أعندك أن وجدي واكتئابي
أعندك أن وجدي واكتئابي / تراجع مذ رجعت إلى اجتنابي
وأن الهجر أحدث لي سلواً / يسكن برده حر التهابي
وأن الأربعين إذ توالت / بريعان الصبا قبح التصابي
ولو لم ينهني شيب نهاني / صباح الشيب في ليل الشباب
وأيام لها في كل وقت / جنايات تجل عن العتاب
أقضيها وتحسب من حياتي / وقد أنفقتهن بلا حساب
تفيض همومها والسيل يطمر / إذا رفدته أفواه الثغاب
إذا أصلحتها فسدت كأني / أهيب بها إلى نغل الإهاب
أوابد لاتزال العون منها / تواصلني بأيدة كعاب
كأن الدهر يفرح أن يراني / على طول المدى قلق الركاب
كأن الدهر يفرح ألا يرضيه إلا / إراقة ماء وجهي في الطلاب
وكيف يهون ذلك عند نفس / تخاف العار من منن السحاب
وكم حر يعد الصاب شهدا / فيعذب عنده طعم العذاب
وقد حالت بنو رزيك بيني / وبين الدهر بالمنن الرغاب
تركت الاغتراب وكنت قدماً / أحن إلى ركوب الاغتراب
وزرت أغر من غسان يسلي / غريب الدار عن ذكر الإياب
ولولا الصالح انتاش القوافي / لكان الفضل مجتنب الجناب
وكنت وقد تخيره رجائي / كمن هجر السراب إلى الشراب
ولم يخفق بحمد الله سعيي / إلى مصر ولا خاب انتخابي
ولكن زرت أبلج يقتضيه / نداه عمارة الأمل الخراب
أزال حجابه عني وعيني / تراه من الجلالة في حجاب
وقربني تفضله ولكن / بعدت مهابة عند اقترابي
وعلمني اقتضاب المدح فيه / مكارم دائمات الاقتضاب
تزيد مثوبة وأزيد شكراً / وذلك دابها أبداً ودابي
قسمت مشاع مجدك وهو جم / على ضربين من ضرب وصاب
فنصف في جفون مهندات / ونصف في جفان كالجواب
وحين سموت قدراً أن تسامى / وعز الناس قدرك في الخطاب
أقمت الناصر المحيي فأحيى / رسوماً كن بالرسم اليباب
وبث العدل في الدنيا فأضحى / قطيع الشاء يأنس بالذئاب
وأنت شهاب حق وهو منه / بمنزلة الضياء من الشهاب
سعى مسعاك في كرم وبأس / وشب على خلائقك العذاب
فأصبح معلم الطرفين لما / حوى شرف انتساب واكتساب
وصنت الملك من عزمات بدر / بميمون النقيبة والركاب
بأروع لم يزل في كل ثغر / زعيم القب مضروب القباب
مخوف البأس في حرب وسلم / وحد السيف يخشى في القراب
إذا دعي المظفر نحو خطب / فما للخطب من ظفر وناب
وإن قدحت يداه نار حرب / فزند النصر زند غير كاب
حسام الناصر الماضي إذا ما / نبت بيض السيوف عن الضراب
وهضبة عزه والطود ينأى / عليك صعوده بين الهضاب
ألم تر آل رزيك أعادوا / وجوه المجد سافرة النقاب
ملوك أصبحوا سلماً وحرباً / غيوث مخيلة وليوث غاب
علوا باالصالح الهادي على من / مشى في عصرهم فوق التراب
سموا بأغر تفرده المعالي / وإن شركوه في النسب القراب
أسف جناح نعمته عليهم / وحلق مجده فوق الثقاب
كفيل أئمة أثنى عليهم / كلام الله في آي الكتاب
أجاب نداءهم لما دعوه / وقد خرس الكفاة عن الجواب
وحاط ذرى الشريعة فاستقرت / قواعد أمرها بعد اضطراب
وذب لسانه وظباه عنها / فأصبح روضها غرد الذباب
جلاد كل يوم أو جدال / يعدهما لخطب أو خطاب
وشاور في الجهاد شريف عرض / أشار بحسن صبر واحتساب
فأنفذ حكمه والدهر آب / وأمضى عزمه والسيف ناب
وأدمن قرع باب العز حتى / غدا والفتح يفتح كل باب
وأرسلها مسومة عراباً / تفيض من الوهاد على الروابي
تريك البر بحراً من حديد / عظيم الموج مصطخب العباب
كتائب إن سرت في ليل نقع / سرت ونجومها زرق الحراب
إن وقد الهجير فليس إلا / ظلال من عقاب أو عقاب
أذل بها ملوك الشرك ملك / يذلل شامس النوب الصعاب
مهيب البأس فياض العطايا / مليء بالثواب وبالعقاب
ترى الأملاك بني يديه صوراً / من الإشفاق خاضعة الرقاب
إذا ما افتر يغر الدست عنه / بدت لك عزة الملك اللباب
جنحت إلى الإقامة في ذراه / ولم أجنح إلى غير الصواب
فلا ماء الفرات بمورد لي / ولا أكناف دجلة من رحابي
ولما لم أجد عندي جزاء / لكم غير الثناء المستطاب
شفعت جواهر الألفاظ فيكم / بمرفوع الدعاء المستجاب