أمنكِ فَزارةُ انْبعثَ الغُزاةُ
أمنكِ فَزارةُ انْبعثَ الغُزاةُ / فما تُغنِي السُّيوفُ ولا الحُماةُ
لَعُمركِ ما ابنُ حارثةٍ بِحِلٍّ / وإن زَعَمَ القَراصِنَةُ الجُفاةُ
أثاروا الشرَّ لا هُوَ يبتغيهِ / ولا أصحابُه الغُرُّ الهُداةُ
أصابوهم على ثِقَةٍ وأمنٍ / فلا سَيفٌ يُسَلُّ ولا قَناةُ
وجَاءوا يَشتكونَ إلى أَبِيٍّ / على الأعداءِ تُحرِجُهُ الشَّكاةُ
رَسولُ اللهِ ليس له كِفاءٌ / إذا التقتِ الفَوارِسُ والكُمَاةُ
دَعا زَيداً هَلُّمَ إلى قتالٍ / تُنالُ بهِ من القومِ التِّراتُ
قُدِ الأبطالَ للهيجاءِ وَاصْبِرْ / فَنِعمَ الصّبرُ فيها والثّباتُ
إليها يا ابنَ حارثةٍ إليها / ولا يَحزُنْكَ ما صَنَعَ الطُّغاةُ
مشى البطلُ المقذَّفُ لا اتّئادٌ / تَضِيقُ به السُّيوفُ ولا أناةُ
يَخِفُّ بها إلى الأعداءِ بِيضاً / عليها من مناقِبها سِماتُ
أقامتْ حائطَ الإسلامِ ضَخْماً / تَدِينُ له الجِبالُ الرّاسِياتُ
وجاءت بالفُتوحِ مُحجَّلاتٍ / له في ظِلِّها الضّافِي حَياةُ
توقَّتها فَزارةُ وهْيَ حَتْمٌ / فما عصمتْ مقاتِلَها التُّقاةُ
رَأوها بعد ما هجعوا بلَيْلٍ / لها فِيهم وللقدرِ انْصلاتُ
هداهَا في الدُّجَى منهم دليلٌ / تُسدِّدهُ الأواصرُ والصِّلاتُ
لَواهُ عن السَّبيلِ قَضاءُ ربٍّ / له الحِكَمُ الصّوادِعُ والعِظاتُ
يسوقُ الأمرَ ظاهرُه عَناءٌ / وباطنُهُ كما اقترحَ العُناةُ
كمثلِ الوِرْدِ أوّلُه أُجاجٌ / وآخرُ مائهِ عَذْبٌ فُراتُ
ظُبىً طَرَقَتْ جَماجِمَهم بَياتاً / وما خِيفَ الطُّروقُ ولا البَياتُ
تَوثّبتِ الحتوفُ فلا فِرارٌ / وأبرقتِ السُّيوفُ فلا نَجاةُ
نَقِيعُ شقاوةٍ يُسقاهُ قومٌ / همُ الشَّرُ المُذمَّمُ والسُّقاةُ
تَردَّوْا في مصَارعِهم فأمسوا / كَسِربِ الوحش صَرَّعه الرُّماةُ
وحاقَ بأمِّ قرفةَ ما أرادتْ / بأكرمِ مَن تُفَدِّي الأُمَّهاتُ
أرادتْ قَتلهُ فجرَى عليها / قضاءُ القتلِ وانْتصَفَ القُضاةُ
فيا لكَ منظراً عجباً تناهتْ / به الصُّوَرُ الرّوائعُ والصّفاتُ
أُحِيطَ بها وبابنتها جميعاً / فما نَجتِ العجوزُ ولا الفَتاةُ
لِتلكَ جَزاؤُها المُرِدي وهَذي / لها الأسرُ المُبَرِّحُ والشَّتاتُ
تُساقُ ذليلةً من بَعدِ عِزٍّ / كما سِيقتْ غداةَ النّحرِ شاةُ
هُوَ ابنُ الأكوعِ البَطلُ المُرجَّى / سَباها حِينَ أسْلَمَها الرُّعاةُ
قَنِيصةُ نافذِ الأظفارِ ضَارٍ / له في كلِّ ذي ظُفُرٍ شَباةُ
هِيَ الهِبةُ الكريمةُ صادَفْتها / يمينٌ ما تُفارِقُها الهِباتُ
يَمينُ مُحمّدٍ لا خيرَ إلا / له فيها مَعالِمُ بَيِّناتُ
حَباها خالَهُ في غَيرِ ضَنٍّ / وأينَ من الضَّنينِ المَكْرُمَاتُ
رَسولُ اللهِ أكرمُ من أناختْ / بهِ الآمالُ وانْتَجَعَ العُفَاةُ
بَنى دِينَ السَّلامِ بكلِّ ماضٍ / بهِ وبمثلِهِ ارْتفَعَ البُناةُ
لإنقاذِ النُّفوسِ من البلايا / تُلِحُّ على مَبَاضِعها الأُساةُ
تأمّلتُ الحياةَ وكيف تَبْقَى / حقائِقُها وتَمضِي التُّرهَّاتُ
فأدَّبَنِي اليقينُ وهَذَّبَتْنِي / وصاةُ اللهِ بُورِكَتِ الوَصاةُ
هَنِيئاً يا ابنَ حارثةٍ وأنَّى / وما تَرْقَى إليكَ التَّهنِئاتُ
سَمَوْتَ فما تُطاوِلُكَ الأمانِي / ولا ترجو مَداكَ النَيِّراتُ
ظَفِرْتَ من النبيِّ بخيرِ نُعْمَى / تَطيبُ بها النُّفوسُ الصّالحاتُ
بِلَثْمٍ زَانَ وَجْهَكَ وَاعْتناقٍ / شَفَاكَ فما بجارحةٍ أذاةُ
على النُّورِ الذي انْجَلَتِ الدياجِي / به وعَليكَ يا زَيْدُ الصَّلاةُ