المجموع : 3
لهذا اليوم في التأريخ ذكر
لهذا اليوم في التأريخ ذكر / به الآناف يفغمهنّ طيب
ويحسن في المسامع منه صوت / له تهتز بالطرب القلوب
ففي ذا اليوم نحن قدِ أحْتفَيْنا / بريحانيّنا وهو الأديب
فتىً كثُرت مناقبه فأضحى / له في كل مَكرُمة نصيب
نُجالس منه ذا خُلُق كريم / له بجليسه أثر عجيب
وأقسم لو يجالسه سفيهٌ / فواقاً لأغتدى وهو الأريب
كذاك يكون زهر الروض لمّا / تمرّ عليه ناسمةٌ تطيب
ولم يُنسب إلى الريحان إلاّ / وريحان الرياض له نسيب
له قلم به تحيا المعاني / كما يحيا من المطر الجديب
وتُشرق في سماء الشعر منه / كواكب ليس يدركها مغيب
لقد طارت بشهرته شَمال / كما طارت بشهرته جَنوب
وطبّق ِصيته الآفاق حتى / تعرفه القبائل والشعوب
فَدَيتك هل تُصيخُ فإن عندي / شَكاةً لا تصيخ لها الخطوب
إلى كم أستغيث ولا مغيث / وأدعو من أراه فلا يجيب
أقمت ببلدة مُلئت حُقوداً / عليّ فكل ما فيها مُريب
أمُرّ فتنظر الأبصار شَزراً / إليّ كأنما قد مرّ ذيب
وكم من أوجُه تُبدي ابتساماً / وفي طَيّ ابتسامتها قُطوب
سكنت الخان في بلدن كأني / أخو سفر تَقاذَفُه الدروب
وعشت معيشة الغرباء فيه / لأني اليوم في وطني غريب
وما هذا وأن آذى بدائي / ولا هو أمره أمرٌ عَصيب
ولكني أرى أبناء قومي / يدبّر أمرهم مَنِ لا يُصيب
يقدَّم فيهم الشِرّير دفعاً / لشِرَّته ويُحتقَر الأديب
فهذا الداء مُنتشِب بقلبيِ / وفي قلب العُلا منه وجيب
فكيف شفاؤه ومتى يُرجّى / وأين دواؤه ومَن الطبيب
وأن أكُ قد شكوت فما شَكاتي / إلى ذي خلّة شيء مَعيب
سأنصِب للهواجر حُرّ وجه / يعود إلى الشروق به الغروب
وأضرِب في البلاد بغير مكث / أجوب من المهامِهِ ما أجوب
إلى أن أستظلّ بظلّ قوم / حياة الحرّ عندهم تطيب
وإلاّ فالحياة أمَرّ شيء / وخير من مرارتها شَعوب
لعمرك أن قصر البحر قصرٌ
لعمرك أن قصر البحر قصرٌ / به يسلو مواطنه الغريب
وتمتلئ العيون به ابتهاجاً / إذا نظرت وتنشرح القلوب
تروق الناظرين بجانبيه / مناظر دونها العجب العجيب
فمن شمس يصافحها طلوع / ومن شمس يعانقها غروب
ومن سفن تجئ بها شمال / ومن سفن تروح بها جنوب
وأخرى حوله خمدت لظاها / وأخرى في الفؤاد بها لهيب
أطلّ على المياه فقابلته / بوجهٍ لا يمازده شحوب
يقبّل جانبيه البحر حتى / كأن البحر مشغوف كئيب
أحاط به فكان له رقيباً / ومغناه الأنيق له حبيب
وما هذا التموّج من هواءٍ / ولكن من هوىً فهو الوجيب
كأن الموج في الدأما رجال / وهذا القصر بينهم خطيب
تخاطبهم مبانيه فيعلو / من الأمواج تصفيق مهيب
قلمّ به المسرّات ازدياراً / فتعرفه وتجهله الكروب
وما انفردت به بيروت حسناً / ولكنّ القصور بها ضروب
تبسّمت البلاد بكلّ أرض / وما زال العراق به قطوب
فها هو من تكاسل قاطنيه / تجرّ عليه كلكلها الخطوب
إذا تدعو الرجال به لخيرٍ / يجيبك من تخاذلهم مجيب
فيا لهفي على بغداد أمست / من العمران ليس لها نصيب
سأبكي ثم استبكى عليها / إذا نضبت من العين الغروب
أيا بغداد لا جازتك سحبٌ / ولا حلّت بساحتك الجدوب
تطاول ساكنوك عليّ ظلماً / فضاق علي مغناك الرحيب
وكم نطقوا بألسنةٍ حدادٍ / يسيل لها من الأشداق حوب
رماني القوم بالالحاد جهلاً / وقالوا عنده شك مري
ألا يا قوم سوف يجد جدّي / وسوف يخيب منكم من يخيب
فمن ذا منكم قد شقّ قلبي / وهل كشفت لكم فيّ الغيوب
فعند اللّه لي معكم وقوف / إذا بلغت حناجرها القلوب
يقيني شرّ فريتكم يقيني / بأنّ الله مطّلع رقيب
ولم تخفر لكم عندي ذمام / ولكن عادة الريح الهبوب
أتى من مصر طلعتها بن حرب
أتى من مصر طلعتها بن حرب / فأهلاً بالمذلَل كل صعب
وأهلاً بالذي اتخذته مصر / لدفع ملمّة ولقرع خطب
هو الرجل الذي في مصر قامت / له همم تنفّس كل كَرب
تعهّد بالمساعي الغر مصراً / فبدّل جدب تربتها بخصب
أحبّ بلاده فسمعت منها / له شكر الحبيبة للمحبّ
لقد شاهدت مبتهجاً بعيني / له في مصر آثاراً كبارا
ففي الكُبرىَ له متحرّكات / تخلّد في البلاد له الفخارا
معامل مارست غزلاً ونسجاً / فأغنت في صناعتها الديارا
وفي الأسكندرية باخرات / له في البحر تبتدر السفارا
وأما بنك مصر فذاك أمر / به قد جلّ طلعة أن يباري
إذا ما مصر في المال استقلّت / فلا تخشى التأخّر في السياسه
فإن المال أكبر ما يرجى / به نيل السيادة والرياسه
إذا ما الشعب كان أسير فقر / فما تجدي السياسة والحماسة
أيصبح في سياسته طليقاً / أسير أوجب الفقر احتباسه
ولكن من سعى سعيَ ابن حرب / فقد نال السيادة بالكياسة
رجال النيل حُيّيتم رجالاً / بما للعرب فيكم من سمات
بكم طرب الفرات وقال جهراً / لوادي النيل إنك من لداتي
كلانا جاريان على سهول / بأبناء العروبة آهلات
كلانا في الأخاء لنا مواضٍ / ضّمِنّ لنا النجاح بكل آت
وتجمعنا جوامع كبريات / وأكبرهنّ سيّدة اللغات
لقد زرناكم قبلاً فكنُا / على نشز التجلّة والكرامه
فمن بيت يمدّ به سماط / ومن وجه تضيء به ابتسامه
وما هذا لعمر الحق منكم / ببدع بل لكم فيه استقامه
وما زرناكم لكبير ملك / ولكن للأخوّة والشهامه
ألا فلتحي مصر فنحن نرجو / لكم فيها السعادة والسلامه
وكم في مصر من بطل همام / يسير بها على خطوات سعد
وكم راقٍ بها في جوّ علم / ليستهدي بأنجمه ويهدي
وكم ساع لها بخطا ابن حرب / ليسعدها بما يغني ويجدي
ولكن ابن حرب في دجاها / كبدر الأفق حلّ ببرح سعد
فكيف تكون مصر في اِسار / وفيها اليوم من يحمي ويفدي
متى تنقاد للعرب الليالي / فتفتر عن نوازلها النوازي
وترجعهم إلى ما كان قبلاً / لهم من دولة ومن اعتزاز
فيمسوا في العراق على أتحاد / ومصر والشآم وفي الحجاز
هنالك يضحك المجد ابتهاجاً / ويمسي الحق منصلت الجراز
ألا فلتسعدن بفؤاد مصرٌ / كما بغداد قد سعدت بغازي