المجموع : 7
تَأَمَّلْ هيئةَ الهَرَمَيْن وانظُرْ
تَأَمَّلْ هيئةَ الهَرَمَيْن وانظُرْ / وبينهما أبو الهولِ العجيبُ
كعُمّارَّيتَيْن على رحيلٍ / بمحبوبين بينهما رقيب
وماءُ النيلِ تحتَهما دموعٌ / وصوتُ الريحِ عندهما نَحيب
وظاهِرُ سجنِ يوسفَ مثلُ صَبٍّ / تَخلَّف فَهو محزونٌ كئيب
وبيضاء العَوارِض قابلتْها
وبيضاء العَوارِض قابلتْها / شَبيهتُها السَّميةُ من مَشيِبي
فظَلَّت لا تَرُدّ الطَّرْفَ عنْها / تلاحظُها ملاحظةَ المُريب
وقالتْ لي أَشِبتَ فقلتُ كلا / ولكنْ هذِه زَبَدُ الخُطوب
وهَجْرُك آكَدُ الأسبابِ فيها / فمُوجِبها ذنُوبك لا ذنوبِي
فقالت لي هجرتُك لا لعيبٍ / فكيف على الكثير منَ العيوب
عَسى يُدْنيكَ يا بلدي إيابُ
عَسى يُدْنيكَ يا بلدي إيابُ / وهَبْ ذا تَمَّ لي أين الشبابُ
لَحَا اللهُ النَّوَى فأخفُّ شيءٍ / يُكابِده الفتى منها عَذاب
أُحادِثُ فيك أحداثَ الليالي / حديثاً طالَ أكثُره عِتاب
وقد كانتْ إذا اعتذرتْ أَجابتْ / فزال العذرُ وانقطع الجواب
وبي أسفٌ له في كل عضوٍ / وأَخْفَى شَعْرةٍ مني شِهاب
عَدِمتُك والشبابَ فلو دَهَتْني / مُصيبةُ واحدٍ سَهُل المُصاب
فمالي منكما أبدا بَديلٌ / ولا بلدٌ يَنوبُ ولا خِضاب
ولكنْ بالشّباب الغضِّ شَيْبٌ / أُكابِدُه وبالوطنِ اغْتِراب
ومن صَحِب الليالي ذاقَ منها / ضُروبا ضِمنْها ضَرَبٌ وصاب
وشَرْقيَّ المَحجَّةِ لي غَزالٌ / تُحجِّبه الصَّوارمُ والحِراب
بذلتُ له دمي من بعد مالي / وقَصْدي منه في العِوض الرُّضاب
وحولَ القُبَّة العَلْياء قومي / جُذامُ وحَسْبُك الأُسْد الغِضاب
بَراثُنها الأَسِنَّةُ والمَواضِي / ولكنْ حولَها للسُّمْرِ غَاب
إذا طَلبتْ دمي لم تَرْضَ فيه / إذا اخْتصرَتْ بمن حَمَل التراب
فلو فَزِع الحمامُ لَهوْلِ شيءٍ / لأَفْزَعه لها ظُفُر وناب
وحسبك بالنَّوَى مني بعادا / فهَلاّ في الكَرَى منكِ اقْتراب
وهَبْكِ فررتِ خوفَ العَيْبِ يَقْظَى / فهل في زَوْرةٍ للطيفِ عاب
وفي الإسكندرية لي فُؤادٌ / له في مِصْرَ جُثْمانٌ خراب
يَدِيُنك طاعةً سرا وجهرا / وليس له على عملٍ ثَواب
بذاك الثغرِ أَضْحَكني زمانٌ / بُكاىَ عليه نَوْحٌ وانْتِحاب
سَقى تلك المعاهدَ كلُّ عهدٍ / تَفيض على الهِضاب له هِضاب
مَضتْ لي في جَزيرتها لَيالٍ / لآَلٍ هنّ لو قِيل الصَّواب
فلو نُظِمت قَلائدَ للغواني / لَماَ رَضِيتْ عن الدُّرِّ الرقاب
كأنّ البدرَ فيها عينُ ماءٍ / لها من فائض النورِ انْسِكاب
تُضىء بها المساجدُ فهي تَزْهُو / بياضا مثل ما تزهو الكَعاب
تُجاورها مَنارتُها وفيها / وفي فانوسِها عَجَبَ عُجاب
فتاةٌ غادةٌ بإزاءِ شيخٍ / قصيرٍ طالَ بينهما العتاب
سَقى اللهُ السَّوارىَ بالسَّوارى / ودَرَّت في مَذاهِبِها الذِّهاب
فكم عيدٍ بها أَهْدَى وأَدْنَى / حبيباً كانَ أَبْعَده اجْتِناب
وفي البابِ القديمِ قديمُ عهدٍ / يُذَكِّرنيِه للنُّزَهِ الذّهاب
وسيفُ خليجِها كالسيفِ حَدّاً / وفي أَرجِ الرياحِ له اضطراب
يَمُدُ مُدىً تُلَّقب بالمجَارِي / وليس لمُدْيَةٍ منْها قِراب
وإيقاعُ الضفادعِ فيه عالٍ / وللدولاب زَمْرٌ وَاصْطِخاب
وَتكسوه الرّياحُ دروعَ حرْبٍ / ولا طعنٌ هناك ولا ضِراب
وترقُص في جوانِبه غصونٌ / كرقصٍ الغِيد مادَ بها الشّراب
وتشدو بينَها الأطيارُ شَدْوا / رَخيما للقلوبِ به انْجِذاب
وكم لي بالكنيسة من كِناسٍ / به رَشَأُ جَلَتْه لنا القِباب
وكم لي بالمجاَلسِ من جلوسٍ / تحفُّ به الأَحبةُ والصِّحاب
وبحرُ المِلحْ مثل الفحلِ يَرْغُو / ويُزْبِد حين يُقْلِقه الهِباب
وتحسب سفنه صفةً ولونا / فُيولا حينَ يرفعُها العُباب
وأذكُر قصرَ فارسَ والمعلَّى / ففيِه لكلِّ موعظةٍ مَناب
وَهي من بعد قوته فأضْحَى / كما بَركتْ على الغبراءِ نابُ
وأفَنتْ مُلْكَ ساكِنه الليالي / وكم فاضتْ بعسكرِه الشِّعاب
فأصبحَ دِمْنةً تَغْدُو السَّوافى / عليه وقَصْرُه قَفرٌ يَباب
تَنوح الهاتفاتُ على ذُراه / وتُعْشِبُ في أسافِله الرِّحاب
ففي تلك الشَّقائقِ منه شاقتْ / شَقائقُ شُقِّقَتْ منها الثياب
تراءتْ من كَمائِمِه فكانتْ / كحُمْر اللاّذِ أَبْدَتْها العِياب
تُحَرّكها الصَّبا فتَخالُ فيها / بحارَ دمٍ يُموِّجها انْصِبابُ
كأنّ الْخَمْرةَ الحَمْراء رَاقتْ / وأوراقُ الشَّقيقِ لها قِعاب
وتحسَب فحمةً في كل ساقٍ / أحاط سِوَى اليسيرِ بها الْتهاب
كأنَّ الأقحوانَ به ثغور / مُفلَّجةٌ مُؤشَّرةٌ عِذاب
وقد بَهَرتْ دنانيرٌ دَعَوْها / بَهارا كَنْزُها ذاكَ الحَباب
فظهْرُ الظاهِريِة لي مُقام / تَخُبُّ بنا إلى دَدِه الرِّكاب
ولا سِيَمَا إذا كُسِيت رُباها / ملابسَ كان يَرْقُمها السحاب
وكم يومٍ لنا بالرملِ فيه / حديثٌ مثل ما نثُر السحاب
حديثٌ كاسمِه فينا حديثٌ / كما يَسْقِى أَخا ظمأٍ ثِغاب
جلسْنا والرمالُ لنا َحشايا / وأوراقُ الكُرومِ لنا حِجاب
على الكُثْبان أضكْثِبة سِمانٌ / وفي الأغْصان أغصانٌ رِطاب
به القَصْران كالرِّجْلين لاحا / على بُعْدٍ يُقِلُّهما السَّراب
أقاما صاحبَين مع الليالي / ولم يَنْعَب ببيْنِهما الغراب
ولكنْ سوف يفترقان قسْرا / وهل يبقَى مع الدهرِ اصطحاب
أَإخواني بذاك الثَّغْرِ عندي / لكم وُدٌّ يَروق فلا يُشاب
رسَا تحتَ الثَّرَى وعلى الثُّرَيّا / فدُونَ ثَباتِه الشُّمُّ الصِّلاب
أُؤمِّلُ أن تُقرِّبنا الليالي / وآيَسُ حين يُعجِزني الطِّلاب
وكم سببٍ تَوجَّه ثم تأتِي / عوائقُ ما ألمَّ بها الحساب
وكم سلمتُ للأٌقدارِ لكنْ / جِبِلَّةُ كلِّ مَنْ نُكِب اكتئاب
سأَدعو الله معْ سَرَف المَعاصِي / فقد تدعو العُصاة وقد تُجاب
على تلك الدِّيارِ ومَنْ حَوَتّها / سلامٌ كالسلامةِ يُسْتَطاب
يُكرِّره لساني بل كتابي / بلِ الأيامُ إنْ دَرَس الكتاب
هلالٌ في قضيبٍ في كَثيبِ
هلالٌ في قضيبٍ في كَثيبِ / لواحِظُ طَرْفِه شَرَكُ القلوبِ
أعفُّ عن الكبائر فيه جُهدي / وأسمح بالصغير من الذنوب
وأرشُفُ منه ثَغْرا كالأَقاحِي / وأَلزَم منه قَدّا كالقَضيب
وأُبصر شمس غُرَّته إذا ما / تَراءتْ بين أَفْلاكِ الجُيوب
فآمَنُ باللقاءِ من التَّنائي / وأظفرَ بالحديث بلا رقيب
كما أمِن الأَنامُ بأرض مصرٍ / بشاهِنْشاهَ من أَلمِ الخُطوب
هو الملكُ الذي لولا نَداهُ / لَمَا رَقَّ الزمانُ على أديب
أروضٌ جاءني لك أم كتابُ
أروضٌ جاءني لك أم كتابُ / أدُرٌّ ما تَضمَّن أم عِتاب
مَعانٍ تُطرِب الفُصَحاءَ حُسْنا / وألفاظ مهذَّبة عِذاب
حروفٌ لو تأمَّلَهن شيخٌ / كبيرُ السِّنِّ عاد له الشَّباب
بياضٌ من وجوهِ البِيضِ فيه / سوادٌ من شعورِهُم يُذاب
وتَرْتشِف المَسامعُ منه لفظا / شَهِيًّا مثلَ ما رُشِف الرُّضاب
كزَهْرِ الروضِ باكرَه نسيمٌ / يُفتِّح منه ما سَقَتِ السَّحاب
طَربتُ لعلم مُودَعِه سُرورا / كما فعلَتْ بنَشْوانٍ شَراب
أُحاول أنْ أجاوِبَه ولكنْ / قُصورِي عن إجابِته جَواب
وكيف ولم يُبَقِّ الشوقُ مني / سوى قلبٍ يُقلِّبه اكتئاب
يُهمّ بأنْ يَذودَ الهمَّ عنه / وقد ظَفِرت به ظُفُر وناب
ورُوحٌ لا يُروِّحها نِزاعٌ / ونفسٌ لا يُنفِّسها عَذاب
ولم تَنْعَم بقُرْبِك غيرُ عيني / وحلَّ بسائرِ الجسم العَذاب
كقولِ أخيِ مُمارسةٍ وفَهْمٍ / يروقك في مقالته الصواب
وجرم جرة سفهاء قومٍ / فحَلَّ بغير جانِيه العذاب
عسى يُبْلَى العذولُ ببعضِ ما بي
عسى يُبْلَى العذولُ ببعضِ ما بي / فيَعْذُرَ أو يُقَصِّرَ عن عِتابي
ويَعْلَقَ قلبَه طمعٌ ويأسٌ / على حالَىْ بِعادٍ واقْتراب
ويَعدوُ الشوقُ منه على التَّسلِّى / كما يعدو النُّصولُ على الخِضاب
نعم وأبيه لو ماسَتْ لديه / غصونُ الأيْكِ في وَرَق الشَّباب
وصار خَفىُّ سِرِّ الوَعْد غَمْزا / إليه بالجفون من النِّقاب
وأَبْصَرَ كيف تُتْحِفه الليالي / بأوقاتِ الخَلاعة والتَّصابي
ومختِلس الوصال بغير وعدٍ / لصَبٍّ بعدَ صَدٍّ واجْتناب
وألفاظَ التنصُّلِ حين تبدو / بلطفٍ في مُذاكرِة العتاب
وَرَشْفَ أَقاحِيِ الثَّغْرِ المُنَدَّى / مُنَوَّرُه بمعسولِ الرُّضاب
وَضَمّا بات يَلْثَمه التزاما / وَتَأباه النهودُ من الكَعاب
لَكانَ مُساعِدى ورأى مَلامى / من الخطأ البعيدِ من الصواب
وَأَيْقَنَ أَنّ لَوْمَ الصَّبِّ لُؤْمٌ / وعذب العيشِ في ذاك العذاب
سأُركِض في الهوى خيلَ التَّصابِي / وَأُعمِل في غَوايَتِه رِكابي
وَأرشُفُ سُؤْرَ حَظِّى من شبابٍ / يَجِلُّ عن التَّعوُّضِ والإياب
فعَشْرُ الأربعين إذا بَدا لي / تأهبَتِ الشَّبيبةُ للذهاب
ولو ذهبتْ لنِلْتُ أجَلَّ منها / لكَوْني تحتَ ظِلِّ أبى تُراب
فتىً جَمع الفضائلَ فهْى فيه / كما كانت فذلك في الحساب
شَرَى طِيبَ الثَّناء بكل سعرٍ / وسار إلى العُلَى من كل باب
فقد نال المحاَمد والمعالى / بِجِد واجْتهادٍ واكتساب
له بالسيف والقلم افتخارٌ / تَعاظمَ في الكَتيبة وَالكِتاب
فيُغِنى خَطُّه يوم العَطايا / ويُفنى سيفُه يومَ الضِّراب
له كفٌ تُعيد ندىً وتُبدى / فتُزْرِى بالبحار وبالسحاب
يُفِيض بها النُّضار لكل عافٍ / كَفَيْضِ البحر يَزْخَر بالعُباب
لقد جَلَّت أياديه وجالتْ / مُقلِّدةَ الصَّنائعِ في الرِّقاب
إذا يَممت حَيْدرةً لفضلٍ / فدُونَك ما تُريد بلا حجاب
يُفيدك جودُه مالا وجاها / ويَشْرُف عن مِطال وارتقاب
تكاد تنال ما تبغيه منه / من المطلوب من قبلِ الطِّلاب
تُباهي فضلُه في كل فعلٍ / شريفٍ للجميل وللثواب
لقد عَظَمَت لآلِ أبى شجاع / محاسنُ في العِيانِ وفي الخِطاب
وجوهٌ للجمال على عَفافٍ / وفعلٌ للجَميل بلا اعْتِجاب
عَلاكم مُلْكُ شاهِنْشاهَ حتى / لكم من فضله شرفُ انْتِساب
فلا زالت منائحه عليكم / تَوالَى بين سَحٍّ وانسكاب
فأنتم بين ذي شكرٍ ومدحٍ / يذِيعُ وذي دعاءٍ مستجاب
هي الدنيا فلا يَحْزُنْك منها
هي الدنيا فلا يَحْزُنْك منها / ولا من أهلها سَفَهٌ وعابُ
أتطلبُ جيفةً وتنال منها / وتنكرُ أنْ تُهارشَك الكلاب