المجموع : 4
أخي في الودّ أخي النسيبِ
أخي في الودّ أخي النسيبِ / وخِلّي دون كلِّ هوىً حبيبي
ومولاي البعيدُ يقول خيرا / قريبٌ قبل مولاي القريبِ
وما دِحىَ المصرِّحُ شاهداً لي / فداءٌ للمعرِّض في مَغيبي
فلا تتطلَّبي غَلَطاتِ شوقي / فما إن زلتُ ذا شوقٍ مصيبِ
أرَدْتِينيِ ليملكني نفاقا / سليمُ الوجه ذو ظَهرٍ مريبِ
وألسنةٌ تظاهرني صِحاحاً / وأعلمها بطائنَ للعيوب
قد أعتذر الزمانُ بودّ خِلٍّ / محا ما كان أسلفَ من ذُنوبِ
أتتني طاب ما أتتِ أبتداءً / بلا حقٍّ عليه ولا وُجوبِ
يدٌ منه وَفَتْ بيد الغمام ال / مصيب هَمْت على العام الحديبِ
فمثَّله التصوّرُ لي بقلبٍ / يَرَى بالظنّ من خَلَلِ الغيوبِ
أبا حسنٍ بدأتَ بها فتمّم / وإن لم تعطني إلا نصيبي
صفاتُك وهي تكشف عن قريضي / يمينُ القَيْن يشحذ عن قضيبِ
بنا ظمأٌ وعندكُمُ قَلِيبٌ / وأنت رِشاءُ هاذاك القَلِيبِ
أبو العباس موئلنا وسعد / فقل في الطود أو قل في الكثيبِ
رضيتك ثَمَّ لي ذخرا لنشر ال / سليم الطيّ أو نشر المَعيبِ
وغيرك مَنْ سَكَنتُ إليه كُرهاً / كما سكَن العِذارُ إلى المشيبِ
متى سالمتني سلِمتْ صَفاتي / على ما دسَّ قومٌ من ذنوبي
إذا نَظَر الحبيبُ بعينِ عَطفٍ / فأهونُ ناظرٍ عينُ الرقيب
سَلاَ دارَ البخيلةِ بالجِناب
سَلاَ دارَ البخيلةِ بالجِناب / متى عَرِيَتْ رُباكِ من القِبابِ
وكيفَ تشعَّبَ الأظعانُ صبحا / بدائدَ بين وُهْدِك والشِّعابِ
بطالعةِ الهلال على ضُمَيْر / وغاربةٍ كمنقَضِّ الشِّهابِ
حَملْنَ رشائقاً ومبدَّناتٍ / رماحَ الخَطِّ تَنبُتُ في الرَّوابي
وأين رضاكِ عن سُقيَا دموعي / ربوعك من رضاكِ عن السحابِ
بكيتُكِ للفراقِ ونحنُ سَفْرٌ / وعُدْتُ اليومَ أبكي للإيابِ
وأمسحُ فيكِ أحشائي بكفٍّ / قريبٍ عهدُها بحشا الرَّباب
لها أَرَجٌ بما أبقاه فيها ال / تصافحُ بعدُ من ريح الخِضابِ
أمفصِحةٌ فأطمعَ في جوابٍ / وكيف يُجيبُ رَسمٌ في كتابِ
نَحَلتِ ففي ترابِكِ منكِ رَسمٌ / كما أني خَيالٌ في ثيابي
وفي الأحداج مُتعَبةُ المَطَايَا / تُلينُ عرائكَ الإبلِ الصِّعابِ
بَعيدَةٌ مَسقِطِ القُرْطيْن تُقْرَا / خُطوطُ ذؤابَتْيها في الترابِ
تَجَمَّع في الأساورِ مِعصَماها / ويَقلَقُ خصرُها لكَ في الحِقَابِ
تَعيبُ على الوفاءِ نحولَ جسمي / ألا بالغدر أجدرُ أن تُعابي
وما بِكِ أن نَحَلتُ سوى نُصولٍ / من السنواتِ أسرعَ في خِضابي
جزِعت له كأنَّ الشَّيبَ منه / يَسُلُّ عليكِ نَصْلاً من قِراب
فما ذنبي إذا وقَعتْ عُقابٌ / من الأيّام طار لها غرابي
وقد كنتُ الحبيبَ وذا نحولي / وهذا في العريكة حدُّ نابي
لياليَ من الحاجاتِ حُكْمِي / وليس وسيلةٌ بسوى شبابي
ألا للّه قلبُكَ من حَمولٍ / على عِلاَّتِ وَصْلٍ وأجتنابِ
وحبُّكَ من وَفيِّ العهدِ باقٍ / على بُعْدِ يُحيلُ أو أقترابِ
هوىً لكَ في جبالِ أبان ثاوٍ / وأنتَ على جبالِ عُمان صابي
وكان المجدُ أعودَ حين يَهِوى / عليكَ من المهَفهَفة الكَعابِ
وإِن وراء بحر عُمان مُلْكاً / رطيبَ الظلِّ فَضفاضَ الرِّحابِ
رقيقٌ عيشُهُ عَطِرٌ ثراهُ / بِطُرَّاقِ الفضائلِ غيرُ نابي
متى تنزِلْ به تنزِلْ بوادٍ / من المعروفِ مَرعىِّ الجنابِ
يدبّره من الأمراء خرْقٌ / يَذِلُّ لعزِّه غُلْبُ الرِّقابِ
وَفَي ذُو المجِد سَبَّاقا فوافَى / يحلِّق عُرْفُه والنجمُ كابي
وقامَ بنفسِه يسعَى ففاقَتْ / غريزةُ نفسِه شَرَفَ النِّصابِ
وبانَ به لعينِ أبيهِ بَوْنٌ / أراه الشِّبلَ أغلبَ ليثَ غابِ
على زَمَنِ الحَداثةِ لم يُفتهُ / تقدُّمُ شِيبهم قَدَمَ الشَّبابِ
سَمَا لمكانهم وهُمُ شموسٌ / فطال الطودُ أعناقَ الهِضابِ
وسيِّدُ قومِهِ من سوّدوه / بلا عَصَبيّةٍ وبلا مُحابي
وقُدّم بالفِراسةِ وهو طِفْلٌ / تُحلَّلُ عنه أَنشِطةُ السِّخابِ
وما تَركُ الشريفِ على بنيه / وهم منه تَجَاوُزَهُ بعابِ
وإن كان الفتى لأبيه فَرْعاً / فإن الغيثَ فَرْعٌ للسحابِ
بَلَوْهُ وجرَّبوا يوميه نُعمَى / وبأساً في السكينةِ والوِثابِ
فما ظَهَروا مُخَاطَبةً بوانٍ / وما ظَفِروا مُضارَبَةً بنابي
ولا عدِموا به لَسَناً وقَطْعاً / عمائقَ في الإصابة والصوابِ
لذلك جاوروا بالبحرِ بحراً / كِلاَ كرميْهما طاغي العُبابِ
يقول لِيَ الغنَي ورأي قُعودي / عن السعي المموِّل والطِّلاَبِ
وعفةَ مذهبي ظَلِفاً ومَيْلي / إلى العيش المُرَمَّق وأنصبابي
أرى لك فيّ لو خاطرتَ مَرْعىً / يبدِّلُ صحَّةً أُهُبَ الجِرابِ
أما لكَ في بحارِ عمان مالٌ / يسُدُّ مَفاقِرَ الحاجِ الصِّعابِ
ومَولىً يوسعُ الحُرُماتِ رَعْياً / ويَعمُرُ دارسَ الأملِ الخرابِ
لعلَّ مؤيَّدَ السلطان تحنو / عواطفُ فضله بعدَ أجتنابِ
قفلتُ ودونه متلاطماتٌ / زَواخرهنَّ كالأُسْدِ الغِضابِ
صَواعدُ كالجبال إذا أحسَّتْ / نسيماً أو نوازلُ كالجَوابي
وأخضرُ لا يروق العينَ يُطْوَى / على بيضاءَ سوداءِ الإهابِ
تجاذبه الأزمَّةُ من حديدٍ / فَيَقمِصُ أو يُقَطَّر في الجذابِ
إذا خُوصُ الرِّكاب شكون ظِمْأً / شكى رُكبانُها شَرَقَ الرِّكابِ
يروعُ حُداءُ أحبُشِها النَّوَاتي / إذا شاقتك حاديةُ العِرَابِ
إذا عثَرتْ فليس تُقالُ ذنبا / وإن صدَعتْ فليست لأنشعابِ
ولستُ بسابح فأقولُ أنجو / عسى إن ظهرُها يوما كَبَابي
إذا حَلَمَتْ بها في النوم عيني / طفِقتُ أجُسُّ هل رَطِبتْ ثيابي
ومالي والخِطارَ وقد سَقَتْني / سماءُ يديهِ من غير أغترابِ
وجاءتني مَواهبُهُ بعيدا / بأفضلِ ما يجيءُ مع أقترابِ
رغائبُ من يديه فاجأتني / وَفَيْنَ رِضاً بآمالي الرِّغابِ
وزِدنَ على حساب مُنايَ لكن / وِشَاحٌ لم يكُنْ لي في حِساب
ندىً وَصَلَ السماحَ به ولكن / تولَّى عنه حاجبُه حجابي
أمرتَ بها كعِرضك لم يُدنَّسْ / بلا غِشٍّ يشوبُ ولا أرتيابِ
من الذهب الصريح فصار ممّا / يُبَدَّلُ في يديه إلى الذَّهابِ
وقاسَمَني مُناصَفةً عليه / وجاحَدَني ليحبسه كتابي
وقال ولم يهبكَ ولم يَصُنِّي / كذلكَ فيكَ منذُ سنينَ دابي
إذا حُمِّلتُ رِفْدا أو كتاباً / اليكَ لواه نَهْبي وأغتصابي
مَكارمُ سقتَهنّ إلى محبٍّ / ففاز بها مُغيرٌ لم يُحابِ
بعثتَ بها الخئون فضاع سِرْبٌ / أمِنتَ عليه غائرةَ الذئابِ
ولولا أنَّ خِدمتَه وَقَتْهُ / وحُرمةَ عزِّ بابك والجنابِ
لَمَا سَلِمَ البعوضُ على عُقاب / ولا عُضَّ الهِزبرُ بشرِّ نابِ
أَدَلَّ بكم فأفحَمني وكانت / نواحيه مآكلَ للسِّبابِ
فَجَلَّ عن الهجاء بذاك عندي / وقَلَّ بما أتاه عن العتابِ
سُلِبْتُ نداك في ناديك ظلما / بغارةِ صاحبٍ لك في الصحابِ
ثلاثَ سنينَ حَوْلا بعدَ حَوْلٍ / بكفِّ وِشاح مُقتَسَمٌ نِهابي
وأنتَ خفيرُ مالِكَ أو يؤدَّى / إليَّ ولو بمنقطِع الترابِ
إذا أنصفْتَني فعليك دَيْناً / غَرامةٌ ما تجمَّعَ في الحسابِ
أعدْ نظراً فكم أغنيتَ فقراً / به وجَبَرتَ كَسْراً من مُصابِ
وكم نوديتَ يا بحرَ العطايا / فجاء البحرُ بالعجبِ العُجابِ
وَفَتْ فيك المنى وقَضَتْ نُذُوري / فَوَفِّ عُلاكَ حقّي تُرْضِها بي
وفي يدك الغني فابعث أمينا / إليّ به وصيِّرْهُ جوابي
ولا تُحوِجْ ظَمايَ إلى قَلِيبٍ / سواك على مُقامي وأنقلابي
أُذكِّرك الذي ما كنتَ تنسَى / سُفوري تحت ظلِّك وأنتقابي
وإِني إن بلغتُ النجمَ يوماً / لكان إلى صنيعتك أنتسابي
أَجِدَّك بعدَ أن ضَمَّ الكثيبُ
أَجِدَّك بعدَ أن ضَمَّ الكثيبُ / هل الأطلالُ إن سُئلتْ تُجيبُ
وهل عَهدُ اللِّوى بَزرودَ يُطفي / أُوامَك إنه عهدٌ قريبُ
أعِدْ نظراً فلا خنساءَ جارٌ / ولا ذو الأثل منك ولا الجَيوبُ
إذا وَطنٌ عن الأحبابِ عَزَّى / فلا دارٌ بنجدَ ولا حبيب
يمانيَةٌ تلوذُ بذي رُعَيْنٍ / قبائلُها المنيعةُ والشعوب
حمتها أن أزورَ نوىً شَطُونٌ / براكبها ورامحةٌ شَبوبُ
مُلَملَمَةٌ تضيقُ العينُ عنها / إذا شِرقتْ بجُمَّتِها السُّهوبُ
ومُعجلةٌ عن الإلجام قُبٌّ / أعنَّتُها إلى الفزغ السبيبُ
وإنك بالعراقِ وذكرَ حيٍّ / على صَنعاءَ لَلْحُلُمُ الكذوبُ
لعلّ البانَ مطلولاً بنجدٍ / ووجهَ البدرِ عن هندٍ ينوبُ
ألا يا صاحبيَّ تطلَّعا لي / أُشَىَّ هل اكتسى الأيك السليبُ
وهل في الشِّرب من سُقْيا فإني / أرى في الشِّعبِ أفئدةً تَلوبُ
أكفكفُ بالحمى نَزواتِ عيني / وقد غَصَّتْ بأدمعها الغُروبُ
وأحلُمُ والمطايا يقتضيها / دُوَينَ حنينها الحادِي الطَّروبُ
فَمنْ يَجهلْ به أو يَطْغَ شوقٌ / فشوقي لا أبا لكما لبيبُ
وبِيضٍ راعهنّ بياضُ رأسي / فكلُّ مجَّيبٍ منّي مَعيبُ
عَددنَ مذ التَثمتُ به ذُنوبي / وقبلَ الشُّيبِ أُحْبِطتِ الذنوبُ
يُجِدُّ المرءُ لِبْستَهُ ويُبلي / وآخِرُ لِبْسةِ الرأسِ المَشيبُ
وكنتُ إذا عتبتُ على الليالي / وفي وجهي لها لونٌ نسيبُ
أطاعَ شبابُها حِفظاً شبَابي / فجاءت من إساءتها تُنيبُ
فما بالي أرى الأيّامَ تُنحِي / عليَّ مع المشيبِ وهنّ شِيبُ
عَذيرِي من سَحيلِ الودّ تحوي / حقيبةَ رحلهِ مَرَسٌ تُخيبُ
وَفَى لي وهو مَحصُوصٌ وأضحى / غداةَ ارتاش وهو عليَّ ذِيبُ
ومحسودٍ عليَّ تضيقُ عنّي / خلائقُهُ وجانبُهُ رَحيبُ
لَطِيتُ له فغُرَّ بلينِ مسِّي / وربَّ كمينةٍ ولها دبيبُ
تَوَقَّ عِضاضَ مختمرٍ أُخيفَتْ / جوانبُهُ وفي فيه نُيوبُ
فإن الصِّلَّ يُحذَرُ مستميتاً / وتحتَ قُبوعِهِ أبداً وُثوبُ
ولا تُثْلِمْ ودادَك لي بغَدرٍ / فقد يتثلَّم النسبُ القريبُ
أنلني بعضَ ما يُرضي فلو ما / غضبتُ حَمانِي الأنفُ الغَضوبُ
ومَنْ هذا يردّ عِنانَ طِرْفي / إليك إن استمرّ بِيَ الرُّكوبُ
ستَرمِي عنكَ بي إبلي بعيداً / وتنتظرُ الإيابَ فلا أؤوبُ
وربَّتما أتاكَ بنشرِ صيتي / وواسعِ حالِيَ النبأُ العجيبُ
أُخوَّفُ بالخيانةِ من زماني / وقد مَرَنَتْ على القَتَبِ النُّدوبُ
وما وادعتُهُ منذ احتربنا / على سلْمٍ فتوحشَني الحروبُ
وكيف يُريبني منه بيومٍ / زمانٌ كلُّه يومٌ مريبُ
وإني مذ عذت هممي سيوفاً / لأَعلَمُ أنّني أبداً ضَريبُ
وما جنتِ الذي يجنيه قلبي / على جسمي العُداةُ ولا الخُطوبُ
لئن أبصرتَني رَثّاً مَعاشِي / أُطوِّفُ حولَ حظِّي أو أجوبُ
فَتَحْتَ خَصاصتي نفسٌ عَزوفٌ / وحَشوَ مَعاوِزِي كَرَمٌ قَشيبُ
سلي بيدي الطُّروسَ وعن لساني / فَوارِكَ لا يلامسها خَطيبُ
لها وطنُ المقيم بكلِّ سمعٍ / تمرّ به وسائرُها غريبُ
بوالغُ في مَدَى العلياءِ لو ما / أعان رُكودَها يوماً هُبوبُ
لئن خَفَّتْ على قومٍ ودقَّتْ / فما يُدعَى بها منهم مُجيبُ
ونَفَّرها رِجالٌ لم يُروَّحْ / على أفهامِهم منها عَزيبُ
فعند مؤيَّدِ المُلكِ اطمأنَّتْ / وظَنٍّ في نداهُ لا يخيبُ
وواسعةِ الذراعِ يَغُرُّ فيها / عيونَ العيسِ رَقّاصٌ خَلوبُ
إذا استافَ الدليلُ بنا ثراها / أرابَ شميمَه التُّربُ الغريبُ
تُخفِّضُنا وتَرفَعُنا ضَلالاً / كما خَبَّتْ براكبِها الجَنُوبُ
إذا غَنَّتْ لنا الأرواحُ فيها / تطاربتِ العمائمُ والجيوبُ
عمائمُ زانها الإخلاقُ لِيثَتْ / على سُنَنٍ وَضاءَتُها الشُّحوبُ
قطَعناها إليك على يقينٍ / بأنَّ الحظَّ رائدُه اللُّغوبُ
تَرَى ما لا تَرَى الأبصارُ منها / كأنَّ عيونَها فيها قلوبُ
إلى ملكٍ مخضَّةٍ رُباهُ / جَمادُ الرزقِ من يدهِ يذوبُ
يَغيضُ بنا ويملُحُ كلُّ ماءٍ / وماءُ بنانهِ عِدٌّ شَروبُ
تناهتْ عنه أقدامُ الأعادي / كأنّ رُواقَه الغابُ الأشيبُ
إذا ركب السريرَ عَلاَ فأوْفَى / على مَرْباتِهِ أَقْنَى رَقوبُ
يعولُ الأرضَ ما كسبَتْ يَدَاهُ / وما كلُّ ابنِ مَرْقَبَةٍ كسوبُ
متينُ قُوَى العزيمةِ أَلمعيٌّ / إذا ما ارتابَ بالفكرِ الأريبُ
يريه أمسِ ما في اليومِ رأيٌ / تُمِلُّ على شهادته الغيوبُ
بِذبِّك مِن وراء الملكِ قامت / دعائم منه والتأمتْ شُعوبُ
حملتَ له بقلبك ما تركتَ ال / جبالَ به تُفاخِرها القلوبُ
تَضَرَّمُ فِتْنَةٌ وتضيقُ حالٌ / وصدرك فيهما ثَلجٌ رحيبُ
وكم أَشفَى به داءٌ عُضالٌ / وصنعُ اللهِ فيك له طبيبُ
طلعتَ على البلاد وكلُّ شمس / تضيء قد استبدَّ بها الغروبُ
وقد قَنِط الثرى وخوتْ أصولُ ال / عِضاهِ وصَوَّحَ العُشبُ الرطيبُ
ونارُ الجَورِ عاليةٌ تَلظَّى / وداءُ العجزِ منتشرٌ دَبوبُ
فكنتَ الروضَ تُجلِبه النُّعامَى / وماءَ المزنِ منهمراً يصوبُ
كأنك غُرَّة الإقبالِ لاحت / بعقبِ اليأسِ والفرجُ القريبُ
هنا أُمَّ الوزارةِ أَن أتاها / على الإعقامِ منك ابنٌ نجيبُ
وأنك سيّد الوزراءِ معنىً / به سُمِّيتَ والألقابُ حُوبُ
ولو أتتِ السماءُ بمثلك ابناً / لما كانت طوالعها تغيبُ
بك اجتمعتْ بدائدُها ولانت / مَعاطفُها ومَعْجَمُها صليبُ
فلا تتجاذب الحسّادُ منها / عرىً يَعيا بمرَّتها الجذيبُ
ولا يستروحوا نفحاتِ عَرفٍ / لها بثيابِ غيرك لا تَطيبُ
نصحتُ لهم لو أنّ النصحَ أجدَى / ولم يكن المشاورُ يستريبُ
وقلتُ دعوا لمالكها المعالي / ففي أيديكُمُ منها غُصوبُ
خذوا جُمَّاتِه الأُولَى وخَلُّوا / أقاصِيَ لا يخابطها ذَنوبُ
فكم من شرقةٍ بالماء تُردِي / وإن كانت به تُشفَى الكروبُ
لك اليومانِ تَكتُبُ أو تَشُبُّ ال / وغى وكلاهما يومٌ عصيبُ
فيومُك جالساً قلمٌ خطيبٌ / ويومُك راكباً سيفٌ خضيبُ
جمعتَ كفايةً بهما وفتكاً / ومَجمعُ ذينِ في رجلٍ عجيبُ
وضيِّقةِ المجالِ لها وميضٌ / قِطارُ سمائه العَلَقُ الصبيبُ
وقفتَ له حسامُك مستبيحٌ / مَحارمَها وعفوُك مستثيبُ
ومسودِّ اللِّثاتِ له لُعابٌ / يَجِدُّ الخَطبُ وهو به لَعوبُ
يُحال على الطروس شُجاعَ رملٍ / إذا ما عضَّ لم يُرْقَ اللسيبُ
تَغلغلُ منه في مهج الأعادي / جَوائفُ جُرحُها أبداً رغيبُ
إذا مَلَكَ الرقابَ به امترينا / مضى قلمٌ بكفّك أم قضيبُ
ومضْطَهَدٍ طردتَ الدهرَ عنه / وقد فَغرتْ لتفرِسَه شَعوبُ
إذا عُصِرت من الظمأ الأَداوَى / على الإعياء أو رُكب الجنيبُ
فنِعم مُناخَ ظالعةٍ وسَقْياً / ذَراك الرحبُ أو يدُك الحلوبُ
عُلاً رُجحيةُ الأبياتِ خُطّتْ / على شماءَ ينصفها عسيبُ
لها عَمَدٌ على صدر الليالي / وفوق أوائل الدنيا طُنوبُ
صفا حَلَبُ الزمان لها وقامت / لدعوتها الممالكُ تستجيبُ
وما مِن دولةٍ قَدُمت وعزت / وغلاَّ ذكرُها بكُمُ يطيبُ
ومنكم في سياستها رجالٌ / فُحولٌ أو لكم فيها نصيبُ
كرامٌ تُسنَد الحسناتُ عنهم / وتَزلَقُ عن صَفاتِهم العيوبُ
مَضوا طَلَقاً بأعداد المساعي / وجئتَ ففتَّ ما يُحصِي الحسيبُ
قناةٌ أنت عاملُها شروعاً / إلى نحر السما وهم الكعوبُ
وخيرُ قبيلةٍ شرفاً ملوكٌ / لمجدك منهُمُ عِرقٌ ضَروبُ
فلا وضَحَ النهارُ ولستَ شمساً / ولا أَزرَى بمَطلعِكَ المغيبُ
ولا برحتْ بك الدنيا فتاةً / تُرَبُّ كما اكتسى الورقَ القضيبُ
إذا ما حزتها انتفضت عِطاراً / سوالفُها بعدلك والتريبُ
ومات الدهرُ وانطوتِ الليالي / وملكُك لا يموتُ ولا يشيبُ
وقام المِهرجَانُ فقال مثلَ ال / ذي قلنا وآبَ كما نؤوبُ
عادك زائراً ما كرَّ ليلٌ / لسعدك بين أنجمه ثُقوبُ
بك استظللتُ من أيَّامِ دهري / ومن رَمضائها فوقي لهيبُ
كفيتنَي السؤالَ فما أبالي / سواك مَن المنوعُ أو الوهوبُ
وغِرتَ على الكمال فصنتَ وجهي / فليس لمائه الطامي نُضوبُ
مكارمُ خضَّرتْ عُودي وروَّتْ / ثراه وقد تَعاوَره الجُدوبُ
تُواصِلني مَثانِيَ أو وِحاداً / كما يتَناصر القَطْرُ السَّكوبُ
فما أشكو سوى أنّي بعيدٌ / وغيري يومَ ناديكم قريبُ
أفوِّقُ عزمتي شوقاً إليكم / ويَقبِضُني الحياءُ فلا أصيبُ
أصدُّ وضِمنَ دَستِك لي حبيبٌ / عليه من جلالته رقيبُ
إذا امتلأتْ لحاظي منك نوراً / نَزَا قلبي فطارَ به الوجيبُ
يُميلُ إليك بِشرُك لحظَ عيني / ويَحبسُ عندك مَجلسُك المَهيبُ
ولو أني بُسِطتُ لكان سعيٌ / وبَلَّ بِلالَه الشوقُ الغَلوبُ
أبِيتُ فما أُجيبُ سواك داعٍ / ولكنّي دعاءَكُمُ أجيبُ
فإن يكن انقباضي أمسِ ذَنْباً / فمنذ اليومِ أُقلِعُ أو أتوبُ
وتحضُرُ نابياتٌ عن لساني / فواقرُ ربُّها عبدٌ منيبُ
أوانسُ في فمي متيسِّراتٌ / إذا ذُعِرتْ من الكلِم السُّروبُ
إذا أعيتْ على الشعراء قِيدتْ / إليَّ وظهرُ ريِّضها رَكوبُ
بِقيتُ وليس لي فيها ضريبٌ / ولا لك في الجزاءِ بها ضريبُ
تُصاغ لها الحماسةُ من معاني / علاك ومن محاسنِك النسيبُ
رَعيتُ بهنّ من أَملي سميناً / لديك وحاسدي غيظاً يذوبُ
وهل أظمَا وهذا الشِّعرُ سَجْلٌ / أمدُّ به وراحتك القَليبُ
ألا مَن مبلغٌ أسداً رسولاً
ألا مَن مبلغٌ أسداً رسولاً / متى شهِدَ الندىَ فما أغيبُ
وعوفٌ منهُمُ أربي فعوفٌ / عيونُ خُزَيمةٍ وهم القلوبُ
أفرسانَ الصباح إذا اقشعرّتْ / من الفزعِ السنابك والسبيبُ
وضاق مَخارجُ الأنفاسِ حتّى / تُفرَّجَ عن سيوفكم الكروبُ
ويا أيدي الحيا والعامُ جدبٌ / ووجهُ الأرض مغبرٌّ قَطوبُ
مَجازرُ تُفهَق الجفَناتُ منها / ونارُ قِرىً شرارتُها لهيبُ
إذا جَمدَ الضيوفُ تكفَّلتهم / لها فِلَذٌ وأسنمةٌ تذوبُ
ويا أقمارَ عدنانٍ وجوهاً / يشِفُّ على وَضاءتها الشحوبُ
أصيخوا لي فلي مَعَكم حديثٌ / عجيبٌ يوم أَنثوهُ غريبُ
متى أنصفتُمُ فالحقُّ فيه / عليكم واضحٌ لي والوجوبُ
وإن أعرضتُمُ ورضيتموهُ / فإنّ المجدَ ممتعِضٌ غَضوبُ
حديثٌ لو تلَوه على زهيرٍ / غدا من مدحه هَرِماً يتوبُ
بأيّ حكومةٍ وبأيّ عدلٍ / أُصابُ من القريضِ ولا أُصيبُ
وكم أعراضكم تزكو بمدحي / وتنجحُ والمنى فيكم تخيبُ
تردُّونَ الغُصوبَ بكلّ أرضٍ / وتوجَدُ في بيوتكم الغُصوبُ
وتحمون البلادَ وفي ذَراكم / حريمُ الشِّعرِ منتهَكٌ سليبُ
وعندكُمُ لكلِّ طريدِ قومٍ / جِوارٌ مانعٌ وفِرىً رحيبُ
وأبكارٌ وعُونٌ من ثنائي / عجائفُ عيشُها فيكم جديبُ
محبَّبةٌ إذا رُويَتْ فإمّا / طلتُ مهورَهنَّ فلا حبيبُ
إذا أحسنتُ في قولٍ أُساءُ ال / فعالَ كأنّ إحساني ذنوبُ
أجرُّ المَطْلَ عاماً بعد عامٍ / مَواعدَ برقُها أبداً خلوبُ
ويا لَلنَّاسِ أَسلُبُ كلَّ حَيٍّ / كرائمَهُ ويَسلُبني شُبيبُ
أمدُّ غليه أرشيةَ المعالي / فعيطِشُني وراحتُه القَليبُ
وأُلبسُه ثيابَ المدحِ فخراً / فيُمسِكُ لا يُجيبُ ولا يُهيبُ
ويسمحُ خاطري فيه ابتداءً / ويمنعُ وهو بذَّالٌ وهوبُ
ولم نَعرِفْ غلاماً مَزْيَدِيّاً / يناديه السماحُ فلا يُجيبُ
ولو ناديتُ من كَثَبٍ عليّاً / تدفَّق ذلك الغيثُ السَّكوبُ
ومَنَّ على عوائدهِ القُدَامَى / مُضِيَّ الريح جدَّ بهِ الهُبوبُ
ولو حمَّادُ يزقو لي صداه / لأُكرِمَ ذلك الجسدُ التريبُ
أُصولُكُم وأجدرُ إذ شهدتم / مقامَ علائهم أَلا يغيبوا
فمالك يا شبيبُ خَلاك ذمٌّ / تَجِفُّ وعندك الضَّرعُ الحلوبُ
وما لخريدةٍ خفِيتْ لديكم / تكادُ على طُفولتها تشيبُ
محلَّلة النكاحِ بلا صَدَاقٍ / وذلك عندكم إثمٌ وحُوبُ
يَطيبُ الشيءُ مرتخَصاً مباحاً / ومُرتخَصُ المدائح لا يطيبُ
فأين حياءُ وجهِك يوم تُحدَى / بها في وصفك الإبلُ اللُّغوبُ
وأين حياء وجهك في البوادي / إذا غنَّى بها الشادي الطروبُ
وكيف تقول هذا وصفُ مجدِي / فلا أُجدِي عليه ولا أُثيبُ
وكم نَشَزتْ على قومٍ سواكم / فلم يعلَقْ بها الرجلُ الطَّلوبُ
وراودني ملوكُ الناس عنها / وكلٌّ باذلٌ فيها خطيبُ
فلم يُكشَفْ لها وجهٌ مباحٌ / ولم يُعرَفْ لها ظهرٌ رَكوبُ
فلا يَغرُرْك منها مَسُّ صِلٍّ / يلين وتحت هَدْأتهِ وُثوبُ
أخافُ بأن يعاجِلَني فيطغَآ / فتُصبحَ بالذي تُثني تَعيبُ
وتَشرُدَ عنكُمُ متظلِّماتٍ / وتبغون الإياب فلا تؤوبُ