المجموع : 18
أبا حسنٍ وأنت فتىً أديبُ
أبا حسنٍ وأنت فتىً أديبُ / له في كل مَكْرُمَةٍ نصيبُ
أترضى أن تكونَ من المعالي / بمَدْعَى مُستغاثٍ لا يُجيبُ
أسأتَ فهل تنيب إليَّ أم لا / فها أنا ذو الإساءة والمنيبُ
لقد ولدتك آباءٌ كرامٌ / من الآباء ليس لهم ضَريبُ
فلا تَخْلُفْهُمُ في أمر مثلي / خِلافةَ من أُطيبَ وما يَطيبُ
أحالَ المُنجِبون عليك أمري / فلم يَقْبل حَوَالتهم نجيبُ
وقلتَ وَرِثْتُ مجدَهُمُ فحسبي / بإرثِهمُ وذلك ما أعيبُ
ألا إنَّ الحسيبَ لَغيرُ حيٍّ / غدا وعمادُهُ مَيْتٌ حسيبُ
أترضى أن يقولَ لكَ المُرجِّي / لأَنت المرءُ راجيه يخيبُ
رضيتَ إذاً بما لا يرتضيهِ / من القومِ الكريمُ ولا اللبيبُ
أتأمنُ أن تُواقِعك القوافي / ويومُ وِقاعِها يوم عصيبُ
أَبنْ لي ما الذي تَأوِي إليه / إذا ما القَذْعُ صَدَّره النسيبُ
أمعتصِمٌ بأنك ذو صِحابٍ / من الشعراء نصرُهُمُ قريبُ
وما تُجدي عليك ليوثٌ غابٍ / بنُصرتها إذا دمَّاك ذيبُ
تَوقِّي الداء خيرٌ من تَصَدٍّ / لأيسرِهِ وإن قَرُبَ الطبيبُ
أذلكَ أم تُدِلُّ بعزِّ قومٍ / قد انقرضوا فما منهم عَريبُ
ألا نادِ البرامكة انصروني / على الشعراء وانظر هل مُجيبُ
وكيف يُجيبك الشخص المُوارى / وكيف يُعزُّك الخدُّ التريبُ
ولو نُشروا لما نصروا وقالوا / أرَبْتَ فكان حقُّك ما يُريبُ
أتدعونا إلى حَرْب القوافي / لِتَحرُبَنا السلامةَ يا حريبُ
ألم تَرَ بذلَنا المعروفَ قِدْماً / مخافةَ أن يقومَ بنا خطيبُ
أذَلْنا دون ذلك كل عِلْقٍ / ومُلْتمِسُ السلامة لا يخيبُ
عليك ببذل عُرفك فاستجرْهُ / كذلك يفعل الرجل الأريبُ
وَقَتْكَ يدُ الإله أبا عليٍّ
وَقَتْكَ يدُ الإله أبا عليٍّ / ولا جَنحتْ بساحتك الخطوبُ
وزُحزحَتِ المكارهُ عنك طُرّاً / ونُفِّسَتِ الشدائدُ والكروبُ
شَرِكتك في البلاء المرِّ حتى / لكاد القلب من ألمٍ يذوبُ
ولم أمنُنْ بذاك وكيف مَنِّي / على من عُرفه عندي ضُروبُ
ولكني شكوتُ إليك شكوَى / أخي كُرَبٍ تضيق بها الجُنُوبُ
وكيف الصبرُ والقاضي وقيذ / أبَى لي ذلك الجزعُ الغَلُوبُ
تَطَرَّقتِ النوائبُ منه شخصاً / بعيداً أن تَطَرَّقَهُ العيوبُ
ولكنْ في دفاع اللَّه كافٍ / وإن شُبَّتْ لنائرةٍ حروبُ
وفي المعروف واقيةٌ لشاكٍ / وللسراء غائبةٌ تؤوبُ
وقد يُخْفِي ضياءَ الشمسِ دَجْنٌ / تزول ولم يَحُنْ منها غروبُ
فقل للحاكم العدلِ القضايا / فِداه من يجور ومن يحوبُ
أبا إسحاق مُحِّقَتِ الخطايا / بما تشكو ومُحِّصَتِ الذنوبُ
ولُقِّيتَ الإقالَةَ من قريبٍ / موقّىً كلَّ نائبةٍ تنوبُ
فإنك ما اعتللتَ بل المعالي / وإنك ما مَرِضْتَ بل القلوبُ
وحقُّك أن تقال فأنت آسٍ / له رِفْق إذا دَمِيَتْ نُدُوبُ
تُصيبُ إذا حكمتَ وإنْ طلبنا / لديك العُرفَ كنت حَياً تَصُوبُ
هنيئاً آلَ حمادٍ هنيئاً / فقد زَكَتِ الشواهدُ والغيوبُ
متى تُوضعْ جُنُوبُكُمُ بشكوٍ / فما فيكم لنازلةٍ هَيُوبُ
وإن تُرفعْ جنوبُكُمُ ببُرءٍ / فما فيكم لفاحشةٍ رَكُوبُ
وليس على صريعِ اللَّه عَتْبٌ / وفيه عن محارمه نُكُوبُ
أُحبّكُمُ وأشكر أنْ صفوتمْ / عليَّ وسائرُ الدنيا مَشوبُ
نسيمي منكُمُ أبداً شَمَالٌ / وريحي حين أستسقي جَنُوبُ
ولا يُلْفَى بساحتكم شقيٌّ / ولا يُغرى بمدحِكُمُ كذوبُ
سأُثْلِجُ باصطناع العُرف صدري
سأُثْلِجُ باصطناع العُرف صدري / وأُعدِمُ كاهلي ثِقَلَ الذُّنوبِ
وأُحسِنُ لا بحظِّك بل بحظي / ولَلْإحسانُ آنسُ للقلوبِ
إذا ذَكرتْ أياديَها نفوس / أفاقت من مُعالجة الكروبِ
وآمنُ ما يكونُ المرءُ يوماً / إذا لبس الحذارَ من الخطوبِ
أمورٌ أقبلتْ بعد التَّوَلِّي / وشمسٌ أشرقت بعد الغروبِ
ومن يكُ ذُخرُهُ رمحاً وسيفاً / فنصرُ اللَّهِ ذُخرِي للحروبِ
إذا بَرَّكتَ في صومٍ لقومٍ
إذا بَرَّكتَ في صومٍ لقومٍ / دعوتَ لهم بتطويل العذابِ
وما التبريكُ في شَهرٍ طويلٍ / يُطاولُ يومُهُ يوم الحسابِ
فليت الليلَ فيه كان شهراً / ومرَّ نهارُهُ مرَّ السحابِ
فلا أهلاً بمانعِ كُلِّ خيرٍ / وأهلاً بالطعام وبالشرابِ
أسالمُ قد سلمتَ من العيوبِ
أسالمُ قد سلمتَ من العيوبِ / ألا فاسلمْ كذاك من الخطوبِ
وقد حُسِّنتَ أخلاقاً وخَلْقاً / فقد أصبحتَ مصباحَ القلوبِ
مُصدِّقَ كنيةٍ حسناءَ واسمٍ / وكم سمةٍ مكذَّبةٍ كذوبِ
فيا قمراً ينير بلا أفولٍ / ويا شمساً تضيء بلا غروبِ
أغْثني يا أبا حسنٍ أغثني / فأنت المستغاث لدى الكروبِ
أجِرني من نقائصَ قد أضرَّت / بعبدك يا ربيعَ ذوي الجُدوبِ
وما وجهُ استقائي من غديرٍ / وأنت البحرُ ذوالموج الغضوبِ
وأنَّى تستمِدُّ من السواقي / لتُنضبهَا ولستَ بذي نضوبِ
أينقُصُ كاملٌ عُرْفاً أتاه / إلى حُرٍّ وليس بذي ذُنوبِ
أبى النقصانَ فعلُ أخي كمالٍ / يجِلُّ عن المَناقص والعيوبِ
جوادٍ بالتلاد وللمعالي / كسوبٍ أو يزيد على الكسوبِ
أُعيذك أن تخفف من دروعي / فإني من زماني في حروبِ
وما تلك الدروعُ سوى هباتٍ / تجودُ عليَّ من يدِكَ الوَهوبِ
أصونُ بها المَقاتلَ من زمانٍ / على الأحرار عَداَّءٍ وَثوبِ
فلا تُوسِعْ له في جيب درعي / فقد تؤتىَ الحصونُ من النقوبِ
أترضى أن أُراعَ وأنت جارِي / بأشباهِ الغُصوبِ أو الغُصوبِ
وجارك حين يَغْشى الضيمُ جاراً / أَعزُّ من المحلِّقةِ الطَّلوبِ
تُروِّعني النقائص كلَّ شهرٍ / مع التعبِ المبرِّحِ والدّؤوبِ
كأَني حين أذكرهنَّ أُرمَى / بسهمٍ في فؤادي ذي نشوبِ
وحسبي رائعاً أهوالُ بحرٍ / يظل العقلُ منها ذا عُزوبِ
تَسامى فيه أمواجٌ صِعابٌ / كأنَّ زُهاءهنَّ زُهاءُ لُوبِ
أظل إذا اصطفقتُ على ذُراها / أهلِّلُ من محاذرة الرسوبِ
تَلاعبُ بي تلاعبَ ذات جدٍّ / غَواربُ متنِ مِجدادٍ لَعوبِ
أُعيدُ ركوبَهُ صُبحاً ومسْياً / وما هو بالذلولِ ولا الرَّكوبِ
وكم يومٍ أراني الموتَ فيه / جُنونُ الموجِ في هَوَجِ الجنوبِ
وقاني شرَّهُ من بعد يأسٍ / دِفاعُ الله دَفّاعِ الرُّيوبِ
فمن يَطَربْ إذا هبّتْ جنوبٌ / فلستُ لها وعيشك بالطَّروبِ
ولكني لها مذ كنت قالٍ / قِلَى المملوك للوالي الضَّروبِ
ولو حيَّتْ بريَّا الروض أنفي / ولو جاءت بكل حَياً سَكوبِ
إذا سقطت خشيت لها هُبوباً / وإن هبت جَزعتُ من الهبوبِ
ولمْ لا وهْيَ زَلزلةٌ ولكنْ / بركب الماء لا ركبِ السُّهوبِ
وَبَلبلةٌ لأهل البَرِّ تجري / فكلٌّ من أذاها في ضُروبِ
تثيرُ عَجاجةً وتثيرُ حُمَّى / لعذبِ الماء طُرّاً والشَّروبِ
وَتَذْهَبُ بالعقول إذا تداعتْ / أَزاملُ جَوِّها الزَّجِلِ الصَّخوبِ
ويُضحي ما اكتستهُ كلُّ أرضٍ / يميدُ مرنّحاً مَيْد الشُّروبِ
ويُمسي النخل والشَّجراء منها / وجُلُّهما صريعٌ للجُنوبِ
فتلك الرّيحُ ممّا أجتويهِ / وعَلّامِ المشاهدِ والغيوبِ
ومما أشتهيه دُرورُ رزقي / وأن أُعطَاه موفورَ الذَّنوبِ
وأن ألقاهُ يضحك من بعيدٍ / نَقيَّ الصفحتين من الشُّحوبِ
وليس بواجبٍ ما أشتهيهِ / ولكنْ إن تَطَوَّلَ ذو وجوبِ
تسنَّم ظهرَ مَكرُمَةٍ أنيختْ / لتركبها ولا تكُ بالهَيوبِ
وما ينحو بك العافون إلّا / طريقاً لستَ عنه بذي نُكوبِ
عدوُّكَ من صديقك مستفادٌ
عدوُّكَ من صديقك مستفادٌ / فلا تستكثرنَّ من الصِّحابَ
فإن الداءَ أكثرَ ما تراهُ / يحولُ من الطعام أو الشرابِ
إذا انقلبَ الصديقُ غدا عدواً / مُبيناً والأمورُ إلى انقلابِ
ولو كان الكثيرُ يَطيبُ كانتْ / مُصاحبةُ الكثير من الصوابِ
ولكن قلَّ ما استكثرتَ إلّا / سقطتَ على ذئابٍ في ثيابِ
فدعْ عنك الكثير فكم كثيرٍ / يُعافُ وكم قليلٍ مُستطابِ
وما اللُّجَجُ المِلاحُ بمُروياتٍ / وتلقى الرِّيّ في النُّطَفِ العِذابِ
لغيرك لا لكَ التفسيرُ أنَّى
لغيرك لا لكَ التفسيرُ أنَّى / يُفسَّرُ لابن بجدتها الغريبُ
كلامُك ما أُترجِمُ لا كلامي / وإن أصبحتُ لي فيه نصيبُ
أأعرفُهُ ولستُ له نسيباً / وتجهلُهُ وأنتَ له نسيبُ
معاذَ اللَّه ليس يَظُنُّ هذا / من القوم الأديبُ ولا الأريبُ
بلى ترجمتُ عن شعري لقومٍ / فصيحُ الشعر عندهُم جليبُ
عساهم أن يُجيلوا الطرف فيه / فإن سألوا أجابهمُ مجيبُ
وإن ضلوا فمُرشدُهُم قريبٌ / وإن سألوه ألفوه يجيبُ
أشارتْ بالخضاب إلى الخضابِ
أشارتْ بالخضاب إلى الخضابِ / كناظرةٍ إلى شيءٍ عُجابِ
وكنِّ غرائراً إلّا بشيبٍ / يُخيِّلُهُ المُخَيِّلُ بالشبابِ
صِبا من شاب مَفْرِقُهُ تَصابي
صِبا من شاب مَفْرِقُهُ تَصابي / وإن طلب الصِّبا والقلبُ صَابي
أعاذِلُ راضني لك شيب رأسي / ولو لا ذاك أعياكِ اقتضابي
فلُومي سامعاً لكِ أو أَفيقي / فقد حان اتِّئابُكَ واتِّئابي
وقد أغناكِ شيبي عن ملامي / كما أغنى العيونَ عن ارتقابي
غضضتُ من الجفون فلست أَرمي / ولا أُرمى بطرفٍ مسترابِ
وكيف تعرُّضي للصيد أَنَّى / وقد رِيشتْ قِداحي باللُّغابِ
كفى بالشيب من ناهٍ مُطاعٍ / على كُرهٍ ومن داعٍ مُجابِ
حططتُ إلى النُّهى رحلي وكلَّتْ / مطيّةُ باطلي بعد الهِبابِ
وقلت مُسلِّماً للشيب أهلاً / بهادي المخطئين إلى الصوابِ
ألستَ مُبشِّري في كلّ يومٍ / بوشكِ ترحُّلي إثرَ الشبابِ
لقد بشّرتني بلحاقِ ماضٍ / أحبَّ إليَّ من بَرْدِ الشرابِ
فلستُ مسمِّياً بُشراك نَعْياً / وإِن أوعدتَ نفسي بالذَّهابِ
لك البشرى وما بشراك عندي / سوى ترقيع وَهْيك بالخضابِ
وأنت وإن فتكت بحبِّ نفسي / وصاحبِ لذتي دون الصِّحابِ
فقد أعتبتني وأمتَّ حقدي / بِحَثِّك خَلْفَه عَجِلاً ركابي
إذا ألحَقتني بشقيق عَيْشِي / فقد وَفَّيتني فيه ثوابي
وحسبي من ثوابي فيه أني / وإيّاهُ نؤوب إلى مآبِ
لعمرُك ما الحياةُ لكلّ حيٍّ / إذا ولَّي بأسهُمِها الصُّيابِ
سقى عهدَ الشبيةِ كلُّ غيثٍ / أغرَّ مُجلجلٍ داني الرَّبابِ
ليالي لم أقلْ سَقْياً لعهدٍ / ولم أَرغَبْ إلى سُقيا سَحابِ
ولم أتنفس الصُّعداءَ لَهفاً / على عيشٍ تداعَى بانقضابِ
أطالعُ ما أمامي بابتهاجٍ / ولا أقفو المُولِّي باكتئابِ
أَجِدَّ الغانيات قَلَيْنَ وصلي / وتَطْبيني إليهنَّ الطَّوابي
صددن بأعيُنٍ عني نَوابٍ / ولسن عن المَقاتل بالنوابي
ولم يصدُدنَ من خَفَرٍ ودَلٍّ / ولكن من بِعادٍ واجتنابِ
وقلنَ كفاكَ بالشيبِ امتهاناً / وبالصَّرمِ المُعَجَّلِ من عِقابِ
وما أنصفنَ إذ يَصرِمْنَ حَبلي / بذنبٍ ليس مني باكتسابِ
وكُنَّ إذا اعتدَدْنَ الشيبَ ذنباً / على رجلٍ فليس بمُستتابِ
ومَا لَكَ عند من يعتدُّ ظلماً / عليك بذنب غيرِك من مَتابِ
يذكِّرني الشبابَ صَدىً طويلٌ / إلى بَرَدِ الثنايا والرُّضابِ
وشُحَّ الغانِياتِ عليهِ إلّا / عن ابن شَبيبةٍ جَوْنِ الغُرابِ
فإن سقَّينَني صَرَّدْن شُربي / ولم يكُ عن هوىً بل عن خلابِ
يُذكِّرني الشبابَ هوانُ عَتبي / وصدُّ الغانيات لدى عتابي
ولو عَتْبُ الشَّباب ظهيرُ عَتْبي / رَجَعْنَ إليَّ بالعُتبى جوابي
وأصغى المُعرضاتُ إلى عتابٍ / يُحَطُّ به الوُعُول من الهِضابِ
وأَقلقَ مضجعَ الحسناء سُخطي / فأرضَتني على رَغمِ الغِضاب
وبتُّ وبين شخصينا عَفافٌ / سِخابُ عِناقِها دون السِّخابِ
ولو أني أطعتُ هناك جهلي / لكنتُ حِقابها دون الحِقابِ
يُذكّرني الشبابَ سهامُ حَتْفٍ / يُصبنَ مقاتلي دون الإهابِ
رمتْ قلبي بهنّ فأقصدتْهُ / طُلوعَ النَّبْلِ من خَلَل النِّقابِ
فراحتْ وهْي في بالٍ رَخيٍّ / ورحتُ بلوعةٍ مثْل الشّهابِ
وكلُّ مبارزٍ بالشيب قِرْناً / فمَسْبيٌّ لعمرُك غيرُ سابي
ولو شهد الشبابُ إذاً لراحتْ / وإن بها وعيشك ضِعْفَ مابي
فيا غَوثاً هناك بقَيْدِ ثأري / إذا ما الثأرُ فات يدَ الطِّلابِ
فكم ثأرٍ تلاقتْ لي يداهُ / ولو من بين أطرافِ الحرابِ
يُذكرني الشبابَ جِنانُ عَدْن / على جنبات أنهارٍ عذابِ
تُفَيِّئُ ظلَّها نفحاتُ ريحٍ / تهزُّ متونَ أغصانٍ رِضابِ
إذا ماسَتْ ذوائبُها تداعت / بواكي الطير فيها بانتحابِ
يُذكِّرني الشبابَ رياضُ حَزْنٍ / ترنَّم بينها زُرقُ الذُّبابِ
إذا شمسُ الأصائلِ عارضَتها / وقد كَرَبَتْ تَوارَى بالحجابِ
وألقتْ جُنحَ مغْربها شُعاعاً / مريضاً مثل ألحاظ الكَعابِ
يذكرني الشبابَ سَراةُ نِهْيٍ / نَميرِ الماءِ مُطَّرِد الحَبابِ
قَرَتهُ مُزنةٌ بِكرٌ وأضحَى / تُرقرقُهُ الصِّبا مثلَ السّرابِ
على حَصْباءَ في أرضٍ هجانٍ / كأن تُرابها ذَفِرُ المَلابِ
له حُبُكٌ إذا اطَّردتْ عليه / قرأت بها سُطوراً في كتابِ
تُذكّرني الشبابَ صباً بَليلٌ / رسيسُ المَسِّ لاغبةُ الرِّكابِ
أتت من بعدِ ما انسحبتْ مَلياً / على زهْر الرُّبى كلَّ انسحابِ
وقد عَبِقَتْ بها ريَّا الخُزامى / كَريّا المِسك ضُوِّعَ بانتهابِ
يُذكّرني الشبابَ وميضُ برقٍ / وسجعُ حمامةٍ وحنينُ نابِ
فيا أسفَا ويا جزعَا عليه / ويا حَزَنَا إلى يومِ الحسابِ
أأُفجعُ بالشباب ولا أُعزَّى / لقد غَفَل المُعزِّي عن مُصابي
تَفَرَّقْنَا على كُرهٍ جميعاً / ولم يكُ عن قِلَى طولِ اصطحابِ
وكانت أيكتي ليدِ اجتناءٍ / فعادتْ بعدَهُ ليدِ احتطابِ
أيا بُرْدَ الشباب لكنتَ عندي / من الحَسَنَاتِ والقِسَمِ الرِّغابِ
بَليتَ على الزمان وكلُّ بُردٍ / فبينَ بِلىً وبين يدِ استلابِ
وعزَّ عليَّ أن تبْلى وأبقى / ولكنَّ الحوادثَ لا تُحابي
لَبِستك برهةً لُبْسَ ابتذالٍ / على علمي بفضلك في الثيابِ
ولو مُلِّكْتُ صَوْنَكَ فاعلمَنْهُ / لَصنتُكَ في الحريز من العِيابِ
ولم أَلبَسْك إلّا يوم فخرٍ / ويوم زيارة المَلكِ اللُّبابِ
عبيد الله قَرْم بني زُريقٍ / وحسبُك باسمه فَصْلَ الخطابِ
فتى صَرُحَتْ خلائقُهُ قديماً / فليست بالسَّمارِ ولا الشهابِ
ولم يُخْلَقنَ من أَرْيٍ جميعاً / ولكن هُنَّ من أرْيٍ وصَابِ
وما مَنْ كان ذا خُلُقَين شتَّى / وكانا ما جدَينِ بذي ائتشابِ
له حلمٌ يَذُبُّ الجهلَ عنهُ / كذبِّ النحل عن عَسلِ اللِّصابِ
وما جهلُ الحليمِ لَهُ بجهلٍ / ولكنْ حدُّ أُظفورٍ ونابِ
يلينُ مُلايناً لمُلاينيهِ / ويَخشُنُ للمُخاشِنِ ذي الشِّغابِ
وراء معاطِفٍ منهُ لِدانٍ / إباءُ مكاسرٍ منهُ صِلابِ
كَخُوط الخيزرانِ يُريك ليناً / ويأبى الكسر من عطفيهِ آبِ
يُنضنِضُ منهُ مَنْ عاداه صِلّاً / من الأصلال مَخْشيَّ الوثابِ
إذا ما انسابَ كان لَهُ سحيفٌ / يَميرُ الحارشينَ من الضِّبابِ
يُميتُ لُعابُهُ من غير نهشٍ / وأدنى نفثِهِ دون اللُّعاب
وذلك منه في غير ارتقاءٍ / ظهورَ الموبقَاتِ ولا ارتكابِ
إليه يشار أيُّ رئابِ صدعٍ / إذا ما الصدعُ جلَّ عن الرئابِ
يُضيء شهابُهُ في كلِّ ليلٍ / فتنجابُ الدجى أيَّ انجيابِ
إذا ما الخُرْتُ لم يسلكْهُ خِلْفٌ / تَغَلْغلَ فيه ولّاجُ الثقابِ
وليس بوالجٍ في الخُرْتِ إلّا / مُمِرُّ الخلقِ سُلِّكَ لانسرابِ
غدا جبلاً جبالُ الأرضِ طُرّاً / تضاءَلُ تحته مثلُ الظِّرابِ
يُلاذُ بمعقل منه حريزٍ / ويُرعى حوله أَثرى جَنابِ
ثِمالاً للأَراملِ واليتامى / يثوبُ الناسُ منهُ إلى مَثَابِ
بساحتِهِ قدورٌ راسياتٌ / تُفارطها جِفانٌ كالجوابِ
له نارانِ نارُ قِرىً وحربٍ / ترى كلتيهما ذاتَ الْتهابِ
عجبتُ ولستُ أبرحُ مِن نداهُ / طوال الدهرِ في أمرٍ عُجابِ
له عزٌّ يُجيرُ على الليالي / ومالٌ مُستباحٌ كالنهابِ
وأعجبُ منه أنَّ الأرض سالتْ / بصوبِ سمائه إلّا شِعابي
فقولا للأميرِ وإنْ رآني / بمَزْجر ما يُهانُ من الكلابِ
أما لي منْ دُعاءٍ مُستجابٍ / لديك مع الدُّعاءِ المستجابِ
أظلَّ سحابُ عُرفِك كل شيءٍ / ودرَّ على البلادِ بلا عصابِ
سوايَ فإنني عنهُ بظهرٍ / كأني خلفَ مُنقطِعِ الترابِ
يجودُ بسيْبِهِ أبداً لغيري / ويخلُبني ببرقٍ غير خابي
أما لي منهُ حظٌّ غيرُ برقٍ / تُشبِّهه العيونُ حريقَ غابِ
أبيتُ أشيمُهُ وأذودُ نومي / ويُرزَقُ صوبَهُ أقصى مصابِ
سقيتَ الواردين بلا رشاءٍ / كدجلةَ مدَّها سيلُ الروابي
وأدليتُ الدِّلاءَ فلم تَؤُب لي / بملءٍ من نَداك ولا قُرابِ
هبالي ما لِقَدْحي يُوري / ألم أقدَحْ بزندٍ غير كابِ
لقد أيقنتُ أني لم يُقصِّرْ / تخَيُّرِيَ الزّنادَ ولا انتخابي
ألم تَسبِقْ جيادي خارجاتٍ / بخرَّاجٍ من الضِّيَقِ الهوابي
فما للتاليات لديك تحظَى / بحظِّ سوابِق الخيلِ العِرابِ
أتحرُمني لأني مستقِلٌّ / وأني لستُ كالرَّزْحى السِّغابِ
فما تحمي ذواتُ الدَّرِّ درَّاً / إذا صادفْنَ ملآنَ الوِطابِ
ولا تختصُّ بالحَلَبِ العيامَى / إذا الحُلّاب قاموا بالعِلابِ
ولكن لا تزالُ تَدُرُّ عفواً / لكل يدٍ مَرَتْها لاحتلابِ
وما يطوي العمارَةَ كلُّ غيثٍ / إلى الأرض المعطَّلة اليبابِ
ولكن لا يزال يجودُ كُلّاً / بجَوْدٍ أو بَوبْلٍ ذي انسكابِ
لإحياء التي كانت مَواتاً / وحفِظ العامرات من الخرابِ
وإن أكُ من نداهُ على صعودٍ / فإني من نداك على انصبابِ
فلا تَضَعَنَّ رِفدَك دون قدري / فليس يفوتُ بسطَتَكَ انتصابي
وما سيْبُ الأميرِ بسيلِ وادٍ / يقصِّر أن ينَال ذرا الروابي
وظنَّي أنه لو كان سيلاً / لعلَّمه التوقُّلَ في العقابِ
لقد رجَّيْتُ في عملي رجاء / فلا أصدُر بلا عملٍ مُثابِ
ولا يكنِ الذي أمَّلْتُ منهُ / كرقراقِ السراب على الحِدابِ
ولا كرمادٍ اشتدت رياحٌ / به عُرْضَ الصَّحاصح فَهْوَ هابِ
كأني أَدَّري بنداك صيداً / يُباعدُهُ دُنُوِّيَ واقترابي
لذاك إذا مررتَ وتلك تَشفي / من الحسَّاد أو صابَ الوِصَابِ
تشير إليَّ بالمحروم أيدٍ / كأيدي الناس في يوم الحصابِ
تَطاول بي انتظارُ الوعدِ جدَّاً / ورَيبُ الدهرِ يؤذِنُ بانشعابِ
فيا لكِ حسرةً إن أحتقبْها / إلى جَدَثي فيا سوءَ احتقابي
وكان الوعدُ ما لم تُعطنيه / يدُ الإنجازِ شرَّ حِباءِ حابِ
أعوذ بطيب خِيمِكَ من مِطالٍ / حماني ورد بحرِك ذي العُبابِ
وما هذا المطال وليس عهدي / بنفسك من قرائنك الصعابِ
يروضُ النفسَ من صَعُبتْ عليه / ولم تكُ في الندى طوعَ الجِنابِ
وأنت كما علمت قرينُ نفسٍ / تُطيعك في السماح بلا جِذابِ
فمن أيِّ الثنايا ليتَ شعري / أتاني المطلُ أم أيِّ النِقَابِ
أفكِّر في نِصابٍ أنت منهُ / فيُغْلَقُ دون عذرِك كلُّ بابِ
وكم في الناس من رجلٍ لئيمٍ / يقوم بُعذرهِ لؤْمُ النِّصابِ
ألستَ المرءَ لا عزمٌ كَهامٌ / ولا بخلٌ إليهِ بذي انتسابِ
تجودُ بنانُهُ والغيثُ مُكْدٍ / ويمضي عزمُهُ والسيف نابِ
أَلستَ المرءَ يَجْبِي كلَّ حمدٍ / إذا ما لم يكنْ للحمدِ جابِ
تُوائلُ من لسان الذّمِّ رَكْضاً / وتَثْبُتُ للمهنَّدةِ العِضابِ
تُظاهِرُ دونَ عرضِكَ كلَّ درعٍ / تُظَاهرُ للطِّعانِ وللضرابِ
نَعُدُّ مَعايباً للغيثِ شتَّى / وما في جودِ كفّك من مَعابِ
وجدنا الغيثَ يهدِمُ ما بنينا / سوى الخِيَمِ المُبدَّى والقِبابِ
ويمنعنا الحَرَاكَ أشدَّ منعٍ / وإلا سامنا حَطْمَ الرقابِ
ويحتجبُ الضياءُ إذا سقانا / وما ضوءٌ بجودك ذو احتجابِ
وفضلُ جَداك بعدُ على جداهُ / مُبينٌ لا يُقابَلُ بارتيابِ
تَجُودُ يداك بالذهبِ المُصفَّى / إذا ما الغيثُ عَلَّل بالذِّهابِ
وجودك لا يُغِبُّ الناس يوماً / وجودُ الغيث تاراتُ اعتقابِ
وتتفقان في خلقٍ كريمٍ / فَتَشْتَرِكَانِهِ شِرْكَ الطِّيابِ
تجودان الأنام بلا امتنانٍ / بما تُستمطَران ولا احتسابِ
فعِشْ في غبطةٍ ونعيم بالٍ / ومُلْكٍ لا يَخَافُ يدَ اغتصابِ
وآخِرُ خُطْبةٍ لي فيك قولي / وليس عتابُ مثلك بالغِلابِ
بمهما شئْتَ دونك فامتحنِّي / فإنك غايتي والصَّبْرُ دابي
وليس لأنني سُدَّتْ سبيلي / ولا عَجَزَ اصطرافي واضطرابي
ولكني وما بي مدحُ نفسي / أرى عاب التكذُّب شرَّ عابِ
وإن جاوزتُ مدحَك لم يزل بي / تكذُّبيَ المدائحَ واجتلابي
متى أَجدُ المدائح ليت شعري / تُواتى في سواك بلا كِذابِ
وبعدُ فإنَّني في مُشْمَخِرٍّ / عصائبُ رأسِه قِطَعُ الضَّبَابِ
أحلَّتْنِيهِ آباءٌ كرامٌ / بتيجانِ الملوكِ ذوو اعتصابِ
فكيف تنالني كفٌّ بِنَيْلٍ / وليس تنالني كفُّ العُقابِ
أَكُفُّ الناسِ غيرَك تحت كفِّي / وقابُ الناس غيرك دون قابي
تعالتْ هضبتي عن كلِّ سيلٍ / وفاتتْ نبعتي نَضْخَ الذِّنابِ
فليس ينالني إلا مُنِيلٌ / يُطلُّ عليَّ إطلال السحابِ
وما كانت أصول النَّبعِ تُسْقَى / معاذ اللَّه من قَلَص الجِبَابِ
فذلك عاقني عن شَدِّ رحلي / وعن عَسْفي المهامِهَ واجتيابي
ولولاهُ لما حنَّتْ قِلاصي / إلى وطن لهنَّ ولا سِقَابِ
ولا أرعتْ على عَطَنٍ قديمٍ / ولا حفِلتْ بِنَأيٍ واغترابِ
ولا ألفتْ مُقَلْقِلَهَا بخيلاً / بحسراها على غَرْثَى الذئابِ
ولا بَرَحَتْ تَقَدُّ الليلَ قدَّاً / بأعناقٍ كعيدانِ الخصابِ
فما سَرَتِ النجومُ سُرَايَ فيهِ / ولا انسابتْ أفاعيهِ انسيابي
إذاً ولراعَت الصيرانَ عَنْسي / بحيث تُشَقُّ عنهن السوابي
وعامت في دَهاسِ الرَّملِ عوماً / وإن عرضتْ عَوَانِكُها الحوابي
ولو أني قطعتُ الأرض طولاً / لكان إليك من بعدُ انقلابي
إذا كنتَ المآبَ ولا مآبٌ / سواك فأين عنك بذي الإيابِ
سأصبرُ موقناً بوفور حظي / وأجر الصابرين بلا حسابِ
ومهما تَبَّ من عملٍ وقولٍ / فما عملُ ابنِ مدحِك للتَّبابِ
أَرَابَ الدهرُ حتى ما يُريبُ
أَرَابَ الدهرُ حتى ما يُريبُ / وحتى لا عجيبَ له عجيبُ
فلا تعجبْ لخلَّالٍ نبيلٍ / فأعجَبُ منهُ طِفلٌ لا يَشيبُ
تَشَيْبَنَ حين همَّ بأن يَشيبا
تَشَيْبَنَ حين همَّ بأن يَشيبا / لقد غَلِطَ الفتى غلطاً عجيبا
ألا للَّهِ من خَطْبٍ سيُضحى / له الولدانُ من شيبانَ شيبا
تُذَكَّرُ بِي فَتُرجيني
تُذَكَّرُ بِي فَتُرجيني / فتنساني مدى حِقَبِ
فأُذكِرُ تارةً أخرى / بنفسي غيرَ مُتَّئبِ
فتأمُرُ أنْ يذكِّر بي / جليساً منكَ في تعبِ
فيذكُرني فترجيني / كأوَّل وَهْلةِ الطَّلبِ
فأحسبُ أنّ حظي من / كَ دهري أن تُذكَّر بي
ذكرتُكَ حين ألقتْ بي عصاها ال
ذكرتُكَ حين ألقتْ بي عصاها ال / نَوى بالنهرِ نهرِ أبي الخصيبِ
وقد أرستْ بنا في ضَفَّتَيهِ ال / جواري المنشآت مع المغيبِ
غدونَ بنا ورُحْنَ محمَّلاتٍ / قلوباً مُوقَرَاتٍ بالكُروبِ
تجوز بنا البحار إذا استقلَّتْ / وتُسلمُها الشَّمالُ إلى الجنوبِ
وبين ضلوعها أبناءُ شوقٍ / نأتْ بهمُ عن البلد الرحيبِ
نأتْ بهمُ عن اللذّات قَسْراً / ووصل الغانيات إلى الحُروبِ
إلى دارٍ أبتْ فيها المنايا / رجوعاً للمحب إلى الحبيبِ
فقلت ومقلتاي حياءَ صحبي / تذودان الجفونَ عن الغروبِ
لعل الفردَ ذا الملكوت يوماً / سيَقضي أوبةَ الفرد الغريبِ
فما برحتْ عين العِبْرَيْن حتَّى / رُددْنَ إلى الأُبُلَّة من قريبِ
وراحت وهي مثقَلةٌ تهادى / إلى مغنى أبي الحسن الجديبِ
محلٌّ ما ترى إلا صريعاً / به ملقىً وذا خدٍّ تَريبِ
وطال مقامنا فيه وكادتْ / تنال نُفُوسَنا أيدي شَعُوبِ
فلم تك حيلةٌ نرجو خلاصاً / بها إلا التضرُّعَ للمجيبِ
ولما حُمَّ مرجِعُنَا وصحّتْ / على الإيجاف عَزْمات القلوبِ
دَخَلْنَا من بنات البحر جوناً / تهادى بين شبَّانٍ وشيبِ
نواجٍ في البطائح ملقِيَاتٌ / حيازمَها على الهول المهيبِ
مُزمَّمَةُ الأواخرِ سائرات / على أصلابها شَبَهَ الدبيبِ
تكادُ إذا الرياحُ تعاورتْها / تفوتُ وفودَها عند الهبوبِ
مسخّرةً تجوب دجى الليالي / بمثل الليل كالفرس الذَّنوبِ
أبت أعجازُها بمقدَّماتٍ / لها إلا مطاوعةَ الجنُوبِ
غَنِينَ عن القوادم والهوادي / وعن إسْرَاجِهِنَّ لدى الركوبِ
حططنَ بواسطٍ من بعد سبعٍ / وقد مال الشروقُ إلى الغروبِ
ووافتنا رياحٌ حاملاتٌ / إلينا نشرَ لابسةِ الشُّرُوبِ
أتت نِضْواً بَرتْهُ يدُ الليالي / وأنحل جسمَه طولُ اللغوبِ
وألبستِ الهواجرُ في الفيافي / نضارةَ وجههِ ثوبَ الشحوبِ
فلم نملك سوابق مُقْرَحَاتٍ / من الأجفان بالدمع السكوبِ
ولما شارفت بغداذ تسري / بنا والليل مَزْرُورُ الجيوبِ
وقد نُصبتْ لها شُرُعٌ أُقيمتْ / بهنّ صدورُهُنَّ عن النكوبِ
تضايق بي التصبّرُ عنك شوقاً / وأسلمني الزفيرُ إلى النحيبِ
وبِتُّ مراقباً نجمَ الثريّا / مراقبةَ المُخالِسِ للرقيبِ
وما طَعِمتْ جفوني الغمضَ حتى / حللتُ عِراصَ دور بني حبيبِ
وفي قُطربُّلٍ أطلالُ مغنىً / بهن ملاعبُ الظبي الرَّبيبِ
فكم لي نحوهنّ من الْتفاتٍ / وأنفاسٍ تصعَّدُ كاللهيبِ
ومن لحظات طرفٍ طاويات / حشايَ برجعهنَّ على نُدوبِ
ورحنا مسرعين إليك شوقاً / مسارعةَ العليلِ إلى الطبيبِ
لكي نُرْوي نفوساً صادياتٍ / بقربٍ منك للصادي مُصيبِ
وجاوزنا قرى بغداد حَتَّى / دَلَلْنَ عليك أصواتُ الغروبِ
وهَيَّجَتِ الصَّبَا لمَّا تبدَّتْ / بريّاً منك في القلب الكئيبِ
وواجهنا بغرة سُرَّمَنْ را / وجوهاً أكذبتْ ظنَّ الكذوبِ
وردَّتْ ماءَ وجهي بعد ظِمْءٍ / وسودَ غدائري بعد المشيبِ
فسبحان المؤلِّف عن شتاتٍ / ومن أدنى البعيدَ مِنَ القريبِ
ولم يُشْمِتْ بنا داوودَ فيما / رجا سَفَهاً وأمَّلَ في مغيبي
ألم ترَ أنني قبل الأَهاجي
ألم ترَ أنني قبل الأَهاجي / أُقدِّمُ في أوائلها النسيبا
لتخرق في المسامع ثمّ يتلو / هجائي مُحْرِقاً يكوي القلوبا
كصاعقةٍ أتتْ في إثر غيثٍ / وضِحْكِ البيضِ تُتْبِعُهُ نحيبا
عجبت لمن تَمَرَّسَ بي اغتراراً / أتاح لنفسهِ سهماً مصيبا
سَأرْهِقُ من تَعَرَّضَ لي صعُوداً / وأكوي مِنْ مياسميَ الجنوبا
أبا إسحاقَ لا تغضب فأرضَى
أبا إسحاقَ لا تغضب فأرضَى / بعفوك دون مأمول الثوابِ
أُعيذك أن يقول لك المرجِّي / رضيتُ من الغنيمة بالإيابِ
أسُوءُ الرأي في ابن أبي وأمِّي / نصيبي من عطاياكَ الرغابِ
على أنَّ الفتى لم يَجْنِ ذنباً / إليك ولم يَجُز سنَن الصوابِ
أعِرْه منك إصغاءً وفهماً / يُضِئْ لك عذرُهُ ضوءَ الشِّهابِ
وَهَبْهُ جنى ذنوبَ القومِ طرَّاً / ألم يكُ عن عقاب في حجابِ
وهبْكَ حَتَمْتَ أنّ له عقاباً / ألم يكُ دونَ عتبك من عقابِ
أترضى أن يكونَ هُفُوُّ هافٍ / يزعزعُ طَوْدَ حلمك ذا الهضابِ
تجاوز عن أخي وشقيق نفسي / فجنبي مذ عتَبتَ عليه نابِ
عجبتُ له ولي أنَّا رجَونا / سماءً منك صائبةَ السحابِ
فأخلفتِ الذي نرجو وصبَّتْ / علينا منك صاعقَةَ العذابِ
على أنّا نؤمِّل منك عَوْداً / بفضلك وارعواءً للعتابِ
وما لك مذهبٌ عن ذاك إني / وأنت بحيثُ أنت مِنَ النصابِ
صدِيقٌ ليس يمكِنُ من خطابِهْ
صدِيقٌ ليس يمكِنُ من خطابِهْ / ولا يرعى ذمام ذوي طلابِهْ
لقيتُ البَرْحَ يوماً من لقاءٍ / له قاسٍ ويوماً من حِجابِهْ
يُعذِّبني وأصبرُ كلَّ يومٍ / فينقِمُ أن صبرتُ على عَذابِهْ
ويزعُمُ أنني رجلٌ مُلِحٌّ / وما ألححتُ إلا باكتسابِهْ
إذا ما كان لا يأساً مُبيناً / ولا نجحاً فإني باجتنابِهْ
ستأتيه بما اكتسبتْ يداهُ / قَوافٍ لم تُدوَّن في حسابِهْ
طرِبتُ إلى المِرَاةِ فروَّعتْني
طرِبتُ إلى المِرَاةِ فروَّعتْني / طوالعُ شَيبتينِ ألمَّتا بي
فأمّا شيبةٌ ففزِعت منها / إلى المِقراض حُبّاً للتصابي
وأما شَيبةٌ فصفحتُ عنها / لتشهَدَ بالبراءَة من خضابي
فأعجِبْ بالدليلِ على مَشيبي / أقمتُ به الدليلَ على شبابي
أموركُم بني خاقانَ عندي
أموركُم بني خاقانَ عندي / عُجابٌ في عجابٍ في عجابِ
قرونٌ في رؤوسٍ في وجوهٍ / صِلابٌ في صلابٍ في صلابِ
هجرتكُمُ وهجركُمُ ورائي / صوابٌ في صوابٍ في صوابِ