المجموع : 8
أكان يَزيدُ بأسُكَ إذ تُصابُ
أكان يَزيدُ بأسُكَ إذ تُصابُ / زِيادةُ ذلك العجبُ العُجابُ
تَكاثرتِ الجراحُ وأنت صُلْبٌ / يَهابُكَ في الوغَى مَن لا يهاب
قُوىً تَنصبُّ مُمعنةً حِثاثاً / وللدَّمِ في مَواقِعها انصبابُ
تَردُّ الهندوانياتِ ظَمأى / يُخادِعُها عن الرِّيِّ السَّرابُ
تُريد مُحمداً واللّهُ واقٍ / فَترجعُ وَهْيَ مُحنقةٌ غِضاب
زِيادةُ دونه سُورٌ عليه / مِن النّفرِ الألى احتضنوه باب
وما بِمُحمّدٍ خَوفُ المنايا / ولا في سيفِه خُلُقٌ يُعاب
ولكن جَلَّ منزلةً وقدراً / فبرَّ رجالُهُ ووفَى الصّحاب
هَوَى البطلُ المُغامِرُ واضمحلَّت / قُواه وخارتِ الهِممُ الصّلاب
فَتىً صَدقْت مشاهِده فظلت / تَعاورُهُ القواضبُ والحِراب
وَهَى منه الأديمُ فلا أديمٌ / وأعوزه الإهابُ فلا إهاب
تَمزّقتِ الصّحائفُ من كتابٍ / طواه في صحائفهِ الكتاب
تلقّاهُ برحمتهِ وروَّت / غَليلَ جِراحِه السُّورُ العِذَاب
أيادي اللّهِ يجعلها ثواباً / لكلِّ مُجاهدٍ نِعمَ الثّواب
أهابَ مُحمدٌ أدنوه منّي / فذلك صاحبي المحضُ اللُّباب
على قَدَمِي ضعوا لِلَّيثِ رأساً / أُحاذِرُ أن يُعفّره التراب
ففاضتْ نفسُه نوراً عليها / وماج الجوُّ وامتدَّ العُباب
عُبابٌ تنطوِي الآفاقُ فيهِ / ويَغرِقُ في جوانبهِ السّحاب
مَضى صُعُداً عليه من الدَّرارِي / ومن بَركاتِ خالقهِ حَباب
تلقّته الملائكُ بالتّحايا / مُنضّرةً تُحَبُّ وَتُستُطاب
وزُخرِفَتِ الجِنانُ وقيل هذا / مآبُكَ إنّه نِعَمَ المآب
أَجِيبي أُمَّ كُلثومٍ أَجِيبي
أَجِيبي أُمَّ كُلثومٍ أَجِيبي / تَرَامَتْ دعوةُ الدَّاعِي المُهيبِ
لمَكَّةُ إذ يُضامُ الدِّينُ فيها / أحقٌّ بكلِّ أفَّاكٍ مُريبِ
خُذِي قَصْدَ السَّبيلِ إلى ديارٍ / مُحَبَّبَةِ المسالِكِ والدُّروبِ
حِمَى الإسلامِ يَمنعُ كلَّ عادٍ / وغِيلُ الحقِّ يَدفعُ كلَّ ذِيبِ
رَعاكِ اللَّهُ فَانْطَلِقِي وسِيري / ولا تَهِنِي على طُولِ الدُّؤوبِ
أردتِ الدِّينَ مَعمورَ النَّواحِي / فَخُوضِي البِيدَ مُقْفِرَةً وَجُوبي
تُطِيلينَ التَّلَفُّتَ من حذارٍ / وَقَلبُكِ لا يَقَرُّ من الوَجِيبِ
رُويدكِ إنّ عين اللَّهِ تَرْعَى / خُطاكِ فلن يَسَوءكِ أن تَؤُوبي
أرى أَخَوَيْكِ في أمرٍ مَريجٍ / وَهَمٍّ من مُصابِهِمَا مُذِيبِ
يَلُفُّ حَشَاهُما حُزنٌ عَجيبٌ / لِرَوْعَةِ ذلكَ الحَدَثِ العَجيبِ
لِكُلٍّ مِنهما في الحيِّ عَيْنٌ / تَدورُ كأنّها عَينُ الحريبِ
وَقَلبٌ دائِمُ الخَفَقَانِ هَافٍ / طَويلُ الوَجدِ مُتَّصِلُ اللّهيبِ
هُنا كانتْ فأينَ مَضَتْ وأنَّى / تُعاوِدُ خِدْرَها بعدَ المغيبِ
أَما عِندَ ابْنِ عَفَّانٍ شِفَاءٌ / فَيكشِفُ كُرْبَةَ العانِي الكَئِيبِ
أَتذهبُ أُختُنا لا نحنُ نَدرِي / ولا هُوَ عِندَهُ عِلمُ اللّبيبِ
كَفَى يا بِنتَ عُقْبَةَ ما لَقِينا / مِنَ الأحداثِ بَعدَكِ والخطوبِ
قِفِي يا أمَّ كُلثومٍ فهذا / مَحَطُّ الرَّحْلِ للنَّائِي الغريبِ
حَلَلْتِ بفضْلِ ربِّكِ خيرَ دارٍ / بِطيبةَ فانعِمي نَفْساً وطِيبي
تلقَّاكِ النبيُّ فأيَّ بشرٍ / رَعَتْ عيناكِ في الكَرَمِ الخَصِيبِ
يُرَحِّبُ ما يرحِّبُ ثمّ يُضفي / عليكِ حَنانَ ذِي النَّسَبِ القريبِ
وما نَسَبٌ بأقربَ من سبيلٍ / يُؤلِّفُ بين أشتاتِ القُلوبِ
سَبيلُ اللَّهِ ليس له إذا ما / بلوتِ السُّبْلَ أجمعَ من ضريبِ
هُدَى السَّارِي يُسَدِّدُهُ فيمضي / بِمُخْتَرَقِ السَّباسِبِ والسُّهوبِ
يَمُرُّ بآخِرينَ لهم عُواءٌ / يُشيَّعُ بالتوجُّعِ والنَّحيبِ
يَرى سُبُلَ النَّجاةِ وكيف ضَلُّوا / فَيعجَبُ للمَصارِعِ والجنُوبِ
ويَحمدُ فالِقَ الإصباحِ حَمْداً / يَهُزُّ جَوَانِحَ الوادي الطَّرُوبِ
تَعَالَى اللَّهُ يُنْزِلُ كلَّ بَرٍّ / بِعالٍ مِن منازِلِهِ رحيبِ
عُمَارَةُ والوليدُ ولا خَفَاءٌ / على فَرْطِ التجهُّمِ والشُّحوبِ
هُما عَرَفا السَّبيلَ فلا مُقامٌ / وكيفَ مُقَامُ مُخْتَبَلٍ سَلِيبِ
أهابا بالرَّسولِ أعِدْ إلينا / وَدِيعَتَنَا فما بِكَ مِن نُكوبِ
هُوَ العهدُ الذي أخذَتْ قُرَيْشٌ / ومَالَكَ غَيْرُ نفسِكَ من حسيبِ
سَجِيَّتُكَ الوفاءُ وما عَلِمْنا / عليكَ الدَّهْرَ من خُلُقٍ مَعِيبِ
برأيِكَ فَاقْضِ وَارْدُدْها علينا / فإنّك أنتَ ذُو الرأيِ المُصِيبِ
عَنَاها أَنْ تُرَدَّ ولا ظَهِيرٌ / يَقِيهَا ما تخافُ مِنَ الكُروبِ
فَصَاحتْ إنّني امرأةٌ وما لي / عَلَى المكروهِ من عَزمٍ صليبِ
بِرَبِّكَ يا مُحَمَّدُ لا تَدَعْنِي / فَرِيْسَةَ كُلِّ جَبَّارٍ رَهيبِ
يُعَذِّبُنِي لأتركَ دِينَ رَبِّي / إلى دينِ المآثِمِ والذُّنوبِ
أأرجعُ يا حِمَى الضُّعفاءِ وَلْهَى / وما لي في ظِلالِكَ مِن نَصيبِ
أتى التنزيلُ يَصدعُ كلَّ شَكٍّ / ويجلو ما اسْتَكَنَّ من الغُيوبِ
وَيَحْكُمُ حُكْمَهُ عَدْلاً وَبِرّاً / فَيُلقِي بالدّواءِ إلى الطبيبِ
إذا جاءَ النساءُ مُهَاجِراتٍ / يُرِدْنَ اللَّهَ دَيَّانَ الشُّعوبِ
بَقِينَ مع النَّبيِّ وإن تَمَادَتْ / لَجَاجَةُ كلِّ عِرِّيضٍ شَغُوبِ
لِيَهْنِكِ أُمَّ كُلثومٍ مُقامٌ / كريمٌ عِندَ مَرْجُوٍّ مُثيبِ
وزوجٌ ذو مُحافَظةٍ نَجِيبٌ / يَفِيءُ إلى ذُرَى النَّسَبِ النَّجِيبِ
يَفيءُ إلى ذُرَى الإسلامِ منه / فتىً للسّلمِ يُرجَى والحُروبِ
وما زيدُ بنُ حارثةٍ بِنِكْسٍ / إذا التَقَتِ الكُماةُ ولا هَيُوبِ
أخو المختارِ من عُليا قريشٍ / ومَولاهُ الحبيبُ أبو الحبيبِ
أعدِّي النَّملَ خَيْبَرُ والذبابا
أعدِّي النَّملَ خَيْبَرُ والذبابا / أعدَّتْ يَثربُ الأُسْدَ الغضابا
وَمُدِّي من حُصونِكِ كلَّ عالٍ / لِيرفعَ في السماواتِ القِبابا
سَيَنزَعُ بأسُهُم حِصناً فَحِصناً / وَيَفْتَحُ عَزمُهُم باباً فبابا
أتاكِ الفاتحُ المِقدامُ يُزجِي / مع الجيشِ الدُّعاءَ المُستجابا
أتوكِ مُكبّرينَ فلا تلوذي / بغير الذُّعرِ واضطربي اضطرابا
أما والذاكرينَ اللَّهَ فرداً / لقد هَزُّوا المخارِمَ والشِّعابا
أجيبي أين جُندكِ وَاسْأليهِ / لِمَنْ جَمَعَ السِّلاحَ وكيف غابا
تَوارَوْا في الحُصُونِ وخادَعتهم / ظُنُونٌ كنَّ حُلْماً أو سَرَابا
ولو جَعلوا السَّحابَ لهم مَحَلّاً / لَطَارَ الجيشُ يَقتحِمُ السَّحابا
جُنودُ مُحمّدٍ كالموتِ يَمضِي / على قَدَرٍ صُعوداً وانصبابا
وليسوا في الحروبِ إذا تلظَّت / كمن جَهِلَ الأُمورَ أَوِ استرابا
وفي حِصْنِ النّطاةِ لسانُ صدقٍ / يُعَلِّمُ كلَّ مَن جَهِلَ الحُبَابا
رَأَى الرأيَ الذي ذاقت يَهودٌ / مَرارَتَهُ فكان لَهم عذابا
أصابتهم حُمَيَّا اليأسِ لمّا / تنحَّى الجيشُ يَلتمِسُ الصَّوابا
سَلِ البطلَ المُجَرَّبَ لو أجابا / أَيعلمُ أيَّ داهيةٍ أصابا
رَماهُ بعامرٍ قَدَرٌ إذا ما / رَمَى المهجاتِ غادرها خرابا
ولكنّ المنيّةَ أخَّرتْهُ / لِيبلغَ في غوايَتِهِ الكتابا
وخانَ السّيفُ صاحِبَهُ فأودى / شَهِيداً برَّ مَصْرَعُهُ وطابا
هنيئاً عامرٌ رضوان رَبٍّ / حَباكَ الأجرَ جَمّاً والثّوابا
بِسيفِكَ مِتَّ مَوْتَ فَتىً كريمٍ / يُحاذِرُ أن يُعيَّرَ أو يُعابا
بَرزتَ لِمرْحَبٍ بَطلاً مَهيباً / أبى أن يُتَّقَى أو أن يُهابا
ولولا نَبوْةٌ للسّيفِ طَاشَتْ / بمضربِهِ لأورده التَّبابا
تَوالَى الزّحفُ واستعَرَتْ نفوسٌ / مَضَتْ تَنسابُ في اللهِ انسيابا
لئن خاضت غِمارَ الموتِ ظَمْأَى / لقد عَرفتْ مَشاربَهُ العِذابا
سِهامُ بَواسِلٍ لاقتْ سِهاماً / يكادُ جَبانُها يخشى التُرابا
تُحدِّثُ عن مَخاوفِ باعِثيها / حَديثاً يَبعثُ العَجَبَ العُجابا
دعتهم للوغَى بِيضُ المواضِي / وصَيَّرتِ السِّهامَ لهم خطابا
ولو ملكَتْ مَسامِعَهُم فَلَبَّوا / لمَا مَلكوا الجماجمَ والرقابا
لَوَ اَنَّ الحصنَ أُوتِيَ ما تمنَّى / أبى إلا هُوِيّاً وانقلابا
رَماهُ مُحمّدٌ فألحَّ حتّى / لأوشكَ أن يقولَ كفى عِقابا
يَظلُّ الظّرْبُ يحملَ منه طوداً / طوَى الأطوادَ وانتظمَ الهضابا
وأمْسَكَ هذه الدنيا فأمستْ / وما تخشَى الزَّوالَ ولا الذَّهابا
لواءُ الفتحِ في يدهِ رَهِينٌ / بصاحِبه الذي فاقَ الصّحابا
يُشيرُ إليهِ مُحتجباً بوصفٍ / يكادُ سَناهُ يَخترقُ الحِجابا
ويذكره وبالفاروقِ حِرصٌ / على أن ليس يَعدوه انتخابا
عليٌّ للعُقابِ وما عليٌّ / سِوى البطلِ الذي يحمي العُقابا
شِهابُ الحربِ لا عَجَبٌ ولكن / عَجِبْتُ لِفَرْقَدٍ قادَ الشّهابا
رسولٌ جاءَ بالفَرَجِ المُرَجَّى / وبالنُّور الذي كشفَ الضَّبابا
تقدَّمْ يا علِيُّ رَعاكَ ربٌّ / كَفَى عَينيكَ دَاءَكَ والعِصابا
بِطبِّ مُحمَّدٍ أدركتَ ما لو / أراد الطِّبُّ أعجزه طِلابا
شَفَى الرَّمَدَ الذي آذاكَ حِيناً / وكان لِعزمِكَ الماضي قِرابا
خُذِ السَّيفَ الذي أعطاكَ واصْدَعْ / ببأسِكَ هذهِ الصُمَّ الصّلابا
حُصُونٌ كلما زِيدَتْ دُعاءً / إلى البيضاء زادتها اجتنابا
تُحِبُّ الكبرَ لا ترضَى سِواهُ / على آفاتِه خُلُقاً ودابا
تقدّمْ ما لصيدِكَ من قرارٍ / إذا لم تُؤْتهِ ظُفراً ونابا
خُذِ الذِّئبَ اللعينَ ولا تَدَعْهُ / صُدُودَ اللّيثِ يَحتقِرُ الذئابا
كفى بالحارثِ المغرورِ عِلماً / لِمن رُزِقَ الغَبَاءَ ومَنْ تَغابى
أرقتَ حَياتَهُ فأرقتَ منها / صَرِيحَ الكُفْرِ يأبى أن يُشابا
وَرُعْتَ به أَدِيمَ الأرضِ لمّا / جَعلتَ عليه من دَمِه خِضابا
تَخَيَّلَ مرْحَبٌ ما ليس حَقّاً / وَمنَّتْهُ الظُّنونُ مُنىً كِذابا
مشى يَختالُ مُرتجزاً فَلاقَى / قضاءَ اللَّهِ ينسربُ انسرابا
سَقاهُ الموتَ أبيضُ مَشْرَفيٌّ / يُذيبُ الموتَ يجعله شرابا
لَكَ الويلاتُ من مَلِكٍ غَوِيٍّ / أحيطَ بِمُلكهِ فهوى وذابا
أعدَّتْهُ اليهودُ لكلِّ خَطبٍ / فَضَلَّ رَجاؤُهم فيهِ وخابا
أما نَظروه مأخوذاً ببأسٍ / يَهُدُّ البأسَ أخْذاً واستلابا
وكلُّ مُغالبٍ فَلَهُ عليٌّ / غَداةَ الكَرِّ يأخُذه غِلابا
تَوثَّبَ ياسِرٌ فَتَلَقَّفَتْهُ / مَخالِبُ فاتكٍ ألِفَ الوِثابا
أما سمعَتْهُ خيبرُ حين يَهذِي / فَصَدَّتْ عنه تُوجِعه عتابا
ولو تَسْطِيعُ لاتَّخذَتْ حَياءً / من البيضِ الرقاقِ لها نِقابا
غُرَابُ الشُّؤْمِ يَفزِعُها نَعيباً / فيا لكِ بُومةً وَلَدتْ غُرابا
فتىً شاكي السِّلاحِ ولا سلاحٌ / لِمَنْ يَبغِي مِنَ الموتِ اقترابا
ألا إنّ الزُّبيرَ لذو بلاءٍ / وإن خَشِيَتْ صَفِيَّةُ أن يُصابا
حَوَارِيُّ الرسُولِ يَكونُ منه / بِحيثُ يُريدُ صَبراً واحتسابا
تجلَّتْ غُرّةُ الفتحِ المُرَجَّى / وأمْسَى النَّسْرُ قد طَرَد الذُّبابا
وأعولتِ النّطاةُ لِفَقْدِ حِصنٍ / يَعُمُّ يَهودَ شَجْواً وانتحابا
هو البأسُ المُدَمِّرُ يا عَلِيٌّ / فَدَعْ آطامَها العُليا يَبابا
وحِصْنُ الصَّعْبِ أذعنَ بعد كبرٍ / وأعلنَ بعد غِلظتِهِ المَتابا
وأَدَّى ما أعَدَّ القومُ فيهِ / فأمسَى بين أعْيُنِهمْ نِهابا
ورَاحَ المسلمونَ بخيرِ حالٍ / ولولا اللَّهُ ما برحوا سِغابا
أتاح لهم على الضَّرَّاءِ رِزقاً / فأمسى اليُسْرُ بعد العُسْرِ ثابا
مَغانِمُ من عَتَادِ القومِ شَتَّى / تُجاوِزُ حين تُحصِيها الحِسابا
كفى بالصّبرِ للأقوامِ عَوْناً / إذا حَدَثٌ من الأحْداثِ نابا
وما أمرُ اليهودِ إلى صلاحٍ / إذا الدّاعي إلى الهيجا أهابا
مَشَى لهمُ الحُبابُ يَجُرُّ جيشاً / شَدِيدَ البأسِ يلتهبُ التهابا
فَزلزَلَ حِصنَهم حتّى لَوَدُّوا / لوَ اَنّ لهُ إلى الطيرِ انتسابا
ولو مَلَكَ الجنَاحَ لطار يَطوي / طِباقَ الجوِّ ذُعْراً وَارْتِعَابا
تَنَادَوْا للقتالِ فبادَرْتهُم / سُيوفُ اللَّهِ شَيِّقَةً طِرابا
وليس لقومِ يُوشَعَ من بَقاءٍ / إذا طعموا الطعانَ أو الضّرابا
عُبابُ الموتِ يَملكُ جَانِبَيْهِمْ / فَنِعمَ القومُ إن مَلكوا العُبابا
تَتابعتِ الفتوحُ مُحَجَّلاتٍ / تَزيدُ يَهودَ حُزناً واكتئابا
أُصيبوا بالقوارِعِ راجفاتٍ / تَهُدُّ الشِّيبَ منهم والشَّبابا
فَتِلكَ حُصونُهم أمْسَتْ خَلاءً / كأنْ لم يَعمروا منها جَنابا
تَساقَوْا بالعَرَاءِ الذُّلَّ مُرّاً / يَوَدُّ طُغاتُهم لو كانَ صَابا
وألْقَوْا بالسِّلاحِ وما أصابوا / من الأموالِ جَمعاً واكتسابا
وضَاقُوا بالجلاءِ فأدركتْهُمْ / عَواطِفُ مُحْسِنٍ تَسَعُ الرُحابا
أصابوا من رسولِ اللهِ مَوْلىً / يَتوبُ على المُسيءِ إذا أنابا
قَضَى لهم القضاءَ فلا انتزاحاً / لَقُوا بعد المُقَامِ ولا اغترابا
ثَوَوْا في الأرضِ عُمَّالاً عليها / يُؤَدُّونَ الإتاوةَ والنِّصابا
وُلاةُ الزَّرْعِ للإسلامِ منهم / شَرِيكٌ ليس يُظلمُ أو يُحابى
هُداةُ النَّاسِ أرشدُهُمْ سَبيلاً / وأحْسَنُهمْ إذا انقلبوا مآبا
دُعاةَ الخَيرِ وَالإِصلاحِ مَرحى
دُعاةَ الخَيرِ وَالإِصلاحِ مَرحى / رَضيناكُم وَإِن كُنتُم غِضابا
رَضيناكُم عَلى أَن تُنصِفونا / وَأَلّا تَظلِموا الشَعبَ المُصابا
أَفي الإِنصافِ أَلّا تورِدوهُ / عَلى طولِ الصَدى إِلّا سَرابا
أَفي الإِنصافِ أَن تَتَلَقَّفوهُ / كَما تَتَلَقَّفُ الريحُ الذُبابا
أَفي الإِنصافِ أَن تَتَكَنَّفوهُ / تُريدونَ الخَديعَةَ وَالخِلابا
أَفي اِستِقلالِكُم يا قَومُ شَيءٌ / سِوى تِلكَ الَّتي تَلوي الرِقابا
دُعاةَ الخَيرِ وَالإِصلاحِ إِنّا / لَنَغفِرُ لِلمُسيءِ إِذا أَنابا
زَعَمتُم أَنَّنا حُسّادُ سَعدٍ / وَقُلتُم قَولَ مَن جَهِلَ الصَوابا
وَلَو رَكِبَ الجِواءَ بِمصرَ سَعدٌ / لَقُلنا لَيتَهُ رَكِبَ السَحابا
كَفى يا قَومُ بُهتاناً وَزوراً / فَقولوا الحَقَّ وَاِجتَنِبوا السِبابا
لَأَنتُم خَيرُ مَن يُرجى لِمِصرٍ / وَلَكِنّا نَرى العَجَبَ العُجابا
وَفي اِستِقلالِكُم بَعضُ المَزايا / وَلَكِنّا لَمَسناهُ فَذابا
لَهانَ على نُعاتِكَ أن نُصابا
لَهانَ على نُعاتِكَ أن نُصابا / وإن فزِعوا لخطبك حين نابا
رموا بصواعقِ الأنباءِ تهوي / فتلتهبُ البلادُ لها التهابا
إذا غمرت فِجاجَ الأرضِ ناراً / تَدافعَ موجُها فطوى العُبابا
أَبعدَ الأربعين يُجيب ثاوٍ / فيحمل عاصفُ الرّيحِ الجوابا
أبا شادي سكتَّ وكنتَ صوتاً / شديدَ القصفِ يخترقُ السَّحابا
ونْمِتَ عن الحوادثِ وهي يقظى / تُنازِعُنا المضاجعَ والثّيابا
أحِينَ رَمى السّبيلُ بكلّ سارٍ / رمى عزريلُ فاخترمَ الشّهابا
طلبنا كلَّ أروعَ ذي نصابٍ / فكنتَ أعزَّ مَن ملكَ النّصابا
إذا جئتَ الجِنانَ فَحيِّ عنِّي / منازلَ فتيةٍ رفعوا القِبابا
حُماةُ النّيلِ ما عرفوه إلا / حياةً في الممالكِ أو ثوابا
أبَوْا أن يُعبَدَ الطّاغوتُ فيه / وأن يتخطّفَ الأرضَ اغتصابا
رموا ورمى فما جزعوا لخِطبٍ / ولا وضعوا الجِبِاهَ ولا الرّقابا
مضى عبدُ اللطيفِ فلم تَدَعْهُ / ولم تَدَعِ الحُداةَ ولا الرِّكابا
فليتكَ إذ لحقتَ به وشيكاً / حملتَ إليه من قِبَليِ كتابا
بكيتُك للبلادِ تذودُ عنها / إذا الحَدَثُ الجليلُ بها أهابا
وعندي عَبْرةٌ لك لن تراها / تَخونُ العِلمَ والأدبَ اللُّبابا
وأًخرى يمتريها الوُدُّ صفواً / كماءِ المُزنِ تَكرهُ أن يُشابا
وأنكدُ ما لبِستَ من الليالي / مودّةَ معشرٍ لَبِسوا الخِلابا
بأرضٍ تترك الآسادَ صَرْعَى / وتستبقى الثعالبَ والذئابا
لقد أنكرتُ دهري منذُ حينٍ / ونفسي والعشيرةَ والصَّحابا
أَمَنْ عَرَفَ اليقينَ فَصحَّ رأياً / كمن جَهِل الحقائقَ فاسترابا
وكيف تزيدُني عِلماً حياةٌ / قرأت كتابها باباً فبابا
بلادٌ بيعَ سُؤْدُدُها فضاعت / وشعبٌ هيضَ جانبُه فذابا
فمن يَأْبَ السرَّابَ فقد أَراني / أَمُدُّ يديَّ أغترِفُ السّرابا
ولو أنّي سوايَ ذهبتُ أَبغِي / إلى وطنٍ سوى مصرَ انتسابا
ومن حملَ الأمانةَ في بلادٍ / تَدينُ بغيرها حَملَ العذابا
رُزِئْنا في البقيَّةِ من بنيها / فصبراً للنّوائبِ واحتسابا
أيبقى من نُصابُ على يديهِ / ويُمعِنُ مِدْرَهُ القومِ الذَّهابا
أَسَيْتُ له وما بالموتِ نُكرٌ / إذا نشرَ الأسَى وطوى العِتابا
فإن يذهبْ بنا وبه اختلافٌ / فإنَّ لنا إلى الحُسَنى مآبا
إذا ما المرءُ كانَ على يقينٍ / فقد أرضاكَ أخَطأَ أم أصابا
وللأحزابِ وِجْهتُها فدعها / إلى أن يقشعَ النُّورُ الضَّبابا
سنذكرُه إذا النكباءُ هبَّتْ / تلفُّ الشّيبَ منّا والشّبابا
ونَعرفُه إذا الأَجماتُ ريعَتْ / فَرُحْنا ننشدُ الأُسْدَ الغِضابا
وكان على العدوِّ أشدَّ ظُفراً / إذا شَهِدَ الوغى وأحدَّ نابا
أأحمدُ هل رأيتَ الموتَ إلا / أحقَّ الطّبِ بالمرضى رِحابا
إذا كَرِهوا المضاجعَ من حريرٍ / أحبّوا في مَضاجعهِ التُّرابا
وإن نَقَموا المشاربَ سائغاتٍ / رضوا بالصَّابِ من يده شرابا
إذا بات الهُجوعُ أعزَّ شيءٍ / أصابوه بِساحتِه نِهابا
وكم من غفوةٍ لو قوَّموها / بملء الأرضِ جاوزتِ الحسابا
رأيتُ السَّعْيَ أكثرُه ضلالٌ / ولم أرَ كالطّبيبِ سعَى فخابا
عقابُ الدّاءِ من طِبِّ المنايا / إذا لم يَخْشَ من طبٍّ عقابا
إليك فتى القريض رثاءَ عانٍ / يزيدُ الدّاءُ منطقَهُ اضطرابا
كأنَّ ثيابَ قيصرَ أدركتني / فتلك قُروحُها تَعِدُ التَّبابا
وما أنا وامرؤُ القيس بن حجرٍ / رعى الحُرُماتِ أم هَتَكَ الحِجابا
أَمِنكَ الذّكرُ يعصِفُ بالقُلوبِ
أَمِنكَ الذّكرُ يعصِفُ بالقُلوبِ / ويقذفُ بالمضاجعِ والجُنوبِ
لأَنْتَ على رُكودِك مُستطيرٌ / من الأرواحِ مُطّرِدُ الهُبوبِ
تَظلُّ قُواهُ إن وَنَتِ اللّيالي / حِثاثَ الكَرِّ مُمعِنَةَ الدُّؤوبِ
قَضَيْتَ الدَّهرَ مالكَ من قَرارٍ / ولا بكَ في اعتزامِكَ من لُغوبِ
جعلتَ نصيبَ نفسِكَ أن تراها / وما للموتِ فيها من نَصيبِ
لَنِعمَ فَتى الكِنانةِ غيرَ واهٍ / إذا جَدَّ البلاءُ ولا هَيوبِ
وما بَعْضُ الحُماةِ وإن تَغالىَ / بِثَبْتٍ في الخطوب ولا صَليبِ
إذا ضاقَ الخِناقُ به تنحَّى / يَلوذُ بكلِّ مُرتكَضٍ رَحيبِ
يَميلُ مع الشَّمالِ فإن تناهت / بها الغاياتُ مال مع الجنوبِ
بمن يَثِقُ السَّوادُ إذا تبارى / سماسرةُ المُقَنَّعةِ الخَلوبِ
ومَن يحمِي البلادَ إذا رَمَتْها / بناتُ الدّهرِ باليوم العصيبِ
طبيبَ النّيلِ هل للنِّيلِ شافٍ / وهل للدّاءِ بعدَك من طبيبِ
أَلم ترَ كيف أخطأ كلُّ آسٍ / ومن لك بالنِطاسيِّ المُصيبِ
هَوَى الوطنُ الجريحُ وكنتَ قِدماً / تضُمُّ جوانبَ الجُرحِ الرَّغيبِ
على الدُّنيا العَفاءُ إذا تولىَّ / أطِبّاءُ الممالكِ والشُّعوبِ
أتى زمنُ النُّعاةِ فما لِمصرٍ / سوى طُولِ التفجُّعِ والنّحيبِ
أتنظرُ نكبةَ الوطنِ المُذكَّى / وتسمعُ صيحةَ الشّعب الحريبِ
إذا ما مصرُ زُلزِلَ جانباها / فَمِن خَفَقانِ قلبِكَ والوجيبِ
وإن جَرَتِ الرِّياحُ بها لهيباً / فتلكَ حَرارةُ الوجدِ المُذيبِ
كفاكَ أما تزالُ أخا همومٍ / كعهدِكَ قبلَ عاديةِ المغيبِ
حَملتَ جَوى المشوقِ وأنتَ ثاوٍ / بوادي الموتِ للوادي الخصيبِ
مَضَى الشُّهداءُ ليس لهم نقيبٌ / فكنتَ لهم بمنزلةِ النّقيبِ
تباركَ وجهُ مَن أعطاك وجهاً / يُضيءُ جوانبَ الجَدَثِ المَهِيبِ
تَرِفُّ الحورُ والوِلدانُ شَوْقاً / إلى ما فيه من تَرَفٍ وطيبِ
تنزَّهَ في الحياةِ عنِ الدَّنايا / وصينَ عن القوادحِ والعُيوبِ
يُريك جَلالُه الحرمَ المُحلَّى / وعِتْقَ المُصحفِ الأَنِقِ العجيبِ
خطيبَ الأُمّتَيْنِ أعنْ مَلالٍ / تركتَ الأُمّتين بلا خطيبِ
أَهِبْ بالغافلين وقُلْ بلادي / دَعوتُكِ باسمِ ربّكِ فاسْتَجيبي
بلادي كيف أنتِ على العوادي / وماذا ذُقتِ من عَنَتِ الخطوبِ
بلادي هل صَدَقْتِ الجِدَّ بعدي / أمِ استغنيتِ بالأملِ الكَذوبِ
بلادي هل دَرجْتِ على سبيلي / ومِلْتِ عن المساربِ والدُّروبِ
أرى شِيَعاً وأحزاباً غِضاباً / لغيرِ اللهِ والوطنِ الغَضُوبِ
أرى سَلَباً يَطيحُ على أكُفٍّ / تُراشُ سِهامُها بيد السّليبِ
أرى شعباً يُقادُ إلى المنايا / فيذهب مُمعِناً خَبَب الجنيبِ
بَرِئتُ من الكنانةِ إن أقامت / على تلك المآثمِ والذُّنوبِ
إمامَ المُهتدينَ أفِضْ علينا / من النُّور المُحجَّبِ في الغيوبِ
أَلستَ ترى السّوادَ طغَى عليه / ظلامُ الموقفِ الخَطِرِ الرّهيبِ
تركتَ الأمرَ مُجتمِعاً فأمسى / كثيرَ السُّبلِ مُختلفَ الضرُّوبِ
وكان الحقُّ للأقوامِ ديناً / فبدّل كلُّ أوّاهٍ مُنيبِ
أَلا أَرِنَا مناسِكَنا فإنّا / من الأَحبارِ في أمرٍ مُريبِ
همُ اتّخذوا الشّرائعَ مُسرجَاتٍ / مُذلَّلةَ الغواربِ للرّكوبِ
تحامَى العُدوةَ القصوى وتهوِي / براكبها إلى الأمدِ القريبِ
رُعاةُ الشَّعبِ طاعَ لهم فأمسى / بوادٍ من سياستهم جديبِ
يُمارسُ فيه شِرَّةَ كلِّ ضارٍ / سريعِ الشَّدِّ مُستعِرِ الوُثوبِ
يَصولُ بحدِّ أعصلَ ذي صَريفٍ / وصَلْتٍ من دم القتلى خضيبِ
ولم أرَ كالشُّعوب تُساسُ فوضَى / وتُؤخذُ بالمخالبِ والنُّيوبِ
رمى الأبصارَ ساحرُها فزاغت / وران هوى النّفوسِ على القلوبِ
فما عُرِفَ النّصيحُ من المُداجِي / ولا وضح الصّريحُ من المشوبِ
أَيُخذَلُ في الكنانةِ كلُّ حُرٍّ / ويُنصرُ كلُّ صَخَّابٍ شَغوبِ
ويُمنَعُ ذو القضاءِ الحقِّ منا / ويَقضي كلُّ أزورَ ذي نكوبِ
ويُرمَى ذو البراءةِ من ذوينا / بملءِ الأرضِ من إثمٍ وحُوبِ
يُعابُ المرءُ يَصدقُ مَن يُوالي / ويصبرُ للشّدائدِ والكروبِ
ويُحمَد كلُّ مُختلفِ المساعي / إلى الأقوامِ جيّاءٍ ذَهوبِ
يُريك ضُحىً لِباسَ فتىً أمينٍ / فإن لَبِسَ الظَّلامَ فذو دَبيبِ
يَكادُ من التلصُّصِ والتَّخَفِّي / يشقُّ السُّبْلَ في عين الرقيبِ
لَتِلْكَ الجاهليّةُ أو أراها / حُكومةَ غير ذي النَّصَفِ اللّبيب
لَدينُ الجاهليّةِ كان أدنى / إلى الإسلام منها والصّليبِ
سَنِيحَكَ ربَّنا أبِكُلِّ جَوٍّ / مُحلَّقُ بارحٍ عَجِلِ النّعيبِ
أما يتهلّلُ المحزونُ إلا / رمته يدُ الحوادثِ بالشُّحوبِ
فوا أسفِي لآمالٍ حِسانٍ / هززتُ لهنّ أعطافَ الطَّروبِ
غرسناهنَّ خُضراً يانعاتٍ / فأخلفهنَّ كلُّ حياً سَكوبِ
ذَويْن فكنَّ لي ولكلِّ حُرٍّ / أواخرَ نَضرةِ العيشِ الرّطيبِ
أراقبُ دولةَ الخَلَفِ المُرجَّى / وأخشى ما أصابَ بني عتيبِ
فيا وطناً وهبتُ له شبابي / وما رَعَتِ المُروءةُ من مَشيبي
لأَجلِكَ ما حَيِيتُ أعيش حُرّاً / وفيكَ أموتُ مَوْتَ فتىً نجيبِ
ظلمتُك إن رَضيتُ عُقوقَ خِلٍّ / سواكَ أوِ احتملتُ أذى حبيبِ
ومِن شَرَفِ المُجاهدِ أن تراه / يَجِلُّ عنِ المُعاقبِ والمُثيبِ
وما حَسَبُ الأديبِ وإن تناهَى / بِمُسْتَغنٍ عنِ الأدبِ الحسيبِ
بَرِئتُ من القَرَيضِ غَداةَ أمضي / أبيعُ كريمَهُ بَيْعَ الجليبِ
فويحي للقواصفِ من قوافٍ / كأمثالِ القواذفِ باللهيبِ
رَمَيتُ بها النّيامَ فراجعتني / مُروَّعةَ الزمازمِ تتقي بي
تمرُّ بهم مُخيّبةً وتأتي / لها زَفَراتُ مُرتَمِضٍ كئيبِ
نفضتُ الواديَينْ فما استفاقوا / وتلك نكيثةُ الدَّاعي المُهيبِ
وجدنا الحقَّ عندكَ والصّوابا
وجدنا الحقَّ عندكَ والصّوابا / فجئنا نُنصِفُ الوطن المُصابا
عَطفتَ عليه مُسْتَلَباً جريحاً / يُعاني في مصارعِه العذابا
فَصنتَ حياتَه وكشفتَ عنه / خُطوبَ الدّهرِ تدفعها صعابا
رضينا للكنانةِ مِنكَ عهداً / أضاء سبيلَها ومحا الضّبابا
مشت آمالُها بيضاً خُطاها / وقد كان السّوادُ لها خِضابا
تَؤمُّ مَطالِعَ الأنوارِ فَرْحَى / وتبتدرُ المسالكَ والشِّعابا
رَضينا عهدكَ الميمونَ فينا / فلسنا نَحفِلُ القومَ الغِضابا
أبا الأشبال كن للشَعبِ عوناً / فقد ملَّ الثّعالبَ والذّئابا
تخيّرتَ الرجالَ وقمتَ فيهم / تُدير الحكمَ سمحاً مُستطابا
سيوفُكَ للجهادِ الحقِّ شتَّى / وإنّ لنا لأَصْدَقَها ضِرابا
رأينا الشاذليَّ وكيف يمضي / إذا ما الأمرُ بعد الأمرِ نابا
فلم يَرَ مِثلَهُ رأياً وعزماً / ولم نَرَ فيه مَنقصةً وعابا
رأيتُ هوى البحيرةِ كيف يصفو / فكان لها جَزاء أو ثوابا
مصيبة أمة وأنا المصاب
مصيبة أمة وأنا المصاب / شهدت لقد مضى الأدب اللباب
أيفزع من صليل السيف قوم / بغير نفوسهم فتك الضراب
سلوا البطل الصريع بأي جرح / رمى كبدي ففي فمه الجواب
وبين جوانحي حران هاف / تمور على جوانبه الثياب
دعوا ذكر الفجيعة واستفيقوا / أنا المفجوع لو وضح الصواب
ومن جهل الوغى اشتبهت عليه / ذئاب القفر والأسد الغضاب
أقام مع الخوالف ما يبالي / أطاح السيف أم هلك القراب
تراث العرب عاث الدهر فيه / وملك الضاد عاجله التباب
تهول النائبات ولا كملك / يهال على حضارته التراب
أناة أيها الحادي فإنا / وجدنا منك ما تجد الركاب
غليل جوانح وجوى قلوب / تسيل بها المسالك والشعاب
نرجي أن تعوج ولا معاج / ونطمع أن تؤوب ولا مآب
وما تبقى القلوب ولا المآقي / إذا ذهب الأحبة والصحاب
عباب العبقرية جن حتى / تداركه من الموت العباب
ترشف موجه قدر مهول / كأن اليم في فمه لعاب
تدافعت الخضارم تتقيه / وأجفل من مخافته السحاب
تموت على جوانبه الضواري / وتهلك في غواربه الذئاب
ترى الأجيال تسقط فيه غرقى / كأن شخوصها القصوى ذباب
ألا ليت المنون تجاوزته / إماما ما تجاوزه النصاب
بفيه من البيان العذب ورد / تطيب نطافه والعيش صاب
وفي يده من الريحان عود / كأن مداده الذهب المذاب
أمير الشعر هل لي منك صوت / يريح النفس أم طوي الكتاب
رأيتك والمنية ملء عيني / وفي لحظات عينيك اضطراب
رجعت وكل غادية نذير / يضج وكل رائحة غراب
أرى الدنيا مقابر والمنايا / على أمم البيان لها انصباب
لقيتك شيقا وأرى شفائي / غداة يتاح لي منك اقتراب
إذا لم يغترب لأخيك ود / فليس بضائر منه اغتراب
شباب الفن كنت له جمالا / فزال جماله ومضى الشباب
رأيت القول يكره منه بعض / وبعض يستحب ويستطاب
وقولك كله لا عيب فيه / وهل في الوحي من شيء يعاب
برعت فكنت ملء الدهر خلدا / وكل براعة للخلد باب
ولم أر محسنا لم يال جهدا / فأخطأه الجزاء أو الثواب
شربت العيش كاسا بعد كاس / فلم تدم الكؤوس ولا الشراب
شراب الموت ماذا ذقت منه / وكيف يكون إن رفع الحجاب
نعمت به فصفه لنا وحدث / أتصفو الكاس أم يحلو الحباب
عهدتك أبلغ الشعراء وصفا / وأصدقهم إذا كره الكذاب
ستذكرك السواجع في رباها / وتذكرك الأماليد الرطاب
وتهتف باسمك الدنيا فتبقى / ومثلك ليس يدركه الذهاب
لكل من بيانك مستراد / ومنتجع جوانبه رحاب
فمعترك به عين وجيد / ومعترك به ظفر وناب
وتبصرة الحكيم إذا تناهى / وأسلمه التلمس والطلاب
وما أمر الشعوب بمستقيم / إذا لم يستقم خلق وداب
حللت الكرمة الكبرى فحيت / ورحبت المنازل والقباب
إذا غردت ماج بها رفيف / وصفق حولك الصحب الطراب
تضوع في مغاني الخلد طيبا / وحي بها الألى نعموا وطابوا
صفاء العيش في الدنيا مشوب / وما في الخلد من صفو يشاب
تتبابع إخوتي وبقيت وحدي / أسائل أية ذهبوا فغابوا
همو نفضوا الهموم عليّ حتى / تظاهرت الفوادح والصعاب
وهم وضعوا الأمانة فاستراحوا / ورحت تميل بي وبها العياب
سأحفظها على نعرات قوم / هم الهدام لو كشف النقاب
لنا في قومنا الأدب المصفى / وللقوم النفاية والجباب
قوام الشعر أفئدة حداد / مثقفة وألسنة عذاب
أبي أن يترك الأحياء رام / يصيب العالمين ولا يصاب
قذوف بالمنازل ما يبالي / تناهى الوجد أم بلغ العذاب
نجيب النازحين إذا دعينا / وندعو الأقربين فلا نجاب
قضاء الله فيك أبا علي / وللدنيا بأهليها انقلاب
أما ورفاقنا النائين عنا / لقد بعثوا الديار بمن أنابوا
لئن وفدت غياط دمشق عجلى / لقد خفت بلبنان الهضاب
هم الأهلون أحداثا ودنيا / وفي الأحداث والدنيا انتساب
نسر إذا همو فرحوا ونبكي / إذا ما كان هم واكتئاب
علينا الشكر مطردا يؤدى / اداء الدين ضاق به الحساب