تحكُم لهم إلاَّ اجتهادا
لقد أَخمدْتَ نيراناً تَلَظَّى / وتلك النار قد أمستْ رمادا
وقَرَّتْ أعيُنٌ لولاك باتَتْ / على وَجَلٍ ولم تذق الرقادا
جُزِيتُم آل راشد كلَّ خيرٍ / ففيكُمْ تعرِفُ النَّاس الرشادا
لكم صَدْرُ الرئاسة في المعالي / وأَنتُمْ في بني العليا فُرادى
تدين لك الأَقاصي والأَداني / وتنقادُ الأُمور لك انقيادا
وقُدْتَ صِعابها ذُلُلاً وكانتْ / على الأَيَّام تأبى أنْ تقادا
لقد فازَ المشيرُ بك اتّكالاً / عَلَيْك بما يُؤَمّل واعتمادا