المجموع : 11
أَرابَكِ مِن مَشيبي ما أَرابا
أَرابَكِ مِن مَشيبي ما أَرابا / وَما هَذا البَياضُ عَلَيَّ عابا
لَئِن أَبغَضتِ مِنّي شَيبَ رَأسي / فَإِنّي مُبغِضٌ مِنكِ الشَبابا
يَذُمُّ البيضُ مِن جَزَعٍ مَشيبي / وَدَلُّ البيضِ أَوَّلُ ما أَشابا
وَكانَت سَكرَةٌ فَصَحَوتُ مِنها / وَأَنجَبَ مَن أَبى ذاكَ الشَرابا
يَميلُ بي الهَوى طَرَباً وَأَنأى / وَيَجذِبُني الصِبا غَزَلاً فَآبى
وَيَمنَعُني العَفافُ كَأَنَّ بَيني / وَبَينَ مَآرِبي مِنهُ هِضابا
نَصَلتُ عَنِ الصِبا وَمُصاحِبيهِ / وَأَبدَلَني الزَمانُ بِهِم صِحابا
وَلَمّا جَدَّ جَدُّ البَينِ فينا / وَهَبتُ لَهُ الظَعائِنَ وَالقِبابا
وَما رَوَّعتُ مِن جَزَعٍ جَناناً / وَلا رَوَّيتُ مِن دَمعٍ جَنابا
دَعيني أَطلُبُ الدُنيا فَإِنّي / أَرى المَسعودَ مَن رُزِقَ الطَلابا
وَمَن أَبقى لِآجِلِهِ حَديثاً / وَمَن عانى لِعاجِلِهِ اِكتِسابا
وَما المَغبونُ إِلّا مَن دَهَتهُ / وَلا مَجداً وَلا جِدَةً أَصابا
فَلا وَاللَهِ أَترُكُها خَليّاً / وَلَمّا أَجنُبِ الأُسدَ الغِضابا
وَأَركَبُها مُحَصَّنَةً شَبوباً / تُمانِعُ غَيرَ فارِسِها الرِكابا
إِذا نَهنَهتُها أَرِنَت جِماحاً / إِلى أَمَلي تُجاذِبُني جِذابا
فَإِمّا أَملَأُ الدُنيا عَلاءً / وَإِمّا أَملَأُ الدُنيا مُصابا
سَجيَّةُ مَن رَعى الأَيّامَ حَتّى / أَشابَ جَماجِماً مِنها وَشابا
وَهَل تُشوي حَقائِقُ أَلمَعيٍّ / إِذا ما ظَنَّ أَغرَضَ أَو أَصابا
وَلَم أَرَ كَالمَآرِبِ رامِياتٍ / بِنا الدُنيا بِعاداً وَاِقتِرابا
تُخَوِّضُنا البِحارَ مُزَمجِراتٍ / وَتُسلِكُنا المَضايِقَ وَالعُقابا
وَأَعظَمُ مِن عُبابِ البَحرِ حِرصٌ / عَلى الأَرزاقِ أَركَبَنا العُبابا
وَغُلبٌ كَالقَواضِبِ مِن قُرَيشٍ / يَرَونَ القَواضِبَ وَالكِعابا
فَما وَلَدَ الأَجارِبُ مِن تَميمٍ / نَظيرَهُمُ وَلا الشُعرُ الرُقابا
وَإِنَّ المَجدَ قَد عَلِمَت مَعَدٌّ / وَدارَ العِزِّ وَالنَسَبَ القُرابا
لَأَطوَلِهِم إِذا رَكِبوا رِماحاً / وَأَعلاهُم إِذا نَزَلوا قِبابا
وَأَغزَرِهِم إِذا سُئِلوا عَطاءً / وَأَوحاهُم إِذا غَضِبوا ضِرابا
بَنو عَمِّ النَبيِّ وَأَقرَبوهُ / وَأَلصَقُهُم بِهِ عِرقاً لُبابا
عُلىً بيدِ الحُسَينِ ذُؤابَتاها / وَفَرعاها اللَذا كَثُرا وَطابا
وَكانَت لا تُجارُ مِنَ الأَعادي / فَسانَدَ غَربُهُ ذاكَ النِصابا
وَحَصَّنَها فَلَيسَ يَنالُ مِنها / ذَنوباً مَن يَهُمُّ وَلا ذِنابا
هُمامٌ ما يَزالُ بِكُلِّ أَرضٍ / يُبَرقِعُ تُربُها الخَيلَ العِرابا
نَزائِعَ كَالسِهامِ كُسينَ نَحضاً / خَفيفاً لا اللُؤامَ وَلا اللُغابا
مُحَبَّسَةً عَلى الأَهوالِ تَلقى / بِها العُقبانَ رافِعَةَ الذُنابى
يُوَقِّرُها فَتَحسَبُها أُسوداً / وَيُطلِقُها فَتَحسَبُها ذِئابا
وَأَعطَتهُ الرُؤوسَ مُسَوَّماتٌ / تَدُقُّ بِها الجَنادِلَ وَالظِرابا
إِذا قَطَعَت بِهِ شَأواً بَلاها / بِأَبعَدَ غايَةٍ وَأَمَدَّ قابا
تَجاوَزُهُ المَقاوِلُ وَهوَ باقٍ / يَبُذُّ رِقابَ غُلبِهِمِ غِلابا
كَنَصلِ السَيفِ تَسلَمُ شَفرَتاهُ / وَيُخلِقُ كُلَّ أَيّامٍ قِرابا
إِذا اِشتَجَرَ القَنا فَصَلَ الهَوادي / وَإِن قَرَّ الوَغى فَصَلَ الخِطابا
بَلى وَبَلَت يَداهُ مِنَ الأَعادي / أَراقِمَ نُزَّعاً وَقَناً صِلابا
فَقَوَّمَ بِالأَذى مِنها صِعاداً / وَذَلَّلَ بِالرُقى مِنها صِعابا
وَغادَرَ كُلَّ أَرقَمَ ذي طُلوعٍ / عَلى الأَعداءِ يَدَّرِعُ التُرابا
حَذارِ بَني الضَغائِنِ مِن جَريٍّ / إِذا ما الرَيبُ بادَهَهُ أَرابا
يَعَضُّ عَلى لَواحِظَ أُفعُوانٍ / فَإِن سيمَ الأَذى طَلَبَ الوِثابا
وَإِنَّ وَراءَ ذاكَ الحِلمِ صَولاً / وَإِنَّ لِتِلكُمُ البُقيا عِقابا
وَلَو أَنَّ الضَراغِمَ نابَذَتهُ / تَوَلَّجَ خَلفَها أَجَماً وَغابا
رَماكُم بِالضَوامِرِ مُقرَباتٍ / يُزاوِلنَ المَحانِيَ وَالشِعابا
وَيُعجِلنَ الصَريخَ وَهُنَّ زَورٌ / إِلى الأَعداءِ يُرسِلنَ اللُعابا
فَأَرعى مِن جَماجِمِكُم جَميماً / وَأَمطَرَ مِن دِمائِكُمُ سَحابا
لَكَ الهِمَمُ الَّتي عَرَفَ الأَعادي / تَشُبُّ بِكُلِّ مُظلِمَةٍ شِهابا
إِذا خَفَقَت رِياحُ العَزمِ فيها / تَبَلَّجَ عارِضٌ مِنها فَصابا
وَمُشرَعَةِ الأَسِنَّةِ ذاتِ جَرسٍ / يَقودُ عُقابُ رايَتِها العُقابا
تَخوضُ اللَيلَ يَلمَعُ جانِباها / كَأَنَّ الصُبحَ قَد حَدَرَ النِقابا
لَها في فُرجَةِ الفَجرِ اِختِلاطٌ / يَرُدُّ الصُبحَ مِن رَهَجٍ غِيابا
وَتَغدو كَالكَواكِبِ لامِعاتٍ / تُمَزِّقُ مِن عَجاجَتِها الحِجابا
يُصافِحُها شُعاعُ الشَمسِ حَتّى / كَأَنَّ عَلى الظُبى ذَهَباً مُذابا
صَدَمتَ بِها العَدوَّ وَأَنتَ تَدعو / نَزالِ فَأَيُّ داعِيَةٍ أَجابا
وَقَوَّضتَ الخِيامَ تَذُبُّ عَنها / أُسودُ وَغىً وَأَصفَرتَ الوِطابا
رَأَينا الطايِعَ المَيمونَ بَدءاً / يَسُلُّكَ في النَوائِبِ وَاِعتِقابا
وَلَمّا جَرَّبَ البيضَ المَواضي / رَآكَ مِنَ الظُبى أَمضى ذُبابا
فَأَلحَمَكَ العِدى حَتّى تَهاوَوا / وَلا دِمَناً تَحِسُّ وَلا ضِبابا
هُناكَ قُدومُ أَعيادٍ طِراقٍ / تَصوبُ العِزَّ ما وَجَدَت مَصابا
وَأَيّامٌ تَجوزُ عَلَيكَ بيضٌ / وَقَد قَرَعَت مِنَ الإِقبالِ بابا
فَكَم يَومٍ كَيَومِكَ قُدتَ فيهِ / عَلى الغُرَرِ المَقانِبِ وَالرِكابا
إِلى البَلَدِ الأَمينِ مُقَوَّماتٍ / يُماطِلُها التَعَجُّلَ وَالإِيابا
بِحَيثُ تُفَرِّغُ الكومُ المَطايا / حَقائِبَها وَتَحتَقِبُ الثَوابا
مَعالِمُ إِن أَجالَ الطَرفَ فيها / مُصِرُّ القَومِ أَقلَعَ أَو أَنابا
فَفُزتَ بِها ثَمانِيَ مُعلَماتٍ / نَصَرتَ بِها النُبوَّةَ وَالكِتابا
بَعَثتُ لَكَ الثَناءَ عَلى صَنيعٍ / إِذا ما هِبتَ دَعوَتَهُ أَهابا
رَغائِبُ قَد قَطَعنَ حَنينَ عيسٍ / فَلا نَأياً أُريغُ وَلا اِغتِرابا
وَقَبلَ اليَومِ ما أَغمَدنَ عَنّي / مِنَ الأَيّامِ نائِبَةً وَنابا
أَلانَ جَوانِبي غَمزُ الخُطوبِ
أَلانَ جَوانِبي غَمزُ الخُطوبِ / وَأَعجَلَني الزَمانُ إِلى المَشيبِ
وَكَم يَبقى عَلى عَجمِ اللَيالي / وَقَرعِ الدَهرِ جائِرَةُ الكُعوبِ
نَبا ظَهرُ الزَمانِ وَكُنتُ مِنهُ / عَلى جَنبَي مُوَقِّعَةٍ رَكوبِ
وَقالوا الشَيبُ زارَ فَقُلتُ أَهلاً / بِنَورِ ذَوائِبِ الغُصنِ الرَطيبِ
وَلَم أكُ قَبلَ وَسمِكَ لي مُحِبّاً / فَيَبعُدَ بي بَياضُكَ مِن حَبيبِ
وَلا سَترُ الشَبابِ عَلَيَّ عَيباً / فَأَجزَعَ أَن يَنِمَّ عَلى عُيوبي
وَلَم أَذمُم طُلوعَكَ بي لِشَيءٍ / سِوى قُربِ الطُلوعِ إِلى شَعوبِ
وَأَعظَمُ ما أُلاقي أَنَّ دَهري / يَعُدُّ مَحاسِني لي مِن ذُنوبِ
أَقولُ إِذا اِمتَلَأتُ أَسىً لِنَفسي / أَيا نَفسي اِصبِري أَبَداً وَطيبي
دَعي خَوضَ الظَلامِ بِكُلِّ أَرضٍ / وَإِعمالَ النَجيبَةِ وَالنَجيبِ
وَجَرَّ ضَوامِرِ الأَحشاءِ تَجري / كَما تَهوى الدُلاءُ إِلى القَليبِ
مُتَرَّفَةٌ إِلى الغاياتِ حَتّى / تَرَنَّحُ في الشَكيمِ مِنَ اللُغوبِ
فَلَيسَ الحَظُّ لِلبَطَلِ المُحامي / وَلا الإِقبالُ لِلرَجُلِ المَهيبِ
وَنَيلُ الرِزقِ يُؤخَذُ مِن بَعيدٍ / كَنَيلِ الرِزقِ يُؤخَذُ مِن قَريبِ
وَغايَةُ راكِبي خُطَطِ المَعالي / كَغايَةِ مَن أَقامَ عَنِ الرُكوبِ
أَلَيسَ الدَهرُ يَجمَعُنا جَميعاً / عَلى مَرعىً مِنَ الحَدَثانِ موبي
كِلانا تَضرِبُ الأَيّامُ فيهِ / بِجُرحٍ مِن نَوائِبِها رَغيبِ
أَرى بُردَ العَفافِ أَغَضَّ حُسناً / عَلى رَجُلٍ مِنَ البُردِ القَشيبِ
عَلَيَّ سَدادُ نَبلي يَومَ أَرمي / وَرَبُّ النَبلِ أَعلَمُ بِالمُصيبِ
وَلي حَثُّ الرُكابِ وَشَدُّ رَحلي / وَما لي عِلمُ غامِضَةِ الغُيوبِ
وَما يُغني مُضِيُّكَ في صُعودٍ / إِذا ما كانَ جَدُّكَ في صُبوبِ
تَطَأطَأَتِ الذَوائِبُ لِلذُنابى / وَأُسجِدَتِ المَوارِنُ لِلعُجوبِ
وَخَرقٍ كَالسَماءِ خَرَجتُ مِنهُ / بِجَريِ أَقَبَّ يَركَعُ في السُهوبِ
يَجُرُّ عِنانَهُ في كُلِّ يَومٍ / إِلى الأَعداءِ مَعقودَ السَبيبِ
وَخوصٍ قَد سَرَيتُ بِهِنَّ حَتّى / تَقَوَّضَتِ النُجومُ إِلى الغُيوبِ
وَجُردٍ قَد دَفَعتُ بِهِنَّ حَتّى / وَطِئنَ عَلى الجَماجِمِ وَالتَريبِ
وَيَومٍ تُرعَدُ الرَبَلاتُ مِنهُ / كَما قَطَعَ الرُبى عَسَلانُ ذيبِ
هَتَكتُ فُروجَهُ بِالرُمحِ لَمّا / دَعَوا بِاِسمي وَيا لَكَ مِن مُجيبُ
وَعِندَ تَعانُقِ الأَقرانِ يَبلى / قِراعُ النَبعِ بِالنَبعِ الصَليبِ
إِخاؤُكَ يا عَليُّ أَساغَ ريقي / وَوُدُّكَ يا عَليُّ جَلا كُروبي
فَيا عَوني إِذا عَدَّتِ اللَيالي / عَلَيَّ وَيا مِجَني في الحُروبِ
عَجِبتُ مِنَ الأَنامِ وَأَنتَ مِنهُم / وَمِثلُكَ في الأَنامِ مِنَ العَجيبِ
عَلَوتَ عَلَيهِمُ في كُلِّ أَمرٍ / بِطولِ الباعِ وَالصَدرِ الرَحيبِ
وَفُتَّهُمُ مِراحاً في سُفورٍ / بِلا نَزَقٍ وَجَدّاً في قُطوبِ
خِطابٌ مِثلُ ماءِ المُزنِ تَبري / مَواقِعُهُ العَليلَ مِنَ القُلوبِ
وَعَزمٌ إِن مَضَيتَ بِهِ جَريّاً / هَوى مَطَرُ القَنا بِدَمٍ صَبيبِ
وَحِلمٌ إِن عَطَفتَ بِهِ مُعيداً / أَطارَ قَوادِمَ اليَومِ العَصيبِ
وَأَلفاظٌ كَما لَعِبَت شَمالٌ / مَلاعِبَها عَلى الرَوضِ الخَصيبِ
بِطَرفٍ لا يُخَفَّضُ مِن خُضوعٍ / وَقَلبٍ لا يُتَعتَعُ مِن وَجيبِ
تَهَنَّ بِمِهرَجانِكَ وَاِعلُ فيهِ / إِلى العَلياءِ أَعناقَ الخُطوبِ
وَعِش صافي الغَديرِ مِنَ الرَزايا / بِهِ خالي الأَديمِ مِنَ النُدوبِ
لَعَلّي أَن أَهُزُّكَ في مَرامٍ / فَأَبلُوَ مِنكَ مُندَلِقَ الغُروبِ
وَحاجٍ في الضَميرِ مُعَضَّلاتٍ / سَأُسلِمُها إِلى عَزمٍ طَلوبِ
لَأَقضِيَهُنَّ أَو أَقضي بِهَمّي / غَريبَ الوَجهِ في البَلَدِ الغَريبِ
مُنازَعَةً إِلى العَلياءِ حَتّى / أَزُرَّ عَلى ذَوائِبِها جُيوبي
فَإِمّا نَيلُ جانِبِها وَإِمّا / لِقاءُ مُسَنَّدينَ عَلى الجُنوبِ
أَلا لِلَّهِ بادِرَةُ الطِلابِ
أَلا لِلَّهِ بادِرَةُ الطِلابِ / وَعَزمٌ لا يُرَوَّعُ بِالعِتابِ
وَكُلُّ مُشَمِّرِ البُردَينِ يَهوي / هُويَّ المُصلَتاتِ إِلى الرِقابِ
أُعاتِبُهُ عَلى بُعدِ التَنائي / وَيَعذُلُني عَلى قُربِ الإِيابِ
رَأَيتُ العَجزَ يَخضَعُ لِلَّيالي / وَيَرضى عَن نَوائِبِها الغِضابِ
وَلَولا صَولَةُ الأَيّامِ دوني / هَجَمتُ عَلى العُلى مِن كُلِّ بابِ
وَمِن شِيَمِ الفَتى العَرَبيِّ فينا / وِصالُ البيضِ وَالخَيلِ العِرابِ
لَهُ كِذبُ الوَعيدِ مِنَ الأَعادي / وَمِن عاداتِهِ صِدقُ الضَرابِ
سَأَدَّرِعُ الصَوارِمَ وَالعَوالي / وَما عُرّيتُ مِن خِلَعِ الشَبابِ
وَأَشتَمِلُ الدُجى وَالرَكبُ يَمضي / مَضاءَ السَيفِ شَذَّ عَنِ القِرابِ
وَكَم لَيلٍ عَبَأتُ لَهُ المَطايا / وَنارُ الحَيِّ حائِرَةُ الشِهابِ
لَقيتُ الأَرضَ شاحِبَةَ المُحَيّا / تَلاعَبُ بِالضَراغِمِ وَالذِئابِ
فَزِعتُ إِلى الشُحوبِ وَكُنتُ طَلقاً / كَما فَزِعَ المَشيبُ إِلى الخِضابِ
وَلَم نَرَ مِثلَ مُبيَضَّ النَواحي / تُعَذِّبُهُ بِمُسوَدِّ الإِهابِ
أَبيتُ مُضاجِعاً أَمَلي وَإِنّي / أَرى الآمالَ أَشقى لِلرِكابِ
إِذا ما اليَأسُ خَيَّبَنا رَجَونا / فَشَجَّعَنا الرَجاءُ عَلى الطِلابِ
أَقولُ إِذا اِستَطارَ مِنَ السَواري / زَفونُ القَطرِ رَقّاصُ الحَبابِ
كَأَنَّ الجَوَّ غَضَّ بِهِ فَأَومى / لِيَقذِفَهُ عَلى قِمَمِ الشِعابِ
جَديرٌ أَن تُصافِحَهُ الفَيافي / وَيَسحَبُ فَوقَها عَذَبَ الرَبابِ
إِذا هَتَمَ التِلاعَ رَأَيتَ مِنهُ / رُضاباً في ثَنيّاتِ الهِضابِ
سَقى اللَهُ المَدينَةَ مِن مَحَلٍّ / لُبابَ الماءِ وَالنُطَفِ العِذابِ
وَجادَ عَلى البَقيعِ وَساكِنيهِ / رَخيُّ الذَيلِ مَلآنُ الوِطابِ
وَأَعلامُ الغَريِّ وَما اِستَباحَت / مَعالِمُها مِنَ الحَسَبِ اللُبابِ
وَقَبراً بِالطُفوفِ يَضُمُّ شِلواً / قَضى ظَمَأً إِلى بَردِ الشَرابِ
وَسامَرّا وَبَغداداً وَطوساً / هُطولَ الوَدقِ مُنحَرِقَ العُبابِ
قُبورٌ تَنطُفُ العَبَراتُ فيها / كَما نَطَفَ الصَبيرُ عَلى الرَوابي
فَلَو بَخِلَ السَحابُ عَلى ثَراها / لَذابَت فَوقَها قِطَعُ السَرابِ
سَقاكَ فَكَم ظَمِئتُ إِلَيكَ شَوقاً / عَلى عُدَواءِ داري وَاِقتِرابي
تَجافي يا جَنوبَ الريحِ عَنّي / وَصوني فَضلَ بُردِكِ عَن جَنابي
وَلا تَسري إِلَيَّ مَعَ اللَيالي / وَما اِستَحقَبتُ مِن ذاكَ التُرابِ
قَليلٌ أَن تُقادَ لَهُ الغَوادي / وَتُنحَرَ فيهِ أَعناقُ السَحابِ
أَما شَرِقَ التُرابُ بِساكِنيهِ / فَيَلفَظَهُم إِلى النِعَمِ الرُغابِ
فَكَم غَدَتِ الضَغائِنُ وَهيَ سَكرى / تُديرُ عَلَيهِمُ كَأسَ المُصابِ
صَلاةُ اللَهِ تَخفُقُ كُلَّ يَومٍ / عَلى تِلكَ المَعالِمِ وَالقِبابِ
وَإِنّي لا أَزالُ أَكُرُّ عَزمي / وَإِن قَلَّت مُساعَدَةُ الصِحابِ
وَأَختَرِقُ الرِياحَ إِلى نَسيمٍ / تَطَلَّعَ مِن تُرابِ أَبي تُرابِ
بِوَدّي أَن تُطاوِعَني اللَيالي / وَيَنشَبَ في المُنى ظِفري وَنابي
فَأَرمي العيسَ نَحوَكُمُ سِهاماً / تَغَلغَلُ بَينَ أَحشاءِ الرَوابي
تَرامى بِاللُغامِ عَلى طُلاها / كَما اِنحَدَرَ الغُثاءُ عَنِ العُقابِ
وَأَجنُبُ بَينَها خُرقَ المَذاكي / فَأَملي بِاللُغامِ عَلى اللُغابِ
لَعَلّي أَن أَبُلَّ بِكُم غَليلاً / تَغَلغَلَ بَينَ قَلبي وَالحِجابِ
فَما لُقياكُمُ إِلّا دَليلٌ / عَلى كَنزِ الغَنيمَةِ وَالثَوابِ
وَلي قَبرانِ بِالزَوراءِ أَشفي / بِقُربِهِما نِزاعي وَاِكتِئابي
أَقودُ إِلَيهِما نَفسي وَأُهدي / سَلاماً لا يَحيدُ عَنِ الجَوابِ
لِقاؤُهُما يُطَهِّرُ مِن جَناني / وَيَدرَأُ عَن رِدائي كُلَّ عابِ
قَسيمُ النارِ جَدّي يَومَ يُلقى / بِهِ بابُ النَجاةِ مِنَ العَذابِ
وَساقي الخَلقِ وَالمُهَجاتُ حَرّى / وَفاتِحَةُ الصِراطِ إِلى الحِسابِ
وَمَن سَمَحَت بِخاتَمِهِ يَمينٌ / تَضَنُّ بِكُلِّ عالِيَةِ الكِعابِ
أَما في بابِ خَيبَرَ مُعجِزاتٌ / تُصَدَّقُ أَو مُناجاةُ الحِبابِ
أَرادَت كَيدَهُ وَاللَهُ يَأبى / فَجاءَ النَصرُ مِن قِبَلِ الغُرابِ
أَهَذا البَدرُ يُكسَفُ بِالدَياجي / وَهَذي الشَمسُ تُطمَسُ بِالضَبابِ
وَكانَ إِذا اِستَطالَ عَلَيهِ جانٍ / يَرى تَركَ العِقابِ مِنَ العِقابِ
أَرى شَعبانَ يُذكِرُني اِشتِياقي / فَمَن لي أَن يُذَكِّرَكُم ثَوابي
بِكُم في الشِعرِ فَخري لا بِشِعري / وَعَنكُم طالَ باعي في الخِطابِ
أُجَلُّ عَنِ القَبائِحِ غَيرَ أَنّي / لَكُم أَرمي وَأُرمى بِالسِبابِ
فَأَجهَرُ بِالوَلاءِ وَلا أُوَرّي / وَأَنطِقُ بِالبَراءِ وَلا أُحابي
وَمَن أَولى بِكُم مِنّي وَليّاً / وَفي أَيديكُمُ طَرَفُ اِنتِسابي
مُحِبُّكُمُ وَلَو بَغِضَت حَياتي / وَزائِرُكُم وَلَو عُقِرَت رِكابي
تُباعِدُ بَينَنا غَيرُ اللَيالي / وَمَرجِعُنا إِلى النَسَبِ القَرابُ
أَغَدراً يا زَمانُ وَيا شَبابُ
أَغَدراً يا زَمانُ وَيا شَبابُ / أُصابُ بِذا لَقَد عَظُمَ المُصابُ
وَما جَزَعي لِأَن غَرُبَ التَصابي / وَحَلَّقَ عَن مَفارِقِيَ الغُرابُ
فَقَبلَ الشَيبِ أَسلَفتُ الغَواني / قِلىً وَأَمالَني عَنها اِجتِنابُ
عَفَفتُ عَنِ الحِسانِ فَلَم يَرُعني / المَشيبُ وَلَم يُنَزِّقُني الشَبابُ
تُجاذِبُني يَدُ الأَيّامِ نَفسي / وَيوشِكُ أَن يَكونَ لَها الغِلابُ
وَتَغدُرُ بي الأَقارِبُ وَالأَداني / فَلا عَجَبٌ إِذا غَدَرَ الصِحابُ
نَهَضتُ وَقَد قَعَدنَ بِيَ اللَيالي / فَلا خَيلٌ أَعَنَّ وَلا رِكابُ
وَما ذَنبي إِذا اِتَّفَقَت خُطوبٌ / مُغالِبَةٌ وَأَيّامٌ غِضابُ
وَآمُلُ أَن تَقي الأَيّامُ نَفسي / وَفي جَنبي لَها ظِفرٌ وَنابُ
فَما لي وَالمُقامُ عَلى رِجالٍ / دَعَت بِهِمُ المَطامِعُ فَاِستَجابوا
وَلَم أَرَ كَالرَجاءِ اليَومَ شَيئاً / تَذِلُّ لَهُ الجَماجِمُ وَالرِقابُ
وَكانَ الغَبنُ لَو ذَلّوا وَنالوا / فَكَيفَ إِذاً وَقَد ذَلّوا وَخابوا
يُريدونَ الغِنى وَالفَقرُ خَيرٌ / إِذا ما الذُلُّ أَعقَبَهُ الطِلابُ
وَبَعضُ العُدمِ مَأثَرَةٌ وَفَخرٌ / وَبَعضُ المالِ مَنقَصَةٌ وَعابُ
بَناني وَالعِنانُ إِذا نَبَت بي / رُبى أَرضٍ وَرَحلي وَالرِكابُ
وَسابِغَةٌ كَأَنَّ السَردَ فيها / زُلالُ الماءِ لَمَّعَهُ الحَبابُ
مِنَ اللائي يُماطُ العَيبُ عَنها / إِذا نُثِلَت لَدى الرَوعِ العِيابُ
إِذا اِدُّرِعَت تَجَنَّبَتِ المَواضي / مَعاجِمَها وَقَهقَهَتِ الكِعابُ
وَمُشرِفَةُ القَذالِ تَمُرُّ رَهواً / كَما عَسَلَت عَلى القاعِ الذِئابُ
مُجَلِّيَةٌ تَشُقُّ بِها يَداها / كَما جَلّى لِغايَتِهِ العُقابُ
وَمَرقَبَةٍ رَبَأتُ عَلى ذُراها / وَلِلَّيلِ اِنجِفالٌ وَاِنجِيابُ
بِقُربِ النَجمِ عالِيَةِ الهَوادي / يَبيتُ عَلى مَناكِبِها السَحابُ
إِلى أَن لَوَّحَ الصُبحُ اِنفِتاقاً / كَما جُلّي عَنِ العَضبِ القِرابُ
وَقَد عَرَفَت تَوَقُّلِيَ المَعالي / كَما عَرَفَت تَوَقُّلِيَ العِقابُ
وَنَقبِ ثَنِيَّةٍ سَدَدتُ فيها / أَصَمَّ كَأَنَّ لَهذَمَهُ شِهابُ
لِأَمنَعَ جانِباً وَأُفيدَ عِزّاً / وَعِزُّ المَرءِ ما عَزَّ الجَنابُ
إِذا هَولٌ دَعاكَ فَلا تَهَبهُ / فَلَم يَبقَ الَّذينَ أَبَوا وَهابوا
كُلَيبٌ عاقَصَتهُ يَذٌ وَأَودى / عُتَيبَةُ يَومَ أَقعَصَهُ ذُؤابُ
سَواءٌ مَن أَقَلَّ التُربُ مِنّا / وَمَن وارى مَعالِمَهُ التُرابُ
وَإِنَّ مُزايِلَ العَيشِ اِختِصاراً / مُساوٍ لِلَّذينَ بَقوا فَشابوا
فَأَوَّلُنا العَناءُ إِذا طَلَعنا / إِلى الدُنيا وَآخِرُنا الذَهابُ
إِلى كَم ذا التَرَدِّدُ في الأَماني / وَكَم يُلوي بِناظِرِيَ السَرابُ
وَلا نَقعٌ يُثارُ وَلا قَتامٌ / وَلا طَعنٌ يُشَبُّ وَلا ضِرابُ
وَلا خَيلٌ مُعَقَّدَةُ النَواصي / يَموجُ عَلى شَكائِمِها اللُعابُ
عَلَيها كُلُّ مُلتَهِبُ الحَواشي / يُصيبُ مِنَ العَدوِّ وَلا يُصابُ
أَمامَ مُجَلجِلٍ كَاللَيلِ تَهوي / أَواخِرَهُ الجَمايِلُ وَالقِبابُ
وَأَينَ يَحيدُ عَن مُضَرٍ عَدوٌّ / إِذا زَخَرَت وَعَبَّ لَها العُبابُ
وَقَد زَأدَت ضَراغِمُها الضَواري / وَقَد هَدَرَت مَصاعِبُها الصِعابُ
هُنالِكَ لا قَريبَ يَرُدُّ عَنّا / وَلا نَسَبٌ يَنُطُّ بِنا قَرابُ
سَأَخطُبُها بِحَدِّ السَيفِ فِعلاً / إِذا لَم يُغنِ قَولٌ أَو خِطابُ
وَآخُذُها وَإِن رُغِمَت أُنوفٌ / مُغالَبَةً وَإِن ذَلَّت رِقابُ
وَإِنَّ مُقامَ مِثلي في الأَعادي / مُقامُ البَدرِ تَنبَحُهُ الكِلابُ
رَمَوني بِالعُيوبِ مُلَفَّقاتٍ / وَقَد عَلِموا بِأَنّي لا أُعابُ
وَإِنّي لا تُدَنِّسُني المَخازي / وَإِنّي لا يُرَوِّعُني السِبابُ
وَلَمّا لَم يُلاقوا فيَّ عَيباً / كَسوني مِن عُيوبِهِمُ وَعابوا
رَماني كَالعَدُوِّ يُريدُ قَتلي
رَماني كَالعَدُوِّ يُريدُ قَتلي / فَغالَطَني وَقالَ أَنا الحَبيبُ
وَأَنكَرَني فَعَرَّفَني إِلَيهِ / لَظى الأَنفاسِ وَالنَظَرُ المُريبُ
وَقالوا لِم أَطَعتَ وَكَيفَ أَعصي / أَميراً مِن رَعِيَّتِهِ القُلوبُ
غَدا في الجيرَةِ الغادينَ لُبّي
غَدا في الجيرَةِ الغادينَ لُبّي / جَميعاً ثُمَّ راجَعَني وَثابا
لَئِن فارَقتُهُم وَبَقيتُ حَيّاً / لَقَد فارَقتُ بَعدَهُمُ الشَبابا
تَمَلَّ مِنَ التَصابي حينَ تُمسي
تَمَلَّ مِنَ التَصابي حينَ تُمسي / وَلا أَمَمٌ صِباكَ وَلا قَريبُ
سَوادُ الرَأسِ سِلمٌ لِلتَصابي / وَبَينَ البيضِ وَالبيضِ الحُروبُ
وَوَلّاكَ الشَبابُ عَلى الغَواني / فَبادِر قَبلَ يَعزِلُكَ المَشيبُ
لَعَلَّ الدَهرَ أَمضى مِنكَ غَربا
لَعَلَّ الدَهرَ أَمضى مِنكَ غَربا / وَأَقوى في الأُمورِ يَداً وَقَلبا
وَمُقلَتُهُ إِذا لَحَظَت حُسامي / تَغُضُّ مَهابَةً وَتَفيضُ رُعبا
فَكَيفَ وَأَنتَ أَعمى عَن مَقالي / وَلَو عايَنتَهُ لَرَأَيتَ شُهبا
عَذَرتُكَ أَنتَ أَردى الناسِ أَصلاً / وَأَخبَثُ مَنصِباً وَأَذَلُّ جَنبا
وَأَنتَ أَقَلُّ في عَينَيَّ مِن أَن / أَروعَكَ أَو أَشُنُّ عَليكَ حَربا
أَأَعجَبُ مِن خِصامِكَ لي وَجَدّي / رَسولُ اللَهِ يوسَعُ مِنكَ سَبّا
وَمَن رَجَمَ السَماءَ فَلا عَجيبٌ / يُقالُ حَثا بِوَجهِ البَدرِ تُربا
فَإِنَّكَ إِن هَجَوتَ هَجَوتَ لَيثاً / وَإِنّي إِن هَجَوتُ هَجَوتُ كَلبا
إِلى كَم لا تَلينُ عَلى العِتابِ
إِلى كَم لا تَلينُ عَلى العِتابِ / وَأَنتَ أَصَمُّ عَن رَدِّ الجَوابِ
حِذارَكَ أَن تُغالِبَني غِلاباً / فَإِنّي لا أَدُرُّ عَلى الغِضابِ
وَإِنَّكَ إِن أَقَمتَ عَلى أَذاتي / فَتَحتَ إِلى اِنتِصاري كُلَّ بابِ
وَأَحلُمُ ثُمَّ يُدرِكُني إِبائي / وَكَم يَبقى القَرينُ عَلى الجِذابِ
إِذا وَلَّيتَني ظِفراً وَناباً / فَدونَكَ فَاِخِشَ مِن شَفَري وَنابي
فَإِنَّ حَمِيَّةَ القُرَناءِ تَطغى / فَتَثلِمُ جانِبَ النَسَبِ القُرابِ
نَفِرُّ إِلى الشَرابِ إِذا غَصَصنا / فَكيفَ إِذاغَصَصنا بِالشَرابِ
فَلا تَنظُر إِلَيَّ بِعَينِ عَجزٍ / فَرُبَّ مُهَنَّدٍ لَكَ في ثِيابي
وَمَن لَكَ بي يَرُدُّ عَلَيكَ شَخصِيَ / إِذا أَثبَتُّ رِجلي في الرِكابِ
وَما صَبري وَقَد جاشَت هُمومي / إِلى أَمرٍ وَعَبِّ لَهُ عُبابي
سَيَرمي عَنكَ بي مَرمىً بَعيدٌ / وَتَغدو غَيرَ مُنتَظِرٍ إِيابي
إِذا الإِشفاقُ هَزَّكَ عُدتَ مِنهُ / بِعَضِّ أَنامِلٍ أَو قَرعِ نابِ
وَتَسمَعُ بي وَقَد أَعلَنتُ أَمري / فَتَعلَمُ أَنَّ دَأبَكَ غَيرُ دابي
وَرُبَّ رَكائِبٍ مِن نَحوِ أَرضي / تَخُبُّ إِلَيكَ بِالعَجَبِ العُجابِ
وَتُظهِرُ أُسرَةً مِن سِرِّ قَومي / تَمُدُّ إِلى اِنتِظاري بِالرَقابِ
وَتُصبِحُ لا تَني عَجَباً وَقولاً / أَهَذا الحَدُّ أَطلَقَ مِن ذُبابي
فَكَيفَ إِذا رَأَيتَ الخَيلَ شُعثاً / طَلَعنَ مِنَ المَخارِمِ وَالعِقابِ
تُعاظِلُ كَالجَرادِ زَفَتهُ ريحٌ / فَمَرَّ يُطيعُها يَومَ الضَبابِ
أَمَضَّتها الشَكائِمُ فَهيَ خُرسٌ / تَسيلُ لَها دَماً بَدَلَ اللُعابِ
تُذَكِّرُهُم بِذي قارٍ طِعاناً / وَما جَرَّ القَنا يَومَ الكُلابِ
عَليها كُلُّ أَبلَجَ مِن قُرَيشٍ / لَبيقٍ بِالطِعانِ وَبِالضِرابِ
يَسيرُ وَأَرضُهُ جُردُ المَذاكي / وَجَوُّ سَمائِهِ ظِلُّ العُقابِ
وَعِندي لِلعِدى لا بُدَّ يَومٌ / يُذيقُهُمُ المَسَمَّمَ مِن عِقابي
فَأَنصُبُ فَوقَ هامِهِمُ قُدوري / وَأَمزُجُ مِن دِمائِهِم شَرابي
وَأُركِزُ في قُلوبِهِمُ رِماحي / وَأَضرِبُ في دِيارِهِمُ قِبابي
فَإِن أَهلِك فَعَن قَدرٍ جَرِيٍّ / وَإِن أَملِك فَقَد أَغنى طِلابي
أَبا حَسَنٍ أَتَحسَبُ أَنَّ شَوقي
أَبا حَسَنٍ أَتَحسَبُ أَنَّ شَوقي / يَقِلُّ عَلى مُعارَضَةِ الخُطوبِ
وَأَنَّكَ في اللِقاءِ تَهيجُ وَجدي / وَأَمنَحُكَ السُلُوَّ عَلى المَغيبِ
وَكَيفَ وَأَنتَ مُجتَمَعُ الأَماني / وَمَجنى العَيشِ ذي الوَرَقِ الرَطيبِ
يَهُشُّ لَكُم عَلى العِرفانِ قَلبي / هَشاشَتَهُ إِلى الزَورِ الغَريبِ
وَأَلفُظُ غَيرَكُم وَيَسوغُ عِندي / وَدادُكُمُ مَعَ الماءِ الشَروبِ
وَيُسلِسُ في أَكُفُّكُمُ زِمامي / وَيَعسو عِندَ غَيرِكُمُ قَضيبي
وَبي شَوقٌ إِلَيكَ أَعَلَّ قَلبي / وَما لي غَيرَ قُربِكَ مِن طَبيبِ
أَغارُ عَلَيكَ مِن خَلواتِ غَيري / كَما غارَ المُحِبُّ عَلى الحَبيبِ
وَما أَحظى إِذا ما غِبتَ عَنّي / بِحُسنٍ لِلزَمانِ وَلا بِطيبِ
أُشاقُ إِذا ذَكَرتُكَ مِن بَعيدٍ / وَأَطرَبُ إِن رَأَيتُكَ مِن قَريبِ
كَأَنَّكَ قُدمَةُ الأَمَلِ المُرجّى / عَلَيَّ وَطَلعَةُ الفَرَجِ القَريبِ
إِذا بُشِّرتُ عَنكَ بِقُربِ دارٍ / نَزا قَلبي إِلَيكَ مِنَ الوَجيبِ
مَراحُ الرَكبِ بَشَّرَ بَعدَ خِمسٍ / بِبارِقَةٍ تَصوبُ عَلى قَليبِ
أُسالِمُ حينَ أُبصِرُكَ اللَيالي / وَأَصفَحُ لِلزَمانِ عَنِ الذُنوبِ
وَأَنسى كُلَّ ما جَنَتِ الرَزايا / عَلَيَّ مِنَ الفَوادِحِ وَالنُدوبِ
تَميلُ بي الشُكوكُ إِلَيكَ حَتّى / أَميلَ إِلى المُقارِبِ وَالنَسيبِ
وَتَقرَبُ في قَبيلِ الفَضلِ مِنّي / عَلى بُعدِ القَبائِلِ وَالشُعوبِ
أَكادُ أُريبُ فيكَ إِذا التَقَينا / مِنَ الأَنفاسِ وَالنَظَرِ المُريبِ
وَأَينَ وَجَدتَ مِن قَلبلي شَباباً / يَحِنُّ مِنَ الغَرامِ عَلى مَشيبِ
إِذا قَرُبَ المَزارُ فَأَنتَ مِنّي / مَكانَ الروحِ مِن عُقَدِ الكُروبِ
وَإِن بَعُدَ اللِقاءُ عَلى اِشتِياقي / تَرامَقنا بِأَلحاظِ القُلوبِ
تَرَفَّق أَيُّها الرامي المُصيبُ
تَرَفَّق أَيُّها الرامي المُصيبُ / فَمِن أَغراضِ أَسهُمِكَ القُلوبُ
تَسوءُ قَطيعَةً وَتَشُوقُ حُبّاً / فَما أَدري عَدُوٌّ أَم حَبيبُ