المجموع : 3
تُعَرى كلُّ أرضٍ من فتاها
تُعَرى كلُّ أرضٍ من فتاها / ولا تَعرى المعرّةُ من نَجيبِ
تردَّينا إليها كلَّ جَفنٍ / يَغُضُّ على لواحِظِ مُستريبِ
له من سيفِهِ شطرٌ يَقيهِ / وشطرٌ ينتضيهِ كاللّهيبِ
يُجَلّي ما وراءَ اللثمِ منّا / فسِرْنا والدُّجى عينُ الرّقيبِ
تُودْعنا رماحُ بني عَديّ / وداعَ أخي المحبةِ والحبيبِ
على أكتافِنا وعلى طُلانا / أسَنّتَهنّ تلبُدُ للوثوبِ
ويذعَرُها تلفُّتُنا إليها / فتسقُطُ أوْ تَزِلُّ عن الكُعوبِ
وتَنشبُ في الخُدودِ إذا غَفَلنا / فيحسَبُ أنّها وَخَطُ المَشيبِ
نُحيي شخصَهُ ويقولُ أهلاً / تبدلُنا الطَلاقة بالشُحوبِ
بياضُكَ في الشعورِ نُهىً وحلمٌ / وجهلٌ في المهندةِ الغُروبِ
علِمنا ما جهلتَ من اللّيالي / فليسَ يُفيدُ عِلماً بالخُطوبِ
وحيّانا غلامٌ من كلابٍ / شَمائِلُهُ سِهامٌ في القُلوبِ
ردَدْتُ سَلامَهُ ورأيتُ فيه / مخائلَ لا تَخيلُ على أريبِ
فقلت ألا تذمُ من الأعادي / فقال بلى ومن طولِ السّهوبِ
أُريكَ الشّمسَ في حمصٍ فَتاةً / وقد عَنَسَتْ بقَوعَةَ للمغيبِ
سحابةُ ليلةٍ لا غزرَ فيها / لرَجْلِكَ غيرَ سيركَ واللغوبِ
فَيا غلاّقُ لا غلاقُ خَيرٍ / ولكنْ أنتَ فرّاجُ الكُروبِ
قَليلٌ بينَنا رَجْعُ العِتابِ
قَليلٌ بينَنا رَجْعُ العِتابِ / كذلِكَ دأبُ أيّامي ودَابي
عسى صَبْري على نُوَبِ اللّيالي / يُليّنُ من خَلائِقِها الصِّعابِ
فزعتُ إلى جميلِ الصّفحِ عنها / ولم أفزعْ إلى ظُفُري ونابي
وقد ذهبَ الوَفاءُ فلسْتُ أرجو / وفاءَ مصاحبٍ بعد الشَّبابِ
أأزْمَعَ سَلْوَةَ أمْ بانَ غَدْراً / فإنّ الغَدْرَ من شيمِ الذّئابِ
وكنتُ إذا نَبَتْ بهَواي أرضٌ / يَسُلُّ السّيرُ عَضْباً من ثيابي
لَبيباً حين تَخْدَعُني فَلاةُ / رَقوصُ الآلِ ساحرةُ السَّرابِ
وقَطّاعَ القرائنِ كلَّ يومٍ / على البيداءِ مُنْدَلِقَ الرّكابِ
أعِفُّ إذا المَطالِبُ أعجَبَتْني / ولا يَبْقى الحَياءُ مع الطِّلابِ
ولو كان الشّرابُ يجر منّاً / إذاً لصددْتُ عن بَرْدِ الشّرابِ
صَميمُ سَجيّةٍ يُعْطيكَ هَوناً / كما يُعطى على شَدِّ العِصابِ
يُحكِّمني الصّديقُ أرادَ ظُلماً / فأحكمُ للعدوِّ ولا أُحابي
وأعشَقُ كلّ ممتعضٍ أبيٍّ / يَفِرُّ إلى الحِمامِ من السِّبابِ
إذا شَبّهْتُهُ بالغَيثِ جُوداً / ونصلِ السّيفِ عزكَ في الخِطابِ
وما كلُّ الصّرامةِ في المَواضي / ولا كلُّ السّماحَةِ في السّحابِ
أقولُ لدَهْرِنا وله مقالٌ / لشيءٍ ما سكَتَّ عن الجَوابِ
تَعرانا النوائبُ عن خُطوبٍ / قَطَعْتَ بها القُلوبَ وأنتَ نابِ
فقد ركبتكَ خيلُ أبي شُجاعٍ / بضَيمٍ لم يكنْ لكَ في الحِسابِ
فتىً كشفَ المَشارِبَ عن قَذاها / وفتّحَ في المكارمِ كلَّ بابِ
وأمهلَ عثرةَ الجاني أناةً / يُقَدّمُ زَجرَهُ قبلَ العِقابِ
به عرفَتْ بصائرُ كلِّ أمرٍ / وقوعَ الحزْمِ منها والصّوابِ
ومُظلمةٍ من الغَمَراتِ يُغني / عن الآراءِ فيها والصِّحابِ
مُهَجَّرةَ الصّباحِ يكونُ منها / مقيلُ الموتِ في ظلِّ العُقابِ
أُعينَ بكلِّ مُشْعَلَةٍ تلَظّى / إلى الأعداءِ طائِشة الحِرابِ
وفتيانٍ يَهُزُّ الركضُ منهمْ / أنابيباً تَدافَعُ في الكِعابِ
نَسوا أحلامَهم تحتَ العَوالي / ولا أحلامَ للقَوْمِ الغِضابِ
إذا كانتْ نُحورُهُمُ دُموعاً / فما مَعْنى السّوابغِ في العِيابِ
تُتَيّمُهُ البلادُ وكُلُّ أرضٍ / له بلقائها فَرَحُ الإيابِ
أُؤَمِّلُ حُسْنَ رأيكَ في اصطِناعي / وحُسْنُ الرّأيِ من جُلِّ الثّوابِ
وأرجو من نَداكَ الغَمر بَحْراً / سَفيهَ الموْجِ مَجْنونَ العُبابِ
وما استبطأتُ كفَّكَ في نَوالٍ / على عدواءِ نأيٍ واقْتِرابِ
ولو كان الحِجابُ لغيرِ نَفْعٍ / لما احتاجَ الفؤادُ إلى حِجابِ
وكنتُ وبيننا كُرْمانُ أقضي / على طمعِ العِدى لكَ بالغِلابِ
وأرقبُ في العَواقبِ منكَ يوماً / عليلَ الشّمسِ مُحْمَرَّ الإهابِ
بأملاكِ الطّوائفِ منهُ ذُعْرٌ / يُقلّمُ بينَهم حَسَكَ الضّبابِ
ووصلُ ضَرورةٍ لا وَصْلُ ودٍ / مَعانقَة المعبَّدةِ الحِرابِ
رأيتُ الناسَ حينَ تَغيبُ عنهُمْ / كسارٍ في الظّلامِ بلا شِهابِ
هُمُ زَرْعٌ يَحُلُّ نَداكَ منهُ / مَحَلَّ الماءِ منه والتّرابِ
فليتَ صَبابةَ النقْعَيْنِ تُبْنى / فتخبِر عنكَ بالعَجَبِ العُجابِ
وأنتَ تعلّمَتْ منكَ المَواضي / هُبوبَ الأريحيّةِ في الضِّرابِ
فإنّ اللهَ لم يَسْلُلْ حُساماً / سِواكَ على الجَماجمِ والرِّقابِ
سَقَامٌ ما يُصَابُ له طَبيبُ
سَقَامٌ ما يُصَابُ له طَبيبُ / وأَيامٌ مَحَاسِنُهَا عُيُوبُ
ودهرٌ ليس يَقْبلُ من نَصِيْحٍ / كما لا يَقبلُ التَّأْدِيْبَ ذِيبُ
يُحَبُّ على المَصَائبِ والرزايا / فلا كانَ المُحِبُّ ولا الحَبيبُ
أَلا لا تَدْنُ من أَربي وخَالبْ / رجالاً يَستفزُّهمُ الخَلُوبُ
خَفِيتَ عليهم والسُّمُ يُخفى / مَرارةَ طَعْمِهِ العَمَلُ المَشُوْبُ
ومغرورٍ بوصْلكَ ليسَ يَدْري / متى يُدعى بِهِ ومتى يُجيبُ
يَظُنُّ العيشَ ليس يَضُرُّ يوماً / اذا ما سرَّ والبلوى ضُرُوبُ
نظرتُ فما أرَى الاَّ غَفُولاً / يَمُدُّ رَجَاءَهُ الطَّمَعُ الكَذُوبُ
أَبعدَ الأَريحيِّ أَبي شُجاعٍ / يُسَرُّ بعيشهِ الفَطِنُ اللبيبُ
وقد ملكَ البلادَ وما أَديرتْ / عليه الشّمسُ تطلُعُ أَو تَغِيبُ
رأَيتُ جنودَه لم تغن عنه / وقد جَعَلَتْ بوفرتها تَثُوبُ
دَعَاهُم وهي تَصْعَدُ في حَشَاهُ / فما نَفَعَ البعيدُ ولا القَريبُ
ولا ما جمَّعَتْ من كل وفرٍ / يداه والمنونُ لها نَصِيبُ
يَعِزُّ عليَّ أَنْ تَنْقَادَ طَوعاً / وأنتَ لكلِّ ما جَدَحُوا شَرُوبُ
يَرِقُّ عليكَ مَنْ قَدْ كانَ يَخْشَى / ذُبابَكَ انَّ ذا عَجَبٌ عَجيبُ
فما عَلِمَ المُنَجّمُ حين يَقضي / بِبُرئكَ ما تُجَمْجِمُهُ الغُيُوبُ
ولا عَرَفَ الطبيبُ دواءَ داءٍ / سَواءٌ أَنتَ فيه والطبيبُ
غَداةَ يقول انَّ السقمَ رَكضٌ / وانَّ البرءَ ممشاهُ دَبِيبُ
تَجرأتِ الحَوادثُ واستَطَالَتْ / علينا بعد فُرْقَتِك الخُطُوبُ
وَجَاهَدْنا العدوَّ فكلُّ يومٍ / علينا منه نائبةٌ تَنُوبُ
وما تنفكُّ تَسمعُ من غبيٍّ / مَقَالاً كانَ برهبه الخطيب
لعمر أبي لقد سكنت وقرت / قلوب كان يألفُها الوَجِيبُ
ونامت أَعينٌ كانَ التَّغاضِي / يريبُ جُفُونَها فيما يرِيبُ
عَرَفْنَ النومَ مَضْمَضَةً وَمَذْقاً / فقد أَلَوى بِهنَّ كَرىً غَرِيبُ
كرى يزدادُ فيه الطيفُ وهناً / ولا واشٍ عليه ولا رَقيبُ
كفى حُزناً بأنَّكَ كلَّ يومٍ / يَؤُوبُ الغائبونَ ولا تَؤُوبُ
بأَرضٍ صِرْتَ جارَ أَبي تُرَابٍ / بها وكلاكُما فيها غَريبُ
فلا سئمَ الغَريَّ وساكنيه / من الأنواءِ سَارِيَةٌ سَكُوبُ
تُفرقُها الشَّمالُ اذا أَراقَتْ / مَدَامِعَها وتَجمعهَا الجَنُوبُ
أُسَرُّ بأَنْ تجادَ عليكَ أَرْضٌ / عِظامُكَ تَحْتَ جامدِها تَذُوبُ
وأَفرحُ بالرياحِ ولا ركودٌ / يُحِسُّ به صَداكَ ولا هُبُوبُ
عسى اليومَ الذي غاداكَ منَّا / قريبٌ كلما يأتي قَريبُ
فَبعْدَكَ وُشِّيَتْ حُلَلُ المَراثي / وَعُطلتِ المدائحُ والنَّسِيبُ
وأُعفيتِ السَّوابقُ فاستَراحَت / ونامتْ بعدَ يَقْظَتِهَا الحُروبُ
جَيادُكَ في الرياضِ مُعَطَّلاتٌ / جَفَاهَا السيرُ بعدَكَ واللغُوبُ
فلا مضغ الشكيم لها قضيم / ولا شم الجنوب لها ذَنوبُ
وكنَّ بِمُعْضِلاتِكَ كلَّ يومٍ / على الأَعداءِ تجلبها الجَلُوبُ
تُقاد الى الركابِ مُجنَّباتٍ / وما لهوانهِ قِيْدَ الجَنِيبُ
وقد أكلتْ سنابكَهَا المَوامى / فلان المشيُ منها والدَّبيبُ
مقاعدُ فتيةٍ هجروا كَراهُمْ / الى أَنْ يُدرِكَ التِّرَةَ الطَّلُوبُ
أَحُرِّمتِ المضاجعُ أَمْ أُضِيعَتْ / أمِ الفتيانُ ليس لهم جُنُوبُ
كأَنهم على فِقَرِ المطايا / أَنابيبٌ تُساندُها كُعُوبُ
ذكرتُ فليسَ يُنْسِينيِكَ شيءٌ / وهل يَنْسَى تَجَارِبَهُ اللبِيبُ
على حينَ استلانَ القومُ مَسِّي / وأَعلنَ في وجوهِهم القُطُوبُ
وما لكَ من اباءِ الضيمِ حَامٍ / اذا لم يَحْمِكَ الأنِفُ الغَضُوبُ
أَلاَ يا عينُ فاحْتَفِلي عليهِ / وانْ قَرِحَتْ جُفُونُك والغُروبُ
ويا دُرَراً غَسَلْنَ سَوادَ عيني / كذاكَ بِلِمَّتي صنعَ المَشِيبُ
فان أَكُ قد جَزعْتُ وسُرَّ قَومٌ / بأَني للنَّوائِبِ مُستَجيبُ
فلي نفسٌ على الزفراتِ باقٍ / وصبرٌ ليس تفنيهِ الكُرُوبُ
وقد تَتَأَوَّدُ الصُّمُ العَوالي / كما يَتَأَوَّدُ الغُصْنُ الرَّطِيبُ
كَعُودِ النبعِ يُحْسَبُ فيه أَينٌ / وَتَحْتَ لِحَائِهِ متنٌ صَلِيبُ
بتاجِ الملَّةِ اقتَسَرَتْ دموعي / وأَسرعَ في تَجمّلِيَ النَحيبُ
حفظْتُ له يَداً خَطَبَتْ ثَنائِي / وَشُمُّ الهُضْبِ دوني والسُّهُوبُ
وقولُ الكاشِحينَ وقد عَصَاهُمْ / فتى يُصغي لقولك أو تُنيبُ
فَخَالَفَهُمْ معيدُ النَّفْثِ رَاقٍ / به وبمثلهِ خُدِعَ الأَريبُ
أُمورٌ لا يُخاطِرُ في هَواهَا / بِسَورَةِ عِزَّةٍ الاّ نَجِيبُ