أفي طيِّ الصَّبا نشرُ التصابي
أفي طيِّ الصَّبا نشرُ التصابي / فقد نفحَتْ بنا روحُ الشبابِ
وهل طرقَتْ مجَرَّ ذُيولِ لَيلى / فقد جاءَتْ معطّرةَ الثّيابِ
وهلْ رشفَتْ ثناياها فأمسَتْ / تحدِّثُ عن رحيقٍ مُستطابِ
تمرّ بنا فتثنينا سُكارى / كأنّا لا نُفيقُ من الشّرابِ
كأنّ نسيمَها شكوى مَشوقٍ / أخي أدبٍ تلطّفَ بالعِتابِ
سَلوها هل لها وجدٌ بنجدٍ / فرقّتْ رقّةَ الصّبِّ المُصابِ
سقى نجداً وأهلِيه مُلِثٌّ / يُجاري رعدُه طولَ اِنتحابي
ولا برِحَ الزمانُ به ربيعاً / يطرّزُ زَهرُهُ حُللَ الرّوابي
زكيٌّ لا تَمَلُّ له اِنتِشاقاً / كأنّ هواهُ أنفاسُ الكعابِ
بموردِه لِصادي القلبِ رِيٌّ / كأنّ بمائِه بردَ الرُّضابِ
إذا برُبوعِه حزَناً مزَجْنا / لُجَيْنَ الدّمعِ بالذّهبِ المُذابِ
تسيرُ جُسومُنا فوقَ المطايا / وأنفُسُنا تسيلُ على التّرابِ
فكم من فاقدٍ فيه فؤاداً / وواجدِ مهجةٍ ذاتِ اِلتِهابِ
إلى نخلِ النّخيل تحنّ شوقاً / وترزُمُ تحتَنا خوصُ الرِّكابِ
ونلثِمُ من ثنايا الجِذْعِ برقاً / فنحسَبُهُ ثُغورَ بَني حِسابِ
بنفسي أسرةٌ أسروا رُقادي / وحلّوا بين قلبي والذّهابِ
سَراةٌ تُلحِقُ العِقبانُ منهم / بريشِ النّبلِ بيضاتِ العُقابِ
تهزُّ أكفُّهُم حيّات لُدْنٍ / وتمرحُ خيلُهم بأسودِ غابِ
إذا لبِسوا الدّروعَ حسِبْتَ فيها / نُجومَ الليلِ غَرقى في السّرابِ
فكم فيهم ترى قمَراً تجلّى / وشمسَ ضُحىً توارَتْ في حِجابِ
وصُبْحَ طلاً تستّرَ في خِمارٍ / وآخرَ قد تنفّس في نِقابِ
وراحاتٍ بدمعٍ أو نجيعٍ / مضرّجةً وأخرى في خِضابِ
وكم بخُدودِ نِسوَتِهم وأيدي / فوارسِهِم توقّد من شِهابِ
حوَتْ أفواهُهم خَمراً فصِيغَتْ / ثناياهم على نسَقِ الحَبابِ
يكادُ يعربِدُ المِسواكُ فيها / إذا منها ترشّفَ باللُعابِ
كأنّهمُ إذا سطعَتْ عليهم / مجامرُهُم شُموسٌ في ضَبابِ
تحنّ الساجعاتُ إذا تثنّوا / فتُؤثرُهم على القُضُبِ الرِّطابِ
همُ راحي ورَيحاني وروحي / وجنّاتي وإنْ كانوا عذابي
وعافيَتي وأمراضي وبُرْئي / وأفراحي وحُزني واِكتِئابي
تولّوا والصِّبا معهُم تولّى / فهل لهُمُ إلينا من إيابِ
إلامَ أطالِبُ الأيّامَ فيهم / فلم تسمعْ ولم ترْدُدْ جَوابي
أعوذُ من الزّمانِ ومن نَواهُم / بربِّ المجدِ والمولى المُهابِ
أخي الشرَفِ الرّفيعِ أبي حسينٍ / عليِّ المجدِ ذي الشيَمِ العُجابِ
مُبيدُ المالِ في بيدِ العَطايا / مُجلّي السّبْقِ في يومِ الطّلابِ
زكيُّ النفسِ محمود السّجايا / مُصانُ العِرضِ ممدوحُ الجنابِ
قديرٌ ذو قُدورٍ راسياتٍ / تُقابلُها جِفانٌ كالجوابي
فصيحٌ ما لمنطقِه شَبيهٌ / ولو حملَتْ به أمُّ الكِتابِ
شِهابٌ في الثّغورِ عليه تثني / بيومِ الحربِ ألسِنةُ الحِرابِ
تسيرُ جُيوشُه فتكادُ رُعباً / تميدُ الرّاسياتُ من الهِضابِ
تقابلُه البوارِقُ مُغمَداتٍ / وتصحَبُه السّحائِبُ في القِبابِ
به يَدري الخميسُ إذا رآهُ / سيحشرُه بأحشاءِ الذّئابِ
ويعتقدُ الهِزَبْرُ إذا اِلتقاهُ / بأنّ رِجامَه جوفُ الغُرابِ
إذا هزّ المثقَّفَ خلتَ فيه / جرى من بأسِه سُمُّ الحُبابِ
كريمٌ صاغَ من بيضِ الأيادي / خواتِمَهُ وأطواقَ الرِّقابِ
وحسّن بالنّدى وجهَ المعالي / وورّد خدّها بدمِ الضِّرابِ
ومن مِسكِ الغُبارِ أثارَ سُحباً / مخضّبةَ المَبارقِ بالمَلابِ
مكارمُهُ تسيرُ بكلِّ أرضٍ / كأنّ يمينَهُ حوضُ السَّحابِ
وأنعُمُه تعلّمُنا القوافي / فهذا الدُرُّ من ذاكَ العُبابِ
حلَتْ منه الطِباعُ فعزّ بأساً / فأصبحَ وهْوَ من شهدٍ وَصابِ
فأحدثَ في الورى نِعَماً وبؤساً / كذلك شيمةُ الغَيمِ الرّبابِ
يسوقُ إلى الوليِّ وليَّ فضلٍ / ونحوَ عِداهُ صاعقةَ العِقابِ
يرى عِقبانَ راياتِ الأعادي / إذا خفقَتْ كأجنحةِ الذبابِ
يفوق أبا السَّحابِ أباً وجوداً / إذا ما قيلَ ذا اِبنُ أبي تُرابِ
تزفُّ جيادَهُ العزَماتُ منه / زِفافَ النّملِ أجنحةَ العُقابِ
له عَضْبٌ بليلِ الخطْبِ فجرٌ / ونابٌ في النّوائِبِ غيرُ نابِ
تَصيدُ نِمالُه الأسْدَ الضّواري / ويقتنِصُ الجوارحَ بالذّبابِ
وآراءٌ كأسهُمِه نفاذاً / مفوّقةُ لإدراكِ الصّوابِ
وآثارٌ على دُهْمِ الليالي / حكَتْ غُرَرَ المسوّمةِ العِرابِ
ألا يا اِبنَ الأُلى شرُفوا وسادوا / على الدُنيا بفضلٍ واِنتسابِ
لقد فلّقْتَ هاماتِ الرّزايا / وقُدتَ أبيّةَ النّوَبِ الصِعابِ
وأثكَلْتَ الخزائِنَ فهْي تنعى / على الولدِ المقرَّطِ بالجِرابِ
خلَتْ دارُ النّدى فظهرت فيه / ظُهورَ الكنزِ في البلدِ الخَرابِ
ليَهنِكَ سيّدي عيدٌ شريفٌ / يبشّر عن صيامِكَ بالثّوابِ
فقابِلْ بالمسرّة وجهَ فِطْرٍ / تبسّم عن ثناياهُ العِذابِ
كأنّ لقاءَهُ لُقيا حبيبٍ / تعطّفَ زائِراً بعدَ اِجتِنابِ
وجلّى رونقُ البُشْرى هِلالاً / تصدّى كالحُسام بلا قِرابِ
هِلالاً شقَّ جيبَ الهمِّ عنّا / بمِخلبِه وضرّسَهُ بِنابِ
أخا كلَفٍ إذا رامَ اِنصرافاً / ثناهُ الشّوقُ وهو إليكَ صابي
أتاك على النّوى نِضواً طليحاً / كأنّ به إلى رؤياكَ ما بي
فدُمْ بالمجدِ ما حنّتْ قُلوبٌ / إلى الأوطانِ في دارِ اِغترابِ
ولا برِحَتْ أكُفُّ نداكَ تُجري / بنَثرِ الدُرِّ منظومَ الخِطابِ
ولا زالَتْ لك الأقدارُ تقضي / بما تهوى إلى يومِ الحِسابِ