المجموع : 3
إذا نَبَتِ الدِّيارُ بحرِّ قومٍ
إذا نَبَتِ الدِّيارُ بحرِّ قومٍ / فليسَ على المُفارقِ من جناحِ
ومنذُ وجَدتُ من همِّي رسيساً / إلى روحي وأعوزني ارتياحي
وما صَعَّرْتُ للأيام خدِّي / ولم أخفِضْ لنائبةٍ جناحي
وضاقَ بيَ الخناق فلمتُ نفسي / وإن لم يلحُني باللَّوم لاحي
وقد أصبحتُ في زمنٍ ممارٍ / يريني الجدَّ من خللِ المزاحِ
رَفَضْتُ إقامتي وَرَكِبْتُ أمراً / حَريًّا أن يكونَ به صَلاحِي
تسيرُ بنا بلُجِّ البحر فُلك / كمثل الطَّير خافقة الجناحِ
وما زلنا بها حتَّى حللنا / صَبَاحاً في كويت آل الصبَّاحِ
لدى قوم أعزّ الناس جاراً / وأندى بالنوال بطون راحِ
أباةٌ لا يطوف الضَّيم فيهم / ولا جار لهم بالمستباحِ
غيوث مكارمٍ وليوث حربٍ / وأكفاءُ الشجاعةِ والكفاحِ
نزلت بهم على سعةٍ ورحبٍ / وأنس وابتهاجٍ وانشراحِ
فقومٌ ساد عبد الله فيهم / فبالبأسِ الشَّديدِ وبالسَّماحِ
إذا نزلوا لعمرُ أبيكَ أرضاً / حَموهَا بالأسِنَّةِ والرِّماحِ
فكم بدأوا بمكرمةٍ وثنَّوا / وكم نحروا العدى نحر الأضاحي
سَقَوا أعداءهم حمرَ المنايا / بسمر الخطِّ والبيضِ الصفاح
وما زالت مكارمهم تنادي / لدى الآمال حيَّ على الفلاحِ
بأيديهم شكيمة ذي اقتدارٍ / تَرُدُّ الجامحين عن الجماحِ
همُ وضعوا أفاويق المعالي / كما رَضَعَ الفَصيلُ من اللقاحِ
إذا ما زرتُهم يوماً وفى لي / ضميني للزيارةِ بالنجاحِ
بهم أطلَقتُ ألسنَة القوافي / بما تمليه من كَلِمٍ فصاحِ
لقد مُزجَتْ محبَّتهم بروحي / مزاج الرَّاح بالماءِ القراحِ
كأَنَّ مديحُهم عندي عقارٌ / به كانَ اغتباقي واصطباحي
ثمِلْتُ بهم وما خامَرْتُ خمراً / ولا راحي بسطتُ لكأس راحِ
ألذُّ من المدامة للندامى / وها أنا في هواهم غير صاحِ
ولو أنِّي اقترحتُ على زماني / وأعطاني الزمان على اقتراحي
لما فارقتُهم يوماً ومالي / إذا وُفِّقْتُ عنهم من براحِ
ويأبى ذاكَ لي قَدَرٌ متاح / ونحنُ بقبضةِ القدر المتاحِ
يقول ليَ النَّصوحُ هلكْتَ وَجْداً
يقول ليَ النَّصوحُ هلكْتَ وَجْداً / بمنْ تهوى وما كذَب النَّصوحُ
وقال إلى متى تبكي رسوماً / عَفَتْهنَّ الجنوب وكم تنوح
فغضَّ الطَّرف عن طَلَلٍ قديمٍ / فقد أودى بك الطَّرف الطَّموح
تلوحُ لعينِك الدِّمَن البوالي / وقد تخفى وآونةً تلوح
أراعَكَ ما ترى من رسم دارٍ / وطارَ بقلبك البرق اللّموح
فخَفِّضْ من فؤادك حين يبدو / لعينك بارقٌ وتَهُبُّ ريح
وفي الأَطلال ما تشكو إليها / من البلوى ولكنْ لا تبوح
مَحَت آثارها للحيّ نأيٌ / وممَّنْ أَنْتَ تهواه نزوح
كما مُحِيَتْ سطورٌ من كتابٍ / وما يدري لها عندي شروح
وقد راحت ركائب آل ميٍّ / فما راحت وللمشتاق روح
فقلتُ نعم ولي جفنٌ قريح / بعبرته ولي قلبٌ جريح
أروح على منازلها وأغدو / فأَغدو يا هذيم كما أَروح
لئنْ جاد السَّحاب وجادَ طرفي / أَرَيْتُ الدَّهرَ أيَّهما الشَّحيح
فدعني يا هذيم بها لعلِّي / أَموتُ من الغرام وأَستريح
سَأَلتُك عن منازلنا بنجدٍ
سَأَلتُك عن منازلنا بنجدٍ / وهاتيك الأَرجاء والبطاح
أَروَّاها الغمامُ الجون حتَّى / سقى ما حولهنَّ من النَّواحي
وهل نَبَتَ الثّمام أو الخزامى / فَعَطَّر فيه أنفاس الرياح
وهل لطم الشقيق بها خدوداً / مضَرّجة على ضحك الأَقاحي
وهل خَطَبَتْ على الأَثلاثِ منه / حمائِمُها بأَلْسِنَةٍ فِصاح
وكيفَ عَهِدْتُ أقواماً مرامي / لديهم أَنْ أراهم واقتراحي
وهل ذكرت نداماي الأوالي / غبوقي في رباها واصطباحي
منازل صَبْوَتي وديار وجدي / ومنشأ لوعتي ومدى رواحي
لقد كادَ الفؤاد يطيرُ شوقاً / إليها يا هذيم بلا جناح